أخبار
الصين تتسلَّح بالعلم في سعيها إلى دفع عجلة التنمية والاعتماد على الذات
مؤتمران سياسيان صينيان يضعان العلم والتكنولوجيا على رأس الأولويات الوطنية.
- Nature (2023)
- doi:10.1038/d41586-023-00744-4
- English article
- Published online:
أُعيدَ انتخاب الرئيس شي جين بينج لولاية ثالثة بشكل رسمي خلال المؤتمر الوطني لنواب الشعب الصيني في بكين.
Credit: Noel Celis/AFP via Getty
عقد الحزب الشيوعي الصيني اجتماعين رفيعَي المستوى، أثمرا عن إعطاء دَفعةٍ قوية للعِلم في جدول الأعمال الوطني الصيني.
وحسبما أفاد باحثون مطَّلعون على الأوضاع في الصين، وجَّه المسؤولون الحكوميون – خلال المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، الذي عُقد بالتزامن مع المؤتمر الوطني لنواب الشعب الصيني، الذي اختُتمت وقائعه في الثالث عشر من مارس الجاري – وجَّهوا رسالة قوية مفادها أن العلم والتكنولوجيا يشكِّلان القوة الدافعة في جهود الصين لتحقيق الاعتماد على الذات، ودفع عجلة التنمية قُدُمًا. وتشمل التغييرات المُعلنة إنشاء هيئة رفيعة المستوى للإشراف على جهود الدولة في مجال العلوم والتكنولوجيا.
وذكر جينج تشيان، رئيس مركز تحليل الشؤون الصينية التابع لمعهد سياسات المجتمع الآسيوي في مدينة نيويورك، أن هذا التوجه سيتضمن زيادة التركيز على التقنيات الرئيسية، مثل الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات، التي يدخل العديد منها في استخدامات مدنية وعسكرية على السواء.
علاوة على ذلك، تمخَّض المؤتمران عن تعيين لي تشيانج رئيسًا جديدًا لمجلس الوزراء الصيني. يقول تشيان إن لي معروف عنه دعمه لقطاع للأعمال، كما أنه ترك انطباعًا إيجابيًا لدى المستثمرين الأجانب. وفي مؤتمر صحفي عُقد في الثالث عشر من مارس، شدَّد لي على أهمية العلم، والابتكار التقني، والتحول إلى الاقتصاد الأخضر.
تري مارينا تشانج، التي تبحث مسألة الابتكار في الصين في جامعة سيدني للتكنولوجيا في أستراليا، أن التوجه نحو المزيد من السيطرة المركزية على الأبحاث، التي تتطلب استثماراتٍ كبيرة ودرجةً عالية من التنسيق، يُعزَى إلى التوترات الجيوسياسية المحتدمة بين الولايات المتحدة والصين. وتجدر الإشارة، في هذا الصدد، إلى أن الحكومة الأمريكية فرضت في أكتوبر الماضي قيودًا على تصدير الرقائق الإلكترونية المتقدمة ومعدات تصنيع أشباه الموصلات إلى الصين.
خلال الاجتماعين الأخيرين، أعلن المسؤولون أن وانج تشي جانج، وزير العلوم والتكنولوجيا الحالي، الذي بلغ سن التقاعد للوزراء الحكوميين، سوف يحتفظ بمنصبه في هذه المرحلة. لكن هناك مِن الباحثين مَن يرى أن ذلك القرار ربما يكون مؤقتًا.
ومن جانبه، قال عضو المجلس، شياو جي، إن الحزب بصدد إنشاء هيئة دائمة جديدة تسمى «اللجنة المركزية للعلوم والتكنولوجيا»، تُختص بتفويض المهام إلى وزارة العلوم والتكنولوجيا الحالية. والجدير بالذكر أنه لم يُسمَّ الأعضاء المشاركون في هذه اللجنة حتى الآن، لكن الباحثين يرجِّحون أن يرأسها مسؤولون رفيعو المستوى، وربما حتى الرئيس الصيني شي جين بنج نفسه. وأوضح تشانج أن هذه الهيئات ليست بالشيء المستحدَث؛ فقد سبق إنشاء هيئات مماثلة لخدمة العديد من المجالات الحيوية، مثل تقنية الجيل الثالث للشبكات الخلوية (3G).
ويرى تسونج تساو، الباحث في سياسات العلوم في جامعة نوتنجهام في نينجبو في الصين، أن تأسيس هذه الهيئة من شأنه "رفع مكانة وزارة العلوم والتكنولوجيا بين مؤسسات العلوم والتكنولوجيا الوطنية".
ولتنظيم عملية صنع السياسات في الوزارة، سوف تعهد ببعض مهامها الإدارية الحالية إلى وزارات أخرى، مثل تخصيص الميزانيات لملفات الزراعة، والأنظمة الإيكولوجية، وحماية البيئة، والصحة العامة. ويرى تساو أن ذلك قد يسفر عن توفير بعض التكاليف، ويمنع ازدواجية الجهود البحثية. فضلًا عن ذلك، ستصبح المهام المتعلقة باستقطاب المواهب من الخارج من اختصاص وزارة الموارد البشرية والضمان الاجتماعي.
زيادة في التمويل
من المنتظَر أيضًا أن يستمر تمويل العلوم والتكنولوجيا في الازدياد؛ إذ يُتوقَّع أن يصل إنفاق الحكومة على البحث والتطوير 328 مليار يوان (أي ما يعادل 48 مليار دولار أمريكي) خلال عام 2023، ليتجاوز مستويات الإنفاق في عام 2022 بمعدل 2%، وفقًا لمسوَّدة تقرير الميزانية. وبشكل عام، ارتفع إنفاق الصين على البحث والتطوير من 2.1% إلى أكثر من 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات الخمس الماضية. ومما يُذكَر في هذا المضمار أن وانج قد شدَّد خلال المؤتمر الصحفي آنف الذكر على الحاجة إلى توسيع نطاق الاستثمار في البحوث الأساسية.
يتوقع الباحثون أن يتدفق هذا التمويل بشكل أساسي إلى المجالات التي تواجه فيها الصين ضغوطًا متزايدة، من قِبَل الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى، مثل الذكاء الاصطناعي، والبيانات الضخمة، وتخزين الطاقة، وأشباه الموصلات، والتكنولوجيا الحيوية، والتحول إلى الطاقة النظيفة.
وذكر باحثون أن اختيار النواب الذين حضروا المؤتمرين يعكس أهمية هذه التقنيات. كان رئيسا شركة التجارة الإلكترونية «علي بابا» Alibaba ومنصة التكنولوجيا «تينسنت» Tencent قد حضرا اجتماعات سابقة. أما هذا العام، فقد شهد ظهور رئيسَي شركة برمجيات الذكاء الاصطناعي «سينس تايم» SenseTime، وشركة تصنيع أشباه الموصلات «هوا هونج سيميكونداكتور»Hua Hong Semiconductor، والعديد من ممثلي شركات تصميم الرقائق الإلكترونية والسيارات والبطاريات. ويرى تشانج أن ذلك يعكس "تغييرًا واضحًا في توجه سياسات الابتكار في البلاد".
وعلى صعيد أخر، يذهب بعض الباحثين إلى أن تركيز الصين على التكنولوجيا المحلية يثير تساؤلات حول استعدادها للتعاون. وهناك مَن يخشى من أنه، في ظل النظام الاقتصاد العالمي الحالي، لا توجد دولة قادرة على تحقيق الاعتماد على الذات. يقول سكوت مور، اختصاصي العلوم السياسية في جامعة بنسلفانيا في فيلادلفيا، إنه "من غير الواقعي أن نتوقع قيام دول مختلفة بتطوير قواعد تكنولوجية كاملة الاستقلالية".
يرى جينج أن التركيز الزائد على هدف الاعتماد على الذات سوف يحُد من التعاون البحثي الدولي في مجالات معينة. أما مور، فيذهب إلى أنه على الرغم من تركيز الصين على ملفَّي الأمن والمنافسة في السنوات الأخيرة، يُلاحَظ أن الأوساط البحثية الصينية ما انفكت ترحب بالتعاون الدولي. وقال إنه قد كانت هناك "دعوة مفتوحة لتجديد التبادل والتعاون الذي شهدناه قبل الوباء". لكنه أضاف أنه غير واثق من إمكانية حصول الأكاديميين غير الصينيين المشاركين في هذا التعاون على المعلومات، على نحو ما كان يحدث في الماضي، لا سيما المعلومات المتعلقة بالتقنيات الحساسة.