أخبار

بايدن يناشد بزيادة الإنفاق الأمريكي لمواكبة سباق العلوم

بايدن يناشد بزيادة الإنفاق الأمريكي لمواكبة سباق العلوم

ماكس كوزلوف، ماريانا لينهارو، جيف توليفسون، ميريام فيدال فاليرو، وأليكسندرا ويتزي

  • Published online:
أعلن الرئيس الأمريكي عن مقترح ميزانية يوم التاسع من مارس الماضي، وصفه بأنه "يرسم إطار الاستثمارات الضرورية للتفوق على الصين عالميًّا".

أعلن الرئيس الأمريكي عن مقترح ميزانية يوم التاسع من مارس الماضي، وصفه بأنه "يرسم إطار الاستثمارات الضرورية للتفوق على الصين عالميًّا".

Credit: Andrew Caballero-Reynolds/AFP/Getty

طرح الرئيس جو بايدن، يوم التاسع من مارس الماضي، قائمة عريضة بأولويات إنفاق لتبنيها على رأس أجندة التمويلات التي ترصدها الحكومة الأمريكية، استعدادًا لخوض غمار معركة انتخابية محتملة جديدة العام المقبل. ومن المزمع أن ترصد ميزانية الإنفاق التي اقترحها لعام 2024 تمويلات بحثية جديدة تنصب على دعم العديد من برامج العلوم التي وُضعت من أجل تحقيق أهداف محددة في مجال الابتكار العلمي، والتصنيع المحلي، والطاقة النظيفة، فضلًا عن مجالات أخرى.

جدير بالذكر أن مقترح الميزانية الذي طرحه بايدن لم يطرق بنودها على نحو مفصل، ولم يُتِح للعديد من الهيئات العلمية الفيدرالية تفاصيل التمويلات المزمع منحها بموجب هذه الميزانية، لكنه أعلن بالفعل عن بعض الجهات التي ستفوز بهذه التمويلات، وأبرزها المؤسسة الوطنية للعلوم المُحتمل أن تشهد ارتفاعًا بواقع 19% تقريبًا في المبالغ المرصودة لها، ومكتب العلوم التابع لوزارة الطاقة الأمريكية، وهو من كبرى جهات الاستثمار في العلوم الفيزيائية. ومن المتوقع أن تزداد ميزانيته بنحو 9% (انظر الجدول: بنود الميزانية التي اقترحها بايدن لمجالات العلوم لعام 2024).

جدير بالذكر أنه من المرتقب أن يحدد الكونجرس الأمريكي حجم المبالغ التي ستُمنحها الهيئات الفيدرالية خلال السنة المالية 2024، والتي تبدأ أول أكتوبر المقبل. كذلك تجدر الإشارة إلى أن الكونجرس ينقسم إلى مجلس نواب تسيطر عليه أغلبية جمهورية، ومجلس شيوخ تسيطر عليه أغلبية ديموقراطية، وهو ما ينذر بمفاوضات عسيرة حول الميزانية، حسبما يصرح نيل لاين، وهو مدير سابق للمؤسسة الوطنية للعلوم وعضو زمالة بارز في مجال سياسات العلوم والتكنولوجيا بمعهد بيكر التابع لجامعة رايس في مدينة هيوستون، بولاية تكساس الأمريكية. غير أن لاين يضيف أن هذه الميزانية، وبالأخص طلب زيادة التمويل الممنوح للمؤسسة الوطنية للعلوم، تؤكد على التزام بايدن، المنتمي للحزب الديموقراطي، بدعم الابتكار في مجال العلوم والتكنولوجيا، واضعًا نصب عينيه تعزيز القدرة التنافسية مع الصين وغيرها من البلدان الآسيوية.

يأتي هذا في وقت يهدد فيه شبح أزمة مالية الولايات المتحدة خلال الأشهر القادمة، ليذكي حدة التوترات التي تشهدها. وبموجب ذلك، سيتعين على الكونجرس رفع حد الدين العام الذي تفرضه الحكومة الأميركية على نفسها، أو تعليق العمل بالحد الساري حاليًّا كي يتجنب البلد التخلف عن سداد ديونه. غير أن أعضاء جمهوريين يهددون بعرقلة أي مساع لرفع حد الدين العام، ما لم يصاحب هذه الزيادة تخفيضات كبيرة في حجم الإنفاق.

في هذا الصدد، تقول جوان كارني، مديرة العلاقات الحكومية في الرابطة الأمريكية للنهوض بالعلوم بالعاصمة الأمريكية واشنطن: "من المتوقع أن نشهد معركة حول خفض التمويلات، لن تقتصر على التمويلات الممنوحة لمجالات البحث والتطوير، بل ستشمل جميع بنود الميزانية". وهنا، تلفت كارني إلى الإنجازات التي تحققت على مدار السنتين الماضيتين في جميع المجالات بدءًا من توليد الطاقة من تفاعلات الاندماج النووي، وصولًا إلى تطوير لقاحات «كوفيد-19». وتضيف أنه سيتعين على المجتمع العلمي الأمريكي طرح حجج داعمة لمواصلة ضخ الاستثمارات في مجالات الأبحاث، والتطوير، والابتكار.

المنافسة مع الصين

تعكس كثير من مقترحات الميزانية التي طرحها بايدن رغبة إدارته في ضمان مواكبة الولايات المتحدة الأمريكية للصين كمنافس. وتستند هذه المقترحات إلى تشريع مهم أقره الكونجرس العام الماضي، يعرف باسم «قانون دعم العلوم وخلق حوافز لإنتاج أشباه الموصلات» CHIPS and Science Act، وقد أجاز هذا القانون توزيع مبلغ قيمته 280 مليار دولار أمريكي بين مشروعات التصنيع المحلي لأشباه الموصلات، والأبحاث في مجال العلوم التطبيقية التي تجريها هيئات مثل المؤسسة الوطنية للعلوم.

ووفقًا لخطة الإنفاق التي يقترحها بايدن، ستتلقى المؤسسة الوطنية للعلوم، التي تموِّل ربع الأبحاث الأكاديمية الأمريكية، ميزانية قدرها 11.3 مليار دولار أمريكي، من بينها مليارا دولار تُرصدان لبند البحث والتطوير في تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي، والتقنيات الحيوية، والحوسبة الكمية، في حين سيُخصص مبلغ قيمته 1.8 مليار دولار للبرامج الرامية إلى زيادة القوة العاملة في مجالات العلوم والحرص على التنوع الطيفي لأفرادها.

"إنه تصريح بالغ الأهمية من جانب الإدارة الأمريكية، ويؤكد أننا ننظر بجد بالغ إلى الوضع الحالي وندرك أننا طرفًا في سباق".

وإلى جانب ذلك، تخصص الميزانية مبلغًا قدره 1.2 مليار دولار، لإدارة مجالات التكنولوجيا والابتكار وعدد من الشراكات التي تأسست في مارس عام 2022 بهدف المساعدة على ترجمة الابتكارات العلمية إلى منتجات وخدمات في الأسواق. وكانت الصين قد ضخت استثمارات ضخمة في مجالي البحث والتطوير، ومن ثم حذا المشرعون الأمريكيون حذوها بالرهان على الاستثمار في إدارة داخل المؤسسة الوطنية للعلوم تتولى تحقيق تلك المهمة، وتشتهر في المقام الأول بتركيزها على تمويل الأبحاث العلمية الأساسية.

ويذهب لاين إلى أن الميزانية التي اقترحها بايدن تعكس تطلعات الولايات المتحدة الأمريكية إلى مواجهة التحديات التي تشكلها الصين وغيرها من الدول المتقدمة تكنولوجيًّا، ويستطرد موضحًا: "إنه تصريح بالغ الأهمية من جانب الإدارة الأمريكية، ويؤكد أننا ننظر بجد بالغ إلى الوضع الحالي وندرك أننا طرفًا في سباق".

علاوة على ذلك، في إطار الميزانية المقترحة، من المحتمل أن يتلقى المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا، تمويلًا إضافيًا قدره 163 مليون دولار، أي ما يعادل 77% من قيمة ميزانيته الحالية، لترتفع ميزانيته العام المقبل إلى 375 مليون دولار. وتهدف هذه الزيادة إلى دعم الأبحاث في مجال التكنولوجيا الصناعية، بما في ذلك أبحاث توسعة الشبكة الوطنية للمعاهد التصنيعية. أما «شراكة توسيع نطاق التصنيع» Manufacturing Extension Partnership، وهي شراكة بين القطاع العام والخاص تدعم شركات التصنيع الصغيرة في 50 ولاية بالإضافة إلى جزيرة بورتو ريكو، فقد تحظى ميزانيتها بموجب المقترح بزيادة قدرها 58% لتصل إلى 277 مليون دولار أمريكي. 

كبر الصورة

كذلك تسعى الولايات المتحدة إلى الاحتفاظ بمكانتها المتقدمة على الصين في مجال آخر، ألا وهو الرحلات المأهولة إلى الفضاء. وفي الوقت الحالي، من المزمع أن تتلقى وكالة «ناسا» 8.1 مليار دولار لدعم برنامج «أرتيمِس» Artemis، الذي يهدف إلى ابتكار طراز من الصواريخ والمركبات الفضائية مخصص لحمل رواد الفضاء إلى سطح القمر مجددًا. وإذا اعتمد الكونجرس الأمريكي الميزانية المُقترحة، قد يرتفع حجم هذه التمويلات المرصودة لوكالة «ناسا» بمقدار 500 مليون دولار، أي ما يعادل زيادة نسبتها 6.6% عما تلقته الوكالة العام الماضي. وقد أطلقت «ناسا» بالفعل أول بعثة تابعة لبرنامج «أرتيمس»، وهي رحلة تجريبية غير مأهولة، في شهر نوفمبر الماضي. وتستهدف الوكالة إرسال بشر إلى القمر بحلول عام 2025. 

دعم قطاع الصحة في الولايات المتحدة

تولي ميزانية بايدن المقترحة اهتمامًا كبيرًا بضمان تمتع الولايات المتحدة بالقدرة التنافسية، بيد أنها تهدف كذلك إلى الاستفادة من الدروس المستخلصة من جائحة «كوفيد-19»، من أجل حماية البلد من حالات تفشي الأمراض مستقبلًا.

من هنا، خضعت تدابير هيئة مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC) في التصدي للجائحة إلى تحقيقات مكثفة، وتعهد قادتها بإصلاح بنية منظومة مراكزها وآليات عملها وتجديدهما. وقد ناشد بايدن بتخصيص ميزانية قدرها 11.6 مليار دولار أمريكي للهيئة، ليرتفع حجم التمويلات الممنوحة لها بواقع 2.4 مليار دولار، أو 26%، مقارنة بميزانية عام 2023، وهو ما يعكس اهتمام الإدارة الحالية بمنظومة الصحة العامة في الولايات المتحدة. ويعلق جورجيز بينجامين، المدير التنفيذي للجمعية الأمريكية للصحة العامة، التي يقع مقرها في العاصمة الأمريكية واشنطن، على ذلك بقوله: "ظلت منظومة الصحة العامة تعاني نقصًا شديدًا في التمويلات الممنوحة لها لزمن طويل للغاية، وسيتطلب تصحيح ذلك قدرًا كبيرًا من المال، بيد أننا نسلك خطوة في الاتجاه الصحيح".

وفوق ذلك، يدعو المقترح إلى تخصيص 20 مليار دولار على مدار خمس سنوات لبند التأهب لمواجهة الأوبئة. ويَمنح أكثر من نصف التمويلات المُدرجة بهذا البند إلى هيئة «تخطيط التأهب والاستجابة الإستراتيجية»، وهي الهيئة المختصة بمواجهة حالات الطوارئ في مجال الصحة العامة، والمسؤولة عن الحفاظ على المخزون الوطني الاحتياطي من اللقاحات والعلاجات.

أما هيئة معاهد الصحة الوطنية الأمريكية، التي يقع مقرها في مدينة بيثيسدا، بولاية ميريلاند الأمريكية، فقد تتلقى 2.7 مليار دولار من التمويلات المخصصة لبند التأهب هذا، إذا اعتمد الكونجرس مقترح بايدن. وفي حال رفض المقترح، ستتلقى الهيئة، التي تعد الممول الأكبر لأبحاث الطب الحيوي، ميزانية قدرها 48.6 مليار دولار، بزيادة تبلغ 2% فحسب مقارنة بميزانية عام 2023. وتعقيبًا على ذلك، تقول إيلي ديهوني، نائب رئيس قسم شؤون السياسات والدعم في منظمة «ريسيرش! أمريكا» Research!America، الداعمة لأبحاث مجال الصحة، والكائن مقرها بمدينة أرلينجتون بولاية فيرجينيا الأمريكية: "أشعر بخيبة أمل كبيرة فيما يخص الزيادة الممنوحة لهيئة معاهد الصحة الوطنية". وتضيف أن هذه الزيادة غير كافية ولن تمكّن هيئة معاهد الصحة الوطنية من الاستثمار في الأبحاث العلمية الأساسية التي تشتهر بها.

من جانب آخر، في إطار مقترح الميزانية الذي تقدم به بايدن، تحصل الوكالة الأمريكية للمشروعات البحثية المتقدمة في مجال الصحة (ARPA-H) على زيادة أكبر بكثير في حجم تمويلاتها مما خُصص لمعاهد الصحة الوطنية، وقدرها مليار دولار أمريكي. وجدير بالذكر أن الوكالة الأمريكية للمشروعات البحثية المتقدمة هي وكالة مستقلة تابعة لمعاهد الصحة الوطنية، تأسست العام الماضي، وتستثمر في أبحاث مجال علوم الحياة عالية المخاطر والعوائد. وتصف ديهوني هذا القرار بأنه ينطوي على مجازفة، إذ إن الوكالة لا تزال حديثة النشأة. 

حماية كوكب الأرض وسكانه

استنادًا إلى تشريع سابق، كان قد رَصَد أكثر من نصف تريليون دولار لاستثمارها في قطاعي المناخ والطاقة على مدار العقد القادم، تستهدف ميزانية بايدن المقترحة ضخ تمويلات بقيمة 16.5 مليار دولار لتنصب على علوم المناخ والابتكارات في مجال الطاقة، وذلك عبر تمويلات تُمنح لعدة هيئات مختلفة. كما تخصص الميزانية تمويلًا قدره 4 مليار دولار إلى التقنيات "الثورية" التي قد تساعد على خفض انبعاثات غازات الدفيئة في مجالات مثل الإنشاءات والطيران وطاقة تفاعلات الاندماج النووي. ومن المتوقع أن يتولى مكتب العلوم التابع لوازرة الطاقة الأمريكية توزيع الجزء الأكبر من تلك الأموال، وأن ترتفع ميزانيته بمقدار 8.8 مليار دولار، يخصص منها مليار دولار لبرامج طاقة تفاعلات الاندماج النووي، وهو ما يعد استثمارًا غير مسبوق في هذا المجال.

وعلاوة على ذلك، قد توفر الميزانية 24 مليار دولار لمساعدة المجتمعات الأمريكية على الاستعداد لمواجهة التأثيرات المتزايدة للتغير المناخي، فضلًا عن 7 مليارات دولار إضافية لمساعدة المجتمعات التي تعتمد على النفط والغاز والفحم على التحول إلى مصادر الطاقة النظيفة.

أما الوكالة الأمريكية لحماية البيئة فقد تشهد ارتفاع ميزانيتها بنحو 19%، أي بما يعادل 12.1 مليار دولار، من بينها 5 مليارات دولار توجَّه لبرامج المناخ (بزيادة قدرها 18% تقريبًا)، و1.8 مليار دولار تُمنح لبرامج العدالة البيئية المخصصة لإعانة المجتمعات المعوزة.

وبوجه عام، تعكس ميزانية بايدن المقترحة أولويات الحزب الديموقراطي وتركِّز على العلوم التطبيقية التي من شأنها المساعدة في مواجهة التحديات العالمية والوطنية، بحسب تصريح مايكل لوبيل، الفيزيائي من كلية مدينة نيويورك، والذي يتابع قضايا السياسات العلمية الفيدرالية. ويضيف أن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل ستقع هذه الميزانية المقترحة ضحية الخلاف الأكبر بين الجمهوريين والديموقراطيين حول زيادة الدين العام.

ويعلق بقوله: "من المتوقع أن نشهد صدامًا كبيرًا بين رؤيتين مختلفتين، وستتوقف نتيجته على من يرضخ أولًا".

Affiliation