افتتاحيات
دورية Nature ترحب بنشر التقارير المسجَّلة
اعتبارًا من الأسبوع الأخير من شهر فبراير، بدأت دورية Nature في نشر صنفٍ إضافيٍّ من الأوراق البحثية.. في إطار السعي إلى تعزيز الرصانة البحثية.
- Nature (2023)
- doi:10.1038/d41586-023-00506-2
- English article
- Published online:
تحلُّ هذا العام الذكرى الخمسين لقرار دورية Nature إخضاع جميع الأوراق البحثية المقدَّمة للنشر لديها للتحكيم أو مراجعة الأقران (peer review). وبهذه المناسبة، ترى الدورية من المناسب أن تعلن لقرّائها ومؤلفيها عزمها نشر «تقارير مسجَّلة» Registered Reports، وهي قالبٌ جديد من الأوراق البحثية، اعتبارًا من الأسبوع الأخير من شهر فباير الماضي، بقصد نشر الدراسات المعَـدَّة لاختبار ما إنْ كانت فرضيةٌ ما مدعومة (انظر: go.nature.com/3kivjh1).
"ينبغي النظر إلى منهجية الدراسة – إذا كانت دراسةً جادةً ورصينةً بحق – بتقديرٍ لا يقلُّ عن التقدير الذي تحظى به النتائج".
المبدأ الأساسي الذي يقوم عليه «التقرير المسجَّل» يتمثل في التزام الدوريّة بنشر الورقة البحثية حالَ اجتياز سؤالها البحثي ومنهجيَّتها مرحلة التحكيم بنجاح، أما نتيجة البحث نفسها فلا تحظى بذات الأهمية. في الوقت الراهن، تتيح Nature «تقارير مسجَّلة» في مجال علم الأعصاب الإدراكي، وكذلك في العلوم السلوكية والاجتماعية. وتعتزم الدورية توسيع هذه الدائرة مستقبلًا لتشمل مجالات أخرى، إضافةً إلى أنواع أخرى من الدراسات، مثل البحوث التي تركِّز أكثر على الاستكشاف.
ولكن، ما الدافع إلى طرح هذا القالب البحثي؟ السبب في ذلك يعود جزئيًّا إلى أننا نحاول معالجة ظاهرة التحيُّز في النشر، أي ظاهرة ميل المنظومة البحثية (من محرّرين ومراجعين ومؤلفين) لتفضيل نشر النتائج الإيجابية على السلبية. أما «التقارير المسجّلة»، فتساعد على تشجيع البحث عمومًا، بصرف النظر عن النتيجة. فينبغي النظر إلى منهجية الدراسة – إذا كانت دراسةً جادةً ورصينةً بحق – بتقديرٍ لا يقلُّ عن التقدير الذي تحظى به النتائج.
طريقة تسليم الدراسات
أما فيما يخص طريقة التسليم، فإنه يُطلَب من مؤلفي «التقارير المسجَّلة» تقديم استفسارٍ سابقٍ لتسليم الطلب، على أن تُرفَق به خطة البحث، قبل الشروع في إجراء الدراسة. في التصور المثالي، يُفترض أن تشتمل خطة البحث على السؤال البحثي، وبيانًا للأسباب التي تجعل الدراسة محل النظر مستوفيةً شروط قالب «التقرير المسجّل»، وشرحًا مختصرًا للمنهجيات المزمع اتباعها، وطريقة جمع البيانات. ويجب أن يفي السؤال البحثي بمعايير Nature التحريريّة القائمة ذات الصلة بالأثر العلمي، وقوّة الأدلّة التي يقوم عليها. وإذا استوفى العمل المقدَّم هذه المعايير، سوف تُخضع خطَّة البحث للتحكيم. وسوف يُقيِّم المحكِّمون الخطة المقدَّمة من ناحية أهمية السؤال لمجال بحثي بعينه، أو لما هو أوسع من ذلك (كأهميّته مثلًا لاقتصادٍ أو مجتمعٍ بعينه، أو للبيئة). كما سيُقيِّم المُحكِّمون خطة البحث من ناحية رصانة هيكل الدراسة وقوتها التحليلية. وفي حال أجاز المحكِّمون الدراسة، فسوف تلتزم الدوريّة بنشر النتائج المتوصَّل إليها، شريطة ألّا تتغيّر المنهجية المتَّبعة في أي مرحلة من مراحل الدراسة.
والحق أن «التقارير المسجّلة» ليست بالقالب الجديد تمامًا، فهي موجودة منذ ما لا يقلّ عن عشر سنوات1. بل إن القالب المطروح متَّبَع بالفعل في عدد من الدوريّات التي تنضوي تحت مجموعة «نيتشر بورتفوليو» Nature Portfolio، ومن بينها «نيتشر هيومان بيهيفيار» Nature Human Behaviour، و«نيتشر ميثودز» Nature Methods، و«نيتشر كوميونيكيشنز» Nature Communications، و«ساينتيفيك ريبورتس» Scientific Reports. ووفقًا لـ«مركز العلوم المفتوحة» (انظر: go.nature.com/3xhimm6)، هناك أكثر من 300 دورية تتيح هذا القالب الآن، بعدما كان عددها زهاء 200 دوريّة في عام 2019. ولكن على الرغم من أن «التقارير المسجّلة» ليست بالشيء المستحدَث، يُلاحَظ أنها ما زالت غير معروفة – أو غير مفهومة - على نطاق واسع في أوساط الباحثين؛ وهذا أمرٌ يجب أن يتغيّر. ونحن، في Nature، نريد أن نكون جزءًا من هذا التغيير.
قلة الدراية بهذه التقارير راجعةٌ، في جانبٍ منها، إلى عوامل هيكلية، تنحاز إلى الأوراق البحثية التقليدية. فالدراسات التي يكون فيها التركيز الأساسي منصَبًّا على النتائج تحظى بالتقدير، ويُستند إليها في تقييم طلبات الترقيات والمِنَح البحثية. وهي مهمّة كذلك للمؤسسات التي يمكنها الاستفادة من هذه الدراسات، للحصول على تمويل على سبيل المثال.
من الواضح أن علينا فعل المزيد لتأكيد فوائد «التقارير المسجّلة». فهذا القالب يسهم في التذكير بضرورة الأخذ بقواعد البحث العلمي الرصين لدى إعداد هيكل الدراسة ومنهجيّتها. وهي في الوقت نفسه، بحكم تركيبها، تتيح فرصًا لإعطاء الملاحظات وتلقِّيها. وهذان الجانبان معًا يساعدان الباحثين على رصد المشكلات الكامنة في الدراسات قبل فوات أوان معالجتها. وشيئًا فشيئًا، ستُصبح «التقارير المسجّلة» علامةً على الجودة؛ فقد بدأ المُحكِّمون، والمؤسسات البحثية، والمموِّلون يدركون أن القالب يمثِّل مستوًى رفيعًا من العمل البحثي2. علاوة على ذلك، يمكن لهذا القالب أن يحيط عملية التحكيم بدرجةٍ أعلى من الود والروح البنّاءة.
آفاق التعاون
قالب «التقارير المسجّلة»، إلى جانب القوالب الأخرى، ربما يكون له دور في المساعدة على حلِّ الخلافات التي قد تنشأ بين أصحاب الاختصاص الواحد. على سبيل المثال، دبَّ خلافٌ بين علماء النفس حول ما إنْ كانت المشاعر الشخصية التي تنتاب المرء تتأثّر بتعابير وجهه. وقد وجد الباحثون، على اختلاف آرائهم، في «التقارير المسجّلة» وسيلةً للتعاون لوضع الفرضية موضعَ الاختبار. ونُشرت النتائج3 التي توصَّلوا إليها في أكتوبر الماضي.
قبل عقدٍ من الزمن، طوَّرت Nature قالبًا موجزًا لإعداد التقارير ليستعمله مؤلِّفو المسوَّدات البحثية، يتمثل في قائمةٍ من النقاط يُطلب فيها من الكاتب أن يذكر، مثلًا، إنْ كانت النتائج التي توصّلوا إليها قد تكرَّرت مع تكرار الدراسة، أو إنْ كان حجم عيّنة الدراسة مناسبًا. و«التقارير المسجّلة» ما هي إلا خطوة أخرى باتجاه مزيد من التأكيد على أهمية الرصانة البحثية، وهيكل الدراسة. ثم إنه قالب يُعيد الاعتبار إلى أساليب العمل الرصين، ويُذكِّرنا بأن عملية البحث العلمي المتقَنة تبدأ قبل الشروع في كتابة الورقة البحثية بوقتٍ غير قصير.