حديث المهن
حيث أعمل: هارتموت شولتس
- Nature (2023)
- doi:10.1038/d41586-023-00404-7
- English article
- Published online:
هارتموت شولتس، عالم متخصص في الجيولوجيا البحرية بجامعة توبنجن بألمانيا.
Volker Diekamp/Marum, University of Bremen
أنا عالم متخصص في الجيولوجيا البحرية، ومعنية بدراسة الزمن السحيق. وفي مجال عملي، نجمع عينات أسطوانية طويلة من الرواسب في قاع المحيط، حتى نتمكن من وضع تصور لما كانت عليه المحيطات والمناخ في الماضي، ولنبحث في الماضي عما قد يُشبه مناخ اليوم الآخذ في الاحترار.
التُقطت هذه الصورة في مساء ليلة باردة في شهر سبتمبر من عام 2022، أثناء رحلة بحثية على متن سفينة متوجهة نحو خليج بافن، القريب من سواحل جرينلاند. وإننا لنرى كيف أن جليد القطب الشمالي يذوب هذه الأيام بوتيرةٍ متسارعة، ونعلم أنه قد مرَّت على كوكب الأرض في الماضي، قبل نحو 400 ألف عام، فترة شديدة الدفء، ربما أدَّت إلى ذوبان أجزاء كبيرة من صفائح الجليد في جرينلاند، مُفضيةً إلى ارتفاع منسوب مياه البحر.
في هذه الرحلة البحثية البحرية، التي التُقطَت هذه الصورة في أثنائها، كنا نحاول الوصول إلى رواسب ترجع إلى تلك الحقبة، بغرض تحليلها بحثًا عن أية إشارات دالة على طبيعة المناخ، مثل حبوب اللقاح التي تبين مقدار ما ذاب من صفائح الجليد في الماضي، ليحل محلها الغطاء النباتي.
أظهرُ في هذه الصورة وأنا عاكف على فصل عيناتٍ من الرواسب جُمعَتْ حديثًا لأقسِّمها إلى أجزاء بغرض تخزينها في مخزن السفينة. نحصل على هذه العينات باستخدام أنابيب معدنية من الحديد، يتراوح طولها بين 10 أمتار و20 مترًا، نغرسها في رواسب البحر مستخدمين ثقلًا يبلغ وزنه طنَّيْن اثنين.
وبعدها، نستعين بالرافعة لإخراج الأنبوب ورؤية ما بداخله. إذا خرجت العينة طويلة ومستقيمة، فهي إذًا عينة مثالية؛ ولكن في بعض الأحيان نحصل على عينة على شكل ثمرة موز، ويحدث ذلك حين يصطدم الأنبوب بصخور دفينة تؤدي إلى انثنائه.
قد يبدو من الصورة أنني أعمل بمفردي، إلا أني في واقع الأمر محاط بالكثيرين هنا حولي في كل مكان. ففي البحر، العمل دائمًا جماعي، وهو شيءٌ محبَّب جدًّا إلى نفسي. وإجمالًا، قضيت مدةً قاربت العامَيْن في عرض المحيط، تخلَّلها 11 أسبوعًا على متن رحلة بحرية في وسط المحيط المتجمد الجنوبي. وكان هذا المحيط أكثر ما أثار دهشتي: باتساعه الرهيب، وقسوته البالغة.
اختُتمت رحلة سفينة خليج بافن في مدينة سان جون، بمقاطعة نيوفاوندلاند في كندا، في الرابع من أكتوبر الماضي. وقد نُقلَت العينات إلى مدينة بريمن في ألمانيا، حيث يقيم كبير علماء السفينة، وسوف نجتمع هناك خلال العام الجاري لنقرِّر بأي عينة سنبدأ.
عندما تعمد إلى جمع عيناتٍ من قاع المحيط، ليس في استطاعتك أن تجمع عيناتٍ للمحيط بأكمله، بطبيعة الحال، وهو ما يُحتِّم عليك أن تكون انتقائيًا في اختياراتك. ونعتقد أننا قد تمكَّنَّا من وضع أيدينا على موقع هام، يضم رواسب يصل عمرها لأكثر من 400 ألف عام. ولكن الأمر ليس سهلًا، فلننتظر ماذا ستخبرنا به هذه العينات.