أخبار

هيئة الغذاء والدواء الأمريكية تعتمد عقارًا لمرض ألزهايمر وسط مخاوف بشأن سلامته

احتمال وجود رابط بين العقار وتقارير عن وفاة بعض المرضى الذين سبق علاجهم به، يُلقي بظلاله على حماس الباحثين بحصوله على الموافقة المهمة.

سارا ريردون
  • Published online:
تُعد لويحات الأميلويد (الظاهرة باللون الذهبي في الصورة) المتراكمة في الدماغ علامة مميزة على حدوث مرض ألزهايمر.

تُعد لويحات الأميلويد (الظاهرة باللون الذهبي في الصورة) المتراكمة في الدماغ علامة مميزة على حدوث مرض ألزهايمر.

Juan Gaertner/SPL

اعتمدت هيئة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) عقار «ليكانيماب» lecanemab، ثاني عقار من نوعه لعلاج مرض ألزهايمر، الذي يتصدَّى للسبب الأساسي لمرض التدهور الإدراكي البطيء الناتج عنه. وقد رحَّب الباحثون بهذا القرار، إلا أن حماسهم كدِّرته تقارير عن وفاة مرضى تلقّوا العقار، إضافة إلى سوء تصرف هيئة الغذاء والدواء العام الماضي عندما اعتمدت أول عقارٍ من هذا النوع.

تقول جوان پايك، رئيسة «جمعية مرض ألزهايمر» Alzheimer’s Association بواشنطن العاصمة الأمريكية ومديرتها التنفيذية إنه نظرًا إلى أن عقار «ليكانيماب» يُبطئ من تدهور الحالة إذا تناوله المرضى في المراحل المبكرة من المرض، فإنه سيتيح لهم "وقتًا أطول للمشاركة في نشاطات الحياة اليومية وممارسة حياتهم دون مساعدة من الآخرين".

جدير بالذكر أن «ليكانيماب»، والذي سيُباع تحت الاسم التجاري «ليكيمبي» Leqembi، هو أول عقار لعلاج ألزهايمر يُثبِت قدرته على إبطاء التدهور الإدراكي في تجربة إكلينيكية مُحكمة، وثاني عقار من نوعه يُعتَمد خلال أقل من عامين. وهو من إنتاج شركتين للمستحضرات الدوائية الحيويّة، وهما شركة «إيساي» Eisai بمدينة طوكيو اليابانية، وشركة «بيوجِن» Biogen بمدينة كامبريدج بولاية ماساتشوستس الأمريكية. والعقار جسمٌ مضادٌ أحادي النسيلة، يُعطَى للمرضى بالتسريب الوريدي، لينتقل إلى الدماغ فيُزيل لويحات الأميلويد، التي يُعْتَقَدُ أنها تسبب ضعفَ الإدراك والخرف لدى المصابين بمرض ألزهايمر.

ومن جانبه، يقول إريك ريمان، المدير التنفيذي لمعهد بانر ألزهايمر في مدينة فينيكس بولاية أريزونا الأمريكية إن: "النتائج تمنح الأمل لمرضى ألزهايمر وعائلاتهم، كما أنها خطوة مهمة نحو تطوير طرقٍ ناجحة لتعديل مسار البداية الإكلينيكية للمرض ومنعها".

يشار إلى أن اعتماد هيئة الغذاء والدواء الأمريكية لعقار «ليكانيماب» جاء ضمن المسار السريع للموافقات، المخصص لعلاجات الأمراض التي لا تتوافر لها كثير من العلاجات، كما لا تستلزم هذه الموافقات توفير بيانات عن تجارب المرحلة الثالثة. غير أن الباحثين متفائلون بشأن بيانات المرحلة الثالثة من التجارب التي أجرتها «بيوجِن» و«إيساي»، والتي سبق نشرها في نوفمبر الماضي (C. H. van Dyck et al. N. Engl. J. Med. 388, 9–21; 2023)، إذ وجدت تلك التجربة، التي أُجريَت على نحو 1800 مريض بألزهايمر في مراحله المبكرة، أن علاج المرضى بالجسم المضاد أبطأ من التدهور الإدراكي لديهم بنسبة 27% خلال 18 شهرًا من العلاج.

إلا أن هيئة الغذاء والدواء الأمريكية لم تأخذ التجارب من المرحلة الثالثة في اعتبارها عند اعتماد العقار، إذ تقدمت «بيوجِن» و«إيساي» بطلب للموافقة السريعة بناءً على بيانات المرحلة الثانية، التي تقدَّمت بها الشركتان إلى الهيئة قبل إعلان النتائج الأحدث. وقد وجدت دراسات المرحلة الثانية أن تناول «ليكانيماب» أدى إلى تقليل لويحات الأميلويد الدماغية لدى 856 مريضًا من المشاركين في التجربة، لكنها لم تقيّم تأثير هذا الأمر على القدرات الإدراكية للمرضى (C. J. Swanson et al. Alz. Res. Ther. 13, 80; 2021). جدير بالذكر أن هذا المسار السريع للموافقة هو المسار نفسه التي اتخذته الهيئة للموافقة على العقار السابق له والمُسمَّى «أدوكانوماب» aducanumab وهو أيضًا جسم مضاد أحاديّ النسيلة من تصميم «بيوجِن» و«إيساي».

لا يزال غير معروفٍ ما سيكون للعقار من تأثيرٍ في حياة مرضى ألزهايمر، أو ما إذا كانت آثاره ستدوم لما بعد 18 شهرًا. يقول ريمان إن استمرار تأثير العقار فيما بعد ذلك "قد يعني 6 أشهر إضافية من التعرُّف على وجوه أحبّائه أو ممارسة نشاطٍ مهم بالنسبة له"، إلا أنه يضيف أن التأكد من استمرار تأثير العقار سيتطلب مزيدًا من الدراسات. وفي غضون ذلك، تقول هيئة الغذاء والدواء الأمريكية إن «ليكانيماب» مصرح باستخدامه فقط مع المرضى المصابين بدرجة بسيطة من الضعف الإدراكي، وهي نوعية المرضى نفسها التي شاركت في التجارب الإكلينيكية. 

مخاطر العلاج

من جانبها، تُبدي ديانا زاكرمان، رئيسة المركز الوطني الأمريكي للبحوث الصحية، المنظمة غير الربحية بواشنطن العاصمة، عدمَ ثقتها التامة في أن الفائدة المرجوة من العقار تستحق تحمُّل مخاطره، إذ تقول: "في حالتنا هذه نتعامل مع مرضى مصابين بدرجة بسيطة من الضعف الإدراكي، وبإعطائهم العلاج نعرضهم للخطر" على مستوى صحتهم ومواردهم المالية. كانت شركة «إيساي» قد قالت إن تكلفة جرعات عقار «ليكانيماب» لمدة عامٍ تبلغ 500‚26 دولار أمريكي في الولايات المتحدة.

كانت دورية «ساينس» Science وموقع «ستات نيوز» STAT News قد نشرا خلال الشهور الأخيرة تقارير عن ثلاثة مرضى التحقوا بالمرحلة الثالثة من تجارب عقار «ليكانيماب»، ثم تُوفّوا خلال المرحلة الممتدة من التجربة، وهي المرحلة التي يحقّ فيها للمشاركين متلقي العقار الوهمي المطالبة بتلقي العقار الفعلي. وقد تُوفّي المرضى الثلاثة جرَّاء مضاعفات مثل النزيف الدماغي والتشنجَّات. وحسب التقارير المنشورة، يعتقد الباحثون أن الوفيات قد حدثت بسبب مجموعةٍ من الحالات المرضية تُسَمى شذوذات الأميلويد الظاهرة في الرنين المغناطيسي amyloid-related imaging abnormalities (ARIA)، إذ يظنون أن الجسم المضاد تسبب في إضعاف الأوعية الدموية في الدماغ خلال مهاجمته لويحات الأميلويد المُبَطِّنة للأوعية الدموية. كما أن أولئك المرضى جميعهم كانوا يتناولون عقاقير مضادة للتجلط في ذلك الوقت، الذي ربما تسبب في تدهور النزيف.

من جانبها، قالت شركة «إيساي» إن بناء الاستنتاجات على أساس حالات فردية أمرٌ في غير محله، مشيرة إلى أنها أبلغت هيئة الغذاء والدواء الأمريكية بحالات الوفاة وفقًا لاشتراطات الهيئة. ورغم ذلك، تشترط الهيئة ضمن موافقتها على تداول العقار التحذير من احتمال حدوث شذوذات الأميلويد الظاهرة في الرنين المغناطيسي، وأن يتابع الأطباء المعالجون المرضى تحسبًا لحدوث الحالة، التي تقول الهيئة إنها نادرًا ما تكون مُهَدِّدَة للحياة.

ألقى الجدل الكبير الذي دار بشأن «أدوكانوماب» -الذي منحته هيئة الغذاء والدواء الأمريكية اعتمادًا سريعًا في السابع من يونيو 2021- بظلاله على عقار «ليكانيماب». ويرى عديدٌ من الباحثين أن «أدوكانوماب»، والذي يُسمَّى أيضًا باسمه التجاري «أدوهِلم» Aduhelm، لم يُظهر أي علامات قوية على قدرته على تحسين التدهور الإدراكي. وقد أوصى الفريق الاستشاري العلمي لهيئة الغذاء والدواء الأمريكية بعدم اعتماد الجسم المضاد بنسبة ثمانية أصوات رافضة إلى صوت واحد موافق، كما استقال ثلاثة من أعضاء الفريق بعد ترخيص الهيئة للعقار متجاهلة نتيجة التصويت. ولم تعقد الهيئة اجتماعًا استشاريًا عموميًا لدراسة الموافقة على «ليكانيماب» قبل الموافقة عليه فعليًا. ومنذ الموافقة على تداول «أدوكانوماب»، خضعت شركة «بيوجِن» وهيئة الغذاء والدواء لمزيد من الرقابة، مما حدَّ من تداول العلاج. فقد وجد تحقيق للكونجرس الأمريكي صدر في شهر ديسمبر الماضي أن الهيئة انتهكت قواعدها بتوجيه شركة «بيوجِن» بصورة غير ملائمة خلال إجراءات الموافقة على تداول «أدوكانوماب»، كما ذكر التقرير أن الإجراءات كانت "حافلة بالمخالفات" وأنها أثارت "مخاوف خطيرة بشأن زلات هيئة الغذاء والدواء في الالتزام بالبروتوكول وبشأن عدم اكتراث «بيوجِن» بفاعلية العلاج"، إلا إن الكونجرس لم يفرض أي عقوبات على أيٍّ من هيئة الغذاء والدواء أو الشركتين.