أنباء وآراء
معدلات نمو الأشجار تتأثَّر بحلول الربيع قبل أوانه
وفقًا لدراسة حلل فيها باحثون مواعيد ظهور الأشجار وسرعة نموها في الغابات النَفْضِيّة معتدلة المناخ بأمريكا الشمالية، فإن حلول موسم نمو الأشجار قبل أوانه بفعل التغير المناخي لا تستتبعه زيادة في معدلات عزلها وتخزينها للكربون بالتوازي مع زيادة إنتاجها للأخشاب.
- Nature (2023)
- doi:10.1038/d41586-022-02107-x
- English article
- Published online:
تلعب الغابات الموجودة على كوكب الأرض دورًا كبيرًا في امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون الناتج عن الأنشطة البشرية، وهي بذلك تسهم إسهامًا كبيرًا أيضًا في التخفيف من وطأة التغير المناخي. في هذا السياق، في بحث نُشر مؤخرًا في دورية Nature، يستعرض الباحث كاميرون داو وفريقه البحثي1 ما توصلوا إليه من خلال تقصيهم لما إذا كان امتداد موسم نمو الأشجار لفترة أطول بفعل التغير المناخي يؤثِّر في مقدار الكربون الذي تحتجزه وتختزنه الأشجار خلال فترة نمو أخشابها.
تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن الغابات تنزع من الغلاف الجوي كل عام نسبة تكاد تعادل ربع كمية الكربون الناتج عن الأنشطة البشرية2. وتحدث هذه العملية عندما تمتص الأشجار غاز ثاني أكسيد الكربون داخل أوراقها، في أثناء سعيها لتعزيز نموها الذي يحدث في اتجاه ضوء الشمس، ومن ثَمَّ تُحوِّل ثاني أكسيد الكربون الذي امتصته إلى سُكَّر، تعتمد عليه بصورة أساسية لشحذ عملية عزلها للكربون. إذ يسري هذا السُكَّر في الأشجار، ليغذي مستودعها من الكربون، بتحفيز إنتاج هياكلها الخشبية، بما في ذلك جذع الشجرة وفروعها وجذورها. وتعد هذه الهياكل أهم أحواض عزل الكربون واختزانه؛ إذ يمكن للكربون أن يظل مُحتجزًا داخلها لقرون. ومن هذا المنطلق، كان من الضروري حساب الحصة التي تسهم بها الغابات في المخزون العالمي من الكربون، لتقدير حجم تبعات التغير المناخي التي قد نشهدها خلال السنوات القادمة. وفي زماننا الحالي، صارت أوراق الأشجار تنبُت قبل أوانها بفعل الاحترار العالمي3. وكنتيجة، تبدأ عمليات امتصاص ثاني أكسيد الكربون عن طريق هذه الأوراق قبل أوانها أيضًا، وهو ما قد يُسهم بدوره في تعجيل نمو جذوع الأشجار، وإنتاج أخشابها، ومن ثَمَّ تعزيز عمليات عزل الكربون واحتجازه التي تؤديها الأشجار4.
لكن داو وفريقه البحثي، أجروا تحليلًا بأثر راجع لمعدلات نمو الأشجار في الغابات النَفْضِيّة معتدلة المناخ بشرق أمريكا الشمالية. بيَّنت أن نمو الأشجار قبل أوانها لا يعني بالضرورة أن المعدل السنوي لعزل الكربون سيزداد على نحو ملحوظ مع زيادة إنتاج الأشجار للأخشاب (شكل 1). وقد استخدم داو وفريقه البحثي في دراستهم بيانات جُمِعت بتقنية استشعار عن بعد بغية التحقُّق من نمو أوراق الأشجار قبل أوانها المعتاد كل عام في الربيع، في اثنين من الغابات النفضية الشهيرة (أولاهما هي غابة معهد سميثونيان للحفاظ على التنوع الحيوي، بالقرب من مدينة فرونت رويال بولاية فيرجينيا الأمريكية، والثانية هي غابة هارفارد الكائنة في مدينة بيترشام بولاية ماساتشوستس الأمريكية). بعد ذلك، درس واضعو الدراسة معدل زيادة طول نصف قطر جذوع الأشجار (أي معدل زيادة محيط هذه الجذوع)، بهدف تقدير حجم التغير التدريجي الذي يطرأ على هذا المعدل من أسبوع لآخر، معتمدين في ذلك على بيانات مستمدة من حوالي 500 شجرة، جُمعت على مدار فترة تتراوح ما بين ستة أعوام (في حال غابة هارفارد) وعشرة أعوام (في حال غابة معهد سميثونيان). وكما هو متوقَّع، أوضحت النتائج أن معدل زيادة محيط جذوع الأشجار على مدار تلك الأعوام، اتسقمع بدء نمو جذوعها قبل أوانه في كل ربيعٍ ارتفعت فيه درجات الحرارة عن المعتاد.
لكن رغم حلول الربيع مبكرًا على مدار تلك الأعوام، لم يتبين للفريق البحثي حدوث تغير ملحوظ، سواء في إجمالي طول المدة التي يبلغ فيها نمو الأشجار ذروته خلال ذلك الفصل، ولا في أقصى معدلات لنمو الأشجار، ولا في المعدل السنوي الإجمالي لنمو الأشجار. وللتأكد من أنه مع ارتفاع درجات الحرارة خلال الربيع لم يطرأ تغيُر يذكر على المعدل السنوي النهائي لاتساع حلقات جذوع الأشجار، وهو أحد مؤشرات نمو الأشجار، عمد واضعو الدراسة إلى تقدير مدى تأثر نمو الأشجار بعلاقته بالمناخ من خلال تحليل أكثر من 200 خط زمني، يرصد كل خط منها معدل نمو حلقات جذوع أشجارٍ عمرها قرن وتنتمي لأكثر من 100 منطقة تقع على طول حزام الغابات النَفْضِيّة معتدلة المناخ في شرق أمريكا الشمالية. وثبت من التحليل أن هذه المناطق من الغابات لم تتأثر بارتفاع درجات الحرارة في الربيع بقدر ما تأثرت به في الصيف؛ إذ تراجع معدل نمو أخشاب الأشجار، في الموسم الذي عادة ما يبلغ فيه هذا النمو ذروته. وهكذا، تطعن النتائج المفاجئة التي توصل إليها داو وفريقه في صحة التصورات القائمة فيما يخص توزيع الكربون في الأشجار.
وتجدر الإشارة إلى أن ثمة اعتقاد شائع بأن الأشجار النَفْضِيّة، عندما تبدأ أوراقها في الظهور، تختزن كمًا كبيرًا من السُكَّر الناتج عن عملية البناء الضوئي، لتستثمره في بناء حلقتها الشجرية للعام (أي الحلقة التي تظهر في جذع شجرة ما، مُعلنة عن إتمام الشجرة عام آخر من حياتها). وعليه، إذا ظهرت أوراق شجرةٍ ما في وقت مبكر عن المعتاد، يمكن القول بأن عرض حلقات هذه الشجرة سيكون كنتيجة أكثر اتساعًا خلال نموها على مدار العام. بيد أن مثل هذا التصور الضحل عن نمو الأشجار يُغفِل عددًا من العمليات التي تحدث على مدار موسم نمو الأشجار.
الشكل 1| كيف يتأثر نمو الأشجار بقدوم الربيع قبل أوانه بفعل تغير المناخ؟ سعيًا لفهم تأثيرات التغير المناخي على المعدل السنوي لتخزين الأشجار للكربون، درس داو وفريقه البحثي تبعات حلول موسم نمو الأشجار قبل أوانه في الغابات النَفْضِيّة. وجدير بالذكر في هذا السياق، أن ظهور أوراق الأشجار يتبعه امتصاصها للكربون خلال عملية البناء الضوئي. وبمرور الوقت، يمكن امتصاص الكربون بغرض عزله وتخزينه لأمد طويل لوقت إسهامه في زيادة طول نصف قطر جذع الشجرة (أي زيادة محيط هذا الجذع) ونمو الخشب بها. والمناطق التي تقع أسفل منحنيات معدلات النمو السنوية ترمز إلى مؤشرات نمو، تتمثل في: كمية الكربون الذي تمتصه أوراق الشجرة، والمعدل السنوي لزيادة طول نصف قطر جذع الشجرة (أي معدل اتساع حلقاتها الشجرية)، ومعدل زيادة الكتلة الخشبية الحية للشجرة. ويفيد واضعو الدراسة، في ضوء النتائج التي توصلوا إليها، بأن قدوم الربيع قبل أوانه، وما يترتب على ذلك من اختلاف في الإطار الزمني لموسم النمو (كما هو ظاهر في المنحنيات فاتحة اللون)، كان تأثيره ضئيل، سواء على المعدل السنوي النهائي لاتساع حلقات الأشجار، أو كمية الكتلة الخشبية الحية الناتجة عن نمو الأشجار. وفي المقابل، كان لارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف تأثيرًا سلبيًا على طول نصف قطر جذع الشجرة (كما هو ظاهر في المنحنيات المنقطة). وتشير دراسات أخرى (تظهر هي الأخرى في صورة منحنيات منقطة) إلى أن ارتفاع درجات الحرارة وما يصاحبه من جفاف قد يكون من شأنه الحد من امتصاص الكربون ونمو الكتلة الخشبية الحية في الأشجار، عِلمًا بأن درجة تأثُّر امتصاص الكربون بارتفاع درجات الحرارة والجفاف المصاحب لها أقل من درجة تأثُّر طول نصف قطر جذوع الأشجار، التي تُعد أقل من درجة تأثُّر معدلات نمو الكتلة الخشبية الحية.
كبر الصورةوبحسب النتائج التي أوردها الفريق البحثي، فإن العلاقة بين ارتفاع درجات الحرارة ومدى اتساع حلقات الأشجار تكون الغلبة فيها للأثر السلبي للشهور الأدفأ (أي الشهور من مايو إلى يوليو). وهو ما يبيِّن أن ديناميات نمو الأخشاب، وكذلك كمية الخشب الذي قد ينتج عن هذا النمو، تتغيران على مدار موسم نمو الأشجار، بل يشير هذا أيضًا إلى أن تبعات ارتفاع درجات الحرارة قد تتفاوت حسب الوقت الذي ترتفع فيه من العام (على سبيل المثال، تُحفز درجات الحرارة المرتفعة نمو الأخشاب في الربيع، بينما تُعيق نموها في الصيف). وكما أوضحت دراسات سابقة تابعت نمو أخشاب الأشجار5، فإن اتساع عرض حلقات جذوع الأشجار يسلك منحنى بياني على شكل جرس تقع قمته (التي ترمز لذروة اتساع عرض الحلقات الشجرية وذروة نمو الأخشاب) عند يوم الانقلاب الصيفي. وبالتالي، فإن بدء نمو الأشجار قبل أوانه لا يُتوقع أن يسهم إلا بدرجة ضئيلة في المعدل السنوي النهائي لاتساع حلقات الأشجار.
إلا أن ثمة عنصران يلقيان بعقبات في طريق الجهود الرامية إلى الوقوف على طبيعة العلاقة بين وقت ظهور أوراق الأشجار (أي فينولوجيا أو دورة حياة الأوراق) وديناميات نمو حلقات جذوع الأشجار. يتمثل العنصر الأول في أن قدرة الأشجار على تحويل الكربون الذي تمتصه أوراقها لبُنى خشبية مرهونة بعملية نمو الأنسجة الوعائية المُوصِّلة للمياه، وهي عملية تحدث في نسيج الكامبيوم الوعائي، وينتج عنها ظهور خلايا الخشب التي تنقل المياه، وتدعم الآليات الميكانيكية في الأشجار، وتُخزِّن احتياطيها من الماء والكربون. بعبارة أخرى، يمكن للكربون الذي تكتسبه الأشجار من عملية البناء الضوئي أن يتحول إلى كتلة خشبية حية بقدر ما يسمح بذلك نمو النسيج الوعائي للشجرة6. بالإضافة إلى ذلك، فإن أحواض عزل الكربون مستقلة بدرجة كبيرة عن مصادر إنتاجه، وهذا بفضل الدور الذي تلعبه احتياطيات الكربون التي تتراكم في نسيج الخشب. كما أن الجذور والفروع الخشنة (التي تحتوي بدورها على كميات كبيرة من الكربون) قد تختلف ديناميات نموها عن ديناميات نمو الجذع7.
أما العنصر الثاني، فيتمثل في أنه على الصعيد الموسمي، تدخل عمليتان مختلفتان في نمو الأخشاب8؛ إذ يتحكم انتشار الخلايا وتضخمها في الحجم الذي ستبلغه هذه الأخشاب في نموها، فيما يتحكم ازدياد سمك جدران خلايا الأشجار، وترسُّب بوليمرات عضوية مركبة فيها، تُعرف باسم اللجنين، في الوزن الذي ستبلغه خلال نموها. ومما يضفي المزيد من التعقيد أن العمليتين تظهران ديناميات مختلفة فيما بينهما، كما ترتبط كل عملية منهما بعوامل بيئية مختلفة عن الأخرى؛ إذ تتناسب ذروة نمو الحجم الموسمية مع أطول امتداد لضوء النهار (الفترة الضوئية)، بينما تتناسب ذروة نمو الوزن الموسمية مع درجات الحرارة5.
وتطرح دراسة داو وفريقه البحثي أدلة على أن ارتفاع درجة الحرارة خلال فصل الربيع قد أسرع من وتيرة ظهور أوراق الأشجار في الغابات النَفْضِيّة معتدلة المناخ، بينما لم يكُن له تأثير ملحوظ على نمو أخشابها. وهو ما يشير إلى أن زيادة امتصاص ثاني أكسيد الكربون لا تسهم دومًا في عزل الكربون داخل جذوع الأشجار المعمرة. وهكذا، يبقى مصير هذا الكربون الزائد مجهولًا، غير أن فريقًا بحثيًا آخر قد طرح فرضية تقول بأن الأشجار لا تعزل وتختزن الكربون الذي تمتصه، بل تلفُظه ليعود للغلاف الجوي مباشرة9.
إن النتائج التي توصل إليها داو وفريقه البحثي تشكك في صحة تصوراتنا الحالية حول توزيع الكربون في الأشجار، كما تأتي مُخالِفة لبعض التنبؤات التي خرجت بها نماذج ديناميكيات الغطاء النباتي العالمي، عِلمًا بأن هذه النماذج تُعد أدوات ضرورية في تقييم استجابات النظم البيئية الأرضية للتغيرات العالمية وفهمها ومدلول ذلك على النظام المناخي. وتنطلق هذه النماذج بوجه عام من فرضية مفادها أن نمو النباتات يعتمد بصورة أساسية على كمية السُكَّر الناتجة عن التمثيل الضوئي (يمكنك الاطلاع على مثال لفرضية مغايرة في المَرجِع 1010). والواقع أن ثمة عوامل مناخية مختلفة تتحكم في عمليتي التمثيل الضوئي ونمو الأنسجة الوعائية للأشجار؛ إذ تتحكم شدة ضوء الشمس ودرجة تركيز ثاني أكسيد الكربون في عملية التمثيل الضوئي، بينما تعتمد عملية نمو النسيج الوعائي على درجة الحرارة ومدى وفرة المياه11. من هنا، نرى أن الجهود الرامية لوضع تصور جديد للنماذج المحاكية للغطاء النباتي قد تستفيد مما تنامى لنا إلى اليوم من فهم متعمق لعملية نمو الأخشاب؛ ومثل هذا الفهم قد يكون من شأنه تعزيز دقة بنية هذه النماذج وجودة نتائجها، وإثراء معارفنا عن دورة حياة الكربون والنظام المناخي13.
References
- Dow, C. et al. Nature 608, 552–557 (2022). | article
- Friedlingstein, P. et al. Earth Syst. Sci. Data 12, 3269–3340 (2020). | article
- Menzel, A. & Fabian, P. Nature 397, 659 (1999). | article
- Piao, S. et al. Nature Rev. Earth Environ. 1, 14–27 (2020). | article
- Cuny, H. E. et al. Nature Plants 1, 15160 (2015). | article
- Körner, C. Curr. Opin. Plant Biol. 25, 107–114 (2015). | article
- Gessler, A. & Treydte, K. New Phytol. 209, 1338–1340 (2016). | article
- Hilty, J., Muller, B., Pantin, F. & Leuzinger, S. New Phytol. 232, 25–41 (2021). | article
- Jiang, M. et al. Nature 580, 227–231 (2020). | article
- Guillemot, J. et al. New Phytol. 214, 180–193 (2017). | article
- Fatichi, S., Pappas, C., Zscheischler, J. & Leuzinger, S. New Phytol. 221, 652–668 (2019). | article
- Friend, A. D. et al. Annu. For. Sci. 76, 49 (2019). | article
- Zuidema, P. A., Poulter, B. & Frank, D. C. Trends Plant Sci. 23, 1006–1015 (2018). | article
Martínez-Sancho, E., Treydte, K., Lehmann, M. M., Rigling, A. & Fonti, P. New Phytol. https://doi.org/10.1111/nph.18224 (2022).
| article
سيريل بي. كيه. راثجيبر يعمل في وحدة «سيلفا» SILVA للبحوث المشتركة بجامعة لورين، التي تضم معهد «آرجو باريس تك» AgroParisTech، والمعهد البحثي الوطني لشؤون الزراعة والغذاء والبيئة (INRAE)، وعنوانها 54000 مدينة نانسي بفرنسا. أما باتريك فونتي، فيعمل في الوحدة البحثية المختصة بدراسة ديناميات الغابات بالمعهد السويسري الفيدرالي لدراسة الغابات والجليد وتغيُّر المعالم الجغرافية (WSL)، الكائن في 8903بلدية بيرمنسدورف، سويسرا.