افتتاحيات

لا تهاوُن مع التهديدات الموجهة للعلماء

ليس نادرًا أن يتعرَّض العلماء الذين يبُوحون بأفكارهم في الموضوعات المثيرة للجدل، مثل «كوفيد-19»، للإيذاء والمضايقة. وهؤلاء يجب أن تتدخل مؤسساتهم للدفاع عنهم وحمايتهم.

  • Published online:

Credit: Carlos Barria/Reuters

ينبغي ألا يتعرَّض أي باحث للعنف أو التهديد أثناء تأدية عمله، إلا أننا نرى هذه التهديدات حاضرةً دومًا في وجه الباحثين المقيمين في المناطق التي تسيطر عليها أنظمة شمولية، مثل أفغانستان. على أن الأخطار لا تُحدق بهؤلاء حصرًا، وإنما تواجه غيرهم من الباحثين في المناطق الأخرى، ممن يعملون في مجالات سياسات العلوم والسياسات العامة، حيث يمكن للآراء أن تتعارض فيما بينها أشدَّ التعارض؛ ومن ذلك، مثلًا، ما يتصل بقضايا على غرار تغيُّر المناخ، أو مراقبة الأسلحة النارية، أو حتى تعامُل الدول مع جائحة «كوفيد-19».

قبل عام، أجرت دورية Nature استطلاعًا لآراء باحثين يقيمون في دول عديدة، كانوا قد تحدثوا إلى وسائل الإعلام حول «كوفيد-19». وجدنا أن 47 من أصل 321 مشاركًا في الاستطلاع (نحو 15%) تلقوا تهديدات بالقتل، فيما تلقَّى 72 آخرون تهديداتً بالتعرُّض للعنف الجسدي أو الجنسي. وكان مركز «ساينس ميديا سنتر» Science Media Centre، ومقرُّه العاصمة الإنجليزية لندن، قد نشر نصائح حول كيفية الحصول على الدعم في هذه الحالات. وفي ذات الوقت، نشرت Nature افتتاحيةً دعت فيها المؤسسات إلى الاعتراف بخطورة هذه التهديدات، وبذل المزيد من الجهود لحماية الباحثين (Nature 598, 236; 2021).

وفي عددٍ نشرته Nature مؤخرًا، تحدَّث فريق تحرير باب «مهن علمية» Careers بالدورية مع مزيدٍ من الخبراء، ونشر دليلًا إرشاديًا للباحثين حول كيفية حماية أنفسهم من الإيذاء والتهديدات (انظر: Nature 609, 205-207;2022).

تتضمن النصائح بعض الإجراءات التقنية البسيطة، التي يمكن للأفراد اتباعها، ومنها منع التعليقات وتلقي الرسائل المباشرة على منصات التواصل الاجتماعي، مثل «تويتر»، وتفعيل المصادقة الثنائية على جميع الحسابات، واستخدام أداة لإنشاء كلمات مرور قوية، للتقليل من مخاطر اختراق الحسابات الشخصية.

لكن دليلنا الإرشادي يتضمن أيضًا نصائح مهمة للمؤسسات أيضًا. على سبيل المثال، حبَّذا لو تُسارع المؤسسات إلى حذف بيانات الاتصال الخاصة بالباحث من المواقع الإلكترونية متى ظهرت أول علامة على تعرضه للمضايقات أو التحرش الإلكتروني. ربما تضمَّنت هذه المواقع بيانات اتصال متاحة للجميع، وتلك تُستخدم لإمطار الأشخاص بوابل من الرسائل والمكالمات الهاتفية التهديدية. يمكن للجامعات أيضًا إتاحة المساعدة المقدَّمة من خبراء؛ بإمكانها مثلًا تعيين موظفين متخصصين لتقديم المشورة أو تصنيف الرسائل. كما يمكنها إيصال الشخص المهدَّد بآخرين سبق أن تعرضوا أيضًا لمضايقات، بحيث يقدَّم له الدعم اللازم.

يجب على المؤسسات كذلك أن تدافع بقوة أكبر عن العاملين لديها، وأن تُصدر بياناتٍ واضحةً في دعمهم. أفاد الباحثون بأن مثل هذه المبادرات تشعرهم بأنهم أقوى؛ ذلك أنها تطمئنهم أن المؤسسات، بما لها من وزنٍ ونفوذ، معنيَّة بأمرهم. تقول إيفيتا مارتش، أخصائية علم النفس في جامعة الاتحاد الأسترالية في ملبورن: "تشعر بأن لديك شبكة أمان لحمايتك".

لا يغيب عن الباحثين أن عملهم معرض دائمًا للتشكيك والتساؤلات؛ إذ هكذا، مهما يكن من شيء، يتطور العلم ويتقدم للأمام. أما التهديدات فلا مكان لها في ميدان العلوم. هذا يعني أن أولئك الذين يملكون من القوة والنفوذ ما يكفي لحماية العلماء يجب أن يبذلوا مزيدًا من الجهود في استثمارهما على الوجه الصحيح.