رؤية كونية

خطط تصفير الانبعاثات الكربونية لا تأخذ إفريقيا في الحسبان

خطط التحول في مجال الطاقة لا تلتفت إلى البيانات والأولويات والخبرات الإفريقية.. وبذلك تُسقط من اعتباراتها مليار إفريقي.

روز إم. موتيسو
  • Published online:

تخيَّلْ أنك وضعتَ خطةً لجعل العالم مكانًا أفضل، وكانت هذه الخطة مستندةً إلى البيانات، إلا أنها أسقطت من حساباتها أكثر من مليار شخص في إفريقيا. هذه هي الحقيقة المقلقة وراء مقترحات الوصول إلى صافي انبعاثات صفري. إفريقيا تفتقر إلى ثلاثة مقومات أساسية: بيانات وافية، ونماذج ملائمة، وخبرات فنية محلية. هذه العوامل الثلاثة لازمة من أجل وضع خطط موثوقة وعملية ومنصفة بشأن التحول في مجال الطاقة. وما لم تُسَد هذه الفجوات المعرفية، فلن تُمكَّن القارة من المشاركة الفاعلة في مفهوم تصفير الانبعاثات الكربونية، وستظل غائبة عن مناقشات المناخ العالمي والطاقة الدائرة في مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية المعنية بتغير المناخ في دورته السابعة والعشرين (COP27)، المنعقد حاليًا في مدينة شرم الشيخ المصرية.

بوصفي عالمة كينية أعمل كمديرة وباحثة في «مركز الطاقة من أجل النمو» Energy for Growth Hub، وهي شبكة بحثية عالمية تركز على الفقر في مجال الطاقة، أُدرك مدى أهمية وضع نماذج لنُظُم الطاقة من أجل إحداث تحوُّل عملي في مجال الطاقة. وهذه النماذج تُتيح لصناع القرار الموازنةَ بين الأُطُر الزمنية، والخيارات التكنولوجية، واستثمارات البنى التحتية، والإجراءات المنبثقة من السياسات. ولكنَّ مشكلاتٍ لا يُستهان بها، تتعلَّق بالتمثيل والشمولية، تعتري العديد من تلك النماذج، مما يؤثر على فاعليتها في القارة الإفريقية. كما أن نماذج التقييم المتكاملة المستخدمة في إنتاج منشورات مؤثرة، مثل تقارير «الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ» (IPCC)، غالبًا ما تضع في سلةٍ واحدة دول القارة الإفريقية جميعًا، أو حتى دول إفريقيا والشرق الأوسط، متجاهلةً ما بين هذه الدول من تفاوُت هائلة في الوضع الاقتصادي والاجتماعي، وفي الموارد المتاحة لدى كلٍّ منها.

"دون جدول أعمال إفريقي يستند إلى بيانات بشأن التحول في مجال الطاقة، ستبقى التعهدات بتصفير صافي الانبعاثات في قمة المناخ السابعة والعشرين عديمة الجدوى".

البيانات المتاحة لا تجسِّد الواقع الإفريقي تجسيدًا صادقًا، ولما كان الأمر كذلك، فالواجب على واضعي النماذج الإفريقية أن يتوصلوا إلى حلول خلَّاقة تحاول الاستفادة من البيانات غير المباشرة، على ما فيها من نقصٍ وقصور، أو حتى تتغاضى عن بعض الأسئلة البحثية. دعني أضرب لك مثالًا، أجرى زميلٌ لي من نيجيريا دراسة حول دور السيارات الكهربية في خطة دولته من أجل التحول في مجال الطاقة (M.O. Dioha et al. iScience25, 103926; 2022)، ولكنه لم يستطع العثور على بيانات محلية بشأن الطلب على وسائل النقل، التي يعثر عليها نظراؤه في الغرب بسهولة، لذا كان عليه أن يعتمد على البيانات أفصحت عنها إيطاليا في هذا الصدد، وجعلتها متاحةً لعموم المستخدمين، باعتبارها بياناتٍ غير مباشرة.

وثمة مشكلة أخرى تواجه النماذج القائمة، تتمثل في مدى ملاءمة البيانات. فالكثير من النماذج تركز على إزالة الكربون كهدف أساسي، مفترضةً حدوث زيادات طفيفة في استهلاك الطاقة في إفريقيا مستقبلاً. غير أن مستويات الانبعاثات المرجعية في الدول الإفريقية منخفضة للغاية في الوقت الراهن، في الوقت الذي تعكف فيه هذه الدول على تطوير بناها التحتية في مجال الطاقة، سعيًا إلى دفع عجلة النمو الاقتصادي لديها. وهكذا، فإن الأوضاع في هذه البلدان لن تكون كما تتصوَّرها النماذج. زِد على ذلك أن هذه النماذج تفتقر إلى الإنصاف كذلك؛ ففي أكبر النظم الاقتصادية في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، يقل متوسط استهلاك الشخص من الكهرباء في العام عن 200 كيلووات/ساعة؛ وهو ما لا يكفي حتى لتشغيل ثلاجة منزلية. وفي الدول التي تعاني عجزًا هائلًا في موارد الطاقة، وتعترضها تحديات ملحة في سبيل اللحاق بركب التنمية، لا بُد لأهداف النماذج وفرضياتها أن تعكس الأولويات المحلية لهذه الدول.

غالبية فرص التمويل والخبرات المتخصصة في نماذج نُظُم الطاقة تتركَّز في مؤسسات غير إفريقية. ولما كان الأمر كذلك، فلا عجب أن تغيب الأسئلة الهامة عن واضعي النماذج في أحيان كثيرة. وواقع الأمر أن واضعي النماذج الأفارقة هم الأقدر على دارسة السمات الفريدة لقطاع الطاقة في المنطقة. هم الأقدر، مثلًا، على رصد امتلاك الأفراد مولدات كهرباء تعمل بالديزل، وشيوع استخدامها بينهم بسبب مشكلات شبكات الكهرباء، التي لا يمكن الاعتماد عليها، مع صعوبة تتبعها منهجيًا. والمُلاحَظ أن عدد واضعي نماذج الطاقة في إفريقيا، من المؤسسات وآحاد الباحثين على السواء، في ازدياد، إلا أن الموارد تظل محدودة.

ومن هذا المنطلق، يجب اتخاذ ثلاثة إجراءات لسد تلك الفجوات، وهي الإجراءات التي استعرضها «مركز الطاقة من أجل النمو» في تقريره الصادر الشهر الماضي (انظر: go.nature.com/3djou).

أولاً، التوسُّع في إتاحة البيانات الأساسية التي تخص القارة الإفريقية. ينبغي على المموِّلين والباحثين الضغطُ من أجل اقتناص حق الوصول المفتوح إلى البيانات الإفريقية التي لا تُتاح حاليًا إلا باشتراكٍ مدفوع، وكذلك الوصول إلى البيانات المتضمَّنة في التقارير الأساسية حول إزالة الكربون. ثمة جهود تُبذَل حاليًا في هذا المضمار، تستهدف تنفيذ هذا الإجراء مع «وكالة الطاقة الدولية»، ونحن بحاجة إلى المزيد من هذه الجهود. وينبغي أن يطور العلماء أيضًا منهجيات لوضع نماذج أكثر ملاءمة للبيانات المقيدة، التي لا تُتاح إلا بتوفُّر اشتراطاتٍ معيَّنة، وكذلك طُرُقًا لسد الفجوات في البيانات، استنادًا إلى تقنيات تعلُّم الآلة، والذكاء الاصطناعي، والتصوير بالأقمار الصناعية. كما أن الشراكة بين الحكومات الإفريقية ومزودي البرامج يمكنها أن تحسن من قدرات إدارة البيانات، وتمنح العلماء إمكانية الوصول إلى بيانات حيوية.

ثانيًا، التركيز على التنمية المستدامة عند وضع نماذج التحول الإفريقي في مجال الطاقة. يجب أن ينخرط واضعو النماذج مع صناع السياسات المحليين في المراحل الأولى من عملية النمذجة، لضمان إمكانية تطبيق افتراضاتهم على أرض الواقع. ويجب أن تكون تلك النماذج الموضوعة منصفة، بحيث تأخذ في الحسبان أنماط استخدام الطاقة لدى فئات الدخل المختلفة، على سبيل المثال، أو تحلل آثار خيارات التسعير على المسائل المتعلقة بغياب المساواة. ويجب أن يقدِّم الباحثون توصيفًا واضحًا لبنية تلك النماذج، والافتراضات التي تقوم عليها فيها بطريقة يفهمها صناع السياسات والجمهور غير المتخصص.

ثالثًا، دعم مزيد من المؤسسات الإفريقية والمحللين الأفارقة القائمين على ذلك العمل. نحن بحاجة لمزيد من التعاون، في صورة شراكات بحثية، أو برامج تبادل أكاديمي، أو مبادرات مشتركة تشمل مؤسسات ومناطق مختلفة؛ على أن يتحقق في تلك الشراكات عنصر المساواة بين أطرافها. كما ينبغي أن يشجع الباحثون الحكومات الإفريقية وشركاء التنمية على الاستثمار في توفير خبرات محلية من خلال برامج تعليم علمية خاصة بالبيانات، ومراكز التميز المختصة بوضع خطط التحول الإفريقي في مجال الطاقة. وأكبر الظن أن هذه الجهود التي تقودها إفريقيا سوف توفر سُبلًا تحوز ثقة صناع القرار.

دون جدول أعمال إفريقي يستند إلى بيانات بشأن التحول في مجال الطاقة، ستبقى التعهدات بتصفير صافي الانبعاثات في قمة المناخ السابعة والعشرين عديمة الجدوى. والأهم من ذلك أن هذا سيؤدي إلى تهميش المستقبل الواعد لأكثر من مليار إفريقي – وهي مشكلة تتخطى حدود إفريقيا. سوف تكون هذه القارة مأوًى لربع سكان العالم بحلول عام 2050، ومصدرًا للموارد الأساسية من أجل التحول العالمي في مجال الطاقة. ومن هنا، فإن تخطيط مسارات عالمية عملية، وصولًا إلى صافي الانبعاثات صفري في المستقبل، لن يكون ممكنًا دون قيادات إفريقية، وبيانات وتحليلات تتركَّز حول إفريقيا.

 

روز إم. موتيسو: مديرة الأبحاث في «مركز الطاقة من أجل النمو» في لندن، المملكة المتحدة.

البريد الإليكتروني: rose@energyforgrowth.org