أخبار
«لم أقوَ على الصمت»: استقالة عالمة فيزياء إيرانية للمشاركة في الاحتجاجات
أشعل موت مهسا أميني فتيل الاحتجاجات في إيران، ودفع بعض العلماء إلى اتخاذ قرارات مصيرية.
- Nature (2022)
- doi:10.1038/d41586-022-03246-x
- English article
- Published online:
موت مهسا أميني أشعل فتيل الاحتجاجات في إيران وحول العالم، على غرار ما حدث في مدينة تولوز الفرنسية.
Credit: Alain Pitton/NurPhoto/Getty
على مدار أكثر من شهر، اجتاحت المظاهرات شوارع إيران بصفةٍ يومية، إثر مصرع مهسا أميني، ابنة الاثنين والعشرين عامًا، على أيدي قوات الشرطة في السادس عشر من سبتمبر الماضي. وقد تصدَّت السلطات لتلك المظاهرات بوحشية مفرطة، لقيَ على أثرها ما يزيد على مئتي شخصٍ حتفهم، وأُلقيَ القبضُ على أكثر من 110 طلّاب آخرين، وأغلقتْ عديد من الجامعات أبوابها. وكان لجامعة شريف للتكنولوجيا بطهران، التي تُعد مركز العلوم والتكنولوجيا الأهم في إيران، نصيب الأسد من تلك الإجراءات القمعية، إلى الحدِّ الذي أوقع أعضاء هيئة التدريس في حيرةٍ من أمرهم، لا يعرفون ماذا يفعلون. لكنَّ الصمت لم يعد خيارًا مطروحًا أمام إنسيا عرفاني، عالمة الكونيات التي تعكف على دراسة الجسيمات التي ربما تتكون منها المادة المظلمة. في الثالث والعشرين من سبتمبر الماضي، تقدَّمت عرفاني باستقالتها من قسم الفيزياء في معهد الدراسات المتقدمة في العلوم الأساسية (IASBS) في زنجان، وتعيش الآن في مكانٍ آمن.
ماذا دفعَكِ إلى الاستقالة؟
بعد مصرع مهسا أميني، تعالَتْ أصوات الطلاب وهم يصيحون: "الشوارع تكتسي بالدماء، وأساتذتنا صامتون". ولأني واحدةٌ من هؤلاء الأساتذة، لم أقوَ على البقاء صامتةً بعدها. تفتحُ المدارس والجامعات أبوابها في إيران في الثالث والعشرين من سبتمبر كل عام، ولي مع هذا اليوم ذكريات عظيمةٌ منذ كنتُ طفلةً. لذلك قلتُ لنفسي: إنْ كان لابدَّ من الاستقالة، فلتكُن في ذلك اليوم بالتحديد. لا معنى للاستمرار.
كيف يسير التدريس والبحث العلمي في الجامعات الإيرانية؟
الحكومة الإيرانية تُحكِم قبضتها على الجامعات؛ فاللجان المسؤولة عن تقييم الأساتذة المُتقدمين لشغل الوظائف الأكاديمية هي من الملالي – رجال الدين – الذين دأبوا على تقييم أي متقدمٍ من الوجهة السياسية. وهكذا، فبدلًا من التقييم على أساس علمي، إذا بالمتقدِّم يخضع لتحرٍّ آخر لا علاقة له بخبراته العلمية، وإنما يتصل بماضيه، وعائلته، ونشاطه السياسي. وإذا حدث أن اجتاز المتقدِّم الفحص العلمي، ولم يجتز الجوانب الأخرى، فلن تكون بالجامعة مكان. وإذا كان هذا يصدُق على الرجال والنساء على السواء، فإن النساء يواجهن تضييقاتٍ مضاعفة؛ بالنظر إلى أن اللجنة تنظر في مدى التزام المتقدمة بالزي الذي يتماشى مع قواعدها. ولما كان الأمر كذلك، فعلى الأستاذة الجامعية أن تتحسَّب إلى ما تلبَس، وتفعل، وتقول. وبطبيعة الحال، ليس مباحًا الحيثُ عن حقوق المرأة؛ أعرف نساء تعرَّضن إلى التحرش الجنسي، لكن أحدًا لا يتطرقُ للحديث عنهن أبدًا.
ما حجم مشاركة الباحثين والباحثات في الحراك الاحتجاجي الدائر؟
يركَنُ معظم الأساتذة إلى الصمت؛ لأن رؤساء الجامعة موالُون للحكومة. سوف يُفصل أي أستاذٍ من عمله في حال انضم إلى الطلاب. بل إن هؤلاء الطلاب أنفسهم قد يتعرضون للفصل من الجامعة فصلًا دراسيًا أو فصلين، أو حتى – في الحالات الاستثنائية – للفصل النهائي، ليجد الطالب نفسه مطالَبًا بالبحث لنفسه عن مكان آخر. أما بالنسبة لأعضاء هيئة التدريس، فإن فَصلَتْ الجامعة أحدهم، فلن يجد وظيفةً أخرى، لأنه سيُدرج على لائحة الحظر الحكومية.
ماذا يجعل هذه الموجة الاحتجاجية مختلفةً عن سابقاتها؟
عادةً، يتظاهر الطلاب بضعة أيامٍ، ثم تعتقلهم السلطات، ثم سرعان ما يحلُّ الصمتُ من جديد. لم يسبق للطلاب أن أضربوا عن الدراسة؛ يحدث هذا الآن لأول مرة. وأمرٌ ثان، هو طبيعة الهتافات التي يُطلقونها: اعتدنا سماعهم يطالبون بالإفراج عن الطلاب السجناء، أما الآن فنسمعهم يهتفون: "الموت لخامنئي". أضف لهذا أن الطالبات يخلعن الحجاب داخل الحرم الجامعي، لم نرَ هذا من قبل قط يحدثُ في جامعةٍ إيرانية.
كيف تنظرين إلى اقتحام قوات الأمن لجامعة شريف؟
ارتكبتْ السلطات خطأً فادحًا بإقدامها على تلك الفعلة؛ إنها تمثل صفوة المؤسسات العلمية في إيران. كلنا، بلا استثناء، كنا نحلم أيام الدراسة بالالتحاق بها. لهذا، يُحزننا ما يجري هنا. لِمَ أقدموا على فعلةٍ كهذه؟ كلُّ هذا بسبب بعض الهتافات التي لم تعجبهم؟
كيف للمجتمع العلمي حول العالم مساعدة الشعب الإيراني؟
يدرسُ صنَّاعُ القرار العقوبات، لكنها تؤثر على حياة الشعب الإيراني بأكمله. إنْ مُنعتُ من امتلاك حسابٍ بنكي دولي بسببها، فمعنى ذلك أنني سأعجز عن دفع مصاريف التسجيل في المؤتمرات التي تُعقد خارج البلاد، ولن أتلقَّى منحًا دولية، ولن أتمكَّن من دفع ثمن تذاكر الطيران، أو حجز سكنٍ في الخارج. وعلى ذلك، فإن تلقيتُ دعمًا ماديًا من أية منظمةٍ عالمية، فلابد أن أتلقَّى هذا الدعم نقدًا. وكذلك فسوف يشكِّل استخراج تأشيرات السفر مشكلة عسيرة أخرى.
نحتاجُ – نحن المشتغلين بالعلوم التجريبية – إلى المعدَّات، لكن العقوبات سوف تحرمنا من شرائها. ومحظور الحصول أي تلسكوب يتجاوز حجمه 35 سنتيمترًا، مثلًا، لأنه سيعدُّ وسيلةً للتجسس. تخيَّل، تُفرض العقوبات على تلسكوب!
إن كان لابُدَّ من فرض عقوباتٍ، فلتُفرَض على وزير العلوم والتعليم. ينبغي ألا أن يستخرج رؤساء الجامعات تأشيرات سفرهم بسهولة، وينبغي حرمانهم من الدخول في شراكاتٍ علمية أيضًا؛ ذلك أنهم لم يتقلدوا مناصبهم بفضل كفاءتهم العلمية، بل بفضل موالاتهم للحكومة.