افتتاحيات
كيف ينبغي للعالم مواجهة حرب طالبان على النّساء والفتيات؟
حكام أفغانستان، بعد اثني عشر شهرًا من استيلائهم على السلطة، أوصدوا الباب أمام فرص تعليم الفتيات والنّساء وتوليهن أدوارًا قياديّة، فهل عزلُ هذا البلد هو ردّ الفعل المناسب؟
- Nature (2022)
- doi:10.1038/d41586-022-02284-9
- English article
- Published online:
عندما استولت حركة طالبان على السلطة في أفغانستان، في أغسطس من العام الماضي، أعرب كثيرون عن مخاوف مشروعة من عودة البلد إلى الأوضاع التي سادت به إبان أول مرة حكمته فيها الحركة بين عامي 1996 و2001. فآنذاك، أغلقت مدارس البنات في البلد أبوابها، ومُنعت النساء من العمل أو لعب دور في الحياة العامّة. وانتشرت حوادث الاغتصاب والعنف ضد النّساء.
أمّا اليوم، فمدارس البنات الابتدائية ما زالت مفتوحة، وبعض النّساء تعملن. ولم تعد القيود على النّساء إلى ذاك العهد السابق. ويعود ذلك في جانب منه إلى أنّ أفغانستان اليوم اختلفت عنها في عام 2001. ققد شهدت البلاد في السنوات بين حكم طالبان الأول وحكمها الثاني ثورة معرفية وتقنية، وزيادة كبيرة في فرص العمل، وهو ما حفَّز ظهور جيل من الشباب الطموح عالي المهارات. وهم اليوم يخوضون معركة وجودية، للحيلولة دون وقوع البلد من جديد في براثن التأخر والتخلف. وهم، لا سيما الفتيات والنّساء منهم، في حاجة إلى أن يمنحهم العالم دعمه الكامل، بالمال، وبالموارد، وبكلّ طريقة مُمكنة. وينبغي للبلدان التي عمدت إلى عزل حركة طالبان احتجاجًا على سياساتها القمعيّة، أن تُقيّم عواقب لجوئها إلى هذا الخيار، وأن تتساءل ما إذا كان قد أَتَى ثماره، أم لا.
لقد أصبح قَمعُ حركة طالبان للفتيات والنّساء واقعًا نشهده يوميًا. فهناك، فتحت الجامعات أبوابها، واستُأنف التدريس في الفصول التعليمية، لكنّ مع الفصل بين الذكور والإناث. ومُنعت النساء رسميًا من تدريس الذكور. كما حُظر تقلدهن لمناصب يدرن أو يشرفن فيها على فرق عمل تشتمل على رجال. ومن ثَمّ، يتعذر توليهن لمناصب التدريس الجامعية أو قيادة الفرق البحثية. وغالبيتهن لا يُسمح لهن بشغل مناصب إدارية عليا أو العمل في مجال الدّعم الفنّي. وأصبح لزامًا على النّساء، في سبيل الاحتفاظ بوظائفهنّ، القبول بتخفيض رواتبهن ودرجاتهنّ الوظيفيّة. وتوقّفت الدورات التعليمية والمشروعات البحثية إن لم يتوفر أعضاء هيئة تدريس، أو باحثون من الرجال، وهو ما خلق حالة من الفوضى وعدم الاطمئنان بين الطلّاب.
وقد أفادت مصادر عديدة بأن الفتيات في سنوات المراهقة في البلد يُحظر تمامًا التحاقهن بالمدارس لتلقي العلم. وكان من تبعات ذلك أن أسّس مئات من العاملين بالتدريس مدارس غير رسمية، أكثرها سِريّ، لتمكين الفتيات من مواصلة تعليمهنّ. لكنّ الواقع هو أنه ما لم يُرفع حظر التحاق الفتيات بصفوف التعليم الثانوي، ففي غضون سنوات قليلة، لن تكون هناك فتيات في المدارس الثانوية. ومن ثَمّ، سينعدم التحاق النساء بمراحل التعليم العالي وخوض المجالات البحثية.
"يبدو أنّ الضغط على نظام طالبان بحرمانه من التمويل والمعونات الماليّة لم يؤتِ ثماره".
هذه التطوّرات دفعت الحكومات وجهات التعاون العلمي إلى التصدي لنوع العلاقة التي ترغب في أن تجمعها بنظام حكم طالبان. فبعض البلدان، ومنها الصين، والهند، وإيران، وباكستان، تستضيف طلّابا وباحثين أفغان من الجنسين في جامعاتها. كذلك ترصد الصين تمويلات لهيئات التعليم العالي في أفغانستان، جزء منها توفره مبادرة «الحزام والطريق» الصينية. وقد أفادت مصادر بأن وانج يو، سفير الصين في أفغانستان، قد افتتح في وقت سابق من شهر أغسطس الماضي قاعة مؤتمرات جديدة، ومبنًى تعليمي في جامعة كابول.
على طرفٍ النقيض، ينصب اهتمام حكومات أوروبا وأمريكا الشماليّة بدرجة أكبر على تقديم المعونات الإنسانيّة الضرورية. إذ أوقفت تلك الحكومات تمويلها للبحث العلمي وبرامج التدريب ومنح التعاوُن الثنائي الدراسية (وهي منح تُعتمد على أساس اتفاق بين حكومتين). وقد كان لهذه الإجراءات تبعات غير مرجوة، لا بدّ من تقصيها وتناوُلها بالدراسة، لإرشاد التدابير التي تتخذها تلك الحكومات مستقبلًا. وقد كان أول هذه التبعات هو أن حكومة طالبان لا تزال تُصرّ على رفض السماح بتعليم الفتيات البالغات، وعلى حرمان النّساء من العودة إلى تقلّد المناصب القياديّة. ويبدو أنّ الضغط على نظام طالبان بحرمانه من التمويلات والمعونات الماليّة لم يؤتِ ثماره. أما ثاني التبعات، فهو أن الجامعات تضررت بتلك الإجراءات، إذ إن باحثيها لم يعد بمقدورهم تأسيس شراكات تعاوُن بحثي، مع نظراء من مختلف دول العالم. وعليه، يواجه علماء أفغانستان وباحثوها خطرًا جسيمًا بتجديد عزلهم عن سائر العالم.
وهنا نتساءل: لم لم يغيّر عزل حركة طالبان سلوكها؟ وما الاختلافات القائمة في وجهات النّظر بين مختلف فصائل طالبان؟ وما أصل هذه الاختلافات؟ وهل أدّى قطع التمويلات والدعم المالي عن الحركة أيضًا إلى قطع العلاقة مع أفرادها الذين يتبنّون أجندة مختلفة، أكثر انفتاحًا نسبيًّا؟ يجب العثور على إجابات عن هذه التساؤلات وغيرها، من خلال مراجعة وتقييم منهجيين.
تعزيز التغيّرات الإيجابية
بينما تبحث دول العالم عن إجابات لتلك التساؤلات، ينبغي لها أن تتقصى أيضًا الإجراءات الأخرى الممكنة لدعم التطوّرات الإيجابيّة التي من شأنها أن تقود إلى المستقبل الذي يستحقه شباب وفتيات دولة أفغانستان، ويتطلّعون إليه. وأحد أوجه هذه التطوّرات هو التوسّع في التعليم عن بعد من خلال شبكة الإنترنت. على سبيل المثال، الجامعة الأمريكيّة في أفغانستان، ومقرها الطبيعي هو مدينة كابول، تعتزم بدء تقديم دورات دراسية كاملة على الإنترنت. ومن شأن هذا أن يتيح لكلا الجنسين في كلّ أنحاء البلد التواصل مع الهيئة التدريسيّة في الجامعة، والوصول إلى مقرّراتها، وهو ما لم يسنح من قبل. وبعض هذه المقرّرات يقدمها باحثون اضطروا إلى مغادرة أفغانستان لبدء حياة جديدة خارجها. وفي وسع الجامعات الأخرى أن تَدرُس هذه التجربة وأن تتوسّع في طرح مقرراتها بهذه الطريقة.
وفي الواقع، قد تظلّ حركة طالبان في الحكم لبعض الوقت. ويدرك الباحثون الذين آثروا البقاء في البلد ذلك. وهم يظهرون شجاعة وبسالة في التصدي لقيادات البلد، سعيًا إلى البرهنة على أنّ المساواة في الحقوق، ودعم البحث العلمي، والمنح العلمية ، وتقبُّل الاختلاف في الرأي جميعها من المقومات الثمينة لبناء الأمم.
وقد كتب عبيد الله بهير المختصّ في العلوم السياسية الأسبوع الماضي في صحيفة واشنطن بوست أن هذه مهمة جسيمة، وتستلزم بعض الوقت. كما تتطلب دعمًا عالميًا. ولا يمكن أن يتحقق هذا الدعم بعزل أفغانستان عن المجتمع الدولي، كما حدث في عام 1996. فقد تغيّرت أفغانستان، ومن المنطقي أن يُراجع العالم كيف كانت استجابته لهذا التغيير حتّى الآن، وأن ينظر في ما إذا كانت تلك الاستجابة ينبغي لها أن تتغيّر بدورها.