أنباء وآراء

دراسة لآذان ثدييات تكشف أسرار ميلاد تنظيمها لحرارة أجسامها

قد يساعد تحليل أجراه فريقٌ بحثيّ لعيِّنات من أحافير الأذن الداخلية لكائنات مختلفة، في الوقوف بدقة على أحداث الإطار الزمني لأحد التحولات بالغة الأهمية في مسيرة تطوّر الفقاريات، وهو اكتساب أسلافنا من أشباه الثدييات القدرةَ على التحكُّم في ارتفاع حرارة الجسم والاحتفاظ بهذه الحرارة.

ستيفان جلازاوار، وهانس ستراكا
  • Published online:

بعكس بعض أقارب البشر من الكائنات التي تتميز بتقلُّب درجة حرارة أجسامها، مثل الزواحف والبرمائيات، تحافظ أغلب الثدييات على استقرار درجة حرارة أجسامها نسبيًا. ويُعد اكتساب هذه القدرة – فيما يُعرف بخاصية تنظيم حرارة الجسم داخليًا – خطوة كبيرة في مسيرة تطوُّر هذه الكائنات. وفي هذا السياق، يستعرض الباحث ريكاردو أراوجو وفريقه البحثي2 نتائج تحليل لبيانات أحافير، يطرحون من خلاله طريقة مبتكرة لتقدير زمن نشوء هذه القدرة التنظيمية.

تجدر الإشارة إلى أنه في محاولة لتفسير بدء ظهور القدرة على تنظيم درجة حرارة الجسم داخليًا، كانت ورقة بحثية قديمة قد أشارت3 إلى أن هذه الوظيفة الفسيولوجية نشأت حين اكتسبت الحيوانات القدرة على بذل درجات عالية من النشاط البدنيّ، نتيجةً لتنامي قدرتها الأكسجينية (الحد الأقصى للقدرة على استهلاك الأكسجين). بتعبير أبسط، مقارنة بالحيوانات التي لا تملك قدرة على تنظيم درجة حرارة أجسامها داخليًا، اكتسبت الحيوانات التي تتمتع بهذه القدرة براعة في امتصاص الأكسجين واستهلاكه لتوليد الطاقة، وهو ما مكَّنها أيضًا من بذل النشاطٍ العضليّ بكفاءة للتحرك سريعًا.

إلا أن سرعة الحركة تتطلَّب كفاءةَ في موازنة وضع الجسم، وتثبيت النظر. وهنا، تلعب الأذن الداخلية دورًا، إذ تحتوي على مستشعرات للحركة، تتتبَّع حركات الرأس، لِتوفِّرَ للدماغ المعلومات اللازمة لضبط الاتجاه. وهي تشبه أجهزة الاستشعار التي تحتويها الهواتف الذكيّة. بَيْدَ أن مستشعرات الأذن تعمل على نحو مختلف عن نظيراتها الرقميّة.

مستشعرات الحركة الدورانية في الأذن هي القنوات الهلاليّة، التي تعتمد في وظيفتها على القصور الذاتيّ لسوائل الجسم. إذ إن دوران الرأس يُسبب دورانًا عكسيًا نسبيًا لسائل في قنوات الأذن الداخلية (يُسَمَّى باللمف الداخليّ) (شكل 1). وترصد الخلايا الشَعريّة الحساسة للحركة في الأذن هذه الحركة، فتُصْدِرُ إشارات خلويّة عصبيّة تنتقل إلى مناطق معيَّنة من الدماغ. بيد أن وظيفة القنوات الهلاليّة لا تتحدد بأبعادها وحسب4، بل تحسمها أيضًا لزوجة اللمف الداخليّ. وتنخفض لزوجة  هذا السائل سريعًا مع ارتفاع درجة الحرارة. وبالتالي، فإن تطوير القدرة على رفع درجة حرارة الجسم مع ثبات الحدود التي يمكن عندها عمل وظيفة الاستشعار في الأذن الداخلية يستلزم حدوث تغيرات في حجم القنوات الهلالية، تعوض هذا التأثير في اللزوجة (شكل 1). وبالتالي، فإن تعويض تأثير تزايُد سيولة اللمف الداخليّ، مع ارتفاع درجة الحرارة، يتطلب تضيًّق ممر قناة الأذن الداخلية، كي تحافظ على خصائصها الديناميكيّة.

شكل 1 | العلاقة بين الأذن الداخليّة ودرجة حرارة الجسم. أ: تعمل القناة الهلاليّة الأفقيّة في الأذن الداخليّة للثدييات (تظهر في الصورة من منظرٍ علويّ) كمستشعرات للحركة، لتوفِّر معلومات للدماغ عن دوران الرأس. ويحتوي ممر هذه القناة على سائل اللمف الداخليّ اللزج، الذي لا يتحرَّك (كما تشير النقطة المرجعيّة، التي تظلّ في نفس موضعها). وحينما يستدير الرأس، يتحرَّك الموضع النسبيّ للمف الداخليّ في القناة في الاتجاه المعاكس لاتجاه حركة الرأس. وبهذا ينحرف وضع القُبيبة. وهي بنية غشائيّة داخل القناة. وتستشعر الخلايا الشَعريّة هذا التغيُّر، فترسل إشارات إلى الدماغ عبر الألياف العصبيّة. ب: مع زيادة درجة حرارة الجسم الطبيعيّة للنوع، تقلّ لزوجة اللمف الداخليّ (الملون بلونٍ فاتح). ولكي يستمرّ عمل هذا النظام الحساس للحركة في الحدود نفسها، يستلزم هذا التغير في اللزوجة تطوُّر تغيرات تعويضيّة في أبعاد القنوات الهلاليّة. من هنا، ابتكر الباحث ريكاردو أراوجو وفريقه البحثي نظامًا لاكتشاف العلاقة بين بعض القيم وبعضها، يُسمَّى «مؤشر العلاقة بين الحرارة والحركة»، وهو يمثِّل طريقةً لتوقُّع درجة حرارة جسم النوع المنقرض على أساس حجم القنوات الهلاليّة وشكلها في عينات أحافيره. وهذا المؤشِّر مكَّن فريق الباحثين من توقُّع زمن بدء تطوُّر القدرة الذاتيّة على تنظيم درجة حرارة الجسم في أسلاف البشر من أشباه الثدييات (وهي الخاصيّة المسمَّاة بتنظيم حرارة الجسم داخليًا). ونظريًا، وكما يظهر في الشكل ب (وهو شكل بيانيّ مبنيّ على حسابات نظريّة باستخدام معلومات مأخوذة من المراجع 22، 44، 55)، يزداد تضيُق القناة مع ازدياد درجة حرارة الجسم، بينما لا يتغيّر حجمها الكليّ إلا بمقدار طفيف. ورغم أن البيانات التي أفاد بها أراوجو وفريقه البحثي عن الأنواع الموجودة حاليًا تشير إلى وجود نمط يرتبط فيه تضيُّق القنوات الهلالية بارتفاع درجات حرارة الجسم، إلا أنها تنمّ عن صورةٍ مختلفة تمامًا لآلية التغيرات التي تحدث في الحجم الكليّ للقناة، تتمثل في أن حجم القناة يتناقص بشكلٍ كبير مع ازدياد درجة حرارة الجسم. ومن الأسباب المحتملة لهذا الاختلاف أن الحيوانات على الأرجح تزداد قدرتها على الحركة بسرعات أعلى، بالتزامن مع ارتفاع درجات حرارة أجسامها، وهو ما استلزم زيادة قيم الحد الأقصى الذي تعمل عنده تلك الآلية. وهو ما تسبب في صِغَر أحجام القنوات الهلالية.

شكل 1 | العلاقة بين الأذن الداخليّة ودرجة حرارة الجسم. أ: تعمل القناة الهلاليّة الأفقيّة في الأذن الداخليّة للثدييات (تظهر في الصورة من منظرٍ علويّ) كمستشعرات للحركة، لتوفِّر معلومات للدماغ عن دوران الرأس. ويحتوي ممر هذه القناة على سائل اللمف الداخليّ اللزج، الذي لا يتحرَّك (كما تشير النقطة المرجعيّة، التي تظلّ في نفس موضعها). وحينما يستدير الرأس، يتحرَّك الموضع النسبيّ للمف الداخليّ في القناة في الاتجاه المعاكس لاتجاه حركة الرأس. وبهذا ينحرف وضع القُبيبة. وهي بنية غشائيّة داخل القناة. وتستشعر الخلايا الشَعريّة هذا التغيُّر، فترسل إشارات إلى الدماغ عبر الألياف العصبيّة. ب: مع زيادة درجة حرارة الجسم الطبيعيّة للنوع، تقلّ لزوجة اللمف الداخليّ (الملون بلونٍ فاتح). ولكي يستمرّ عمل هذا النظام الحساس للحركة في الحدود نفسها، يستلزم هذا التغير في اللزوجة تطوُّر تغيرات تعويضيّة في أبعاد القنوات الهلاليّة. من هنا، ابتكر الباحث ريكاردو أراوجو وفريقه البحثي نظامًا لاكتشاف العلاقة بين بعض القيم وبعضها، يُسمَّى «مؤشر العلاقة بين الحرارة والحركة»، وهو يمثِّل طريقةً لتوقُّع درجة حرارة جسم النوع المنقرض على أساس حجم القنوات الهلاليّة وشكلها في عينات أحافيره. وهذا المؤشِّر مكَّن فريق الباحثين من توقُّع زمن بدء تطوُّر القدرة الذاتيّة على تنظيم درجة حرارة الجسم في أسلاف البشر من أشباه الثدييات (وهي الخاصيّة المسمَّاة بتنظيم حرارة الجسم داخليًا). ونظريًا، وكما يظهر في الشكل ب (وهو شكل بيانيّ مبنيّ على حسابات نظريّة باستخدام معلومات مأخوذة من المراجع 22، 44، 55)، يزداد تضيُق القناة مع ازدياد درجة حرارة الجسم، بينما لا يتغيّر حجمها الكليّ إلا بمقدار طفيف. ورغم أن البيانات التي أفاد بها أراوجو وفريقه البحثي عن الأنواع الموجودة حاليًا تشير إلى وجود نمط يرتبط فيه تضيُّق القنوات الهلالية بارتفاع درجات حرارة الجسم، إلا أنها تنمّ عن صورةٍ مختلفة تمامًا لآلية التغيرات التي تحدث في الحجم الكليّ للقناة، تتمثل في أن حجم القناة يتناقص بشكلٍ كبير مع ازدياد درجة حرارة الجسم. ومن الأسباب المحتملة لهذا الاختلاف أن الحيوانات على الأرجح تزداد قدرتها على الحركة بسرعات أعلى، بالتزامن مع ارتفاع درجات حرارة أجسامها، وهو ما استلزم زيادة قيم الحد الأقصى الذي تعمل عنده تلك الآلية. وهو ما تسبب في صِغَر أحجام القنوات الهلالية.

كبر الصورة

© Replace me

وقد كانت هذه الاعتبارات مصدر الإلهام لأراوجو وفريقه البحثي في إجراء دراسة مثيرة للإعجاب مزجوا فيها بين علميْ الأحافير، والميكانيكا الحيويّة المعقّدة5، والحسابات الإحصائيّة، للاستدلال على درجات حرارة أجسام العديد من أنواع الحيوانات المنقرضة، من خلال فحص بقايا أحافير الآذان الداخلية لتلك الحيوانات. وتُسهِم هذه الدراسة في حلّ جزء من اللغز المحيط بظهور القدرة على تنظيم حرارة الجسم داخليًا، وبالأخص توقيت بداية ظهورها. ولإثبات وجود علاقة بين أبعاد القنوات الهلاليّة، والحدود اللازمة لعملها، ودرجة حرارة الجسم، وضع الفريق البحثي مؤشرًا للعلاقة بين حرارة الجسم والحركة، تحدد بناءً على علم الميكانيكا الحيويّة، واستُنتج من المُعلمات المهمة من الناحية الوظيفية عن أبعاد العظام في بِنى القنوات الهلاليّة، وهي مُعلمات تُساعِد على تقدير درجة حرارة الجسم (شكل 1). وتطرح الدراسة الحالية أدلة جديدة على توقيت بدء ظهور القدرة على تنظيم حرارة الجسم داخليًا خلال تطور الكائنات الحية، وهي أدلة مبنيّة على علاقة كميّة بين خصائص مستشعرات الحركة ودرجة حرارة الجسم. وقد استُنتجت من تحليل أنواع على ظهر الوجود حاليًا.

ولكي يتحقق الفريق البحثي من دقّة نظام توقُّع درجة حرارة أجسام الكائنات الذي صممه، حدد قيم مؤشر العلاقة بين الحرارة والحركة، لأكثر من 200 من الأنواع الموجودة حاليًا. واستنتجها من خلال تحليلات متطورة لبعض البيانات، مثل أبعاد القنوات الهلاليّة وبيانات كتلة الجسم، بغرض استحداث نموذجٍ رياضيّ يكتشف العلاقة بين قيمة «مؤشر العلاقة بين الحرارة والحركة» ودرجات حرارة الجسم المعروفة لهذه الحيوانات. وبينما لا تكشف الأحافير إلا أبعاد العظام في القنوات الهلاليّة، تُعد معرفة أبعاد أغشية هذه القنوات ضرورية لوضع قيمة مؤشر «العلاقة بين الحرارة والحركة». وقد تمكَّن الفريق البحثي من تقدير هذه الأبعاد باستخدام نماذج انحدار إحصائية. وعلى الرغم من أن دقّة توقّع درجة حرارة أجسام الكائنات المنقرضة كانت ضعيفة نسبيًا على مستوى الأنواع، إلا أن تقديراتها كانت على درجة مقبولة من الدقّة في حال الأنواع المصنَّفة ضمن فروعٍ حيويّة، وتفسر نسبة تربو على 80% من التباين في البيانات.

بعد ذلك، استخدم الفريق البحثي هذه العلاقة التي رصدها بهدف تقدير توزيعات درجات حرارة أجسام الكائنات على امتداد شجرة الأنواع محل الدراسة، اعتمادًا على قيم «مؤشر العلاقة بين الحرارة والحركة»، وذلك بالاستعانة بسجلّ أحافير لأكثر من 60 نوعًا منقرضًا. ووفقًا لهذا التحليل، فقد ظهرت قبل قرابة 230 مليون عام، أضعف صور تنظيم درجة حرارة الجسم داخليًا، والتي عرفها الباحثون مبدئيًا على أنها زيادة "مفاجئة" في قيمة «مؤشر العلاقة بين الحرارة والحركة»، وهي زيادة حدثت في العصر الترياسيّ المتأخر، خلال ما يُعْرَف بالمرحلة الكارنيّة المُمطِرة، وهي حِقبة شهدت تغيّرات مناخيّة واسعة النطاق، شملت احترارًا عالميًا، وارتفاعًا في رطوبة المناخ. ويرجِّح الفريق البحثي أن أولى الفقاريات التي اكتسبت قدرة على تنظيم حرارة أجسامها داخليًا، كانت على الأرجح من أوائل أفراد الفرع الحيويّ المعروف بأشباه الثدييات، وهي حيوانات تشبه في شكلها القوارض الكبيرة. وقد ظهرت هذه الأسلاف المشتركة المُفْتَرَضة لجميع الثدييات الموجودة حاليًا في الفترة نفسها التي شهدت ظهور أوائل الديناصورات6.

كذلك تطرح لنا دراسة أراوجو وفريقه البحثي رؤى متعمقة أخرى. فبين الأنواع الموجودة حاليًا، تزايدت قيمة «مؤشر العلاقة بين الحرارة والحركة» على نحو هائل، مع ارتفاع درجة حرارة أجسام أفراد هذه الأنواع، وعلى نحو يفوق ما قد تشير إليه التوقعات القائمة فقط على التغييرات المرتبطة بدرجة لزوجة السائل اللمفي التي تتحكم فيها درجة الحرارة، وهو ما يدل على تزايد قيمة الحد الذي تعمل عنده مستشعرات الأذن الداخلية. وقد عدَّ الباحثون هذه النتيجة دليلًا إضافيًا يبرهن على دقة نموذجهم للقدرة الأكسجينية، الذي يفسِّرون به نشوء القدرة على تنظيم حرارة الجسم داخليًا؛ فزيادة درجة حرارة الجسم تتيح بذل نشاطٍ بدنيّ أكبر، وهو ما يستلزم بدوره مستشعرات حركة ملائمة، قادرة على التأقلم مع تزايُد سرعة الحركة. بعبارة أخرى، لا يمكن الركض إلا بالسرعة التي تستطيع بها هذه المستشعرات رصد الحركة.

وتشير هذه الأدلّة إلى أن ظهور خاصية تنظيم درجة حرارة الجسم داخليًا في الثدييات في العصر الترياسيّ المتأخر، ليس بالمفاجئ كليًا، بالنظر إلى التوقعات التي أسفرت عنها دراسات أخرى تستخدم وسائل مختلفة. لكن التوقيت المحدد لظهور هذه الخاصية ليس موضع إجماع بين الباحثين. على سبيل المثال، في دراسة6 جمعت أدلة من مصادر مختلفة، مثل تطوُّر نمو الشَّعر، ومؤشرات النشاط الليلي، وبعض جوانب التركيب العظميّ، أشار الباحثون أن خاصيّة تنظيم حرارة الجسم داخليًا في الثدييات قد نشأت قبل حوالي 20 مليون سنة، أي في الفترة الانتقاليّة بين العصر البرميّ والترياسيّ.

وعلى الرغم من أن أراوجو وفريقه البحثي قد أسفروا النقاب عن تغيرَّات طرأت بخطى منتظمة في خصائص القنوات الهلاليّة، وارتبطت بزيادة في درجات حرارة أجسام الأنواع محل الدراسة، إلا أن الخلوص إلى أن نشوء القدرة على تنظيم حرارة الجسم داخليًا بالاستناد إلى الأغلفة العظميّة لمستشعرات الحركة بالأذن الداخلية تشوبه أوجه قصور. إذ إن بقايا الأحافير وكثافة اللمف الداخلي وتركيبه الجزيئي، جميعها لا تعبر عن أبعاد تركيب التيه الغشائيّ للأذن الداخليّة، وهي أبعاد ترتبط بها وظائف الأذن الداخليّة. كما أن أراوجو وفريقه البحثي افترضوا أن تركيب اللمف الداخليّ ظَلَّ بلا تغيير على مدى مسيرة تطوُّر الثدييات. في حين أن لزوجة اللمف الداخليّ في مجموعة أخرى من الحيوانات التي تنظم حرارة أجسامها داخليًا، وهي الطيور، أعلى كثيرًا7، وهو ما دفع أراوجو وفريقه البحثي إلى افتراض أن الطيور، وربما أسلافها من الديناصورات، استعاضت جزئيًا عن الزيادة في درجات حرارة أجسامها بتغيير التركيب الكيميائيّ الحيويّ للمف الداخليّ لديها.

وأبرز التحفظات بشأن مقاربة هذه الدراسة في تحديد الإطار الزمنيّ لظهور خاصية تنظيم حرارة الجسم داخليًا، هو أنها لم تتناول إلا ثلاث عيِّنات من نوع غير ثديي يسمّى probainognathians، وهو النوع الأقرب تطوريًا إلى البشر، بين الأنواع غير القادرة على تنظيم حرارة الجسم داخليًا، وفقًا لدراسة أراوجو وفريقه البحثي. وعليه، رغم أن واضعي الدراسة توخوا عناية بالغة في حساباتهم الرياضيّة والإحصائيّة المكثَّفة لإثبات أن الانحراف المُلاحَظ في قيم «مؤشر العلاقة بين الحرارة والحركة» لم يكن مجرَّد نتاج خطأ في اختيار العيِّنات، يبقى من المحتمل أن زمن بدء ظهور خاصيّة تنظيم حرارة الجسم داخليًا تفصله في واقع الحال عشرات ملايين السنين عن الوقت الذي قدر الفريق ميلاد هذه الخاصية به. ونظرًا للتباين الكبير بين قيم «مؤشر العلاقة بين الحرارة والحركة»، ودرجة حرارة الجسم في أوساط الأنواع الموجودة حاليًا، فإن بعض عيِّنات الأنواع المنقرضة المشمولة في الدراسة ربما مثَّلت حالات شاذة. مع ذلك، بالأخذ بالاعتبار التطورات الحسية التي كانت لازمة الحدوث لزيادة سرعة الحركة في أوائل الثدييات، تطرح هذه الدراسة وجهات نظرٍ جديدةً بديلة، لا شك أنها ستذكي النقاشات العلميّة6 القائمة عن توقيت بدء ظهور خاصية تنظيم حرارة الجسم داخليًا في الثدييات. 

 

References

  1. Ruben, J. Annu. Rev. Physiol. 57, 69–95 (1995). | article
  2. Araújo, R. et al. Nature 607, 726–731 (2022). | article
  3. Bennett, A. F. & Ruben, J. A. Science 206, 649–654 (1979). | article
  4. Muller, M. J. Theor. Biol. 198, 405–437 (1999). | article
  5. Rabbitt, R. D., Damiano, E. R. & Grant, J. W. in The Vestibular System (eds Highstein, S. M., Fay, R. R. & Popper, A. N.) 153–201 (Springer, 2004).

  6. Benton, M. J. Gondwana Res. 100, 261–289 (2021). | article
  7. Money, K. E. et al. Am. J. Physiol. 220, 140–147 (1971). | article

ستيفان جلازاوار يعمل بمعهد التكنولوجيا الطبيّة بجامعة براندنبورج للتكنولوجيا في كوتبوس-زنفتنبرج، 03046 كوتبوس، ألمانيا. أما هانس ستراكا، فيعمل بكليّة البيولوجيا بجامعة لودفيج ماكسميليان في ميونيخ، 82152 بلانِج، ألمانيا.

البريد الإلكتروني للكاتبين: Stefan.glasauer@b-tu.de،straka@lmu.de