موجزات مهنية

كيف يسبب التمييز على أساس الوزن آلامًا في بيئة العمل؟

أعرب باحثون من أصحاب الوزن الزائد عن صور الضرر التي يُلحقها التمييزُ على أساس الوزن بمسيرتهم المهنية وسلامتهم النفسية. بَيْدَ أن إدخال تغييرات إلى بيئة العمل، يمكن أن يحدّ من شعورهم بالوصم.

كاري أرنولد

  • Published online:
تخوض ثيو (تشيلسي) نيوبولد دراسات للحصول على درجة الدكتوراه في أمراض النبات، تركز تحديدًا على نبات الذرة.

تخوض ثيو (تشيلسي) نيوبولد دراسات للحصول على درجة الدكتوراه في أمراض النبات، تركز تحديدًا على نبات الذرة.

Credit: Gretchen Kuldau

كان من المفترض أن تكون المهمة الأولى التي كُلِّفت بها ثيو (تشيلسي) نيوبولد في مجال الكيمياء سهلة؛ إذ طُلب إليها شراء معطف مختبر أبيض. بَيْدَ أن العاملين في المتجر الكائن بالحرم الجامعي لم يتمكّنوا من العثور على معطف يناسبها، فقد كان أكبر مقاس متوافر من الحجم XL (أي حتى المقاس 18 وفق معايير مقاسات الملابس الأمريكية)، بينما احتاجت نيوبولد إلى مقاس 3XL (أي مقاس أكبر من 20 وفق معايير المقاسات نفسها). ودون ارتداء معطف المختبر، لم يُسمح للطلاب بحضور درس الكيمياء.

بخصوص ذلك، تقول نيوبولد: "جعلتني تلك التجربة أشعر بالإقصاء إلى حد كبير. فأمور كهذه، رغم بساطتها النسبية، من شأنها أن تُثبت انتماءَك إلى المكان من عدمه".

عرض العاملون في المتجر على نيوبولد أن يطلبوا لها المقاس الأكبر الذي احتاجت إليه، لكن المسألة كانت ستستغرق بعض الوقت، ورفاهية الوقت لم تملكها نيوبولد وأقرانها من أصحاب الوزن الزائد، في حين لم يُضطر نظراؤهم في الفصل إلى الانشغال بتلك المسألة. كان هذا الموقف أولى تجارب نيوبولد مع قضية التحيّز على أساس الوزن في المجال العلمي.

من هنا، تقول نيوبولد، التي تخوض الآن دراسات الحصول على درجة الدكتوراه في علم أمراض النبات من جامعة ولاية بنسلفانيا في يونيفرسيتي بارك: "لا يأخذني الناس على محمل الجد باعتباري من أصحاب الوزن الزائد".

 

تجدر الإشارة إلى أن وصم مَن يعانون البدانة ينتشر ويتوغَّل في جميع الأماكن، والمجال العلمي ليس استثناءً من هذه الظاهرة. ففي عالم حافل بالرسائل التي تتناول مخاطر البدانة، وبقوائم لا حصر لها لطرق إنقاص الوزن، لا عجب في ظهور ممارسات التحيُّز على أساس الوزن في دنيا العلوم، كما هي الحال في أي مجال آخر، على حد قول كات بوزيه، اختصاصية علم الاجتماع والناشطة في مجال دراسات الدهون، التي عملت في جامعة مايسي بمدينة بالمرستون نورث في نيوزيلاندا. (أُجريت هذه المقابلة مع بوزيه لإعداد هذا المقال، قبل وفاتها المفاجئة في مارس الماضي).

مع ذلك، لم يحظَ التحيُّز على أساس الوزن -الذي يُمكن تعريفه على أنه تعصُّب ضد الأشخاص من ذوي الوزن الزائد- سوى باهتمام ضئيل. فمع أن البحث عن وسوم على منصة التواصل الاجتماعي «تويتر» Twitter، مثل «مغايري الهوية الجنسية في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات» #queerinSTEM و«السود في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات» #blackinSTE يكشف وجود آلاف التغريدات بخصوص هذه القضايا، فإن وسومًا مثل «بدناء في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات» #fatinSTEM و«بدناء في الأوساط الأكاديمية» #fatinacademia لا تجد لكل وسم منهما سوى رسالة واحدة، دلَّت على أنه حتى أولئك الباحثين الذين لا يجدون غضاضة في أوزانهم يواجهون ممارسات الوصم بصورة ملحوظة.

وجدير بالذكر أن مسألة التحيُّز على أساس الوزن لم تحظَ بكثير من الاهتمام، وهو أمر لا عجب فيه من منظور كيت تيرول، اختصاصية علم النفس السيبراني من معهد نيوجيرسي للتكنولوجيا في مدينة نيوآرك الأمريكية، التي تقول في هذا الصدد: "يحبّ الأكاديميون التشدُّق بقبول [الصور الأخرى] من تنوّع أطياف البشر، إلا أن تنوُّع الأحجام والأوزان لا يشغل الحيز نفسه من هذا الخطاب". فضلًا عن ذلك، يبرِّر كثير من زملاء تيرول تحيّزاتهم باستخدام حجج من عينة أن "البدانة مُضرّة بالصحة".

شاركت تيرول وبوزيه في حركة نشطة لكن صغيرة النطاق، تهدف إلى تشجيع العلماء على إظهار الترحيب بالأشخاص على اختلاف أوزانهم وأحجامهم. فالتصورات الخاطئة القائمة على أن حجم الجسم مسألة تتعلق بقوة الإرادة، تُسهم في تأجيج التحيّز ضد الأشخاص الذين يعانون زيادة الوزن، وهي وجهة نظر شائعة، لكن تترتب عليها عواقب سلبية لأنها لا تلحق الضرر بالوظائف والإنتاجية فحسب، بل تضر أيضًا بالصحة النفسية والبدنية لبعض الناس.

من هنا، تقول نيوبولد إن تغيير بعض المواقف والاتجاهات في أماكن العمل، والاستعانة بتدابير من شأنها تحسين جودة حياة الباحث اليومية وإنتاجيته ليسا بالمهمة المستحيلة (انظر "الترحيب بجميع الأوزان في أماكن العمل"). ومن شأن هذه التغييرات أيضًا أن تجعل المجال العلمي مفتوحًا للجميع. 

التحيُّز ضد أصحاب الوزن الزائد

مجتمعات عديدة حول العالم غارقة في سلوكيات التحيّز وإلحاق الوصم بذوي الوزن الزائد. وقد وجد علماء نفس أن الأطفال في نيوزيلندا قد نشأ بينهم تفضيل للأجسام النحيفة أو "متوسطة الحجم"، قبل حتى بلوغ الثالثة من العمر1. وهذا التفضيل لا يتغيّر بمرور السنوات، على حد ما أفادت به تيرول وعلماء آخرون يُوصفون بأنهم من أصحاب الوزن الزائد. إذ أعرب كثيرون عن أن تعرّضهم للمضايقة والتنمر على أساس الوزن، ظل جزءًا من حياتهم اليومية، بدءًا من مرحلة الدراسة الابتدائية، حتى نقطة لاحقة من حياتهم. 

كذلك قد تغدو التأثيرات الناتجة عن التحيّز على أساس الوزن أسوأ بين أوساط البالغين. على سبيل المثال، يزيد قياس مؤشر كتلة الجسم (BMI) لدى أكثر من 80% من أفراد الشعب الأمريكي على 25 (ووفقًا لتعريف معاهد الصحة الوطنية الأمريكية، يندرج هؤلاء تحت فئة "ذوي الوزن الزائد"). كما أن مؤشر كتلة الجسم لدى أكثر من 50% من المواطنين الأمريكيين يزيد على 30 (وهي حالة تُوصَف بـ "البدانة"). رغم ذلك، فإن التمييز على أساس الوزن واسع الانتشار في شتّى أنحاء المجتمع الأمريكي. على سبيل المثال، في إحدى الدراسات، أفاد ما يقرب من 60% من البالغين الأمريكيين بتعرُّضهم لممارسات وصم نتيجة وزنهم الزائد2

بَيْدَ أن هذه الظاهرة ليست مقصورة على الشعب الأمريكي. فقد تزايد متوسط ​​مؤشر كتلة الجسم في مناطق كثيرة من العالم على مدار العقود القليلة الماضية. بالإضافة إلى ذلك، في منعطف جديد للقضية، تزايد الإقرار بأن التحيُّز على أساس الوزن يُمثّل مشكلة، في الولايات المتحدة وفي حفنة قليلة من الدول الأخرى، من بينها أستراليا ونيوزيلندا والمملكة المتحدة. وقد شرعت دول عديدة في تبنّي تدابير جديدة للتصدي لتلك المشكلة.

في هذا السياق، يرى روبرت روزنكرانس، الذي يدرس للحصول على درجة دكتوراه الطب في تخصص الغدد الصماء العصبية من جامعة ألاباما في مدينة برمنجهام الأمريكية، أن المشكلة تبدأ من اللغة المستخدمة في مناقشة هذه القضية. على سبيل المثال، يُشار عادة إلى تلك المشكلة بوباء البدانة، بَيْدَ أن التعريف الحقيقي للوباء لا ينطبق عليها، على حد قول روزنكرانس، الذي لا ينكر ارتفاع متوسط الأوزان في جميع أنحاء العالم، إلا أنه يستدرك قائلًا إنه: "لم تحدث قط زيادة هائلة في عدد الأشخاص الذين يتجاوز مؤشر كتلة الجسم لديهم حدًا معينًا، قُدر اعتباطًا". ومع ذلك، حسبما يضيف الباحث، فإن وصف المشكلة بأنها وباء، يؤسس لاعتبار أصحاب الوزن الزائد مرضى بطبيعتهم، وبأنهم مصدر تهديد.

كذلك تشوب إشكاليات طرق التصدي للبدانة عبر تدخلات الصحة العامة. إذ يوصي كثيرون بالتوعية بالمسألة باعتبارها وسيلة لمساعدة الأشخاص على إنقاص أوزانهم، ولتعليمهم انتقاء العناصر الغذائية منخفضة السعرات الحرارية في قوائم الطعام، أو استخدام طريقة الخَبْز بدلاً من القلي، في إعداد أطباق الطعام. تعقيبًا على ذلك، تقول تيرول إن صوغ القضية في هذا الإطار ربما يفسر لماذا يميل كثير من أصدقائها للنظر إلى من يعانون البدانة على أنهم أشخاص يفتقرون بدرجة ما إلى الذكاء الكافي الذي يُمكِّنهم من الحفاظ على مؤشر كتلة الجسم لديهم عند مستويات أقل.

وعليه، تقول تيرول: "ليس من الكياسة أو اللطف أن تشير إلى أنه بمقدورك أن تجزم بما يعرفه شخص ما مِن خلال بنيته الجسدية".

يزيد الطين بلّة الاعتقاد الخاطئ بأن كل شخص بمقدوره التحكم في وزنه. فلو طبَّقنا هذا المنطق الخاطئ على أي شخص من أصحاب الوزن الزائد، سيكون من الحتمي أن وزنه الزائد يرجع إلى التهامه كثيرًا من الطعام، وممارسته قليلًا جدًا من التمرينات الرياضية. لذلك، بالتبعية، يفترض كثيرون أن فقدان الوزن لا يتحقق إلا بتناوُل كميات أقل من الطعام، وممارسة مزيد من التمارين. وقد ألِف مادز تانج-كريستنسين هذا التوجه الفكري. فقبل أن يترك منصبه كنائب رئيس شؤون البحث العلمي في شركة «نوفو نورديسك» Novo Nordisk في كوبنهاجن الشهر الماضي، كان قد أمضى عدّة عقود في المشاركة بأبحاث متعلقة بالبدانة لفهم الآليات البيولوجية العصبية المنظِّمة لاشتهاء الطعام. وبالنظر إلى أنه بدوره، بحسب التشخيصات الطبية، مصاب بالبدانة، فقد أدرك تمامًا أنه من الممكن أن يتبع تعليمات الأطباء بالحرف الواحد، ولا ينقص وزنه، شأنه في ذلك شأن كثيرين ممن يعانون وزنًا زائدًا.

درس مادز تانج-كريستنسين، الذي أفاد التشخيص الطبي لحالته بإصابته بالبدانة، الآليات البيولوجية العصبية لعملية اشتهاء الطعام.

درس مادز تانج-كريستنسين، الذي أفاد التشخيص الطبي لحالته بإصابته بالبدانة، الآليات البيولوجية العصبية لعملية اشتهاء الطعام.

Credit: Novo Nordisk/PR

ويقول تانج-كريستنسين إنه شخصيًا لم يتعرَّض قط للوصم بسبب إصابته بالبدانة خلال فترة عمله، إذ وعى زملاؤه بأهم المستجدات في أبحاث البدانة. وقد أخذت دراسات تكشف الطبيعة المعقدة لعملية اشتهاء الطعام (بمعنى الآليات التي تحكم مدى شعور الشخص بالجوع أو الشبع) ولعملية التمثيل الغذائي (أي آلية استهلاك الجسم للطعام). وتساعد التفاعلات بين هاتين العمليتين على التحكم في وزن الجسم3. ومن ثمَّ، فإن فقدان الوزن أكثر تعقيدًا من مجرد محاولة موازنة "السعرات الحرارية الداخلة" إلى الجسم مع "السعرات الحرارية الخارجة" منه.

في هذا الإطار، يقول كريستنسين: "ظللتُ أعاني البدانةَ طوال حياتي. ويُضفي هذا قدرًا من المشروعية على حديثي إلى الحشود" بخصوص أبحاث الشركة.

وتجدر الإشارة إلى أنه حتى مع وفرة الأبحاث التي توضّح العوامل الوراثية والبيئية التي تؤثر في وزن الجسم، فإن ذلك لم يؤدي إلى توقف ممارسات التحيّز على أساس الوزن في بيئات العمل. فغالبًا ما يُنظر إلى الأشخاص الذين يعانون وزنًا زائدًا على أنهم يفتقرون إلى قوة الإرادة4، وأنهم أقل صلاحية للتوظيف5 من نظرائهم ممن يتصفون بالنحافة. ونتيجة لذلك، تقل احتمالية أن يعاود أرباب العمل الاتصال بهم لإجراء مقابلة عمل ما، أو لعرض وظيفة عليهم، أو أن يُمنحوا أجرًا مماثلًا لنظرائهم الأقل وزنًا6. ولا شك أن كل هذه العقبات تعوق قدرة الأشخاص على إحراز تقدم في حياتهم المهنية.

وقد وجدت دراسة أخرى أن الصور النمطية السلبية بشأن البدانة جعلت التدريب في بيئات العمل أقل فاعلية لأصحاب الوزن الزائد7. ويمتدّ هذا التحيُّز أيضًا إلى المستويات الإدارية للمؤسسات. فقد أوضح باحثون أن امتلاك بعض مديري الأعمال التنفيذيين محيط خصر أكبر، ارتبط بحصولهم على تقييمات سلبية فيما يتعلق بمهاراتهم القيادية وسماتهم الشخصية8. كما يرتبط التمييز على أساس الوزن ارتباطًا وثيقًا بالنوع الجنسي للشخص. فقد وجدت إحدى الدراسات أن احتمالية تعرُّض النساء للتمييز على أساس الوزن في بيئة العمل أكبر بمقدار 16 مرة منها بين الرجال9. (وعلى الرغم من أن هوية المرء الجنسية غير ثابتة، ولا تندرج تحت ثنائيًة، فإن الدراسة لم ترصد سوى هاتين الهويتين الجنسيتين).

وتجدر الإشارة إلى أن الأوساط الأكاديمية ليست استثناءً من القاعدة فيما يتعلق بممارسات الوصم على أساس الوزن في بيئة العمل، بَيْدَ أن ممارسات التحيز في هذه الحالات نادرًا ما تشغل حيزًا في المناقشات ذات الصلة بالترقيات. على سبيل المثال، على الرغم من أن الجمعية الأمريكية لعلم الاجتماع وجدت أن ممارسات التمييز القائمة على أساس الجنس والعِرق والنوع والتوجّه الجنسي قد تنتج عن الاعتماد على تقييمات الطلاب لعملية التدريس لدى البتّ في قرارات تثبيت أصحاب الوظائف الأكاديمية في مناصبهم، لم تتطرق الجمعية إلى التحيُّز على أساس الوزن ضمن جملة تلك الممارسات. وبالنظر إلى أن من يعانون وزنًا زائدًا لا يوائمون الصورة النمطية التي ينبغي أن يظهر بها الأستاذ الجامعي10، فربما يؤثر التحيُّز على أساس الوزن في الدرجات التي يضعها الطلاب لتقييم معلميهم.  

الآثار الفادحة للتحيُّز على أساس الوزن

إن التأثيرات الناجمة عن التحيز الخفي على عوامل مثل قرارات التوظيف والإقالة والتثبيت والترقية والرواتب، تستند إلى وقائع ثابتة وموثَّقة. مع ذلك، فثمة ممارسات أخرى أقل وضوحًا تجعل المجال العلمي أقل ترحيبًا بمن يعانون البدانة.

على سبيل المثال، تحكي بوزيه عن نبرة تحيُّز خفيّة، سادت استراحات تناوُل الشاي الصباحية التي اعتادت تشاركها مع زملائها الأكثر نحافة، حين كانوا يتطرقون إلى رغبتهم في إنقاص أوزانهم خلال وجودها، ويشيرون إلى ارتكابهم "جرمًا" إن أكلوا قطعة من الكعك، وما إلى ذلك. شعرت بوزيه أن الرسالة الموجهة إليها واضحة: "لا نريد أن نبدو مثلك، وسنفعل كل شيء للحيلولة دون ذلك". ولما شعرت بوزيه بأنها ليست موضع ترحيب، توقفت عن حضور تلك الجلسات. ولا شك أن تفويت تلك الفرص للتواصُل غير الرسمي قد تكون له تداعيات على امتداد المسيرة المهنية للعلماء، لأنهم يخسرون فرصًا لبناء علاقات مع زملائهم في العمل، وللإحاطة بالفرص المتاحة الجديدة. ونتيجة لذلك، تقول بوزيه: "أصبح عددنا بين الباحثين الذين يتمكنون بالفعل من إتمام دراسات الدكتوراه، والدخول في مصاف العلماء ضئيلًا للغاية".

غير أن التحيُّزات القائمة على أساس الوزن ليست كلها خفية. على سبيل المثال، في عام 2013، اندلعت عاصفة إلكترونية على منصة التواصل الاجتماعي «تويتر» Twitter عندما نشر جيفري ميللر، عالم النفس من جامعة نيو مكسيكو في ألباكِركي، تغريدة صرّح فيها بأنه ما لم يتمتع من يعانون البدانة بقوة الإرادة الكافية للإقلاع عن تناوُل الكربوهيدرات في طعامهم، فلن تكون لديهم أبدًا قوة الإرادة لإنهاء أطروحات الدكتوراه. شعرت بوزيه بغضب شديد عندما قرأت تلك الكلمات، لكنها لم تكن متفاجئة. 

عقَّبت بوزيه على تلك التغريدة قائلة: "كان ذلك تجسيدًا رائعًا وصريحًا للوصمة التي يواجهها مَن يعانون البدانة في [الأوساط الأكاديمية]. فمع أن ميللر كان الشخص الوحيد الذي جهر برأيه بوضوح، فإن ما قاله لم يختلف اختلافًا كبيرًا عما يدور بخلد معظم الناس". وقد اعتذر ميللر عن ذلك الرأي وحذف التغريدة، ووجَّهت الجامعة له انتقادًا رسميًا.

كذلك يمكن أن يؤثر الوصم بالوزن الزائد في الحياة العملية للعلماء إن صدر عن مقدّمي رعاية صحية. على سبيل المثال، كيشا راي، في إطار عملها اختصاصية في علم الأخلاق الحيوية بجامعة تكساس في هيوستن، لا تنفك عن التصدي لتأثير التحيزات العنصرية في صحة المواطنين الأمريكيين من السود. وعلى الرغم من أن وظيفتها تتيح لها فرصة فريدة للاطلاع بصورة معمقة على ممارسات التحيُّز تلك، تقول إنها رفقة زملائها يواجهون مزيدًا من الوصم النابع من كونهم يعملون في مجال الرعاية الصحية والعلوم، إذ "ينبغي ألا" يعانون البدانة، بالنظر إلى أنهم "أكثر علمًا" بأضرارها. وعندما استشارت راي طبيبها عام 2019 بشأن زيادة مجهولة السبب في وزنها بأكثر من ستة كيلوجرامات، اشتبه الطبيب في أن تلك الزيادة تعود إلى عادات سيئة في تناول الطعام، على الرغم من إصرار راي على نفي ذلك.

"لم يوجد شخص بدين سواي في محيط عملي بعالم التكنولوجيا".

وتصف راي ذلك الموقف بقولها: "تعيّن عليّ، لبدانتي ولكوني سوداء وامرأة، أن أدفع -باعتباري مريضة-بأنني أعني بنفسي".

وقد ضاعف رد الطبيب توتر راي وإحباطها بشأن زيادة وزنها، وجعلها تواجه صعوبة في التركيز 4:08 PMd مهامها. فتقول إنه لم يكن أمامها سوى التفكير في خطأ ربما تكون قد ارتكبته وأدَّى إلى زيادة وزنها. وتجدر الإشارة إلى أن التوتر المستمر الناجم عن التحيُّز على أساس الوزن قد تكون له آثار جسدية ونفسية عديدة، من بينها الزيادة المستمرة في هرمون الإجهاد المعروف بالكورتيزول، ومشكلات التمثيل الغذائي، مثل مرض السكّري، وصعوبة الحركة البدنية والاكتئاب والقلق11.

وتقول راي إن تلك الممارسات القائمة على التمييز، وكراهية البدانة، تخلق نبوءة تُحقّق ذاتها بين أوساط الأفراد ذوي الوزن الزائد الذين يسعون إلى الحصول على تعليم رفيع والترقي في وظائفهم. وفي ظل ندرة الإشارة إلى نماذج قد يُحتَذى بها من الأشخاص ذوي الوزن الزائد، تبدأ هذه الفئة الاعتقاد بأن تحقيق إنجازات مثل الحصول على درجة الدكتوراه، أو الوصول إلى منصب تنفيذي بمثابة أحلام بعيدة المنال. وتقول راي إن ضعف إشراك الأشخاص ممن يعانون البدانة في تمثيل الأطياف المختلفة يزرع في نفوس نظرائهم الأكثر نحافة اعتقادًا مفاده أن أصحاب الوزن الزائد لا يملكون في واقع الأمر المؤهلات اللازمة. وقد سعت بوزيه إلى الإسهام في التصدي لهذه السردية؛ فأطلقت مدونة على موقع «تمبلر» Tumblr عام 2013 بعنوان Fuck Yeah! Fat PhDs (حقيقة مؤكدة: بدناء حصلوا على درجة الدكتوراه). وتتضمن المدونة أكثر من 150 صورة لأشخاص، إما من المرشحين لنيل الدكتوراه، وإما من الحاصلين عليها بالفعل ممن يمكن تصنيفهم على أنهم يعانون البدانة. وصرَّحت بوزيه بأن تلك المدونة، التي تحفل بنماذج يُحتذى بها من الباحثين أصحاب الطموح، تتصدى للفكرة القائلة بأن الشخص لا يمكن أن يُعدّ ناجحًا إلا إذا نقص وزنه.

سلوكيات لو اضطلع بها الزملاء في العمل لجعلت جميع الأشخاص -على اختلاف أوزانهم- يشعرون بتقبلهم. 

يقول روبرت روزنكرانس، الذي يخوض دراسات الحصول على درجة الدكتوراه في الطب ، في تخصص الآليات العصبية للغدد الصماء بجامعة ألاباما في برمنجهام، إن خلق بيئة عمل تتسع لقبول جميع الأشخاص على اختلاف أوزانهم أمر بسيط. والسبيل إلى ذلك يتمثَّل في مقاومة السرديات الشائعة بشأن الوزن والصحة والواجب الأخلاقي. من هنا، يحرص على عدم الثناء على فقدان الأشخاص بعض وزنهم، أو التعليق على جسد شخص آخر. كما يرفض الحكم على خيارات الطعام أو العادات الغذائية للآخرين. ونتيجة لذلك، تمكَّن روزنكرانس من تقليل الحديث عن الطعام والأوزان في بيئة العمل المُحيطة به. وهو تغيير مفيد أيضًا لأولئك الذين يعانون بعض أنواع حساسية الطعام، واضطرابات الأكل.

وأحد العناصر الأخرى لخلق بيئة العمل سالفة الذكر يتمثَّل في إدخال تغييرات إلى بيئة العمل المادية. فيقول روزنكرانس إنه كلما زاد وزن الشخص، زاد العبء على مفاصله، وهو ما يعني أن الركبتين والكاحلين يمكن أن يلحق بهم التعب والإجهاد سريعًا. من ثمَّ، فإن تغطية الأرضية بنوع من الحصائر المبطنة أو المملوءة بالهلام، قد يفيد هؤلاء الأشخاص أو يُحقق مزيدًا من الراحة لأي شخص يقف ساعاتٍ أمام خزّان تصريف دخان أو طاولة مختبر. ويقول روزنكرانس إن بعض زملائه يُحجمون عن طلب مثل هذه التسهيلات لأنهم يخشون أن ينالهم قدر من اللوم والتوبيخ -بسبب معاناتهم البدانة- من جانب زملائهم في القسم، بل ومن الباحث الرئيسي. ويضيف روزنكرانس أن مثل هؤلاء الأشخاص يعتقدون عادة أنه من الأسهل عليهم التحمل والمعاناة في صمت.

كذلك يجب على قادة الفرق البحثية التأكّد من أن تصميمات المختبرات تراعي راحة العاملين بها، وتناسب أجسامهم على اختلاف أشكالها وأحجامها من خلال سؤال أفراد المختبر عن الأثاث الذي يرغبون في توفيره. ويمكن أيضًا توفير كراسي تناسب الأجسام الكبيرة، ولا تحتوي على مساند للذراعين، إلى جانب ترك مساحات كافية حول الطاولات والكراسي ليتمكن الجميع من التنقل بسهولة وعدم الشعور بالضيق.

وبالمثل، ينبغي توفير معدات حماية شخصية وملابس ميدانية تناسب الأشخاص من ذوي الوزن الزائد. على سبيل المثال، في مجموعات الفِرق البحثية التي تضم علماء إيكولوجيا على منصة التواصل الاجتماعي «فيسبوك» Facebook يتكرَّر طرح سؤال عن الأماكن التي يمكن من خلالها شراء معدات ميدانية تناسب الأشخاص ذوي الوزن الزائد. وعلى الرغم من أن صيحات الموضة التي تناسب هؤلاء قد تحسَّنت خلال العقدين الماضيين، لا يزال من الصعب العثور على بعض خيارات الملابس، مثل السراويل الفضفاضة المناسبة للعمل الميداني والأحذية والسراويل الصالحة لخوض البرك، والسترات النسائية للائي تزيد مقاساتهن على 14-16 وفقًا لجدول المقاسات الأمريكية (ما يعادل 44-46 على جدول المقاسات الأوروبية). وتقول ثيو (تشيلسي) نيوبولد، طالبة الدكتوراه في علم أمراض النبات من جامعة ولاية بنسلفانيا في يونيفرسيتي بارك، إنه فيما عدا ذلك، فإن عملية العثور على ملابس كبيرة الحجم تناسب المختبرات تبعث برمّتها رسالة واضحة مفادها "لست موضع ترحيب في هذا المكان إن كنت بدينًا".

مشكلات وحلول

تتداخل التحدّيات التي يواجهها أصحاب الوزن الزائد مع كثير من هوياتهم الأخرى. على سبيل المثال، تختلف التجارب التي تعرضت لها راي بوصفها امرأة سوداء، عن مثيلاتها التي خاضها تانج-كريستنسين بوصفه رجلًا أبيض البشرة، كما تختلف عن تجارب نيوبولد التي تُعرِّف نفسها بأنها لا تندرج تحت النظام الجندري الثنائي وبأنها من ذوي الهويات الجنسية المغايرة. وتوضّح راي أيضًا أنها تتمتع ببعض الامتيازات المالية والتعليمية التي أسهمت في حمايتها من بعض صور التحيز على أساس الوزن، التي يتعرَّض لها آخرون.

أما تيرول، فعندما عملت في شبابها مبرمجة كمبيوتر، كانت قد انتقلت مباشرةً من مرحلة الدراسة الجامعية إلى العمل في شركة خاصة صغيرة. وآنذاك، سرعان ما أدركت أن عالم المهن يميل بوضوح إلى تفضيل ذوي الأجساد التي تتوافق مع معايير اجتماعية مختلفة، من بينها البشرة الفاتحة والقوام النحيف (شريطة ألا يصل إلى حد النحافة المفرطة)، وتصفيف الشعر بطريقة معيّنة، وارتداء الأزياء "المناسبة". وقد وجدت تيرول أنها لا توائم تلك المعايير، بل لم تشعر أنه ينبغي لها أن تتأقلم معها.

بخصوص ذلك، تقول تيرول: "لو كنت رجلًا، لا أعتقد أن وزني كان سيُعد مهمًا على الإطلاق فيما يخص عملي مبرمجةً"، لكن، كما تضيف، بوصفها امرأة زائدة الوزن، نما لديها انطباع بأن زملاءها لا يُقدرون وجودها بينهم، وكانت تلك التجربة أحد العوامل التي دفعتها في نهاية المطاف إلى السعي نحو الحصول على درجة الدكتوراه. وتقول في هذا الصدد: "لم يوجد شخص بدين سواي في محيط عملي بعالم التكنولوجيا". 

وعندما تجتمع التحيزات الأخرى القائمة على هوية المرء مع السخرية من الوزن الزائد التي يتبناها عامة الناس، يمكن لتلك الثنائية أن تغرس في قلوب العلماء من ذوي الوزن الزائد شعورًا بعدم الترحيب. بَيْدَ أن بعضهم يرى أن زملاءهم في العمل بمقدورهم تبنّي سلوكيات بسيطة لشدّ أزرهم، ولإظهار القبول لهم، مثل إدخال تعديلات على بيئة العمل، أو الامتناع عن إبداء ملاحظات شخصية بخصوصهم. وترى تيرول أن توظيف مزيد من الأشخاص من ذوي الوزن الزائد ليس كافيًا، بل إن التعليقات والملاحظات التي تبدو بريئة وغير مؤذية التي تصدر عن زملاء بشأن ارتكاب "جرم" عند تناول الحلوى، وكذلك عبارات التشجيع على ممارسة الرياضة التي يكون باعثها حسن النية، تعدّ من العوامل التي تسمح باستمرار التحيُّز على أساس الوزن.

من هنا، تقول تيرول: "الحل المطلوب لإصلاح قصور تمثيل الأطياف المختلفة في بلادنا يتمثل في أن يغوص الأشخاص في أعماقهم، ليروا أن الأفعال التي تصدر عنهم من شأنها إطالة أمد التمييز القائم على أساس الوزن". 

 

 

References

  1. Ruffman, T., O’Brien, K. S., Taumoepeau, M., Latner, J. D. & Hunter, J. A. J. Exp. Child Psychol. 142, 195–202 (2016). | article
  2. Prunty, A., Clark, M. K., Hahn, A., Edmonds, S. & O’Shea, A. Obes. Res. Clin. Pract. 14, 421–427 (2020). | article
  3. Montégut, L., Lopez-Otin, C., Magnan, C. & Kroemer, G. Trends Endocrinol. Metab. 32, 264–294 (2021). | article
  4. Puhl, R. et al. Int. J. Obes. 39, 1166–1173 (2015). | article
  5. Flint, S. W. et al. Front. Psychol. 7, 647 (2016). | article
  6. Giel, K. E., Thiel, A., Teufel, M., Mayer, J. & Zipfel, S. Obes. Facts 3, 33–40 (2010). | article
  7. Shapiro, J. R., King, E. B. & Quiñones, M. A. J. Appl. Psychol. 92, 239–249 (2007). | article
  8. King, E. B. et al. Hum. Res. Manage. 55, 283–300 (2016). | article
  9. Roehling, M. V., Roehling, P. V. & Pichler, S. J. Vocat. Behav. 71, 300–318 (2007). | article
  10. Fisanick, C. Feminist Teach. 17, 237–255 (2007). 
  11. Tomiyama, A. J. et al. BMC Med. 16, 123 (2018). | article

كاري أرنولد، كاتبة مستقلة تقيم قرب ريتشموند في ولاية فيرجينيا الأمريكية.