أنباء وآراء
الأمطار الغزيرة تؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد العالمي
قد تتسبب غزارة الأمطار في خسائر اجتماعية واقتصادية كارثية للمجتمعات والبلدان. وفي تحليل للتغيرات في الناتج الإقليمي الإجمالي، يحدد الباحثون كيف يؤثر الهطول الشديد على الإنتاجية الاقتصادية عالميًا.
- Nature (2022)
- doi:10.1038/d41586-021-03783-x
- English article
- Published online:
في شهر يوليو من عام 2021، أدى هطول الأمطار بمعدل غير مسبوق إلى حدوث فيضانات عارمة، اجتاحت قارة أوروبا، وأسفرت عن انقطاع الطاقة الكهربائية عن 200 ألف منشأة. وفي الشهر نفسه، أدى هطول أمطار غزيرة، بلغ الحد الأقصى لكثافتها 201.9 ملّيمتر في الساعة الواحدة، على إقليم خنان بالصين إلى حدوث فيضانات مدمِرة (الشكل 1)، دفعت أكثر من مليون شخص إلى النزوح. وقد ألحق كل من تلك الفيضانات أضرارًا بالمنشآت قُدِرت بحوالي 12 مليار دولار أمريكي. وتلك الخسائر – سواء وقعت أثناء الأحداث المناخية المتطرفة أو في أعقابها – تمثل تأثيرًا سلبيًا مباشرًا على الاقتصاد. ولكن كيف يمكن أن يؤثر هطول الأمطار مفرطة الغزارة على الاقتصاد الكلي على نحو غير مباشر في الأمد البعيد؟ على صفحات دورية Nature، نعرض دراسة تحليلية للباحث ماكسميليان كوتز وزملائه1، تتضمن تقييمًا شاملًا للتغيرات في الناتج الإقليمي الإجمالي المرتبطة بالهطول المفرط، وتستنتج أن الزيادات في عدد الأيام الممطرة، وفي المعدل اليومي لهطول الأمطار فائقة الغزارة، من شأنهما أن يقللا بشكل كبير من معدلات نمو الاقتصاد الكلي على مستوى العالم.
حلَل مؤلفو الدراسة التقديرات السنوية العالمية للناتج الإقليمي الإجمالي في قطاعات الزراعة، والصناعة، والخدمات في 1554 إقليمًا محليًّا من 77 بلدًا، بالإضافة إلى سجلات عالية الدقة لمعدل الهطول اليومي على مستوى العالم على مدار الأربعين عامًا الماضية. والملاحَظ أن معظم التقييمات السابقة لآثار الهطول المفرط على الاقتصاد الكلي كانت تعتمد على متوسط هطول الأمطار الموسمي أو السنوي، وأن هذا المتوسط يُحسَب على مستوى البلدان. إلا أن تلك التقديرات، التي تعوزها الدقة الزمانية والمكانية، لا يمكنها رصد مدى تعقيد التأثير الذي تخلّفه أحداث الهطول المحلية على الأنشطة الإقليمية الاقتصادية. ومن خلال استخدام إحصائيات مُفصَلة، تتجاوز المتوسطات البسيطة، وربط هذه الإحصائيات بالناتج الاقتصادي على المستوى دون الوطني، أظهر كوتز وزملاؤه أن مراعاة تفاصيل الأحداث المناخية المتطرفة — مثل مكان وقوعها، وتوقيته — ربما يكون له أثر عميق على تقييم تأثيرها على الاقتصاد الكلي.
الشكل (1): تسببت الفيضانات في شهر يوليو 2021 في إجلاء جماعي لسكان مدينة ويخوي، بمقاطعة خنان، في الصين.
Credit: Feature China/Barcroft Media/Getty
غالبا ما تتسبب الكوارث الطبيعية وقت حدوثها في آثار اقتصادية سلبية مباشرة؛ لكنها قد تؤثر أيضًا بشكل غير مباشر على الإنتاجية الاقتصادية أو الناتج الإقليمي الإجمالي على الأمد الأبعد. وقد أوضح مؤلفو الدراسة أن الزيادات في عدد الأيام الممطرة، وكذا في شدة هطول الأمطار، تؤدي بوجه عام إلى انخفاض معدلات النمو الاقتصادي؛ ووجدوا أن البلدان ذات الدخل المرتفع كانت أشد تضررًا من غزارة الأمطار مقارنة بالبلدان ذات الدخل المنخفض؛ وهو استنتاج من شأنه أن يقلب الأفكار السابقة رأسًا على عقب. فالافتراض السائد هو أن تأثير الكوارث الطبيعية (بما في ذلك الارتفاعات في عدد الأيام الممطرة وفي شدة الأمطار) يكون ضئيلًا، إن لم يكن إيجابيًا في بعض الأحيان، على الاقتصادات الكبيرة المتقدمة، التي تمتلك موارد تعينها على التعافي من تأثيرات تلك الكوارث؛ وعلى نقيض ذلك، يكون التأثير سلبيًا بوجه عام في حال البلدان ذات الدخل المنخفض، لأنها تفتقر إلى التجهيزات اللازمة للتعامل مع الكوارث2.
بالإضافة إلى ذلك، تخلُص الدراسة إلى أن قطاعَي الخدمات والتصنيع يكونان أشدَّ تأثرًا من القطاع الزراعي عند مواجهة زيادة في عدد الأيام الممطرة، وفي معدل الهطول المفرط. بل الحقيقة الأمر أن كوتز وزملاءه وقفوا على أدلة مفادُها أن الإنتاجية الزراعية لا تتأثر نسبيًا بالظواهر المناخية الشاذة؛ وهي نتيجة تقف على النقيض من الاعتقاد التقليدي، الذي يذهب إلى أن الزراعة تتأثر بمعدلات الهطول الشاذة. ففي الولايات المتحدة الأمريكية، قد تتسبب غزارة الأمطار في تقليل محصول الذرة بنسبة تصل إلى 34%، وهي نسبة تماثل نسبة الخسارة الناجمة عن التعرض الجفاف الشديد3. أمّا على المستوى العالمي، فيمكن إرجاع نسبة 18-43% من التفاوت في إنتاجية محاصيل الذرة، وفول الصويا، والأرز، والقمح إلى الظواهر المناخية المتطرفة خلال الموسم الزراعي4.
سبقتْ دراسة تأثير المناخ على اقتصاد الولايات المتحدة الزراعي بالاستعانة بتقديرات توضح إجمالي إنتاجية عوامل الإنتاج في هذا القطاع؛ ويُحدد هذا المقياس الاقتصادي نسبة المخرجات المجمَّعة إلى المدخلات المجمَعة5. وأظهرت هذه الدراسة أن اعتماد الإنتاجية الاقتصادية لهذا القطاع على المناخ قد ارتفعت بقدر كبير بعد عام 1980، وأن 70% تقريبًا من حالات تفاوت النمو في إجمالي إنتاجية العوامل يمكن إرجاعها إلى الشذوذ المناخي الإقليمي. وإذا ما استمر هذا التوجه، فإن إنتاجية اقتصاد الولايات المتحدة الزراعي ربما تنخفض مع حلول عام 2050 إلى مستويات ما قبل عام 1980. وخلصت دراسة6 أخرى إلى أن التغير المناخي الجاري أدى إلى تباطؤ إجمالي إنتاجية العوامل في القطاع الزراعي على مستوى العالم بنسبة 21% تقريبًا منذ عام 1961.
صحيحٌ أن غلات المحاصيل تحددها النتيجة التراكمية للأحوال الجوية اليومية على مدار الموسم الزراعي، إلا أن وقوع القليل من الصدمات المناخية، مثل الفيضانات أو فترات الجفاف أثناء مراحل النمو المهمة، قد يلحق أضرارًا جسيمة بالمحاصيل، أو ربما يترتب عليها فقدانها تمامًا، مما يؤثر على إجمالي الإنتاجية الزراعية. تلك العوامل مجتمعةً ترجح أن القطاع الزراعي مُعرض للتأثر بهطول الأمطار الشديد. أما تقدير كوتز وزملائه أن معدل اعتماد القطاع الزراعي على المناخ كان أقل من المعدل المتوقع، فربما يشير إلى الحاجة إلى استحداث مقاييس جديدة خاصة بالمناخ؛ بالنظر إلى أن أساليب القياس المحسَّنة قد ترصد، على سبيل المثال، وعيًا بأهمية مراحل النمو، أو مراعاة لطرق الري، وغير ذلك من العوامل التي تخفف بعضًا من الآثار السلبية الناجمة عن نقص الأمطار، والارتفاعات الشديدة في درجات الحرارة. وقد يُعد الصرف الزراعي عاملًا آخر يسهم في تعقيد أثر غزارة الأمطار.
من ناحية أخرى، لم تحدِّد الدراسةُ موضع النظر الآلياتِ المسببة لتلك العلاقات الإحصائية. فقد عرّف كوتز وزملاؤه هطول الأمطار اليومي الشديد بأنه إجمالي حجم سقوط الأمطار السنوي في الأيام التي يتجاوز فيها المطر 99.9% من توزيع الأمطار في الفترة من عام 1979 حتى 2019. ويعادل ذلك احتساب المطر الذي سقط في الأيام الأغزر مطرًا فقط، من إجمالي ألف يوم. ولكن كيف يمكن لتلك الأحداث النادرة والمحلية أن تُسبب صدمات اقتصادية جسيمة، وتتفاقم مُحدثةً أثارًا بعيدة الأمد، تشمل كافة القطاعات على النطاق الوطني والإقليمي والعالمي؟ هل يرجع ذلك إلى ارتباط تلك الأحداث ببعضها في الزمان والمكان، واشتراكها مع ظواهر مناخية شاذة أخرى في إحداث تأثيرات مستمرة وواسعة الانتشار على الأنشطة الاقتصادية؟
لقد اجتاحت فيضانات عام 2021 أوروبا والصين في نفس الوقت تقريبًا، ما قد يدفعنا إلى افتراض ارتباطها ببعضها. لكن ماذا عن الثلج، والحبيبات الجليدية، والمطر المتجمد الذي صاحب الانخفاض الشديد في درجات الحرارة في ولاية تكساس قبيل وقوع الفيضانات بخمسة أشهر؟ لقد أسفرت الآثار الكلية لهذه الأحداث عن انقطاع شامل للتيار الكهربائي، تاركةً أكثر من 4.5 مليون منزل وشركة بدون كهرباء. والحقُّ أن أحداث هطول الأمطار الشديد ترتبط ببعضها من خلال شبكات معقدة من أنماط مناخية عالمية7، وربما تكون مرتبطة أيضًا بموجات الحر والبرد، وفترات الجفاف، والعواصف، وغير ذلك من الأحوال الجوية المتطرفة. والنتيجة الكلية لتلك العوامل المركبة يمكنها أن تُسفر عن تأثيرات اقتصادية هائلة في العالم. وعلاوةً على ذلك، قد يرتبط هطول الأمطار الشديد بالتغيرات الاقتصادية العالمية بفعل عولمة التجارة (فوقوع كارثة طبيعية في بقعة ما قد يؤثر على اقتصاد بقعة أخرى، إذا ما كان اقتصاد كل منهما معتمدًا على الآخر). ومن ثمَ قد تحول تلك الآليات الآثار المحلية الناجمة عن أحداث مناخية متطرفة في مكان ما إلى آثار اقتصادية إيجابية أو سلبية غير مباشرة في مكان آخر.
شهدت العقود الأخيرة تزايدًا في تكرار الهطول الشديد وكثافته، ويُتوقع أن يستمر هذا التوجه مع ظاهرة الاحترار العالمي8. وفي إطار محاولات التنبؤ بأثر تلك الزيادات، يواجه الباحثون مشكلة جوهرية، وهي أن معظم النماذج المناخية تُهوِّن من مشكلة الهطول الشديد، وبالتالي تقترن التوقعات بشكوك كبيرة. لذا، تقدم تلك النماذج تقديرات لا يمكن الاعتماد عليها فيما يخص الأثر الاقتصادي للأحداث الناجمة عن هطول الأمطار الغزيرة. لكن الاستعانة بآليات النمذجة الرقمية، وتقنيات تعلُّم الآلة (machine learning) قد تمكِّن مزيدًا من البحوث من كشف الستار عن الآليات الفيزيائية وراء زيادة أحداث الهطول الشديد، بل وتقديم حلول للتخفيف من وطأتها9. وإلى أن يتحقق ذلك، إذا استطعنا أن نكون أكثر إلمامًا بمواضع الشك في النماذج المناخية، فسوف يكون صانعو السياسات أقدر على تقييم أحداث هطول المطر الشديد على نحو أدقّ، وإدارة المخاطر الاقتصادية المرتبطة بها بشكل أكثر فاعلية.
References
- Kotz, M., Levermann, A. & Wenz, L. Nature 601, 223–227 (2022). | article
- Botzen, W. J. W., Deschenes, O. & Sanders, M. Rev. Environ. Econ. Policy 13, 167–188 (2019).| article
- Li, Y., Guan, K., Schnitkey, G. D., DeLucia, E. & Peng, B. Glob. Change Biol. 25, 2325–2337 (2019). | article
- Vogel, E. et al. Environ. Res. Lett. 14, 054010 (2019). | article
- Liang, X.-Z. et al. Proc. Natl Acad. Sci. USA 114, E2285–E2292 (2017). | article
- Ortiz-Bobea, A., Ault, T. R., Carrillo, C. M., Chambers, R. G. & Lobell, D. B. Nature Clim. Change 11, 306–312 (2021). | article
- Boers, N. et al. Nature 566, 373–377 (2019). | article
- IPCC. Climate Change 2021: The Physical Science Basis. Contribution of Working Group I to the Sixth Assessment Report of the Intergovernmental Panel on Climate Change (eds Masson-Delmotte, V. et al.) (Cambridge Univ. Press, in the press).
- Sun, C. & Liang, X.-Z. Clim. Dyn. 55, 1325–1352 (2020). | article
شين –جونج ليانج: باحث بقسم علوم الغلاف الجوي والمحيطات، وفي مركز علم نظام الأرض متعدد التخصصات، بجامعة ميريلاند، كولدج بارك، ماريلاند 20742، الولايات المتحدة الأمريكية.
البريد الإلكتروني: xliang@umd.edu