تحقيقات

شخصيات العام من «نيتشر»: عشر شخصيات أسهمت في رسم ملامح المشهد العلمي في 2021

ويني بيانيما، فريدريكه أوتو، جانج رونجكياو، تيمنيت جيبرو، تُوليو دى أوليفيرا، جون جامبر، فيكتوريا تاولي-كوروبز، جيوم كاباناك، ميجان كال، جانيت وودكوك

  • Published online:
تُبرز هذه القائمة أهم الإسهامات العلمية التي حدثت هذا العام، وتقدم بعضًا ممن لعبوا أدوارًا محورية في تحقيق هذه الإنجازات. ساهم هؤلاء الأشخاص، بالتعاون مع زملائهم، في تحقيق اكتشافات مذهلة، وأسهموا في إلقاء الضوء على قضايا مهمة. لا تمثل هذه القائمة جائزة أو تصنيفًا ما، وإنما هي من اختيار محرري الدورية، بغية لفت الأنظار إلى الإنجازات العلمية المحورية التي شهدها العام، من خلال القصص الشيقة التي يرويها أصحابها.

تُبرز هذه القائمة أهم الإسهامات العلمية التي حدثت هذا العام، وتقدم بعضًا ممن لعبوا أدوارًا محورية في تحقيق هذه الإنجازات. ساهم هؤلاء الأشخاص، بالتعاون مع زملائهم، في تحقيق اكتشافات مذهلة، وأسهموا في إلقاء الضوء على قضايا مهمة. لا تمثل هذه القائمة جائزة أو تصنيفًا ما، وإنما هي من اختيار محرري الدورية، بغية لفت الأنظار إلى الإنجازات العلمية المحورية التي شهدها العام، من خلال القصص الشيقة التي يرويها أصحابها.

Credit: Elena Galofaro Bansh

 

Credit: Erich Bartlebaugh/BuzzFeed New​s/eyevine

ويني بيانيما: نصيرة العدالة في توزيع اللقاحات

مسؤولة الأمم المتحدة التي أدركت ألا سبيل إلى تحقيق العدالة في توزيع اللقاحات إلا بخوض معركة عنيفة.

بقلم: إيمي ماكسمِن

حتى قبل البدء في إنتاج لقاحات «كوفيد-19» بفترةٍ طويلة، كانت ويني بيانيما تدرك صعوبة توزيع هذه اللقاحات توزيعً عادلًا. وفي مطلع عام 2020، كانت بيانيما من أوائل من حذّروا من خطورة اعتماد الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط في تطعيم سكانها على المِنَح الدولية وحدها. حينئذٍ، ذكرت بيانيما أن السبيل إلى ضمان حصول الجميع على التطعيمات الكفيلة بالحفاظ على صحتهم وحياتهم إنما يكمُن في التوسع في دعم الشركات المنتِجة للقاحات، ووضع خطط لتوزيعها تضمن وصولها لكل من يحتاجها.

ولكن ذلك لم يحدث. فقد تمسكت الشركات المطوِّرة للقاحات فيروس كورونا، مثل لقاح «فايزر-بيونتك» Pfizer-BioNTech، ولقاح «موديرنا» Moderna، بحقوق الملكية الفكرية، بينما استحوذت الدول الغنية على النسبة الأكبر من كميات اللقاحات. وفي الوقت الذي شرعت فيه دول عدَّة في إعطاء جرعات معزِّزة، نجد أن نسبة المطعَّمين من سكان الدول الفقيرة، الذين تلقَّوا جرعةً واحدةً من اللقاح، لا تزيد على 6%. وبفضل الخبرة التي اكتسبتها بيانيما وقت انتشار وباء «الإيدز»، كان في إمكانها أن تتنبَّأ بحدوث الهوَّة التي نشهدها الآن. فقد كانت العقاقير الكفيلة بإنقاذ الأرواح من براثن ذلك الوباء موجودة خلال السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين، إلا أنها لم تكن متاحةً في بلدها أوغندا.

ترى بيانيما، التي ترأس «برنامج الأمم المتحدة لمكافحة فيروس نقص المناعة البشرية» (UNAIDS)، الذي يهدف إلى القضاء على مرض «الإيدز» حول العالم، أن النموذج الربحي، الذي تنتهجه الشركات في التعامل مع بعض العقاقير واللقاحات، يبعث على الإحباط. وقد صرَّحت قائلة: "ليس من المقبول أن تفكر في بيع تقنية صحية من شأنها إنقاذ حياة الملايين، كما لو أنك تبيع حقيبة يد فاخرة!". وأضافت: "علينا ألا نقبل ذلك الوضع باعتباره أمرًا واقعًا، ويجب ألا نتقيد بمثل هذه الممارسات، بل الواجب فضحها بوصفها انحرافًا وجشعًا وفسادًا". يُذكر أن بيانيما قد شاركت في تأسيس جماعة ضغط تحمل اسم «التحالف الشعبي للحصول على اللقاحات» People’s Vaccine Alliance، تسعى إلى تحقيق العدالة في توزيع اللقاحات، وتغيير طريقة تفكير الناس حول هذا الموضوع. تحاول هذه الجماعة اكتساب تأييد الساسة ذوي النفوذ والتأثير، من خلال التحاور معهم، وتقديم بعض المقترحات الفعالة التي تبرز أهمية العدالة في الحصول على اللقاحات، والدور الذي يمكن أن تلعبه في تحقيق أهداف هؤلاء القادة السياسيين. تقول بيانيما: "الحكومات لا تتحرك بوازع أخلاقي، بل استجابةً لمطالب الجماهير".

"يجب ألا نتقيد بمثل هذه الممارسات، بل الواجب فضحها بوصفها انحرافًا وجشعًا وفسادًا".

 

وقد احتفلت بيانيما ورفاقها خلال شهر مايو الماضي بنصرٍ جاء على غير انتظار؛ حيث أيَّدت الولايات المتحدة مقترحًا مقدَّمًا من جنوب إفريقيا والهند، يطالب الشركات بالتنازل عن حقوق الملكية الفكرية الخاصة بلقاحات «كوفيد-19»، أملًا في إعطاء دَفعةٍ لعمليات إنتاج اللقاحات؛ وذلك على الرغم من أن الولايات المتحدة كانت دومًا من أشدِّ المدافعين عن حقوق الملكية الفكرية.

ولكن ما أحوجنا إلى إحراز مزيدٍ من الانتصارات على هذا الصعيد. فحتى الآن، تُعارض دول الاتحاد الأوروبي، وعدة دول أخرى، التنازل عن حقوق الملكية الفكرية، كما ترفض الشركات التي تملك هذه الحقوق الترخيص باستخدام تقنياتها في تصنيع اللقاحات، ومن ثم إتاحة المعرفة التي تحتاجها الشركات الأخرى لإنتاج تلك اللقاحات. وتتعلَّل هذه الشركات الكبرى بأن التنازل عن حقوق الملكية الفكرية لن يغير من الواقع شيئًا، وفي المقابل، سيقوِّض فرص ظهور ابتكارات واكتشافات جديدة.

غير أن بيانيما تتخذ موقفًا مناوئًا من هذا الطرح؛ فقد جاءت تصريحاتها واضحةً وشجاعة حول هذه القضية، وقضايا أخرى تتعلق بغياب العدالة، مما أثار إعجاب الكثيرين. يقول جون نكينجاسونج، مدير «المراكز الإفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها»: "ربما لا يصعُب على أحدهم إطلاق تصريح ينتقد به غياب العدالة، وأما عندما يخرج هذا التصريح من بيانيما، فتشعر أنه إنما ينبع من شعلة حماس تتَّقد بداخلها".

تقول بيانيما إن هذا التعطش لتحقيق العدالة هو ما دفعها إلى ترك مسيرتها المهنية في مجال هندسة الطيران، في أعقاب الإطاحة بعايدي أمين، الرئيس الدكتاتوري السابق لأوغندا؛ حيث انضمت في عام 1981 إلى حركة للمقاومة المسلحة الساعية إلى إحلال الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان في بلادها. وقد انتصرت هذه الحركة في مسعاها، وانتُخبت بيانيما عضوةً في البرلمان الأوغندي في عام 1994، ثم تولت رئاسة «برنامج الأمم المتحدة لمكافحة فيروس نقص المناعة البشرية» في عام 2019، حيث جعلت من العدالة هدفًا رئيسًا لعمل هذا البرنامج في كافة أنحاء العالم. وقد حصل ماثيو كافانا، اختصاصي السياسات الصحية العالمية، على إجازة من عمله في جامعة جورج تاون، ومقرها العاصمة الأمريكية واشنطن، لينضم إلى فريق العمل الذي ترأسته بيانيما، نظرًا لاقتناعه بأسلوبها في مجابهة أوجُه غياب العدالة المؤسسية التي ساهمت في التفشِّي واسع النطاق لفيروس نقص المناعة البشرية (HIV)، وهو ما يتكرر الآن في حالة مرض «كوفيد-19». يقول كافانا: "لقد نجحت بيانيما في توجيه دفَّة الحوار حول غياب العدالة في توزيع اللقاحات، وكان ذلك قبل بدء الشركات في إنتاجها بأمدٍ بعيد. وقد حث ذلك آخرين على يحذوا حذوها".

أما الهدف الذي تضعه بيانيما نصب عينيها، فهو أن يسهم العلم في تغيير حياة البشر. تقول: "في غياب القرارات السياسية الساعية إلى تحقيق العدالة، لن يكون في إمكاننا تحقيق أيٍّ من الأهداف المرجوَّة".■

 

Credit: Joakim Stahl/SvD/TT/Alamy

فريدريكه أوتو: المناخ قضيتها

عالمة تحاول الكشف عن الدور الذي يلعبه البشر في تزايد معدلات حدوث موجات الحر، والفيضانات، وموجات الجفاف.

بقلم: كويرين شيرماير

أمضت فريدريكا أوتو الأعوام السبعة الماضية في دراسة الظواهر المناخية المتطرفة، ولكن ذلك لم يمنع من أن تصيبها الصدمة، خلال شهر يوليو الماضي، حين تعرضت كندا وساحل الولايات المتحدة الشمالي الغربي، المطل على المحيط الهادي، لموجة حارة وصلت فيه درجات الحرارة لأعلى معدلاتها المسجَّلة، وراح ضحيتها مئات الأشخاص.

لدى وقوع ظاهرة من الظواهر المناخية المتطرفة، غالبًا ما يُثار تساؤل عما إذا كانت ناجمة عن التغير المناخي، أم لا. وهذا هو عين السؤال الذي تحاول أوتو وزملاؤها في «فريق دراسة العلاقة بين الظواهر المناخية المتطرفة والتغيرات المناخية»  (WWA) إيجاد إجابة سريعة له. أجرت أوتو مكالمة مصوَّرة عبر الإنترنت مع أعضاء الفريق المتعاون معها، وضعوا خلالها خطة لدراسة بحثية عاجلة. شرع بعدها الفريق في دراسة بيانات الأرصاد الجوية؛ للتعرف على حجم تلك الموجة الحارة، ودراسة السجلات المناخية للمنطقة التي حدثت فيها، منتهجين النمذجة الحاسوبية في تحديد قابلية هذه الموجة الحارة للتكرار في المستقبل القريب، بالمقارنة باحتمالية تكرارها فيما لو لم يكن العالَم واقعًا تحت تأثير التغيرات المناخية. وقد انتهت نتائج البحث إلى أن تعرُّض المنطقة لموجة حارة لم يكن ليكون بهذه الضخامة لولا تلك التغيرات المناخية التي حاقت بالعالم بفعل الأنشطة البشرية.

تقول أوتو: "لقد كُسرَ الرقم القياسي لدرجات الحرارة المسجَّلة بفارق بلغ 5 درجات مئوية في بعض المناطق، وهو فارق ضخم".

تعمل أوتو باحثةً في علم المناخ بمعهد جرانثام للتغيرات المناخية والبيئة في العاصمة الإنجليزية، لندن. وقد اشتركت عام 2015 في تأسيس «فريق دراسة العلاقة بين الظواهر المناخية المتطرفة والتغيرات المناخية» بهدف إجراء دراسات عاجلة للتعرف على ما إذا كان للتغيرات المناخية دور في إحداث هذه الظواهر، ومنها الحرارة والبرودة المفرطتان، والأمطار الغزيرة، وموجات الجفاف، وحرائق الغابات. كما تتولى أوتو رئاسة هذه المجموعة البحثية المكرَّسة لهذا الغرض، والتي تضم حوالي اثني عشر متخصصًا في مجالي الإحصاء والنمذجة المناخية.

وإلى جانب الدراسة التي أجرتها المجموعة على موجة الحر التي ضربت الساحل الشمالي الغربي الأمريكي هذا العام، أجرت دراسة أخرى حول الدور الذي لعبته التغيرات المناخية في إحداث الفيضانات التي شهدتها ألمانيا وبلجيكا خلال شهر يوليو الماضي، وموجة البرد التي ضربت فرنسا خلال شهر إبريل، والجفاف المطرد الذي يجتاح مدغشقر.

نالت أوتو درجة الدكتوراه في فلسفة العلوم، قبل أن تتحول إلى دراسة الفيزياء، ومنها إلى دراسة علوم المناخ. وتشعر أوتو بانزعاج شديد – شأنها شأن عديد من الباحثين – حيال الآثار المترتبة على التغيرات المناخية، إذ تقول: "التغيرات المناخية تمثل أكبر مهدِّدٍ لقيمة العدالة في العالم بأسره؛ وإني لأنشُد تحقيق العدالة".

حتى وقت قريب، كان العلماء يجدون صعوبة في تأكيد الدور الذي تلعبه التغيرات المناخية في حدوث الظواهر المناخية المتطرفة، وكذلك في تقدير احتمالية تزايُد – أو تراجُع – معدلات حدوث مثل تلك الظواهر. ولذلك، فقد أبدى العديد من الباحثين تحفظات على الدراسات المعنية باستكشاف العلاقة بين هذه الظواهر من جهة، والتغيرات المناخية من جهة أخرى، وذلك عندما بدأت مجموعة «فريق دراسة العلاقة بين الظواهر المناخية المتطرفة والتغيرات المناخية» في أولى محاولات تحليل هذه الظواهر، مستخدمين في ذلك نموذجًا واحدًا أو نموذجين مناخيين، دون التأكد من قدرة مثل هذه النماذج على محاكاة الظاهرة المناخية المتطرفة موضع الدراسة.

على أنَّ الأمر قد اختلف تمامًا مع مرور الوقت. فقد أقدمت أوتو وفريقها على صياغة آلية لمحاكاة المناخ، مبنية على ما يقارب 50 نموذجًا. وكان الفريق، آنذاك، يضم المؤسس المشارك للمجموعة، وهو جيرت يان فان أولدنبورج، اختصاصي نمذجة المناخ الهولندي، الذي وافته المنيَّة في وقت سابق من العام الجاري، بعد صراعٍ طويل مع المرض. أما الآن، فقد أصبحت هذه المنهجية، والأبحاث المبنيَّة عليها، تعدّ دراسات عالية المصداقية، كما نلحظ حضورها البارز في تقرير أصدرته في شهر أغسطس الماضي «اللجنة الحكومية الدولية للتغيرات المناخية»(IPCC) ، وهي لجنة علمية تابعة لمنظمة الأمم المتحدة. وقد قررت هذه اللجنة أن هناك "حقيقة لا مراء فيها"، وهي أن الارتفاع في معدلات انبعاث غازات الدفيئة قد تسبب في تكرار بعض الظواهر المناخية المتطرفة، وتفاقم حدتها، وعلى الأخصّ الموجات الحارة. صدر هذا التقرير قُبيل انعقاد مؤتمر الدول الموقعة على «اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغيرات المناخية» (COP26)، الذي استضافته مدينة جلاسجو بالمملكة المتحدة خلال شهر نوفمبر الماضي.

تبيَّن أن إجراء الدراسات المعنية باستكشاف العلاقة بين الظواهر المناخية المتطرفة والتغيرات المناخية تزداد صعوبته في مناطق الجنوب العالمي، حيث يتعذّر الحصول على بيانات مناخية موثوقة، إلى جانب محدودية إمكانات البحث العلمي هناك. هذا في الوقت الذي نجد فيه أن هذه المناطق من أكثر المناطق عرضةً لحدوث التغيرات المناخية، وموجات الطقس المتطرف التي قد تتولد عنها. ولهذا، تأمل أوتو في أن تُولي الدول الفقيرة اهتمامها إلى تطوير جهود البحث العلمي في هذه المجالات خلال السنوات القادمة، بدعم من الدول الغنية.

تقول إيميلي بويد، الباحثة في علم الاجتماع بجامعة لوند في السويد، والتي تجري دراسات حول التكيف والحوكمة المناخيين: "الدراسات المعنية بالعلاقة بين الظواهر المناخية المتطرفة والتغيرات المناخية تلعب دورًا محوريًا في التعرف على تأثير التغيرات المناخية على البشر". وأضافت: "العلم يُحدث تحولاتٍ كبيرة في طريقة تفكيرنا، حيث يدفعنا لدراسة العلاقة بين المناخ وفرص تعرض البشر للأخطار من خلال إطار منهجي جديد تمامًا".

تعتزم أوتو الاشتراك مع بويد وباحثين في مجال القانون في دراسة الوسائل التي تحقق للجماعات والدول التي تفتقر للفرص والإمكانات الاستفادة من نتائج الدراسات المعنية بالعلاقة بين الظواهر المناخية المتطرفة والتغيرات المناخية. تقول بويد: "العلم قادر تمامًا على تحريك الحكومات، والتخفيف من وقع التغيرات المناخية على الجماعات التي تعوزُها الفُرص والإمكانات".■

 

 

Credit: Sun Zifa/CNSphoto

جانج رونجكياو: مستكشف الكوكب الأحمر

مهندس أول بعثة صينية ناجحة لاستكشاف كوكب المريخ. وقد وصل الفريق إلى الكوكب هذا العام، ونجح في إنزال مركبة جوَّالة على سطحه.

بقلم: سمريتي مالاباتي

لم يتمالك جانج رونجكياو دموعه وهو يشهد عملية إنزال مركبة جوالة تابعة للصين على سطح كوكب المريخ الرملي النحاسي، في الخامس عشر من مايو الماضي. يقول رونجكياو، الذي أشرف على الإعداد لهذه المهمة: "حينها، غلبني التأثر، وغمرني الحماس".

جاءت لحظة إنزال المركبة خاتمةً للرحلة التي امتدت لمسافة 475 مليون كيلومتر، وانطوت على عديد من المخاطر لرونجكياو، وكذا وكالة الفضاء الوطنية الصينية، التي لم يسبق لها أن تمكَّنت من إرسال بعثة ناجحة لكوكب المريخ حتى ذلك الحين.

وقد استدعت هذه اللحظة إلى ذهن رونجكياو المَثل الصيني القديم الذي يقول: شحذ السيف شحذًا جيدًا يحتاج إلى عشرة أعوام. وتعد الصين الدولة الوحيدة، بعد الولايات المتحدة، التي نجحت في إنزال مركبة جوالة على سطح كوكب المريخ، الذي عُرف بقدرته المخيفة على تحطيم آمال وكالات الفضاء؛ إذ كان الفشلُ مصيرَ ما يقرب من نصف البعثات الفضائية المتجهة إلى الكوكب.

كان الفريق الذي يرأسه رونجكياو يدرك أنه بصدد التعرض لظروف مجهولة خلال الرحلة التي وصفها رونجكياو بأنها: "رحلة في أجواء غريبة ومعقدة". وبوصفه مسؤولًا عن إعداد البعثات الفضائية في الهيئة الصينية، أشرف رونجكياو على عشرات الآلاف من المشاركين في تنفيذ وإدارة البعثة المتجهة إلى كوكب المريخ، والتي أُطلق عليها اسم «تيانوين-1» Tianwen-1. وتتكون البعثة من ثلاث مركبات: مركبة مدارية، ومركبة إنزال، بالإضافة إلى المركبة الجوالة، المسماة «تشورونج» Zhurong. يقول ديفيد فلانيري، اختصاصي البيولوجيا الفلكية بجامعة كوينزلاند للتقنية في مدينة بريزبين الأسترالية: "لقد تولَّى رونجكياو مسؤولية هذه البعثة كاملةً".

يُذكر أن هذه البعثة واحدة من بين ثلاث بعثات وصلت كوكب المريخ خلال عام 2021، مع المركبة المتجولة «بيرسيفيرانس» Perseverance، التابعة لوكالة الفضاء الأمريكية «ناسا»، والمركبة المدارية التي أرسلتها الإمارات العربية المتحدة. ولا عجب أن أصبح رونجكياو بطلًا قوميًا في الصين عقب نجاح البعثة، حيث تكرر ظهوره في وسائل الإعلام الوطنية. غير أنه نادرًا ما يقبل إجراء مقابلات معه في الصحافة العالمية، ولذلك أجاب عن الأسئلة التي وجهَتْها له دورية Nature عبر البريد الإلكتروني.

بالنسبة إلى بعثة «تيانوين-1»، يأتي العلم في مرتبة ثانية، أما الهدف الرئيس فيتمثل في استعراض قدرة الصين على تحقيق الإنجازات في مجال البعثات الموجهة إلى ما يُطلق عليه «الفضاء العميق»، الذي يُشار به إلى ما هو أبعد من القمر. وعلى ذلك، يقول رونجكياو إن الحصول على معلومات دقيقة عن كوكب المريخ كان هو الهاجس الرئيس في مرحلة الإعداد هذه البعثة. كذلك يقول الباحثون إن المعلومات التي تمكنت من جمعها الأجهزة العلمية الستة المثبَّتة على متن المركبة الجوالة، والأجهزة السبعة المثبَّتة على متن المركبة المدارية سوف تعزز قدرتنا على فهم رقعة من الكوكب لم يسبق إلى استكشافها أحد.

ولد رونجكياو في عام 1966، في بلدة أنلينج الواقعة في شرق الصين، ودرس الهندسة في جامعة شيان، بالمدينة الصينية التي تحمل الاسم نفسه. ثم حصل على درجة الماجستير من الأكاديمية الصينية لتكنولوجيا الفضاء في بكين، وبعدها عمل في مجال رصد الكرة الأرضية عبر الأقمار الصناعية.

تعتقد لُو بان، اختصاصية العلوم الكوكبية بجامعة كوبنهاجن، أن رونجكياو كان له دور محوري في القرار الذي اتخذته وكالة الفضاء الصينية بإرسال مركبة مدارية، ومركبة إنزال، ومركبة جوالة دفعةً واحدة إلى كوكب المريخ، لتكون الصين أول دولة تقوم بذلك. كما ذكر باحثون أن رونجكياو أخذ توصيات أبحاثهم بعين الاعتبار لدى تحديد نوعية التجهيزات المرسلة على متن المركبة، ومواضع إنزالها، على النحو الذي يضمن أن تساهم هذه البعثة مساهمة كبيرة في تقدم البحث العلمي.

كما يذكر وينشي فا، الباحث في مجال العلوم الكوكبية في جامعة بكين، والذي يتولى تحليل البيانات التي تجمعها الرادارات من بعثة المريخ: "دأب رونجكياو على تشجيع الباحثين على المشاركة في التجهيز للبعثة، حتى تأتي البعثة بمزيد من المعلومات التي تصب في مصلحة البحث العلمي".

انطلقت بعثة «تيانوين-1» يوم الثالث والعشرين من يوليو عام 2020، لتصل إلى الكوكب الأحمر في شهر فبراير من عام 2021، ثم تتدلَّى منها مركبة الإنزال والمركبة الجوالة في شهر مايو. بعد ذلك، استقرت المركبة الفضائية في حفرة شاسعة الاتساع، تصلح لامتصاص صدمة الهبوط، تسمى «يوتوبيا بلانيتيا» Utopia Planitia، والتي تم اختيارها بعناية لأنها مستوية، وتضمن هبوطًا آمنًا إلى حد بعيد. ومنذ أن حطَّت المركبة الجوالة على سطح الكوكب، تمكنت من قطع ما يزيد على 1200 مترًا باتجاه الجنوب، حيث التقطت صورًا بانورامية، إلى جانب صور للمركبة نفسها، انتشرت انتشارًا واسعًا على المنصات الرقمية المختلفة      .

دخلت المركبة «تشورونج» في وضع «السُّبات» في منتصف شهر سبتمبر الماضي، حينما أصبحت الشمس في وضع يعوق الاتصال بين المريخ والأرض، ولكنها عادت للعمل في شهر أكتوبر. أما الآن، فالمركبة في طريقها إلى منطقة يُعتقد أنها كانت ساحل أحد المحيطات في الماضي السحيق؛ وهو ما سوف يمكِّن الباحثين من البحث عن دلائل على عملية التطور فوق سطح كوكب المريخ.

على أنَّ الإسهام العلمي للبعثة لا يزال محدودًا، ولكن البيانات التي جمعتها الأجهزة المثبتة على متن المركبة الجوالة والمركبة المدارية أصبحت متاحة أمام أكثر من اثني عشر فريقًا بحثيًا في كافة أنحاء الصين وهونج كونج وماكاو، بحسب ما صرح به فا، وبدأت بعض النتائج في التسرب على نطاقات أوسع. وتتوقع فرق البحث أن تسهم هذه البيانات في التعرف على الطبيعة الجيولوجية لمنطقة «يوتوبيا بلانيتيا»، وكذلك مصير المياه على سطح الكوكب.

وسوف تحتاج الصين إلى أن تضع نصب عينيها تحقيق تقدم علمي، عوضًا من منح الأولوية لاستعراض قدراتها الهندسية؛ هذا إذا كانت ترغب في إصابة نجاح علمي حقيقي من وراء بعثاتها إلى الفضاء العميق. تقول بان إننا نشهد هذا التحوُّل بالفعل في البعثات الفضائية التي ترسلها الصين إلى القمر، مضيفة: "هذه التحولات تحتاج إلى وقت طويل".

كما صرَّح فلانيري بأن الصين سوف تحقق الاستفادة العلمية الحقيقية في خطوة تالية، وهي الدورة الثانية القادمة لبعثاتها الفضائية؛ إذ تعتزم الصين إطلاق بعثات لجمع العينات إلى كويكب «كامو أوليوا» Kamo’oalewa  في عام 2024، وإلى كوكب المريخ في عام 2030. كما أنها وضعت كوكب المشترى ضمن خططها المستقبلية.

ويرى الباحثون أن بعثة «تيانوين-1» قد ساهمت في إعطاء دَفعة قوية لمجال الدراسات الكوكبية الوليد في الصين.

يقول فلانيري: "نحن نشهد الآن بزوغ جيل جديد من الباحثين، تزامنًا مع انطلاق هذه البعثة الفضائية".■

  

 

Credit: Djeneba Aduayom

تيمنيت جيبرو: رائدة في مجال أخلاقيات الذكاء الاصطناعي

بعدما فقدت عملها في شركة «جوجل»، قامت هذه الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي بتأسيس معهد مستقل لدراسة الاعتبارات الأخلاقية في مجال التكنولوجيا.

بقلم: هولي إلسا

تقول تيمنيت جيبرو، الباحثة في مجال أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، إن العام المنصرم كان أقرب شيءٍ إلى كابوس مفزع. فقدت جيبرو وظيفتها في شركة «جوجل» Google في شهر ديسمبر من العام الماضي، بعدما انخرطت في جدل صاخب حول التضييقات التي تعرَّضت لها الباحثة في شركة التكنولوجيا العملاقة. وقد أصابت واقعة إقصاء جيبرو من عملها، والتي ذاعت أخبارها على نطاق واسع، صدمة الباحثين، ومنهم العاملون بالشركة أنفسهم، فتعالت أصوات آلاف الباحثين تضامنًا معها، حيث أعلنوا تحفُّظهم على التمييز ضد السود في الذكاء الاصطناعي، والأضرار التي يمكن أن تُلحقها التكنولوجيا بالفئات المهمشة في المجتمع. 

ولكن جيبرو شقت طريقها بعد ذلك، حيث أسست معهدًا بحثيًا يُعنَى بدراسة الذكاء الاصطناعي دراسةً مستقلة عن كبريات الشركات التكنولوجية، وذلك بعد مرور اثني عشر شهرًا بالتمام على خروجها من «جوجل». تقول جيبرو إن أحداث العام الماضي قد أوضحت كيف أن أخطاء الذكاء الاصطناعي ليست مجرد أخطاء تقنية، بل هي نتاجٌ للبيئات المعيبة التي يجري فيها إنتاج التقنية.

وُلدت جيبرو في إثيوبيا لأبوين من إريتريا، ودفعتها الحرب إلى الفرار من المنطقة وهي في سن المراهقة، ثم حصلت بعد ذلك على حق اللجوء إلى الولايات المتحدة. وقد شاركت جيبرو في تأسيس جماعة تسمى «مكان للسود في ميدان الذكاء الاصطناعي»، مع ريديت أبيبي، المتخصصة في علوم الحاسب الآلي، وذلك أثناء دراستها للدكتوراه في جامعة ستانفورد، بولاية كاليفورنيا الأمريكية. وأثناء عملها لدى شركة «مايكروسوفت» Microsoft، قدَّمت، بالاشتراك مع جوي بولامويني، الباحثة في علوم الحاسب، تقريرًا يقول إن برمجيات التعرف على الوجه تقلُّ قدرتها في التعرف على وجوه الرجال من غير ذوي البشرة البيضاء، وهو الاكتشاف الذي سلط المزيد من الضوء على التحيز الذي تنطوي عليه تقنيات الذكاء الاصطناعي.

التحقت جيبرو بشركة «جوجل» في عام 2018، حيث كانت تشارك مارجريت ميتشيل في رئاسة فريق أخلاقيات الذكاء الاصطناعي بالشركة. عُرف عن هاتين الباحثتين قدرتهما على خلق بيئة عمل داعمة للباحثين من أصحاب البشرة السوداء والداكنة داخل الشركة، التي كانت النساء من ذوات البشرة السوداء تمثل 1.6% من العاملين فيها (وصلت هذه النسبة الآن إلى 1.8%). كذلك فقد قام الفريق الذي تتوليان الإشراف عليه بدراسة الأضرار التي يمكن أن تنجم عن الذكاء الاصطناعي، ومساعدة فرق المنتجات بالشركة على التنبُّه للمخاطر المجتمعية التي قد تنجم عن منتجات الشركة التكنولوجية، كما عملوا على توسيع رقعة التنوع والشمول في اختيار العاملين.

ولكن في أواخر عام 2020، نشب خلاف شديد حول دراسة اشتركت في كتابتها جيبرو وميتشيل وأكاديميون من خارج الشركة. أبرزت الدراسة المخاطر البيئية المحتملة لاستخدام النماذج اللغوية الضخمة، أي برمجيات الذكاء الاصطناعي التي تُنتج لغة مكتوبة سلسة، تستخدمها «جوجل» في محركات البحث؛ إذ نبهت الدراسة إلى أن هذه النماذج قد تعكس بعضًا من أوجه التحيُّز. طلب المراجعون الداخليون من جيبرو سحب الدراسة، وكانت قد تقدمت بها لأحد المؤتمرات، أو حذف أسماء المؤلفين العاملين بالشركة. فكان أن طلبت جيبرو مزيدًا من التفاصيل عن المراجعين الذين قدموا هذا الاقتراح، كما أرسلت رسائل إلكترونية لبعض زملائها تخبرهم بأن الشركة تسعى إلى حجب أصوات الجماعات المهمشة. ولكن سرعان ما فقدت جيبرو وظيفتها. تقول شركة «جوجل» إنها قبلت استقالة الباحثة، أما جيبرو نفسها، فتقول إن الشركة قد فصلتها من عملها، وإنها كانت قد هددت بالاستقالة، ولكن لم تُقْدم على ذلك. (لم ترد شركة «جوجل» على الطلب الذي قدمته لها دورية Nature التعليق على ما جاء بهذه المقالة).

"كلُّ ما هنالك أن شركة «جوجل» قد ساءها أن تراني أفضح الممارسات التمييزية".

 

بعدها، وفور نشر جيبرو تغريدة عما حدث، وجدت شركة «جوجل» نفسها في مواجهة عاصفة من الشجب والتنديد. وفي شهر ديسمبر عام 2020، وقَّع ما يناهز 7 آلاف باحث ومهندس، بينهم ما يزيد على 2600 يعملون في «جوجل»، عريضةً طالبوا فيها بإجراء إصلاح شامل لمعايير النزاهة العلمية والبحثية في الشركة. وفي شهر فبراير من العام الجاري، فصلت الشركة ميتشيل، زميلة جيبرو، من عملها، بعد عمدَت ميتشيل إلى التنقيب في البريد الإلكتروني الخاص بالشركة عن وقائع تدل على التمييز ضدها. كما استقال موظفان آخران في الشركة اعتراضًا على المعاملة التي تلقتها جيبرو، وكذلك ألغى عددٌ من الجماعات المناصرة لحقوق الباحثين المنتمين للأقليات اتفاقيات الرعاية بينها وبين «جوجل».

ترى جيبرو أن ما حدث معها إنما يدل على الاستهانة بها، وبالعمل الذي كانت تؤديه، وأنه يرقى إلى مستوى التمييز العمدي ضد النساء من ذوات البشرة السوداء. وأكدت أن مسؤولي الشركة "لم يكونوا ليُقدموا على اتخاذ هذا الموقف مع شخص آخر". وأردفت قائلة: "كلُّ ما هنالك أن شركة «جوجل» قد ساءها أن تراني أفضح الممارسات التمييزية".

تقول ميريديث ويتاكر، التي تعكف على دراسة التأثيرات الاجتماعية للذكاء الاصطناعي في جامعة نيويورك الأمريكية، إن هذه الوقائع كشفت لمن هم خارج شركة «جوجل» أن أي حديث عن التزام الشركة بالأعراف الأخلاقية لا يعدو أن يكون "حبرًا على ورق".

ويقول لوك ستارك، المتخصص في دراسة الآثار الاجتماعية للذكاء الاصطناعي في جامعة ويسترن، بمقاطعة أونتاريو الكندية، إن أصداء وقائع الفصل جاءت مدوية، بالنظر إلى ما تتمتع به جيبرو من شهرةٍ واسعة بوصفها من الشخصيات المرموقة، مضيفًا: "بدا، بما لا يدع مجالًا للشك، أننا أمام عملية ترصد". وزادت ويتاكر على ذلك بقولها إن وقائع الفصل تلك قد أبرزت أيضًا مدى اعتماد الدراسات التي تُجرى عن الذكاء الاصطناعي على التمويل الذي تقدمه الشركات الكبرى، وما ينتُج عن ذلك من قيود تُفرض على عمل الباحثين والأكاديميين.

تقول جيبرو إنها كانت تفكر منذ زمن في تأسيس معهد خاص بها، يُعنى بتقديم نموذج إيجابي لما يجب أن يكون عليه الذكاء الاصطناعي، وإن حلمها هذا في سبيله إلى التحقق، بعد نجاحها في الحصول على منحة بحثية قدرها 3.7 مليون دولار أمريكي؛ وهي منحة يقدمها تحالف من المنظمات الداعمة للعمل الإنساني. وأطلقت جيبرو على المعهد اسم «المعهد المفتوح لدراسات الذكاء الاصطناعي»، وهو مركز رقمي يضم عدة تخصصات، ويهدف إلى تطوير نماذج وتطبيقات للذكاء الاصطناعي، لا تتطلَّب مراكمة كمٍّ ضخم من البيانات، ولا للقدرات الحاسوبية التي تحتكرها الشركات الكبرى.

تضم هذه المؤسسة عضوين استشاريين، وزميلين بحثيين (منهما جيبرو)، وتسعى إلى ضم آخرين لها في المستقبل القريب. تقول ديبورا راجي، التي شاركت جيبرو في بعض الدراسات حول أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، وتعمل في شركة الإنترنت «موزيلّا» Mozilla غير الهادفة للربح: "سيواجه المعهد الذي أسسته جيبرو الواقع بكل جسارة. سوف يجتذب هذا المعهد كل الراغبين في طرح أسئلة من هذا النوع، ولا يجدون لأنفسهم مكانًا. سوف تعيد جيبرو تشكيل معالم مجال الذكاء الاصطناعي بصورة لن يرضى عنها الكثيرون. ولكننا سوف نشهد نتائج مبهرة".■ 

 

Credit: Rogan Ward for Nature

توليو دي أوليفيرا: رائد جهودِ تتبُّع السلالات المتحورة من فيروس «سارس-كوف-2»

توليو دي أولفيرا هو متخصص في المعلوماتية الحيوية، من جنوب أفريقيا، ساعد في اكتشاف عدد من السلالات المتحورة المثيرة للقلق المنحدرة من فيروس كورونا «سارس-كوف-2».

بقلم: ليندا نوردلينج

في الخامس والعشرين من نوفمبر الماضي، أعلن الباحث توليو دي أوليفيرا عن اكتشاف السلالة المتحورة الجديدة «أوميكرون»، المنحدرة من فيروس «سارس-كوف-2». وقد تسلحتْ هذه السلالة، التي اكتُشِفتْ في عينات بيولوجية من مرضى في بوتسوانا وجنوب أفريقيا وهونج كونج، بمجموعة كبيرة من الطفرات، وهو ما أثار مخاوف لدى دي أوليفيرا وعدد من العلماء البارزين الآخرين من احتمال أن تكون قادرةً على الإفلات من الاستجابات المناعية التي يُكسبها التطعيم ضد الفيروس أو الإصابةُ بعدوى سابقة به.

رأى أوليفيرا، الذي يشغل حاليًا منصب مدير منصة كوازولو-ناتال لأبحاث وابتكارات تحديد التسلسل الجينومي (KRISP)، أن سلالة «أوميكرون» تُذكّر على نحو عجيب بأحداثٍ من العام المنصرم، عندما اكتشف فريقُه في عيّنات بيولوجية من مرضى من دولة جنوب أفريقيا سلالةً أخرى مثيرة للقلق، انحدرتْ من «سارس-كوف-2» وباتتْ تُعرف باسم سلالة «بيتا». وقد دفعتْ تلك السلالة بعد اكتشافها الحكوماتِ الأجنبية إلى تقييد حركة السفر إلى البلد ومنه لشهور طويلة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن كلتا السلالتين المتحورتين رُصدتْ بعد أن لاحظ الأطباء وفنيّو المختبرات زيادة غير متوقعة في عدد حالات العدوى في المناطق التي ضربتْها بقوة جائحة «كوفيد-19».

وقد وعى دي أوليفيرا أنه بإعلان اكتشاف سلالة متحورة أخرى مثيرة للقلق، يخوض مجازفة بفرض قيود جديدة، قد تَدفع أثمانَها جُورًا وعلى الصعيد الاقتصادي البلدانُ في جنوب القارة الأفريقية. إلا أنه فطن أيضًا إلى أن هذا هو القرار الصائب. فتعقيبًا على ذلك، يقول دي أوليفيرا، برازيلي المَولد: "الطريق الوحيد لكبح جماح الجائحة يكون باتخاذ تدابير سريعة. فسياسة التروي لم تُجدِ نفعًا كَحلّ".

ويؤكد الاكتشاف السريع للسلالتين المتحورتين «بيتا» و«أوميكرون» في جنوب أفريقيا على أهميةِ توزُّع جهود رصد الفيروس بشكلٍ متساوٍ حول العالم، على حد قول جيريمي فارار، مدير صندوق مؤسسة ويلْكم الخيرية لبحوث الطب الحيوي الكائنة في لندن، الذي أضاف قائلًا: "إذا تواصل وجود عدم تكافؤ في توزيع جهود الرصد، فإننا سنجازف بظهور سلالات متحورة جديدة من الفيروس المسبب لجائحة «كوفيد-19»، أو حتى أمراض جديدة تمامًا، وانتشارهما بلا آخِر في المناطق التي تتسم فيها جهود رصد المرض بالقصور".

لا تُعد جائحة «كوفيد-19» أول فاشية تشهد استخدام فحوص تعيين التسلسل الجينومي في تتبع موجات انتشارها الوبائي في أفريقيا؛ فقد استخدم العلماء هذه التقنية في أثناء فاشية فيروس «إيبولا» في غرب أفريقيا بين عامي 2014 و2016. وقد تتبعت منصة كوازولو-ناتال التي تأسست في عام 2017 تحت قيادة دي أوليفيرا الكائنات المُمْرِضة المتسببة في عدد من الأمراض، مثل فيروس حمّى الضنك، وفيروس زيكا، بالإضافة إلى أمراض أكثر خطورة مثل الإيدز والسلّ. بيد أنه لم يسبق أن جرى تعيين التسلسل الجينومي لهذا العدد الكبير من العيّنات المختلفة لفيروس واحد في مثل هذه الفترة الزمنية القصيرة، في أفريقيا وحول العالم على حدٍ سواء.

كما كان لجهود دي أوليفيرا البحثية دور مؤثر في صنع السياسات. فنهج منصة كوازولو-ناتال البحثي يجمع بين استخدام أحدث التقنيات الجزيئية وإنشاء علاقات وثيقة مع الأطباء والممرضين على خطوط مواجهة المرض الأمامية، بهدف إرشاد صنع السياسات أولًا بأول. على سبيل المثال، أثمرت جهود فريقه في تتبع إحدى موجات انتشار «كوفيد-19» المبكرة التي ضربتْ إحدى المستشفيات، عن مبادئ توجيهية لتصميم عنابر المستشفيات، بهدف الوقاية من انتشار الفيروس فيها. تعقيبًا على ذلك، يقول كريستيان هابي، المتخصص في علم الأحياء الجزيئي، والذي يرأس مركز التميز الأفريقي للدراسات الجينومية المعنية بالأمراض المُعدية، التابع لجامعة ريديمر في إيدي بنيجيريا: "حقق توليو إنجازًا مذهلًا؛ إذ كان له قصب السبق في ابتكار نهج علمي جديد لمكافحة الأوبئة".

وفي شهر ديسمبر الجاري، استقر المقام بدي أوليفيرا في مدينة ستيلينبوش الواقعة على أطراف العاصمة كيب تاون بجنوب أفريقيا، حيث عكف على تأسيس مركز أبحاث وابتكارات وجهود مكافحة الأوبئة (المعروف اختصارًا باسم CERI) منذ شهر يوليو (ومن المزمع أن يحتفظ بمنصبه في منصة كوازولو-ناتال). كما أنه من المقرر أن يعمل هذا المركز على مكافحة الأوبئة في الجنوب العالمي، وأن يحتضن أضخم منشأة في أفريقيا لفحوص تعيين التسلسل الجينومي. وقد حفّزت جائحة فيروس «كورونا» انطلاق هذه الاستثمارات، لكن تداعيات هذا الزخم بدأت تمتد إلى جهود رصد أمراض أخرى، بحسب ما أدلى به أوليفيرا، الذي يضيف: "لعل أكبر إنجازاتنا هو أننا أثبتنا للعالم أن بالإمكان تحقيق مثل هذه النجاحات في البلدان النامية".

إلا أن هذه البلدان لم تحصل على مكافأةٍ نظيرَ إنجازاتها تلك، بل حدث العكس تمامًا. فيقول دي أوليفيرا إنه شعر بخيبة أمل شديدة عندما فَرضتِ البلدان الغنيّة تدابير حظرِ السفر على جنوب أفريقيا، لا لسبب إلا أن البلد تمتع بالمهارات العلمية التي أهّلتْه لاكتشاف سلالات متحورة جديدة من فيروس «سارس-كوف-2». ويعقّب على ذلك قائلًا إن إلقاء اللائمة على جنوب أفريقيا فيما يخص ظهور السلالات المتحورة "هدَفَ تقريبًا إلى صرف الانتباه عن اكتناز اللقاحات، وفقدان البلدان الغنيّة سيطرتها على الجائحة". وأضاف: "في الواقع، كنتُ أتوقع جزاءً أفضل من ذلك".

صار دي أوليفيرا يشتهر بأنه نذير السوء بسبب دوره في الإعلان عن سلالتين متحورتين مثيرتين للقلق. وعندما أسفر الإعلان عن السلالة المتحورة «أوميكرون» عن فرض تدابير جديدة لحظر السفر من جنوب أفريقيا وإليها، تساءل بعض سكان البلد، ومنهم الساسة، عن أحقية دي أوليفيرا في الإدلاء بمثل هذه التصريحات. بل وصل الأمر بالبعض إلى النظر إلى مجتمع الرصد الجينومي على أنه خصم. وهو ما دفع بأوليفيرا إلى أن يقول: "نحن لسنا الخصم، بل النقيض منه".■

 

Credit: Alecsandra Dragoi for Nature

جون جامبر: خبير التنبؤ بتطورات البنى البروتينية

نجح فريق بقيادة هذا الباحث المتخصص في حقل الذكاء الاصطناعي في طرح تقنية فجرتْ ثورة في علم البيولوجيا.

بقلم: إوين كالاواي

ما تداعيات أن يكون التعرّف على بنية جميع البروتينات تقريبًا – بكل ما تحمله من طيات معقدة، وجيوب، وأسطح تفاعلات حفزية – بسيطًا كإجراء عملية بحث على شبكة الإنترنت؟ حاول الباحث جون جامبر وفريقه البحثي في شركة «ديب مايند» DeepMind الكائنة بلندن الإجابة عن هذا السؤال في وقت مبكر من هذا العام، بالتزامن مع إعلان طرح برنامج «ألفا فولد» AlphaFold، الذي يستخدم الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بالبنى التي تتخذها البروتينات بدقة مذهلة.

في ذلك الصدد، يقول توبين سوسنيك، اختصاصي علم الفيزياء الحيوية من جامعة شيكاجو بولاية إيلينوي، وأحد من أشرفوا سابقًا على رسالة الدكتوراه التي أعدّها جامبر: "من شأن هذا البرنامج أن يغيّر ملامح علم الأحياء الحديث. فسيكون عام 2021 بمثابة مرحلة فارقة عندما يتساءل الناس عن المقصود بعلم الأحياء البنيوي".

"من شأن هذا البرنامج أن يغيّر ملامح علم الأحياء الحديث".

 

مر تطوير برنامج «ألفا فولد» بمراحل من الهدم والبناء. ففي عام 2018، أذهل الفريق البحثي القائم على تطوير البرنامج مجتمعَ العلماء الصغير المعني بالتنبؤ بِبُنى البروتينات. إذ تفوقتْ نسخة مبكرة من برنامج «ألفا فولد» على جميع الأدوات الحاسوبية الأخرى في تحديد الأشكال التي ستتخذها بُنى البروتينات من تسلسلها الجينومي، وذلك خلال مسابقة تُعقد كل سنتين تحت اسم «التقدير التوقعي للبُنى البروتينية» (أو اختصارًا CASP).

وبالرغم من هذا الفوز، لم يُنتج برنامج «ألفا فولد» تنبؤات تتمتع بالدقة الكافية، على حد ما أفاد به جامبر الذي شارك في قيادة الفريق البحثي القائم على البرنامج آنذاك. ووصلتْ جهود تحسين أداء البرنامج إلى طريق مسدود. ومن ثَم، قرّر الفريق البحثي البدء من نقطة الصفر مجددًا. تعقيبًا على ذلك، يقول بوشميت كوهلي، رئيس وحدة الذكاء الاصطناعي للتطبيقات العلمية بشركة «ديب مايند»، التابعة لشركة «ألفابيت» Alphabet، وهي الشركة الأم لجوجل: "كان علينا نبذ الابتكار برمته". ويضيف أن جامبر لعب دورًا محوريًا في القرار المتخذ بإعادة الكَرَّة مرة أخرى من البداية، وتشبث به حتى عندما كان أداء النسخ المبكرة من برنامج «ألفا فولد2» أسوأ كثيرًا من سابقاتها، فهو "لم يخش سَلك اتجاهات جديدة"، على حد تعبير كوهلي.

ولدى جامبر سجلٌّ حافل بخوض التجارب الجديدة. على سبيل المثال، كان قد بدأ إعداد رسالة دكتوراه في حقل فيزياء المادة المكثّفة بجامعة كامبريدج في المملكة المتحدة، لكنه انتهى إلى أن هذا الموضوع البحثي لم يكن الأنسب. من هنا، اكتفى بالحصول على درجة الماجستير من تلك الجامعة، وانتهى به الحال إلى العمل على ابتكار برامج محاكاة حاسوبية للتطورات التي تطرأ على شكل البروتينات لدى إحدى الفرق البحثية الخاصة، تحت إشراف عالِم صار مديرًا لصندوق تحوّط. وعن هذه الخطوة، يقول جامبر: "لم تكن لدي فكرة عن ماهية البروتينات عندما انضممت إلى هذا الفريق البحثي".

بعدها، انخرط في برنامج لنيل درجة الدكتوراه في الكيمياء، استخدم فيه تقنية تعلّم الآلة لدراسة ديناميكيات البروتينات. وكان استخدام تقنية الذكاء الاصطناعي تلك لتناوُل هذه المعضلة العلمية "بمثابة سِحْر حقًا"، على حد قوله. ولما كان جامبر ينشد الاستقرار الوظيفي، تقدم لوظائف في قطاع التمويل وللعمل بمختبرات الذكاء الاصطناعي المعنية بالتجارة. وخلال إحدى مقابلات العمل مع شركة «ديب مايند»، أفصحت الشركة عن اعتزامها التصدي لمهمة التنبؤ ببنى البروتينات. وهنا، ثار فضول جامبر، الذي يصف هذه اللحظة قائلًا: "لولا شركة «ديب مايند»، لكنتُ قد تركتُ المجال العلمي على الأرجح".

قامت النسخة الأولى من برنامج «ألفا فولد» على شبكة عصبية تنبأتْ بالمسافات بين أجزاء البروتين المستهدف، وهو نهجُ تصميمٍ سلكتْه فرق بحثية أخرى أيضًا. إلا أن جامبر، أراد أن يخرج البرنامج بتنبؤات جديرة بثقة العلماء، وهو ما استلزم إجراء تغييرات شاملة على الشبكة العصبية الأساسية التي قام عليها البرنامج.

وقد أحرزت النسخة الثانية من برنامج «ألفا فولد» انتصارًا كاسحًا في مسابقة «التقدير التوقعي للبُنى البروتينية» مرة أخرى في أواخر عام 2020، لكنها تفوقتْ هذه المرة على منافسيها بفارق أكبر. علاوةً على ذلك، جاء حوالي ثلثي تنبؤاتها مطابقًا للبنى البروتينية المثبتة تجريبيًا. بيد أن الفصل الأكثر إمتاعًا في قصة برنامج «ألفا فولد» دارت أحداثه في شهر يوليو الماضي. إذ أعلن جامبر وفريقه البحثي عن الكود البرمجي الأساسي الذي تقوم عليه الشبكة العصبية الخاصة بالبرنامج. وبالتعاون مع معهد المعلوماتية الحيوية الأوروبي، التابع لمختبر البيولوجيا الجزيئية الأوروبي في مدينة هينكستون بالمملكة المتحدة، تنبأ جامبر وفريقه البحثي ببنى جميع البروتينات البشرية تقريبًا، فضلًا عن البنى البروتينية لـ20 كائن تجارب آخر، بإجمالي بلغ 250 ألف بنية بروتينية. ويعتزم الفريق البحثي الإعلان في العام المقبل عن بنى حوالي نصف جميع البروتينات المعروفة، أي عن 130 مليون بنية بروتينية إجمالًا.

وفي الوقت الحالي، ترد إلى فريق جامبر بصفة منتظمة أخبار باحثين آخرين، صاروا يستخدمون برنامج «ألفا فولد». وكان أحد المشروعات البحثية التي ثارتْ لها حماسته بوجه خاص يتعلق بوضع خريطة لمجمع المسام النووي، وهو بمثابة أداة جزيئية عملاقة تقوم على حراسة جينومات الخلايا حقيقية النواة. وقد جمع هذا المشروع البحثي بين كل من البنى التي تنبأ بها برنامج «ألفا فولد» والتنبؤات الأخرى المستقاة من التجارب حول البنى البروتينية التي تشكل مجمع المسام النووي، الذي يتكوّن من أكثر من ألف سلسلة بروتينية مفردة.

ويرى جامبر أن مثل هذه التطبيقات هي أبلغ شهادة على قيمة إنجازه. ويختتم حديثه قائلًا: "من المدهش حقًّا رؤية حجم التغيير الذي أحدثه برنامج «ألفا فولد» في أبحاث العلماء التجريبيين. وغاية غاياتنا هي أن نعود بالنفع حقًّا".■

 

Credit: ​Annie Ling/The New York Times/ Redux/eyevine

فيكتوريا تاولي-كوربوز: نصيرة مجتمعات الشعوب الأصليّة

ثائرة سابقة ساعدت مجتمعات الشعوب الأصلية في أن تحظى باعتراف دولي، إقرارًا بدور هذه الشعوب في حماية التنوّع الحيوي والمناخ.

بقلم: جيف توليفسون

مع انطلاق القمة السادسة والعشرين لأطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ (COP26) في جلاسجو بالمملكة المتحدة، بادرتْ عدة دول غنية وأكثر من عشر منظمات خيرية بقطع التزامات غير مسبوقة على نفسها، إذ تعهدتْ بتوفير 1.7 مليار دولار أمريكي لمساعدة مجتمعات الشعوب الأصليّة حول العالم في الحفاظ على الغابات، والتنوّع الحيوي، والوقاية من الاحترار العالمي، عن طريق إبقاء الكربون محتجزًا في النباتات والتربة.

وقد كانت تلك لحظةً فارقة لمجتمعات الشعوب الأصلية، ولعل جزءًا كبيرًا من الفضل في ذلك يُنسب إلى عقود من نضال فيكتوريا تاولي-كوربوز، وهي قائدة لأحد مجتمعات الشعوب الأصلية في الفليبين، شغلتْ لمدة ست سنوات منصب المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الشعوب الأصلية.

أمضتْ تاولي-كوربوز سنوات تجوب العالم وتطوفه من أجل إقناع الحكومات ومناصري حماية البيئة والمؤسسات الخيرية بأن الشعوب الأصليّة هي الأجدر بحماية الغابات وغيرها من بؤر التنوّع الحيوي؛ وهي الحجة التي دعَّمها مؤخرًا عدد من البحوث العلمية المنشورة.

فعن تاولي-كوربوز، يقول ديفيد كايموفيتش الخبير الاقتصادي بمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة في روما: "لقد نجحتْ في كسب تأييد العالم والساحة العلمية أيضًا". ويوضح كايموفيتش ذلك بقوله إن الدراسات السابقة التي خضعتْ لمراجعة الأقران لم يكن يرد فيها إلا منذ خمس أو عشر سنوات بياناتٌ تفيد بأن أراضي الشعوب الأصليّة تخدم كدرعٍ واقٍ من الأنشطة الضارّة بالبيئة مثل التعدين والسدود وإزالة الغابات (انظر: A. Blackman et al. Proc. Natl Acad. Sci. USA 114, 4123–4128; 2017). ولما كانت تاولي-كوربوز قد نشأتْ وترعرعتْ في إحدى قرى شعب الإغوروت، حيث لم تصل إمدادات الكهرباء إلى هناك على جبال الفلبين، وعتْ مبكرًا ذلك الدرس قبل الغالبية. لذا، عندما سعى نظام الرئيس السابق فرديناند ماركوس إلى إزالة غابات شعبها، وإنشاء سدّ كهرومائي على النهر في سبعينيات القرن العشرين، انضمت إلى صفوف المعارضة.

تعقيبًا على ذلك، تقول تاولي-كوربوز، وهي أيضًا مؤسِّسة منظمة «تيبتيبا» Tebtebba بمدينة باجيو في الفليبين، والرئيس التنفيذي لها: "لقد أنزلنا الهزيمة بمشروع بناء السدّ، وتوقفتْ أعمال قطع الغابات".

وقد أدركتْ تاولي-كوربوز أن قدرَيْ الشعوب الأصليّة وغابات العالم مرتهنان على نحو وثيق أحدهما بالآخر. وفي صراعها مع بيروقراطية الأمم المتحدة على مدار 35 سنة، أصبحتْ تاولي-كوربوز ناقدة مؤثرة لما أطلقتْ عليه اسم «الحماية بالقلاع المحصنة»، وهو نموذج من العمل البيئي يفترض أنه لا يمكن الحفاظ على الطبيعة إلا بعزلها تمامًا عن البشرية. وعن ذلك، تقول: "لا بد من تغيير فكر العمل البيئي"، لأن الغابات التي تؤوي الكثير من صور التنوّع الحيوي والكربون على كوكب الأرض، تحتضن أيضًا شعوب العالم الأصليّة. وتضيف: "ثمة شعوب تقطن تلك الغابات، وينبغي لنا التعاوُن معها". وقد خلص العلماء في السنوات الأخيرة إلى النتيجة نفسها بمساعدة الصور الملتقطة بالأقمار الصناعية. فعلى غرار المتنزهات الوطنية، وغيرها من المناطق المحميّة، تتسم مناطق الشعوب الأصلية بأنها أقل عرضة من الأراضي المجاورة لها لأنشطة إزالة الغابات والتعدين وبناء السدود.

"لا بد من تغيير فكر العمل البيئي".

 

وقد اكتسبت هذه الفكرة تأييدًا في عامنا الحالي. ففي مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالتنوّع الحيوي في شهر أكتوبر الماضي، أُقِرتْ حقوق الشعوب الأصليّة، كما حظيتْ باهتمام غير مسبوق خلال المؤتمر العالمي لحفظ الطبيعة، الذي انعقد في مرسيليا بفرنسا شهر سبتمبر الماضي. وللمرة الأولى، حضر أفراد من مجموعات ممثلة للشعوب الأصليّة ذاك المؤتمر الأخير بوصفهم أعضاءً به، ونجحوا في الضغط لتمرير اقتراح يدعو الحكومات إلى حماية 80% من غابات الأمازون بحلول عام 2025. وقد بادرتْ للمرة الأولى حكومات وَجِهات مانحة، في القمة السادسة والعشرين لأطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ، بتبني التزام حقيقي بتوفير تمويلات لهذه الغاية.

ولما كانت تاولي-كوربوز بفطرتها تتمتع بروح مناضلة، عادتْ بعد دراستها للتمريض بالجامعة إلى وطنها للمساعدة في تنظيم برامج صحية مجتمعية. وفي الوقت نفسه، شجعتْ على مقاومة النظام الحاكم ببلدها، ومشروع بناء السدّ وقطع الغابات المقترح. وهو ما أدى في النهاية إلى مداهمة القوات العسكرية لمنزلها في عام 1980.

ثم في عام 1985، تلقتْ تاولي-كوربوز دعوة للانضمام إلى لجنة خبراء تابعة للأمم المتحدة في جينيف بسويسرا تبحث قضايا حقوق الشعوب الأصليّة. وقد انخرطتْ في مهام اللجنة لقرابة ربع قرن، وهو ما استلزم قيامها بالكثير من الأسفار حول العالم، لكنها ثابرتْ في جهودها. وفي سبتمبر من عام 2007، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في مدينة نيويورك إعلانًا تاريخيًا اعترف – للمرّة الأولى – بالحقوق المشتركة للشعوب الأصليّة. وواصلتْ تاولي-كوربوز المساعي المبذولة في هذا الإطار تحت مظلة اتفاقية الأمم المتحدة بشأن المناخ، وهو ما ساعد في نهاية المطاف على إقرار حقوق الشعوب الأصليّة في اتفاق باريس لعام 2015. وفي القمة السادسة والعشرين لأطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ، جرى إقرار هذه الحقوق مجددًا في اتفاقية تنظّم الشراكات الدولية وأسواق الكربون.

وبين عامي 2014 و2020، سافرتْ تاولي-كوربوز بصفتها المقرّرة الخاصة للأمم المتحدة، حول العالم، وعقدت اجتماعات مع عدد من مجتمعات الشعوب الأصلية، لمناقشة التحديات التي تواجهها هذه المجتمعات على أرض الواقع. وفي تقرير واسع التأثير رفعتْه إلى الأمم المتحدة في عام 2016، سلطتْ تاولي-كوربوز الضوء على أن العُرف السائد بإنشاء مناطق محمية وتشريعها قانونًا، مثل المتنزهات الوطنية والمحميّات الطبيعية، كثيرًا ما كان ينتهك حقوق مجتمعات الشعوب الأصليّة وأحقيتها في الأراضي (انظر: www.undocs.org/A/71/229).

وبعد أن عادت إلى مقر منظمة الأمم المتحدة، أخذتْ في مواصلة التعاون مع مجتمعات الشعوب الأصليّة حول العالم، عبر مساعدة أفراد هذه المجتمعات على فهْم حقوقهم، وانتزاع أحقيتهم في أراضيهم التي توارثوها عبر عدة أجيال. كما تُقدم تاولي-كوربوز يد العون إلى المجتمعات الأصليّة بهدف تعزيز الأنظمة التي تدعم سيطرة هذه المجتمعات على مواردها، وهي مسألة ضرورية في إطار سعي هذه المجتمعات إلى تقديم مقترحات بمشروعات، وإلى الحصول على التمويلات التي تعهدتْ بها الجهات المانحة الدولية مؤخرًا.

في هذا السياق، تقول تاولي-كوربوز: "القضية برمتها تتمحور حول مساعدة الشعوب الأصليّة على تمكين نفسها. ويحدوني الأمل في أن نستطيع تعزيز قدراتها كي يضطلع أفرادها بواجباتهم".■

 

Credit: Frédéric Scheiber for Nature

جيوم كاباناك: كاشف التزييف

عالم الكمبيوتر الذي ساعدنا على الكشف عن شكل جديدٍ من الأوراق البحثية المفبركة.

بقلم: ديانا كوون

مُستوطنة كائنات مخيفة تحت الأرض.. ورم خبيث في النهد.. قوة مصدرها الشمس. تبدو هذه العبارات وكأنها آتية من عمل خيالي، ولكنها في واقع الأمر ترجمات غريبة، لمصطلحات علمية مأخوذة من أدبيات أكاديمية. وهي تشير على التوالي إلى مستعمرة للنمل، وسرطان في الثدي، والطاقة الشمسية. وبصورة يومية، يرصد جيوم كاباناك، عالم الكمبيوتر بجامعة تولوز في فرنسا، عبارات غريبة كهذه في الأوراق البحثية الأكاديمية.

هذا العام، وجد كاباناك وزملاؤه، هذه العبارات المشوَّهة، كما يطلقون عليها، في آلاف الأوراق البحثية. وجرى سحب حفنة من تلك الأوراق، ولا يزال الناشرون يبحثون أمر مزيد منها. وكان كاباناك قد أنشأ موقعًا على شبكة الإنترنت بهدف تتبع هذه المشكلة المتنامية. وتقول إليزابيث بيك، المتخصصة في تحليل نزاهة الأبحاث العلمية في كاليفورنيا: "اكتشف هذا الفريق مجموعة جديدة بالكلّية من الأوراق البحثية المثيرة للجدل، والتي يبدو أنها مزيفة تمامًا".

أصبح استئصال هذه المشكلة بالكامل عملًا يرتبط بوظيفة كاباناك اليومية، فهو مُتخصِّص في تحليل الأدبيات الأكاديمية، وفي الوقت الحاليّ، يُخصص نحو ساعتين من وقته اليومي للعثور على تلك العبارات المشوَّهة. ربما ينظر بعضُهم  إلى هذه العبارات بوصفها مثيرةً للضحك، لكن كاباناك يأخذ المشكلة على محمل الجد. قائلًا: "لا ينبغي أن يحدث أي من ذلك".

بداية رحلة كاباناك في مطاردة هذه الأوراق البحثية التي تحمل كلامًا غير مفهوم، تعود إلى عام 2015، عندما بدأ تعاونه مع سيريل لابيه، عالم الكمبيوتر في جامعة جرينوبل ألب في فرنسا. وكان لابيه قد طوَّر برنامجًا لاكتشاف الأوراق البحثية التي تحمل كلامًا غير مفهومٍ، في مجال علوم الكمبيوتر، والتي تُنشَأ بطريقة أوتوماتيكية عبر تطبيق «سايجين» SCIgen، وهي برمجية خرجت إلى النور على سبيل المزاح في بادئ الأمر. ونتيجة لما قام به لابيه من عمل، فقد سحبت المجلات أكثر من 120 مخطوطة بحثية. وأسهم كاباناك في تحديث البرنامج الذي طوّره لابيه، بغرض العثور على الأوراق البحثية التي شارك تطبيق «سايجين» في تأليفها جزئيًا، إلى جانب تحديد موقعها باستخدام «دايمنشنز» Dimensions، محرّك البحث الخاص بالأدبيات الأكاديمية. وهذا العام، أفاد الباحثان بعثورهما على مئات الأوراق البحثية الأخرى، التي تضمّ نصوصًا غير ذات معنى، نُشرت بالفعل في مجلات علمية ووقائع مؤتمرات، وفي صورة مسودات بحثية.

ولنشر الوعي بخصوص هذه المشكلة، راسل كاباناك وزملاؤه، الناشرين عن طريق البريد الإلكتروني، ونشروا النتائج التي توصَّلوا إليها على وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى موقع « بَب بِير» PubPeer، وهو موقع خاص بمراجعة الأقران بعد النشر. كما أنشأ كاباناك أيضًا موقع «ذا بروبليماتيك بيبر سكرينر» The Problematic Paper Screener، للتعرف على المخطوطات المشكوك في أمرها والإبلاغ عنها. ويقول لابيه واصفًا كاباناك: "إنه يشعر بالإحباط إزاء الأوراق البحثية المزورة. وهو على استعداد حقًا لفعل كل ما يلزم لمنع حدوث هذه الأمور".

على صعيد آخر، دفعت الأعمال البحثية التي ظهرت إلى الوجود باستخدام برمجية «سايجين» ألكسندر ماجازينوف، وهو مهندس برمجيات بشركة التكنولوجيا متعددة الجنسيات «ياندكس» Yandex، والتي يقع مقرها في موسكو، إلى التواصل مع لابيه وكاباناك. وتساءل ماجازينوف عن احتمالية أن تكون برمجية «سايجين» مسؤولة عن النُسخ المُعاد صياغتها بصورة غريبة من المفاهيم العلمية التي لاحظها في الأوراق البحثية، مثل استخدام تعبير «المعلومات الهائلة» بدلًا من «البيانات الضخمة». وقد تعاون الباحثون الثلاثة معًا لتحديد مواضع المصطلحات في مئات الأوراق البحثية، وأبلغوا عن ذلك شهر يوليو الماضي. ومن خلال إجراء مزيدٍ من الأبحاث والتحرّي بصورة أعمق، أشار الباحثون إلى احتمالية استخدام أدوات آلية لإعادة صياغة تلك المصطلحات عند تأليف تلك الأبحاث.

وتقول جينيفر بايرن، باحثة علوم السرطان بجامعة سيدني في أستراليا، والتي عمل معها كاباناك في مشروعات أخرى تتعلّق بالنزاهة العلمية: "أظن أن هذه العبارات المشوَّهة تشير إلى أحد جوانب الخلل في عملية مراجعة الأقران. فلو أن الشخص الذي يتولّى عملية مراجعة الأقران منتبهٌ لما يقرؤه، فإنه كان ليلاحظ بالتأكيد أن تلك العبارات غير سليمة على الإطلاق".

حتى الآن، استطاع كاباناك وزملاؤه، بالتعاون مع متطوِّعين من مجتمع «بَب بِير»، تحديد ما يقرب من 400 عبارة مشوَّهة، ترد في أكثر من ألفي ورقة بحثية، بما في ذلك أبحاث منشورة في مجلات تعود إلى ناشرين معروفين، مثل «إلسفير» Elsevier و«سبرينجر نيتشر» Springer Nature (فريق الأخبار التابع لدورية Nature يتمتع بالاستقلالية التحريرية عن الناشر). وفي بداية الأمر، يبدأ أحد المُدقِّقين عمله، مكتشفًا كل العبارات من هذه النوعية، ثم تُشغّل خوارزمية بحث على فهرس محرك «دايمنشنز»، للعثور على الأوراق البحثية التي ترِد فيها تلك العبارة. ويتولَّى كاباناك ومجموعة من مساعديه فحص كل مقالة من هذه المقالات بأنفسهم للتخلص من النتائج غير الدقيقة، من عبارات مفهومة عادية. ويرغب كاباناك أن يتمكن من تطوير برنامج يمكنه التعرف على تلك العبارات المشوَّهة بشكل تلقائي في وقت لاحق.

ويأمل كاباناك كذلك أن يسهم عمله في تطهير الأدبيات العلمية. لكنه يعرف أن هذه لن تكون بالمهمة السهلة. ويقول: "أخشى أن التقنيات الجديدة بإمكانها مساعدة المحتالين على نشر أوراق بحثية تضمّ أخطاء قد يصعب رصدها". ويضيف: "الأمر يستدعي الانتباه والتصرّف السريع، علينا أن نكون مستعدين".■

   

 

Credit: Jessica Hallett/Nature

 ميجان كال: ناقلة أخبار فيروس كورونا

اختصاصية حكومية في علم الأوبئة تخالف المعتاد وتُغرِّد على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» شارحةً بيانات فيروس كورونا في المملكة المتحدة

بقلم: ريتشارد فان نوردن

بعد ظهيرة يوم الثامن من يناير، أسهمت ميجان كال، اختصاصية علم الأوبئة، التي تعمل في حكومة المملكة المتحدة، في وضع اللمسات الأخيرة على وثيقة إحاطة فنية بشأن انتشار سلالة متحورة مثيرة للقلق من فيروس «سارس-كوف-2» SARS-CoV-2 جنوب شرق إنجلترا. وبعد مضي ما يقرب من نصف ساعة بعد نشر التقرير، قرَّرت كال تجربة شيء جديد: نشر سلسلة من التغريدات على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» تُحلِّل فيها نقاط التقرير الرئيسية.

كانت كال قد رصدت حالة من القلق والارتباك المتزايدين على شبكة الانترنت بشأن السلالات المتحورة لفيروس كورونا، وأرادت أن تشرح للجمهور ما تشير إليه البيانات الحكومية. لم تكن كال قد طلبت إذنًا من رؤسائها في وكالة الصحة العامة بإنجلترا (PHE)، وهي الوكالة المكلفة بالاستجابة للتهديدات الصحية، وخلفتها في هذه المهمة الآن وكالة الأمن الصحي في المملكة المتحدة. تقول كال: "فعلت ذلك دون تفكير"، لكن سرعان ما انتبه لها جمهور من المتابعين. إذ شارك في الحوار باحثون بريطانيون ببعض الأسئلة، وكذلك فعل فيلسوف أمريكي ومبرمج أرجنتيني.

كانت تلك التغريدات هي التجربة الأولى من بين سلسلة محاولات تفسير سريعة، يسهل الوصول إليها، أسهمت بها كال بخصوص عشرات من نشرات الإحاطة الإعلامية التي نشرتها الوكالة بشأن فيروس كورونا. ومن خلال تغريداتها، التي أعدَّتها ونشرتها في أثناء ممارستها عملها اليومي، أصبحت كال وجهًا إنسانيًا لفريق حكومي، مقدمة عديدًا من الإجابات المبكّرة عن أسئلة مُلحّة بشأن «كوفيد-19» في عام 2021.

 أصدرت المملكة المتحدة سريعًا بيانات عالية الجودة بشأن فيروس كورونا، سواء بخصوص انتشار السلالات المتحورة من الفيروس وحتى البيانات التي تتناول فاعلية اللقاحات، ويعود الفضل في ذلك إلى الطرح المبكّر للقاحات، وما تملكه البلاد من مختبرات جينومية ذات تجهيزات عالية، إلى جانب حالة التماسك الذي ظهرت عليها هيئة خدمات الصحة الوطنية (NHS). ويعلّق مارم كيلباتريك، الباحث في مجال الأمراض المعدية بجامعة كاليفورنيا في سانتا كروز: "البيانات الصادرة عن وكالة الصحة العامة بإنجلترا كانت لا تقدر بثمن. وقد استخدمها العالم بأسره لفهم عديد من الجوانب الرئيسية لـ«كوفيد-19»".

وقد أحسن باحثو المملكة المتحدة فعلًا بمشاركتهم هذه البيانات، عكس ما فعلت دول أخرى طرحت لقاحاتها في وقت مبكر هي الأخرى. إذ يقول بن كاولينج، اختصاصي علم الأوبئة في جامعة هونج كونج، إن العلماء الإسرائيليين، على سبيل المثال، كانوا في الغالب يشاركون البيانات الأولية على وسائل التواصل الاجتماعي في هيئة صور فقط، ما يجعل من الصعب استخراج البيانات منها، وكذلك كانت هذه البيانات تُطرح باللغة العبرية، ما صعَّب مهمة فهم النتائج على المتابعين من دول العالم الأخرى.

ومع وجود كثير من المعلومات الخاطئة، ومع حالة الارتباك بشأن ما يمكن أن تعنيه بيانات كهذه، سعت وكالات الصحة العامة جاهدةً لتوصيل رسائلها إلى العامة. ومن ثمَّ، سارعت كال إلى التدخل في هذه المساحة. ويقول كيلباتريك: "كانت ميجان مصدرًا رائعًا للمعلومات المثيرة التي تُنشر سريعًا في الصحف، وقد قامت بعمل رائع في تحليل محتويات التقارير".

في أثناء الجائحة، برز عشرات العلماء نجومًا في مجال التواصل العلمي على موقع «تويتر»، لكن وضع كال لم يكن اعتياديًا. ففي تغريدة نشرتها على الموقع في شهر سبتمبر، قالت كال: "بصفتي موظفة حكومية، لا أملك إلا نطاقًا محدودًا لقول الحقيقة كما أعرفها". وفي أكثر من ستة آلاف تغريدة نشرتها هذا العام، شاركت كال كذلك صورًا لاختبارات فيروس كورونا السريعة التي أجرتها عندما اضطرت عائلتها إلى التزام العزل المنزلي، كما دعت الأشخاص القلقين بشأن لقاحات «كوفيد-19» إلى التواصل معها عن طريق الرسائل الخاصة. وتقول كال إن رؤساءها في العمل لم يمنعوها أو يشجّعوها على نشر هذه التغريدات بموقع «تويتر»، لكن بعض زملائها عبروا لها بصورة شخصية عن دعمهم لما تفعله.

وحسبما ترى كال، فإن اتصالها العلني بالجمهور قد بثَّ شعورًا بالثقة في بيانات حكومة المملكة المتحدة. وتقول: "الردود التي أسعدتني على نحو خاص كانت تأتي من أشخاص يقولون إنهم لم يكونوا يثقون ثقة كبيرة في وكالة الصحة العامة بإنجلترا، إلى أن بدأوا متابعة ما أنشره من تغريدات على موقع تويتر".

قبل اندلاع جائحة «كوفيد-19»، أمضت كال عقدًا من الزمن في مراقبة الإصابات بعدوى فيروس نقص المناعة البشرية، لصالح الوكالات الحكومية في المملكة المتحدة. وتقول كال إن عملها مع المصابين بالفيروس قد منحها خبرة في فهم وجهات نظر الأشخاص التي أحيانًا ما تتضارب هي نفسها، كما ساعدها على ذلك نشأتها في بلدة صغيرة ومحافظة في ولاية ميشيجان. وجدير بالذكر أنه عندما ضربت جائحة «كوفيد-19» العالم، كانت كال تكتب رسالتها لنيل درجة الدكتوراه التي تناولت دراسة استقصائية، أجريت على المستوى الوطني على الأشخاص المتعايشين مع فيروس نقص المناعة البشرية.

أما تغريدات كال الأكثر شعبية فكانت تلك التي تنتقد فيها استجابة المملكة المتحدة لأزمة فيروس كورونا، التي تضمنت إجراءً مثيرًا للجدل بخصخصة معظم اختبارات الفيروس وجهود تتبع المخالطين للمصابين بالمرض. وفي نوفمبر الماضي، كتبت كال: "ما زلت أرى أن عدم إشراك أو استشارة مستشاري الصحة الجنسية، التابعين لهيئة الخدمات الصحية الوطنية في المملكة المتحدة، بشأن خدمة «الاختبار والتتبع»، كان سهوًا كبيرًا، إذ يتمتع هؤلاء الأشخاص بقدرات احترافية على تتبع المخالطين". وعندما سُئلت كال، على مرأى من مسؤول صحفي، عن مقدار الحرية التي تتمتع بها في تغريداتها، قالت إن أحدًا لم يُملِ عليها مطلقًا ما ينبغي أن تقوله، كما أنها لم تتعرض للوم أو توبيخ على الإطلاق، لكنها من ناحية أخرى حريصة بدرجة كبيرة على اختيار المسائل التي تشارك فيها بالرأي".

وتقول كال إن تجميع سلاسل التغريدات الخاصة بها على موقع «تويتر» أمر يتقاطع مع حياتها الشخصية، إذ يستغرق إعداد كل تحليل تفصيلي للإحاطة الإعلامية ساعة أو نحو ذلك، إضافة إلى عملية الرد على الأسئلة، ولا يكف زملاء كال عن سؤالها كيف تتمكّن من الاستمرار في ذلك. وتقول عن ذلك: "محاولة تمكين الناس هو أحد أهدافي الرئيسية، كذلك مساعدتهم على امتلاك قدرة فهم البيانات، بما يسمح لهم باتخاذ قراراتهم الخاصة، استنادًا إلى مصدر موثوق به".■

 

 

Credit: Stefa​ni Reynolds/The New York Times​/eyevine

جانيت وودكوك: زعيمة الأدوية

قادت وكالةَ الأدوية الأساسية في الولايات المتحدة خلال عام مليء بالتحديات

بقلم: هايدي ليدفورد

بعد بضعة أيام من تولّي جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة في يناير، قرر تعيين جانيت وودكوك للعمل مفوضة بالإنابة لإدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA). وسرعان ما انهالت الرسائل والخطابات. كان بعضها في صالح وودكوك، ففي خطاب مُوقَّع من 82 منظمة من منظمات رعاية حقوق الأشخاص المصابين بأمراض نادرة، أشاد الموقعون بقدراتها القيادية وتركيزها على إدراج أصوات المرضى في الاعتبار عند إصدار قرارات الموافقة على الأدوية.

وعلى النقيض من ذلك، كانت هناك خطابات أخرى أقل ترحيبًا؛ إذ حثَّت 31 منظمة من منظمات الضغط وزيرَ الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية على جعل فترة رئاسة وودكوك لإدارة الغذاء والدواء مختصرة قدر الإمكان. وتضمَّن الخطاب ما يلي: "تولت د. وودكوك منصبها في واحدة من أحلك فترات الإدارة وأكثرها إخفاقًا من الناحية التنظيمية في تاريخ الولايات المتحدة"، وألقى الموقعون على الخطاب اللومَ بصورة جزئية على وودكوك بشأن أزمة إدمان المواد الأفيونية المشتعلة في البلاد. وقد استمر الجدل والنقاش بشأن وودكوك على مدار هذه السنة العاصفة التي أمضتها في رئاسة الإدارة.

قضت وودكوك، وهي طبيبة سابقة، معظم حياتها المهنية التي استمرت 35 عامًا في إدارة الغذاء والدواء الأمريكية؛ مديرةً لمركز تقييم الأدوية والأبحاث، وهي الجهة المسؤولة عن ضمان سلامة الأدوية وفاعليتها، قبل منح الموافقة على طرحها في الأسواق الأمريكية. وأسهمت وودكوك في تحديث عملية تقييم الأدوية في المركز، ما فتح الباب لوضع تصميمات ومسارات متطوّرة للتجارب الإكلينيكية، نهاية بحصول الأدوية على تصريح بالتداول، مع مصاحبة ذلك باختبارات تشخيصية متقدمة. كما أشرفت على خلق دور أكبر للمرضى والجهات المدافعة عن حقوقهم في عملية التصريح بالدواء. وفي يناير، ثارت تكهنات بأن الرئيس بايدن ربما يرشحها للاستمرار في تولي منصب مفوضة الإدارة.

ولكن بحلول شهر يونيو، تضاءل ذلك الاحتمال، عقب إصدار إدارة الغذاء والدواء الأمريكية قرارًا مثيرًا للجدل بالموافقة على طرح عقار «أدوكانوماب» Aducanumab لعلاج مرض ألزهايمر. وقد أظهر ذلك الدواء، الذي طورته شركة «بيوجن» Biogen ومقرها مدينة كامبريدج بولاية ماساتشوستس، قدرة على خفض تكتلات بروتينات «أميلويد بيتا» في أدمغة الأشخاص المصابين بالمرض، ولكن لم يتضح ما إذا كان العقار يُحسِّن الوظائف الإدراكية أو يخفف من أعراض المرض.

وكانت لجنة من المستشارين غير العاملين في إدارة الغذاء والدواء قد صوَّتت ضد التصريح باستخدام الدواء سابق الذكر، لكن الإدارة اتَّخذت قرارًا غير معتاد بتجاهل تلك التوصية. ويقول مايكل كاروم، مدير الأبحاث الصحية بمنظمة «بابليك سيتيزن» Public Citizen، المعنية بالدفاع عن حقوق المستهلك في واشنطن العاصمة، إن هذه كانت لحظة فارقة، إذ وافقت الإدارة على دواء قد يتعاطاه ملايين الأشخاص، دون وجود دليل قوي على أنه ذو نفع. ويضيف كاروم: "كان ذلك واحدًا من أسوأ القرارات التي اتخذتها الإدارة على الإطلاق".

امتنعت وودكوك عن التعليق على هذا المقال، لكن أحد المتحدثين باسم إدارة الغذاء والدواء قال إنها لم تكن طرفًا في عملية التصريح بتداول عقار «أدوكانوماب». ورغم ذلك، يقول آرون كيسيلهايم، وهو طبيب يدرس التشريعات المعنية بالدواء في كلية الطب بجامعة هارفارد، في مدينة بوسطن بولاية ماساتشوستس الأمريكية، إن وودكوك تتحمل قدرًا من المسؤولية بحكم منصبها كرئيس للإدارة بالإنابة. وكان كيسيلهايم عضوًا في اللجنة الاستشارية لإدارة الغذاء والدواء، وقدم استقالته مع عضوين آخرين احتجاجًا على صدور ذلك القرار. وعلى الناحية الأخرى، لطالما دافعت وودكوك عن ضرورة وجود علاقة وثيقة بين صناعة الدواء وإدارة الغذاء والدواء، ما أثار مخاوف بين بعض مجموعات الدفاع عن حقوق المستهلكين وكذلك العلماء الأكاديميين.

كان كيسيلهايم قد تقدم باستقالته من عضوية اللجنة بغرض لفت الانتباه إلى مخاوفه من أن يتحول ذلك إلى توجّه جديد للإدارة. ويقول عن ذلك: "كلي أمل في ألا ينتشر هذا النوع من القرارات السيئة".

في الصيف واجهت الإدارة موجة أعنف من الجدل، عندما أعلن البيت الأبيض أن مواطني البلاد سيأخذون قريبًا جرعات معززة من لقاحات «كوفيد-19». لم تكن إدارة الغذاء والدواء الأمريكية قد أصدرت بعد قرارًا بشأن الجرعات المعززة، ولم يُنظَر إلى إعلان بايدن بوصفه سابقًا لأوانه فحسب، وإنما أيضًا مناقضًا لوعده بوضع العلم والأدلة العلمية في صلب عملية صنع القرار. وقد أيدت وودكوك تلك الخطة، ومعها آخرون من مسؤولي الصحة العامة في الولايات المتحدة، لكنهم قالوا إنها تخضع لموافقة الجهات التنظيمية.

نجم عن هذه الواقعة حالة من الارتباك بين أروقة إدارة الغذاء والدواء، إذ استقال اثنان من كبار مُقيِّمي اللقاحات احتجاجًا على ذلك.

وفي شهر نوفمبر، رَشح بايدن طبيب القلب روبرت كاليف، وهو مفوض سابق لإدارة الغذاء والدواء، للعودة إلى منصبه في قيادة الإدارة. لكن كيسيلهايم يقول إن الإرث الذي خلّفته وودكوك سيستمر إلى ما يتجاوز العام الذي أمضته في رئاسة الإدارة.

وعلى الرغم من الانتقادات التي وجهها كيسيلهايم للإدارة، فإنه يقول: "أظن أن إدارة الغذاء والدواء تتخذ قرارات سليمة في معظم الأحيان، كما أنها تواصل القيام بدورها في إضفاء درجة عالية من الجودة على عمليات تنظيم تداول الدواء، في شتى أنحاء العالم". ويضيف أن وودكوك "تستحق بعض التقدير نظير التطور الذي طرأ على أداء إدارة الغذاء والدواء مع مرور الوقت".■

تشيكوي إيهيكويزو

مركز منظمة الصحة العالمية للاستخبارات الوبائية والأوبئة

سيتولى عالم الأوبئة مهمة إدارة مركز الرصد وجمع البيانات بشأن جائحة «كوفيد-19»، وغيرها من حالات انتشار المرض الأخرى.

جين ريجبي

مركز جودارد لرحلات الفضاء التابع لوكالة ناسا

بصفتها عالمة مسؤولة عن العمليات في مشروع تلسكوب جيمس ويب الفضائي، والمقرّر إطلاقه قريبًا، ستساعد هذه العالمة المتخصصة في الفيزياء الفلكية على تنظيم الاكتشافات المُزمع القيام بها.

لوف دالين

المتحف السويدي للتاريخ الطبيعي

أجرى دالين، المتخصص في علم الجينات، تسلسلًا لأقدم حمض نووي مُسجّل، يبلغ من العمر 1.65 مليون سنة، مأخوذ من أحد حيوانات الماموث، ويسعى الآن للعثور على مزيد من البقايا الجينية.