أخبار

كيف تنتشر سلالة «دلتا» المتحوّرة عن طريق متلقِّي لقاحات «كوفيد»؟

تشير البيانات إلى أن سلالة فيروس كورونا الجديد المتحورة «دلتا» تنتشر بسرعة أكبر من السلالات المتحورة الأخرى بين من تلقوا تطعيمًا ضد الفيروس.

نيدهي سوبارامان

  • Published online:
تحقيق إخباري يوضّح دور متلقي التطعيمات في انتشار سلالة «دلتا» المتحوّرة، مقارنة بغيرهم من الأفراد.

تحقيق إخباري يوضّح دور متلقي التطعيمات في انتشار سلالة «دلتا» المتحوّرة، مقارنة بغيرهم من الأفراد.

Credit: Jeff J Mitchell/AFP/Getty

عندما أظهرت البيانات الميدانية المُبكِّرة أن التطعيم يحدّ بالفعل من انتقال فيروس «سارس-كوف-2» بين البشر، ساور الباحثين شعورٌ بالتفاؤل المشوب بالحَذِر، لكنهم في الوقت نفسه حذَّروا من أن غالبية هذه الدراسات -رغم كونها واعدة- قد أُجرِيت قبل انتشار سلالة فيروس كورونا المتحوّرة «دلتا» في شتى أنحاء العالم، وهي سلالة تتسم بسرعة انتشارها. ويبدو أن التقارير الواردة من بلدان مختلفة تؤكد ما أبداه العلماء من تخوّف في هذا الصدد، عقب اجتياح السلالة المتحورة للهند بسرعة مقلقة في شهري أبريل ومايو الماضيين، وهو أن هذه السلالة من الفيروس يُرجَّح أنها تتفوق على سلالاته المتحورة الأخرى من ناحية قدرتها على الانتشار عبر مَن تلقّوا تطعيمًا ضده.

وفي الوقت الراهن، تُوضِّح البيانات المُستمدَة من اختبارات «كوفيد-19» في الولايات المتحدة وسنغافورة والمملكة المتحدة أن من تلقّوا تطعيمات ضد الفيروس وأصيبوا بالسلالة المتحورة المنحدرة منه «دلتا»، يمكن أن يحملوا في أنوفهم القدرَ نفسَه من الفيروسات الذي يحمله الأشخاص الذين لم يتلقّوا تطعيمًا. ويعني ذلك أنه على الرغم من الحماية التي توفرها اللقاحات، يمكن لنسبة من الأشخاص الذين تلقّوا تطعيمًا ضد الفيروس نقل سلالة «دلتا» المتحوّرة، وهو ما قد يساعد على ارتفاع نسبة الإصابة بهذه السلالة.

تعقيبًا على ذلك، يقول ديفيد أوكونور، عالم الفيروسات من جامعة ويسكونسن-ماديسون: "يمكن للمصابين بعدوى "اختراقية" من سلالة «دلتا» المتحوّرة رغم تلقيهم تطعيمًا ضد الفيروس، أن يحملوا في أجسادهم مستويات مرتفعة جدًا منه، ومن ثمَّ يمكن لذلك أن يتسبَّب عن غير قصد في نقل العدوى إلى أشخاص آخرين".

وتؤكّد النتائج التي توصَّل إليها الباحثون أهمية عددٍ من التدابير الوقائية، مثل ارتداء الكمامات في الأماكن المغلقة بغية تقليل انتقال العدوى. ويشدّد الباحثون على أن لقاحات «كوفيد-19» توفّر حماية ضد الحالات الخطيرة من المرض ومن الوفاة، لكن البيانات، كما يقول أوكونور، توضِّح أن "الأشخاص الذين تلقوا تطعيمًا ضد الفيروس لا يزالون بحاجة إلى اتخاذ تلك التدابير الاحترازية".

قابلية الفيروس للانتقال

فحص أوكونور، وفريقه البحثي، في وزارة الصحة التابعة لمدينة ماديسون ومقاطعة داين، حالات الإصابة بالعدوى في ولاية ويسكونسن الأمريكية في شهري يونيو ويوليو الماضيين.

واستخدم الفريق اختبارات تفاعل البوليميراز المتسلسل (PCR)، التي تُستخدم على نطاق واسع في التحقق من الإصابة بعدوى «كوفيد-19»، لتقدير تركيزات الفيروس في عينات السائل الأنفي. وترصد هذه الاختبارات المادة الجينية للفيروس عن طريق تضخيم الحمض النووي حتى يصبح قابلًا للرصد في صورة إشارة فلورية. ويكون عدد دورات التضخيم اللازمة للحصول على هذه الإشارة،  وهو مؤشر يُسمَّى "قيمة الحد الأدنى لعدد دورات التضخيم" (يُعرَف اختصارًا بـCt) مُعبِّرا عن التركيز الفيروسي في العيّنة. فكلما انخفضت قيمة هذا الحد الأدنى في العينة، كان مقدار المادة الوراثية الفيروسية الموجودة بها أكبر.

وفي مسوَّدة بحثية أخرى، نُشرت على خادم "ميد آركايف" medRxiv في الحادي عشر من أغسطس  الماضي1، قارن الباحثون قيم هذا المؤشر في عينات 719 شخصًا، في الفترة بين التاسع والعشرين من يونيو الماضي والواحد والثلاثين من شهر يوليو التالي له. وفي الفترة المذكورة وجد الباحثون أنه من بين عيّنات فيروس كورونا التي عيَّنوا تسلسل الحمض النووي بها، وعددها 122 عينة، اكتُشف وجود سلالة «دلتا» المتحوّرة في نسبة قوامها 90% من العيّنات. ومن بين 311 شخصًا جرى تطعيمهم ضد الفيروس وثبت وجوده لديهم ضمن هذه المجموعة من العينات، بلغت قيمة الحد الأدنى لعدد دورات التضخيم لدى معظمهم أقل من 25، وهو مستوى يتوقع الباحثون عنده وجود فيروسات مُعدية. وللتحقق من ذلك، استزرع فريق الباحثين 55 عينة كانت قيم الحد الأدنى لعدد دورات التضخيم بها أقل من 25، وجُمعت من أشخاص سواء ممن تلقّوا تطعيمًا ضد الفيروس أم من لم يتلقوا تطعيمًا ضده. وقد اكتشف الباحثون فيروسات مُعدِية في كل عينة تقريبًا من تلك العينات. وكانت قيم الحد الأدنى سالف الذكر عند معظم الأشخاص الذين لم يتلقّوا تطعيمًا أقل من ذلك المستوى.

تعقيبًا على ذلك، يقول توماس فريدريش، وهو عالم فيروسات من جامعة ويسكونسن-ماديسون، شارك في وضع الدراسة: "خلاصة القول إن حدوث هذا وارد؛ بمعنى أنّه يمكن بالفعل للأشخاص الذين تلقوا تطعيمًا ضد الفيروس أن يتسببوا في انتشاره. لكننا لا نعرف حتى الآن مدى إسهامهم مقارنة بغيرهم في الانتشار المجتمعي للعدوى إجمالًا".

وتشير البيانات الواردة من بروفينستاون، بولاية ماساتشوستس الأمريكية، إلى نتائج مماثلة. إذ أوضح تقرير أصدرته المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC) في أغسطس الحاليّ، أنه في أعقاب التجمعات الكبيرة في تلك المدينة الشاطئية، وقع هناك ما يقرب من ثلاثة أرباع حالات الإصابة الجديدة بـ«كوفيد-19» في الولاية، وعددها 469 حالة، بين أشخاص قد تلقّوا تطعيمًا ضد الفيروس2. وكانت قيم الحد الأدنى لعدد دورات التضخيم لدى الأشخاص سواء الذين تلقوا تطعيمًا ضد الفيروس، أو الذين لم يتلقوا تطعيمًا ضده، منخفضة نسبيًا، وهو ما يشير إلى ارتفاع الحمل الفيروسي. وقد اكتشف الباحثون أن 90% من العيّنات سالفة الذكر التي جرى تعيين تسلسل الحمض النووي بها والبالغ عددها 133 عيّنة، كانت لسلالة «دلتا» المتحوّرة. وقد دفعت هذه النتائج مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها إلى تحديث توجيهاتها الإرشادية في السابع والعشرين من يوليو الماضي، والتوصية من جديد بارتداء الكمامات في الأماكن المغلقة التي ترتفع فيها معدلات الإصابة بالعدوى.

خصائص بيولوجية مختلفة

أما في مدينة هيوستن، بولاية تكساس الأمريكية، فيعكف فريقٌ من الباحثين بمستشفى هيوستن ميثوديست، منذ مارس عام 2021، على توثيق تسلسل الحمض النووي للسلالات المتحوّرة من فيروس «سارس-كوف-2» وتعيينه في كل حالة تقريبًا من الحالات المصابة بـ«كوفيد-19» التي قُيِّدت في نظام المستشفى. وقد وجد الفريق أن نحو 17% من حالات الإصابة بسلالة «دلتا» المتحوّرة وقع بين أشخاص تلقوا تطعيمًا بالفعل ضد الفيروس، وهي نسبة تقارب ثلاثة أضعاف معدل الإصابة بالعدوى الاختراقية في حال جميع السلالات المتحورة الأخرى مجتمعة. كذلك مكث المرضى المصابون بسلالة فيروس «سارس-كوف-2» المتحوّرة «دلتا» في المستشفيات فترة أطول قليلًا من المصابين بالسلالات المتحوّرة الأخرى. ويقول جيمس موسر، وهو اختصاصي علم الأمراض الجزيئي ومدير مركز البحوث الجزيئية والانتقالية بخصوص الأمراض البشرية المُعدية في المستشفى: "يُحتَمل أن هناك اختلافًا طفيفًا في الآليات البيولوجية للإصابة بالعدوى". وقد وجد فريقه أن قيم الحد الأدنى لعدد دورات التضخيم كانت متماثلة بين الأشخاص الذين تلقوا تطعيمًا ضد الفيروس ومن لم يتلقوه3.

ومع ذلك، فقد أفاد باحثون في سنغافورة، تقصّوا الأحمال الفيروسية في كل يوم من أيام الإصابة بعدوى «كوفيد-19» عند الأشخاص، سواء الذين تلقوا تطعيمًا ضد الفيروس أم من لم يتلقوه، بأن متلقِّي التطعيمات المصابين بسلالة «دلتا» قد يظلون قادرين على نقل العدوى فترة أقصر. وكانت الأحمال الفيروسية لسلالة «دلتا» متشابهة عند كلتا المجموعتين في الأسبوع الأول من الإصابة، ولكنها انخفضت سريعًا بعد اليوم السابع عند متلقِّي التطعيمات4. بشأن ذلك، يقول بارنابي يانج، الذي شارك في تأليف الدراسة، وهو طبيب إكلينيكي متخصّص في الأمراض المُعدِية بالمركز الوطني للأمراض المُعدِية في سنغافورة: "بالنظر إلى مستويات الفيروس المرتفعة التي لوحظت في الأسبوع الأول من الإصابة بسلالة «دلتا» المتحورة، نجد أن التدابير الاحترازية التي يمكن أن تحدّ من انتقال العدوى مثل ارتداء الكمامات ونظافة اليدين، تلعب دورًا بالغ الأهمية  للجميع، بغضّ النظر عن تلقي اللقاح من عدمه".

وكان برنامج "ريآكت-1" REACT-1 التابع للمملكة المتحدة من بين التحليلات واسعة النطاق التي أُجريت بخصوص انتقال عدوى سلالة «دلتا» المتحورة. ويقود البرنامج فريقٌ من كلية إمبريال كوليدج لندن، ويجري أفراده الفحوص لأكثر من 100 ألف متطوّع بريطاني كل بضعة أسابيع. وقد أجرى أعضاء الفريق تحليلات لقيم الحدِّ الأدنى لعدد دورات التضخيم التي وردت إليهم في أشهر مايو ويونيو ويوليو الماضية، في الوقت الذي كانت فيه سلالة «دلتا» تحلّ سريعًا محلّ السلالات المتحورة الأخرى لتصبح المحرك الرئيسي لموجات انتشار مرض «كوفيد-19» في البلاد. وأشارت النتائج إلى أنه في أوساط الأشخاص الذين ثبتت إصابتهم بالعدوى، كان لدى الأشخاص الذين حصلوا على تطعيمات حِمل فيروسي أقل في المتوسط، ​​مقارنة بأولئك الذين لم يتلقوا تطعيمًا ضد الفيروس. وتعقيبًا على ذلك، يقول بول إليوت، عالم الأوبئة من كلية إمبريال كوليدج، إن هذه النتائج تختلف عن دراسات أخرى تناولت قيم الحد الأدنى سالف الذكر، لأن العينات في هذه الدراسة جُمعت عشوائيًا وتضمَّنت أشخاصًا ثبتت إصابتهم بالعدوى دون أن تظهر عليهم أعراض للمرض.

ويرى إليوت أن هذه النتائج، إلى جانب تزايد عدد حالات الإصابة في أوساط الأشخاص الأصغر عمرًا، ممن لم يتلقوا جرعتي تطعيم ضد اللقاح بعد، تؤكد فاعلية التطعيم القائم على جرعتين، مضيفًا: "نظنّ أنه من المهم جدًا أن يتلقَّى أكبر عدد ممكن من الأشخاص، لا سيّما الفئات الأصغر سنًا، جرعتين في أقرب وقت ممكن".

References

  1. Riemersma, K. K. et al. Preprint at medRxiv https://doi.org/10.1101/2021.07.31.21261387 (2021). | article
  2. Brown, C. M. et al. MMWR Morb. Mortal. Wkly. Rep. 70 1059–1062 (2021). | article
  3. Musser, J. M. et al. Preprint at medRxiv https://doi.org/10.1101/2021.07.19.21260808 (2021). | article
  4. Chia, P. Y. et al. Preprint at medRxiv https://doi.org/10.1101/2021.07.28.21261295 (2021). | article