أنباء وآراء

الفلفل الحار يحفز حشد الخلايا الجذعية المكوِّنة للدم

تستطيع الخلايا العصبية المُستَشعِرة للألم حشد خلايا الدم الجذعية في الفئران بمساعدة أحد مكونات الفلفل الحار الذي يعمل كمنبِّه يحفز هذه العملية. وتبشر هذه النتيجة بحدوث تحسُّنٍ ملموس في زراعة الخلايا الجذعية.

أناستازيا إن. تيخونوفا، وأيانيس آيفانتيس
  • Published online:

تتمثل الميزة الأساسية لخلايا الدم الجذعية في قدرتها على تجديد أجهزة الجسم المناعية المسؤولة عن الدم بالكامل، فيما يُعرف بِاسم "تكوّن الدَّم". وتُعرف الخلايا المشاركة في هذه العملية بِاسم "الخلايا الجذعية المكوِّنة للدَّم" (HSCs). وفي أثناء هذه العملية، تتحرّك الخلايا الجذعية المكوِّنة للدَّم، بمساعدة الدورة الدَّموية، حول مواقعَ تشريحية متمايزة في الأجنة النامية. وبعد الولادة، تستقر هذه الخلايا في حاضنات متخصصة في نخاع العظم تدعَم استتبابها وتجددها1. وعلى مر حياة الإنسان، تنطلق الخلايا الجذعية المكوِّنة للدَّم من نخاع العظم من أجل تعويض نقص خلايا الدم وفقَ نمطٍ يومي يجري تنظيمه وضبط إيقاعه عبر الأعصاب اللاإرادية2 كما تتصل الخلايا العصبية المستشعرة للألم بنخاع العظم أيضًا، لكن تُرى هل بمقدور هذه الخلايا العصبية حشد الخلايا الجذعية المكوِّنة للدَّم كذلك؟ هذا ما يتعرض له جاو وزملاؤه3في بحث نُشر مؤخرًا بدورية Nature، وقد نجحوا أخيرًا في التعرف على دور غير متوقع للفلفل الحار في ذلك.

قد يحمل هذا العمل البحثي أهميّة إكلينيكية تُضاف إلى أهمّيّته البيولوجية. فبعد العلاج الكيميائي عالي الجرعات، يدخل زرع الخلايا الجذعية الذاتية (ASCT)4 وهو استبدال الخلايا الجذعية المتضررة المكوِّنة للدَّم بأُخرى سليمة، في صميم علاج المصابين بسرطانات الدّم (مثل سرطان ابيضاض الدَّم، والأورام اللمفاوية، والورم النقوي المتعدِّد، وجميعها سرطانات تتسم بالشراسة). ولتجنّب احتمالية حدوث مُضاعَفات، يعتمد زرع الخلايا الجذعية الذاتية على خلايا جذعية مأخوذة من المصاب نفسه، تُجمع من دمهِ قبلَ العِلاج الكيميائي، ثُمَّ يُعادُ حقنها وريديًا في وقت لاحق بغرض تجديد نخاع العظام التالف.

ويتطلَّب هذا الإجراء إيجاد طريقة لحثِّ الخلايا الجذعية السليمة المكوِّنة للدَّم على مغادرة حاضنة نخاع العظم ودخول مجرى الدم، حيث تُجمَع من هناك. ومنذ تسعينيات القرن العشرين، صار عاملٌ مُفرَز يعُرِفَ بِاسم عامل تحفيز مستعمرات الخلايا المُحَبَّبة (G-CSF) المنبّه الجزيئي الذي يُستخدم بالدرجة الأولى في هذه العملية. بعد ذلك، في عام 2003، استُحدث منبّه آخر لهذه العملية، كان شبيهًا بـ"البليريكسافور" plerixafor، وهو جزيء صغير يمنع هذه الخلايا الجذعية من البقاء ملتصقة بسقالة نخاع العظام4. ومنذ ذلك الحين، تضمنت التحسينات التي دخلت على هذه العملية طرُقًا مختلفة لإعطاء عامل تحفيز مستعمرات الخلايا المُحَبَّبة مدمجًا بالبليريكسافور. بيد أنه، إلى الآن، يظل حشد هذه الخلايا الجذعية بشكلٍ كافٍ مستعصيًا في بعض الأفراد، في ظل وجود مخاطر إكلينيكية محددة مثل: العمر، والعوامل الوراثية، ونوع السرطان (على سبيل المثال، يجري حشد هذه الخلايا بصورة ضعيفة فيما يصل إلى 25% من المصابين بورم ليفي)، ناهيك عن مخاطر تكرار جلسات العلاج الكيميائي5 وعليه، نحن بحاجةٍ ماسّة إلى فهم الآليات الجزيئية لحشد الخلايا الجذعية المكوِّنة للدَّم4.

أما عن النهج الذي اتبعه جاو وزملاؤه في بحثهم، فقد بدؤوا بتصوير التألّق المناعي للألياف العصبية بنخاع العظم في الفئران، وهو ما كشفَ عن أن معظمها من أعصاب "مستقبِلة للألم". ومستقبلات الألم هذه هي أعصابٌ حسّية تحمي الكائنات من الخطَر عبر تحفيز الشعور بالألم في حال الإصابة. ويُمكن العثور على مستقبلات الألم هذه في أية منطقةٍ من الجِسم تستشعر إشارات منبهات الإصابة. وقد أمكن دراسة هذه الخلايا العصبية على أفضل نحو في الأنسجة الحائلة مثل الجِلد والأمعاء. وما زالت الدراسات التي تتناول الدور البيولوجي لمستقبلات الألم في الأنسجة غير الحائلة – مثل نخاع العظم – يشوبها القصور، إلا فيما يتعلق بدور هذه المستقبلات في استقبال الألم.

ومن أجل دراسة الدور المُحتمَل لمستقبِلات الألم في دعم تكوُّن الدَّم، استخدم جاو وزملاؤه أساليب وراثية ودوائية للتخلّص من هذه الخلايا العصبية. وتبيَّنَ عدم وجود أي تأثير لهذا فيما يخص الحفاظ على الخلايا الجذعية المكوِّنة للدَّم في نخاع العظم. إلا أنه أدى، من ناحية أخرى، إلى تراجع ملحوظ في حشد انتقال الخلايا الجذعية المكونة للدم إلى مجرى الدم عن طريق عامل تحفيز مستعمرات الخلايا المُحَبَّبة. وهو ما يوحي بقدرة تلك الفئة من الخلايا العصبية على التأثير على حركة الخلايا الجذعية المكونة للدم أو التصاقها.

وفي ذلك السياق، تجدر الإشارة إلى أن الببتيد المرتبط بجين الكالسيتونين CGRP، وهو جزيء ناقل عصبي تُفرِزه الخلايا العصبية المستقبِلة للألم6، يلعب دورًا أساسيًا في هذه العملية. إذ اكتشفَ جاو وزملاؤه أنّ إعطاء هذا الببتيد أدّى إلى تحسُّنٍ كبير في حشد الخلايا الجذعية المكونة للدم بعد العلاج بعامل تحفيز مستعمرات الخلايا المُحَبَّبة أو البليريكسافور، أو كليهما. كما لاحظوا أنّ عامل تحفيز مستعمرات الخلايا المحببة يؤثِّر عندئذ مباشرة في الخلايا الجذعية المكوِّنة للدَّم (بدلًا من التأثير عليها بصورة غير مباشرة عبر نخاع العِظام)، محفزًا تشكُّل مستقبلٍ ديمري يحتوي كلًا من بروتيني CALCRL و RAMP1 على سطح الخلايا الجذعية المكونة للدم (الشكل1). وقد أدّت هندسة الفئران وراثيًا، بحيث تفتقر إلى أيٍّ من هذين البروتينين في الخلايا الجذعية المكوِّنة للدم بنخاع العظم، إلى نقص حشد هذه الخلايا.

الشكل1. تنظيم الخلايا العصبية المستشعرة للألم لحشد الخلايا الجذعية المكوِّنة للدم. يفيد جاو وزملاؤه أن معظم الأعصاب في نخاع العظم هي خلايا عصبية تُسمى مستقبلات الألم. وقد اكتشفوا أنّ تحفيز هذه الخلايا العصبية عبر عامل تحفيز مستَعمرات الخلايا المحبَّبة (G-CSF) البروتيني، أو من خلال أحد مكونات الفلفل الحار الذي يُسمى بالكابسايسين (وهو تحفيز لا نعرف ما إذا كان مباشرًا أم غير مباشر)، يدفع الخلايا إلى إفراز ناقل عصبي هو الببتيد المرتبط بجين الكالسيتونين CGRP. ومن ثم، يرتبط هذا الببتيد مباشرة بخلايا الدم الجذعية المُسَماة "الخلايا الجذعية المكوِّنة للدّم" (HSCs)، وذلك عبر مستقبِلٍ ديمري يحتوي بروتينَي CALCRL و RAMP1. ويؤدي هذا إلى تحفيز انتقال الخلايا الجذعية المكونة للدم من نخاع العظم إلى الأوعية الدموية.

الشكل1. تنظيم الخلايا العصبية المستشعرة للألم لحشد الخلايا الجذعية المكوِّنة للدم. يفيد جاو وزملاؤه أن معظم الأعصاب في نخاع العظم هي خلايا عصبية تُسمى مستقبلات الألم. وقد اكتشفوا أنّ تحفيز هذه الخلايا العصبية عبر عامل تحفيز مستَعمرات الخلايا المحبَّبة (G-CSF) البروتيني، أو من خلال أحد مكونات الفلفل الحار الذي يُسمى بالكابسايسين (وهو تحفيز لا نعرف ما إذا كان مباشرًا أم غير مباشر)، يدفع الخلايا إلى إفراز ناقل عصبي هو الببتيد المرتبط بجين الكالسيتونين CGRP. ومن ثم، يرتبط هذا الببتيد مباشرة بخلايا الدم الجذعية المُسَماة "الخلايا الجذعية المكوِّنة للدّم" (HSCs)، وذلك عبر مستقبِلٍ ديمري يحتوي بروتينَي CALCRL و RAMP1. ويؤدي هذا إلى تحفيز انتقال الخلايا الجذعية المكونة للدم من نخاع العظم إلى الأوعية الدموية.

كبر الصورة

ومن الناحية الإكلينيكية، تؤدي دورات العلاج الكيماوي المستمرة في الأغلب إلى نقص حشد الخلايا الجذعية المكوِّنة للدم (وهو قصور أظهره جاو وزملاؤه في محاكاة بإخضاع فئران لخمس دوراتٍ من عَقار العلاج الكيماوي "سيسبلاتين" Cisplatin أسبوعيًا). ومن اللافت، أن إعطاء الببتيد المرتبط بجين الكالسيتونين قد أعاد حشد الخلايا الجذعية المكوِّنة للدم إلى مستوياته السابقة في هذه الحيوانات. وقد يكون لهذا الاكتشاف أهمية بالغة، حيث يمكن أن يُحسِّنَ إلى حدٍّ بعيد بروتوكولات جمع الخلايا الجذعية المكوِّنة للدم لدى الأفراد الذين يعانون من "ضعف حشد" هذه الخلايا.

وتستطيع أنواع معيَّنة من الطعام الحريف تحفيز تنشيط مستقبلات الألم، وهو ما دفع جاو وزملاءه إلى التساؤل عما إذا كانت الأطعمة الحريفة قادرة على حشد الخلايا الجذعية المكوِّنة للدم، أم لا. وللتحقق من صحة هذه الفكرة، قام واضعو الدراسة بإطعام الفئران بأغذية غنيّة بالـ"كابسايسين" (وهو المكوِّن الفعال في الفلفل الحار). وقد زاد هذا الطعام الحار مستويات الببتيد المرتبط بجين الكالسيتونين في السائل خارج الخلوي في نخاع العظم، كما عزز حشد الخلايا الجذعية المكوِّنة للدم عن طريق هذا الببتيد. واختفى هذا التأثير عند كبت مستقبلات الألم دوائيًا، وهو ما يعني أن هذه المستقبلات لعبت دور الوسيط في إحداث تأثير النظام الغذائي الغني بالـ"كابسايسين".

وتُضيفُ هذه الورقة البحثية معلومات مثيرة للاهتمام تسهم في تكوين صورة مكتملة عن العلاقات بين الجهاز العصبي ونخاع العظم وتطوُّر خلايا الدم. وقد أظهرت دراسات مبكّرة، جرت باستخدام التصوير المجهري للخلايا العصبية في نخاع العظم، أن هذه الخلايا تحفزها ألياف عصبية7. كما أثبتت نماذج لدراسة تثبيط الخلايا العصبية وراثيًا ودوائيًا وجراحيًا، على مدار العقد الماضي، دورَ الجهاز العصبي في تنظيم عمل حاضنة8 الخلايا الجذعية المكوِّنة للدم. بيد أنّ هذه الدراسات ركّزت بالدرجة الأولى على الألياف العصبية الودّية (تلك التي تشترك في بناء استجابات الجِسم غير الإرادية)، مبيِّنةً إسهامها في الحِفاظ على السلامة الوظيفية للحاضنة9. واكتشفَ جاو وزملاؤه أنّ التصاق الخلايا الجذعية المكوِّنة للدم بفجوتها في نخاع العظم، وقدرتها على الاحتشاد في الدّم المحيطي، تنظمه خلايا استقبال الألم العصبية التي تؤثِّر بشكلٍ مباشر على الخلايا الجذعية المكوِّنة للدم عبر إفراز الناقل العصبي الببتيد المرتبط بجين الكالسيتونين.

والغريب أن واضعي الدراسة لم يرصدوا أية تغيرات تحفزها الخلايا العصبية في مستويات البروتينات CXCR4 و CDD44 و VLA4 على أسطح الخلايا (وهي جزيئات يُعرَفُ عنها ظهورها على الخلايا الجذعية المكوِّنة للدم، وترتبط بحركيتها). لذلك، يجب إجراء المزيد من الدراسات التي توضح بدقة الآليات التي تلعب دورًا وسيطًا في حشد الخلايا الجذعية المكوِّنة للدم، بعد تنشيط بروتيني CALCRL و RAMP1. ومن غير المعروف ما إذا كان عامل تحفيز مستعمرات الخلايا المُحَبَّبة يؤثر على مستقبلات الألم تأثيرًا مباشرًا أم غير مباشر عبر أنماط أخرى من الخلايا في نخاع العظم. ويمكن التصدي لهذه الأسئلة عبر استهداف جينات خاصة بأنماط خلوية محددة في الحيوانات. والاكتشافات التي قد تتضح أهميتها للبشر يجب أن تثبُت صحتها في التجارب الإكلينيكية، نظرًا إلى اختلاف البيولوجيا البشرية في نواحٍ عديدة عنها في الفئران.

وختامًا، يجب أن نضع في اعتبارنا أيضًا دور استجابات الإجهاد في نخاع العظم وتأثيراتها على الخلايا العصبية. على سبيل المثال، يُحفِّز ابيضاض الدم تلف الخلايا العصبية في هذا النخاع10. ولذا، من المفيد دراسة تأثيرات سرطانات الدم، والشيخوخة على مستقبلات الألم في نخاع العظم. وعلى الرغم من كل هذه الإشكاليات، فقد بدأنا في الوصول إلى فهم دقيق للآليات الجزيئية التي تحكم تنظيم الخلايا العصبية لتكوُّن الدم.

References

  1. Crane, G. M., Jeffery, E. & Morrison, S. J. Nature Rev. Immunol. 17, 573–590 (2017). | article
  2. Méndez-Ferrer, S., Lucas, D., Battista, M. & Frenette, P. S. Nature 452, 442–447 (2008). | article
  3. Gao, X. et al. Nature 589, 591–596 (2021). | article
  4. To, L. B., Levesque, J.-P. & Herbert, K. E. Blood 118, 4530–4540 (2011). | article
  5. Donmez, A., Yilmaz, F., Gokmen, N. & Tombuloglu, M. Transfus. Apher. Sci. 49, 485–488 (2013). | article
  6. Dubin, A. E. & Patapoutian, A. J. Clin. Invest. 120, 3760–3772 (2010). | article
  7. Calvo, W. Am. J. Anat. 123, 315–328 (1968). | article
  8. Agarwala, S. & Tamplin, O. J. Trends Cell. Biol. 28, 987–998 (2018). | article
  9. Picoli, C. C. et al. Stem Cells Transl. Med. https://doi.org/10.1002/sctm.20-0284 (2020). | article
  10. Hanoun, M. et al. Cell Stem Cell 15, 365–375 (2014). | article

أناستازيا إن. تيخونوفا: تعمل في مركز الأميرة مارغريت للسرطان، التابع للشبكة الصحية الجامعية، في تورنتو، أونتاريو M5G 1L7، كندا.

أيانيس آيفانتيس: يعمل في قسم علم الأمراض ومركز بيرلومتر للسرطان، بكلية جروسمان للطب في نيويورك، نيويورك 10016، الولايات المتحدة الأمريكية.

البريد الإلكتروني: anastasia.tikhonova@uhnresearch.ca

ioannis.aifantis@nyulangone.org