أنباء وآراء
التكاليف المستقبلية لانبعاثات الميثان
كشف تحليل لتكاليف تغُّير المناخ الناجم عن إضافة طن واحد من الميثان إلى الغلاف الجوي أن المناطق مرتفعة الدخل في العالم ينبغي أن تنفق أكثر بكثير على جهود خفض هذه الانبعاثات، مقارنة بما ينبغي أن تنفقه المناطق منخفضة الدخل.
- Nature (2021)
- doi:10.1038/d41586-021-00972-6
- English article
- Published online:
ما الجهود التي ينبغي أن نتعاون في القيام بها لتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، والميثان، وغيرها من غازات الدفيئة؟ تتمثل إحدى الإجابات في أنه ينبغي اتخاذ أي إجراء يهدف إلى تقليل هذه الانبعاثات إذا كانت تكلفته أقل من التكلفة الاجتماعية؛ أي القيمة النقدية للضرر المستقبلي الناجم عن ترك هذه الغازات تتسرب إلى الغلاف الجوي. وفي بحث نُشر مؤخرًا في دورية Nature، يورد فرانك إريكسون وزملاؤه1تقديرات للتكلفة الاجتماعية المترتبة على انبعاثات غاز الميثان، والتي تمثل تربية الماشية أحد العوامل الرئيسية المسهمة فيها. وتقل تقديرات الباحثين لهذه التكلفة عن تلك التي اعتمدتها حكومة الولايات المتحدة في ظل إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، على الرغم من أنها تتضمن تقديرات جديدة أعلى لتأثير طن واحد من الميثان على الاحترار. ويُعزى أغلب هذا الانخفاض إلى أن الباحثين يستخدمون نهجًا أكثر تعقيدًا لمعايرة نماذجهم الحاسوبية وفق ما جاءت به عمليات رصد منظومة المناخ على مدار التاريخ.
تُعرّف التكلفة الاجتماعية للميثان بأنها الأضرار الناجمة عن الخسائر التي يسببها تغيُّر المناخ مستقبلًا بسبب إطلاق طن إضافي من الميثان في الغلاف الجوي، مُعبَّرًا عنها بقيمة نقدية حالية. ويمكن أيضًا أن يُنظر إليها على أنها تساوي مقدار النقص في الخسائر سالفة الذكر نتيجة لتقليل الانبعاثات بمقدار طن واحد. ويعتمد حجم هذه التكلفة على الفترة الزمنية التي تمتد لها التأثيرات التراكمية في المناخ، وعلى العواقب الناجمة عن هذه التأثيرات على رفاهية الإنسان، والطريقة التي تجري بها مقارنة التغيرات في رفاهية الأجيال الحالية والمستقبلية. ويمكن تقدير التكلفة الاجتماعية للميثان باستخدام نموذج التقييم المتكامل (IAM)، وهو برنامج حاسوبي يحاكي آثار انبعاثات غازات الدفيئة على المناخ وعلى رفاهية الإنسان في الوقت الراهن وعلى مدار قرون مقبلة.
ويدرك إريكسون وفريقه البحثي أنه لا يوجد نموذج تقييم مثاليّ، لذا فقد اتَّبعوا مقترح الأكاديميات الوطنية الأمريكية للعلوم، والهندسة، والطب بخلط مكونات النماذج2 والتوفيق بينها لتقدير التكلفة الاجتماعية للميثان. استخدم الباحثون أربعة نماذج بسيطة للمنظومة المناخية مع دالتين لحساب أضرار تغيُّر المناخ (وهذه هي مكونات نموذج التقييم المتكامل التي تترجم تغيرات المناخ إلى تأثيرات في الرفاهية). وفي كل من النماذج الثمانية الناتجة، جرى حساب أوجه عدم اليقين على صعيد العديد من المؤشرات المناخية بأخذ قيم عشوائية من التوزيعات الاحتمالية لكل مؤشر. واستخدم الباحثون بعد ذلك كل نموذج لتحليل مؤشرات المنظومة المناخية على مدار التاريخ "بأثر رجعي"، ومن ثم نقَّحوا التوزيعات الاحتمالية لتحسين توافق توقعات كل نموذج مع بيانات السجل التاريخي.
أنتج إريكسون وزملاؤه بعد ذلك التوزيعات الاحتمالية لتغيّر المناخ في المستقبل والأضرار المرتبطة به عن طريق تشغيل كل نموذج على نحو متكرر مع استخدام قيم مأخوذة عشوائيًا من التوزيعات الاحتمالية المنقحة للمؤشرات المناخية. ومن الأهمية بمكان أن احتمال تغيُّر المناخ وأضرار هذا التغيُّر عند الحد الأقصى من النطاق التقديري للقيم قُدِّر بقيمة أقل مما كان عليه في التحليلات السابقة التي لم تنقِّح التوزيعات الاحتمالية المُدخلة من خلال تحليل بأثر راجع. وهذا الاختلاف يعوِّض بصورة وافية التأثير الناجم عن استخدام قيم تقديرية أكبر لتأثير الميثان في الاحترار، وينتج عنه انخفاض متوسط تقدير التكلفة الاجتماعية للميثان بنسبة 22%.
"المساعي الأمريكية الأكثر تكلفة لتقليل انبعاثات غاز الميثان ينبغي أن تكلف مبالغ أكبر من المساعي الأكثر تكلفة التي تبذلها البلدان في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى".
ويورِد الباحثون أيضًا قيمًا تعبر عن "تقديرات قائمة على التوزيع المنصف" للتكلفة الاجتماعية للميثان. والفكرة الأساسية هنا هي أن انخفاض الدخل له تأثير أقل في انتفاع الأثرياء من الميثان (أحد مقاييس الرفاهية)، منه على الأشخاص منخفضي الدخل، وأن سياسة المناخ ينبغي أن تستغل قدر الإمكان إجمالي حصص انتفاع الأفراد بالميثان. فلهذا الإجمالي تداعيات عند حساب الآثار الضارة لتغيُّر المناخ على المجموعات السكانية المختلفة. ففي أي لحظة زمنية معينة، تساوي التكلفة الاجتماعية للميثان عادةً مجموع الضرر بالدولار الأمريكي لجميع الأفراد، وتقل قيمة هذا الضرر على نحو متزايد (أي أن تأثيره يُعطى قيمة أقل في التحليل) كلما تأخر حدوثه في المستقبل. وتُغيِّر التقديرات القائمة على التوزيع المنصف لتكلفة الميثان الاجتماعية هذه الحسابات؛ فالضرر الذي يعاني منه السكان ذوو الدخل المنخفض يُقدَّر بقيمة أكبر من الضرر الذي يلحق بالسكان الأكثر ثراء، والضرر الذي يلحق بالأجيال الحالية يُقدَّر بقيمة أكبر من الضرر الذي سيلحق بالأجيال القادمة، انطلاقًا من فرضية أن الدخل والرفاهية سيأخذان في الازدياد.
وربما تكون أبرز سمات التقديرات القائمة على التوزيع المنصف لتكلفة الميثان الاجتماعية أن قيمة هذه التكلفة تختلف باختلاف البلدان (أو مناطق العالم، كما في الشكل 1). فعلى سبيل المثال، في مجموعة المؤشرات الأساسية المستخدمة في نماذج إريكسون وفريقه البحثي، يقدر الباحثون أن التوزيع المنصف لتكلفة الميثان الاجتماعية يبلغ 8290 دولارًا أمريكيًا في الولايات المتحدة، و134 دولارًا في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. ويعني هذا أن المساعي الأمريكية الأكثر تكلفة لتقليل انبعاثات غاز الميثان ينبغي أن تكلف مبالغ أكبر من المساعي الأكثر تكلفة التي تبذلها البلدان في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. بعبارة أخرى، سيضحي الأمريكيون وأفريقيو جنوب الصحراء الكبرى بالقدر نفسه من رفاهيتهم، بدفع الأمريكيين لحوالي 8000 دولار، ودفع الأفراد في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى لـ 100 دولار، لمنع طن واحد من انبعاثات الميثان، لكن كلا الفريقين سيحققان الفوائد نفسها العائدة على المناخ للأجيال القادمة. ويُعد هذا تحديدًا كميًا دقيقًا "للمسؤوليات المشتركة والمتباينة" المطلوبة للتخفيف من آثار ظاهرة الاحتباس الحراري الموضحة في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.
الشكل 1 | ثمن انبعاثات غاز الميثان. قدَّر إريكسون وزملاؤه1 التكلفة الاجتماعية للميثان؛ والتي تُعرّف بمقدار ما يفقده الإنسان من رفاهية. ويعبر عنها بقيمة نقدية حالية مرتبطة بتغير المناخ في المستقبل، الناجم عن إطلاق طن إضافي من الميثان في الغلاف الجوي. وأورد الباحثون أيضًا تقديرات للتوزيع المنصف لتكلفة الميثان الاجتماعية لمناطق مختلفة من العالم (كما هو موضّح هنا)، إذ تأخذ هذه التقديرات في الاعتبار متوسط الدخل في تلك المناطق، وآثار فقدان الدخل على السكان ذوي الدخل المنخفض والمرتفع. وتمثل هذه التقديرات للتوزيع المنصف لتكلفة الميثان الاجتماعية مبلغ المال الذي يمكن أن تدفعه كل منطقة لمنع طن واحد من انبعاثات الميثان، مع إحداث خسارة متكافئة فيما بينها في الرفاهية. كما يوضح الشكل أيضًا التكلفة الاجتماعية العالمية للميثان للمقارنة. ويشير بند "الصين ومناطق أخرى" إلى الصين، وكوريا الشمالية، ومنغوليا. (مقتبس من الشكل 5ج من المرجع 1).
كبر الصورة
وسوف يعتمد الضرر التراكمي الناتج عن طن إضافي واحد من انبعاثات غازات الدفيئة على مقدار الانبعاثات في المستقبل، إذ يقل تزايُد هذا الضرر عندما تقل الانبعاثات في المستقبل وعندما يقل تغيّر المناخ (انظر المرجع 3، على سبيل المثال). فقد وجد إريكسون وزملاؤه أن متوسط التكلفة الاجتماعية للميثان سيكون عادة أقل بنسبة 24% في سيناريو يتضمن انبعاثات غازات دفيئة أقل مما كان مفترضًا في عمليات المحاكاة. وإذا جرى تبني إجراءات لتخفيف الآثار الضارة لتغيُّر المناخ بما يتفق مع تقديرات الباحثين للتكلفة الاجتماعية للميثان، وقللت هذه الخطوات الانبعاثات المستقبلية إلى مستويات أقل من السيناريو الأساسي الذي يفترضه الباحثون، فإن التكلفة الاجتماعية الفعلية للميثان ستكون أقل من التقديرات الأساسية.
وتُعد دالة حساب الأضرار الحلقةَ الأضعف في التسلسلي الاستدلال الذي استخدمه الباحثون لتقدير التكلفة الاجتماعية لغازات الدفيئة؛ إذ يتضمن التنبؤ بآثار هذه التكلفة الاجتماعية على رفاهية الإنسان وضع تنبؤات غير مؤكدة البتة حول الطبيعة المستقبلية للأنشطة البشرية وتأثُرها بالمناخ. على سبيل المثال، هل ستصبح الزراعة بمياه الأمطار أقل انتشارًا مع ظهور اللحوم المصنعة في المختبرات؟ إضافة إلى ذلك، من الصعب تحديد الفوائد التي تعود على الرفاهية جرَّاء حماية النظم البيئية والسواحل. وقد أشار إريكسون وزملاؤه إلى أن تبديل دالتي الأضرار في نماذجهم يزيد التكلفة الاجتماعية التقليدية للميثان بنسبة تبلغ حوالي 160%، وهي زيادة أعلى بكثير من الزيادة البالغة 22% الناتجة عن تبديل النماذج المناخية المستخدمة.
ويتمثل أحد الأساليب البديلة لتحديد التكلفة الاجتماعية لغازات الدفيئة في تحديد قيمة معامل معين بالمنظومة المناخية (مثل متوسط درجة حرارة السطح) عند قيمة قصوى مستهدفة، ومن ثم إيجاد مسار الانبعاث الأقل تكلفة الذي يحقق هذه القيمة4-6. ويجسَّد هذا النهج دعوة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ التي ناشدت بتثبيت تركيزات غازات الدفيئة "عند مستوى يمنع التدخل البشري الخطير في النظام المناخي". ونظرًا إلى عدم اليقين بشأن ما يشكل "تدخلًا بشريًا خطيرًا" والانبعاثات التي قد تتسبب في هذا التدخُّل، ينبغي تقييم الانبعاثات، والمسارات المناخية من منظورين؛ فينبغي مقارنة تكاليف فرض قيود على الانبعاثات بتقديرات التكلفة الاجتماعية، لإيجاد مسار يقلل الانبعاثات ويحدّ من تغير المناخ على حد سواء؛ وينبغي كذلك مقارنة هذا المسار بالعتبة المحتملة للتدخلات الخطيرة. وسوف يضمن ذلك ألا تقودنا نماذج التكلفة الاجتماعية إلى طريق يؤدي إلى مستويات عالية خطيرة من تغير المناخ.
References
- Errickson, F. C., Keller, K., Collins, W. D., Srikrishnan, V. & Anthoff, D. Nature 592, 564–570 (2021). | article
- National Academies of Sciences, Engineering, and Medicine. Valuing Climate Damages: Updating Estimation of the Social Cost of Carbon Dioxide (Natl Acad. Press, 2017). | article
- Nordhaus, W. D. Am. Econ. Rev. 109, 1991–2014 (2019). | article
- Wigley, T. M. L., Richels, R. & Edmonds, J. A. Nature 379, 240–243 (1996). | article
- Morgan, M. G., Vaishnav, P., Dowlatabadi, H. & Azevedo, I. L. Issues Sci. Technol. 33, 43–50 (2017). | article
- Stern, N. & Stiglitz, J. E. NBER Working Paper 28472 (Natl Bur. Econ. Res., 2021). | article
جيمس كيه. هاميت يعمل في مركز تحليل المخاطر بكلية تي. إتش. تشان للصحة العامة في جامعة هارفارد، 02115 بوسطن، ماساتشوستس، الولايات المتحدة الأمريكية.
بريد إلكتروني: jkh@harvard.edu