أخبار
سلالة كورونا الجديدة سريعة الانتشار قادرة على مراوغة الجهاز المناعي
دراسات مبكرة تشير إلى أن إحدى سلالات الفيروس المُكتشَفة في جنوب أفريقيا يمكن أن تضعِف الاستجابة المناعية.
- Nature (2021)
- doi:10.1038/d41586-021-00121-z
- English article
- Published online:
مركز فحص للكشف عن الإصابات بفيروس كورونا في جنوب أفريقيا، حيث اكتُشِفت سلالة الفيروس 501Y.V2 في عام 2020.
Credit: Guillem Sartorio/Bloomberg/Getty
تتنامى الأدلة على قُدرة بعض سلالات فيروس كورونا الجديد على مراوغة الاستجابات المناعية التي تحفزها اللقاحات والعدوى السابقة بالفيروس. ويسعى الباحثون إلى فهْم نتائج فيض من الدراسات المختبرية التي صدرت في الأسبوع الثالث من شهر يناير 2021، والتي تثير المخاوف بشأن بعض سلالات الفيروس الجديدة وطفراته.
وفي هذا الصدد، يقول دانيال ألتمان، اختصاصي عِلْم المناعة بكلية إمبريال كوليدج في لندن: "أثار بعضٌ مما رأيته من بيانات خوفي الشديد"، وأعرب عن قلقه من أن بعض نتائج الدراسات سالفة الذكر قد ينذر بخفض فعالية اللقاحات المضادة لـ"كوفيد-19".
ويبدو الوضع ملتبسًا في الوقت الحالي، وفق ما يؤكده ألتمان وعلماء آخرون. فهذه الدراسات التي أُجريت فيها فحوص دم لعدد صغير من الأفراد ممن تعافوا من مرض "كوفيد-19"، أو تَلَقّوا لقاحًا مضادًا له، لم تفحص سوى قدرة الأجسام المضادة لدى هؤلاء الأشخاص على "تحييد" السلالات في الفحوص المختبرية، وليس الآثار الأوسع نطاقًا لعناصر الاستجابة المناعية الأخرى لديهم.
كما لا تشير هذه الدراسات إلى ما إذا كانت التغيرات التي تطرأ على نشاط الأجسام المضادة ينتج عنها أي تغيير من الناحية الفعلية في فعالية اللقاحات، أو احتمالية تجدُّد الإصابة بالعدوى، أم لا. وعن ذلك، يقول بول بيناش، اختصاصي عِلْم الفيروسات الذي قاد دراسة في هذا الصدد بجامعة روكفيلر في مدينة نيويورك، متسائلًا: "هل ستكون لهذه التغييرات أهمية؟ لست أدري حقًّا".
التأثيرات على المناعة
يتمحور جزء كبير من المخاوف المشار إليها حول سلالة اكتشفها الباحثون في جنوب أفريقيا في أواخر عام ، حيث عزا فريق بحثي بقيادة توليو دي أوليفيرا، المتخصص في عِلْم نُظُم المعلومات الحيوية بجامعة كوازولو-ناتال في ديربان بجنوب أفريقيا، وباءً سريع الانتشار في مقاطعة كيب الشرقية إلى سلالة تُسمى "501Y.V2". وقد استشرى الوباء منذ ذلك الوقت عبر دولة جنوب أفريقيا، وتَفَشَّى منها إلى بلدان أخرى1. وتحمل هذه السلالة طفرات عديدة في البروتين الشوكي لفيروس "سارس-كوف-2"، وهو البروتين الذي يستهدفه الجهاز المناعي بصورة رئيسة، ويسمح للفيروس بالتعرُّف على الخلايا المضيفة، وإصابتها. ومن بين هذه الطفرات بعض التغيرات التي يُعزى إليها ضعف نشاط الأجسام المضادة للفيروس.
وتجدر الإشارة إلى أن مقاطعة كيب الشرقية تعرضت لهجمة شرسة خلال أولى موجات انتشار مرض "كوفيد-19" في جنوب أفريقيا. ومن ثم، تساءل الباحثون عما إذا كان الانتشار السريع لسلالة "501Y.V2" يُحتمل أنه يعود في جزء منه إلى قدرة السلالة على مراوغة الاستجابات المناعية التي نشأت سابقًا ضد الفيروس، أم لا.
ولاكتشاف الإجابة عن هذا التساؤل، عمد دي أوليفيرا، وألِكس سيجال، اختصاصيي علم الفيروسات في معهد أبحاث الصحة الأفريقي في ديربان، وزملاؤهما إلى عزل فيروسات تنتمي إلى تلك السلالة من مصابين بها2، ثم أَجْروا فحوصًا على عينات السلالة، لاختبارها في مواجهة مصل الدم -وهو الجزء الذي يحتوي على الأجسام المضادة للفيروس من الدم- في ستة من المتعافين من مرض "كوفيد-19" الناتج عن إصابة بسلالات أخرى من الفيروس. ويحتوي مصل الدم النقاهي في المتعافين من المرض عادةً على أجسام مضادة قادرة على منع الإصابة بالعدوى. واكتشف الباحثون أن كفاءة هذا المصل في تحييد السلالة "501Y.V2" أقل كثيرًا منها مع السلالات الأخرى التي انتشرت في مراحل سابقة من الجائحة. كما كانت كفاءة بلازما دم بعض الأشخاص في التصدي لسلالة 501Y.V2 أفضل منها، مقارنة بغيرهم، لكن في جميع الحالات ضعفت القدرة على تحييد الفيروس إلى حد كبير، وفقًا لما قاله دي أوليفيرا، الذي وصف هذا الاكتشاف قائلًا "إنه يبعث على القلق الشديد".
وفي دراسة منفصلة3، درَس فريق بحثي بقيادة بيني مور، عالمة الفيروسات في المعهد الوطني للأمراض المُعدية، وجامعة فيتفاترسراند في جوهانسبرج بجنوب أفريقيا، تأثيرات مصل الدم على العديد من مجموعات الطفرات التي طرأت على البروتين الشوكي في السلالة "501Y.V2". واستخدم الباحثون في ذلك "فيروسًا زائفًا"؛ وهو نسخة معدَّلة من فيروس نقص المناعة البشرية (HIV) تصيب الخلايا عبر البروتين الشوكي لفيروس "سارس-كوف-2".
بيَّنت هذه التجارب أن السلالة "501Y.V2" تشتمل على طفرات قادرة على إضعاف مفعول الأجسام المضادة المُحيِّدة، التي تتعرف على منطقتين أساسيتين من البروتين الشوكي، هما نطاق الارتباط بالمستقبل، ونطاق الطرف الأميني. كما أظهرت الفيروسات الزائفة التي تحمل جميع طفرات السلالة 501Y.V2 مقاوَمةً تامة لمصل الدم في 21 مشارِكًا من أصل 44 مشاركًا في الدراسة، ومقاومة جزئية لهذا المصل في غالبية الأفراد.
ومن المزمع أن يُجرِي قريبًا كلا الفريقين البحثيين بجنوب أفريقيا فحوصًا لاختبار السلالة "501Y.V2" بمصل الدم المأخوذ من أشخاص شاركوا في تجارب لقاحات "كوفيد-19"، كما تُجرى حاليًّا تجارب مماثلة في المختبرات في جميع أنحاء العالم. وقد اكتشف فريق بحثي يشارك بيناش في قيادته أن الطفرات في نطاق الارتباط بالمستقبل في السلالة "501Y.V2" لم تسبِّب إلا انخفاضًا طفيفًا في فعالية الأجسام المضادة المأخوذة من الأشخاص الذين تلقّوا لقاح شركة "فايزر" Pfizer، أو لقاح شركة "مودرنا" Moderna، القائمَين على الحمض النووي الريبي المرسال4. وتقول مور "إنّ هذا اكتشاف يبعث على الاطمئنان"، ومضيفة أنه سيكون من المهم إجراء اختبارات للكشف عن تبعات الطفرات الأخرى التي طرأت على السلالة 501Y.V2.
ويقول فولكر تيل، اختصاصي علم الحمض النووي الريبي للفيروسات بجامعة بيرن في سويسرا، إنه لا يزال مبهَمًا كَوْن هذه الطفرات قد تقلل من فعالية اللقاحات، أم لا. فأغلب لقاحات "كوفيد-19" يحفِّز مستويات مرتفعة من الأجسام المضادة التي تستهدف مناطق مختلفة من البروتين الشوكي للفيروس، ولذا، فإن بعض جزيئات الأجسام المضادة قد يكون قادرًا على درء سلالات الفيروس. وفضلًا عن ذلك.. فإن بعض عناصر الاستجابة المناعية الأخرى -مثل الخلايا التائية- قد لا يتأثر بالسلالة "501Y.V2". وعن ذلك يقول تيل: "رغم أن اللقاحات لا تستهدف إلا الجين المنتج للبروتين الشوكي، من المتوقع أن تدشن استجابة مناعية تتسم بالتنوع الكافي لمواجهة هذه السلالات الجديدة". ويضيف قائلًا: "بيد أن ثمة حاجة إلى إجراء دراسات تجريبية في هذا الصدد".
وتقول ماريون كوبمانز، اختصاصية علم الفيروسات في مركز إيراسموس الطبي في روتردام بهولندا، إن ضعف الاستجابة المناعية لسلالات مثل "501Y.V2" قد لا يشكل مشكلة كبيرة من الناحية العملية. وتردف قائلة: "قد نرى تغييرًا لا يؤثر على استجابة الشخص المناعية في أحد الفحوص المختبرية، لأن جسده يظل يمتلك ما يكفي من الأجسام المضادة لتحييد خطر العدوى". وتضيف أنه قد يكون من الصعب التمييز بين ما إذا كان تجدُّد العدوى ناجمًا عن ضعف الاستجابة المناعية التي نشأت من العدوى الأولى، أم عن تأثيرات طفرة ما.
بيانات جديدة
وقد بدأت تظهر أدلة أيضًا بشأن سلوكيات سلالة سريعة الانتشار اكتُشِفت في المملكة المتحدة، وتُعرف باسم "B.1.1.7". واكتشف باحثون في تجارب تستخدم فيروسات زائفة في شركة التقنية الحيوية "بيونتِك" في مدينة ماينز بألمانيا أن الطفرات في البروتين الشوكي بهذه السلالة لم يكن لها تأثير يُذكَر في مصل الدم لدى 16 شخصًا ممن تلقّوا لقاح الشركة، الذي طوَّرَتْه بالتعاوُن مع "فايزر"5. وفي الوقت نفسه، فحص فريق بحثي بقيادة عالِم الفيروسات رافيندرا جوبتا، من جامعة كامبريدج بالمملكة المتحدة، أمصال دم 15 شخصًا تلقّوا الجرعة الأولى من جرعتي اللقاح نفسه6. ووجد الفريق أن أمصال دم 10 أشخاص منهم كانت أقل فعالية في مواجهة السلالة "B.1.1.7"، مقارنة بسلالات فيروس "سارس-كوف-2" الأخرى. ولا يُتوقع أن تؤدي هذه التغيرات إلى اختلاف في فعالية اللقاحات في الوقت الحالي، على حد قول جوبتا، بيد أن هذا قد يحدث عندما تتضاءل مستويات الأجسام المضادة بمرور الوقت.
"قد تغدو فكرة مناعة القطيع بِرُمَّتها أضغاث أحلام".
وفي الختام، فإن تداعيات نتائج هذه الأبحاث على المعركة ضد الجائحة لا تزال غير واضحة. ويتصدر قائمة أولويات الباحثين حاليًّا تحديد ما إذا كانت طفرات السلالة "501Y.V2" مسؤولة عن تجدُّد العدوى، أم لا. وإذا ثبت أنها مسؤولة عن ذلك، "فقد تغدو فكرة مناعة القطيع برُمَّتها أضغاث أحلام، على الأقل فيما يتعلق بالمناعة ضد العدوى الطبيعية".
References
- Tegally, H. et al. Preprint at medRxiv https://doi.org/10.1101/2020.12.21.20248640 (2020).
- Cele, S. et al. Preprint at medRxiv https://doi.org/10.1101/2021.01.26.21250224v1 (2021).
- Wibmer, C. W. et al. Preprint at bioRxiv https://doi.org/10.1101/2021.01.18.427166 (2021).
- Wang, Z. et al. Preprint at bioRxiv https://doi.org/10.1101/2021.01.15.426911 (2021).
- uik, A. et al. Preprint at bioRxiv https://doi.org/10.1101/2021.01.18.426984 (2021).
- Collier, D. et al. Preprint at medRxiv https://doi.org/10.1101/2021.01.19.21249840 (2021).