صندوق الأدوات
المنهج الأساسي: تعلُّم الكيفية التي يُدار بها مرفقُ فحصٍ مجهري مشترَك
يتزايد يومًا بعد يوم دمج استخدام الأدوات عالية التقنية في المراكز المتخصصة. وتتطلب إدارة تلك المرافق التكنولوجية المُذهلة مزيجًا فريدًا من المهارات.
- Nature (2021)
- doi:10.1038/d41586-020-03466-z
- English article
- Published online:
يوفر مركز التصوير المُتقدم (AIC) في آشبورن بولاية فيرجينيا تدريبًا تقنيًّا لمديري المَرافق الأساسية.
Advanced Imaging Center, HHMI Janelia Research Campus
عندما يعود إتش كريشنامورثي بذاكرته إلى فترة دراسته لنيل درجة الماجستير في جامعة بنجالور في الهند، فإن الشيء الذي يطرأ على ذهنه هو الانتظار الطويل لاستخدام المعدات. وعن ذلك يقول: "اعتدتُ الوقوف في صفٍ، انتظارًا لدوري في استخدام مطرقة صدئة لتثبيت ضفدعٍ من أجل تشريحه".
أما اليوم، فيتولَّى كريشنامورثي إدارة مرفق بحثي على نحوٍ يُغْنِي تمامًا الباحثين الآخرين في بنجالور -وفي جميع أنحاء الهند- عن خوض تجربة نقص المعدّات تلك. ويقول كريشنامورثي إن المختبر المركزي للتصوير وقياس التدفق الخلوي، التابع للمركز الوطني للعلوم البيولوجية في بنجالور "ساعد العلماء على الارتقاء بأبحاثهم إلى المستوى التالي". ويضيف قائلًا: "قبل أن أبدأ عملي في هذا المرفق، لم تكن ثمة أبحاث تُنشر في دورية «سيل» Cell من الهند". ومنذ ذلك الحين، نشر المستخدمون أكثر من ستة أبحاثٍ في دورية «سيل»، إضافة إلى أبحاث أخرى في دوريات مثل دورية «بروسيدينجز أوف ذا ناشيونال أكاديمي أوف ساينسز» Proceedings of the National Academy of Sciences.
وعلى مدار العشرين عامًا الماضية، مع ارتفاع تكلفة المعدات وانخفاض مستويات التمويل، لجأت المؤسسات العلمية على نحوٍ متزايد إلى دمج المجاهر، ومقاييس الطيف الكُتلي، ومقاييس التدفق الخلوي، وغير ذلك من المعدات عالية التقنية في مرافقٍ أساسية متخصصة، حيث يمكن لعلماء مُتفانِين توفير مجموعة واسعة من الخبرات -بفعالية كبيرة فيما يتصل بالتكلفة- وإتاحة استخدام معداتٍ تتجاوز ما يمكن لأي مختبر منفرد توفيره وإدارته. من الصعوبة بمكانٍ تحديد الأعداد، لكن بيتر أوتول -مدير مرفق التكنولوجيا الحيوية، التابع لجامعة يورك بالمملكة المتحدة- شهد تزايد عدد المشاركين في اجتماعات مديري المَرافق الأساسية في المملكة المتحدة من 12 مشاركًا أو نحو ذلك في عام 2006 إلى قُرابة مائتي مشارك اليوم. وفي ألمانيا، تَضاعَف عدد مَرافق التصوير الأساسية بين عامي 2011 و2015 من 30 إلى 60 مرفقًا.
ويمتلك الأشخاص المُكلَّفون بإدارة هذه المرافق مجموعةً نادرة من المهارات، من بينها المعرفة المتعمقة بالأجهزة التي يُشرِفون عليها، والفِطنة الإدارية والمالية اللازمة لتشغيل ما يُعَد، في واقع الأمر، مشروعًا تجاريًّا، إضافة إلى المعرفة الفنية اللازمة لتوجيه الباحثين خلال احتكاكهم بطيفٍ واسعٍ من الأنظمة والتصميمات التجريبية. وعادةً ما تشغل الجوانب الإدارية وحدها ثلاث وظائف، هي: المدير المالي، ومدير المشروع، ومدير شؤون الأفراد، على حد قول جرام رايت، القائم بأعمال مدير مركز دعم الأبحاث التابع لوكالة العلوم والتكنولوجيا والأبحاث في سنغافورة. وقد طُلِبَ من كريشنامورثي ذات مرة أن يسرد المسؤوليات التي يضطلع بها في عمله، ويقول إنه شعر بالصدمة حين أدرك العدد الضخم من المسؤوليات التي يتحملها. ويقول عن ذلك: "هذه ليست وظيفة تعمل فيها من التاسعة صباحًا إلى الخامسة مساءً، بل هي وظيفة تعمل بها 24 ساعة كاملة".
ورغم ذلك، فحتى سنوات قليلة مضت، لم يكن ثمة مسارٌ وظيفي واضح، ولم يتوافر سوى النزر اليسير من فرص التدريب المُتخصص. تقول جنيفر ووترز، مديرة مركز نيكون للتصوير التابع لكلية طب هارفارد في بوسطن بولاية ماساتشوستس: "اكتشف جميع الأشخاص الذين ينتمون إلى جيلي تلك المُعضلة أثناء مسيرتنا العملية".
إنّ الأمور تشهد تغيُّرًا في الوقت الحالي؛ فقد أطلقت ووترز برنامجًا في هارفارد يُوفِّر التدريب التقني لمديري المَرافق الأساسية (J. C. Waters Trends Cell Biol. 30, 669-672; 2020)، وأنشأت مؤسساتٌ أخرى برامجَ مماثلة، على غرار مركز التصوير المتقدم (AIC) في حرم جانيليا للأبحاث، التابع لمعهد هوارد هيوز الطبي في آشبورن بولاية فيرجينيا، والمختبر الأوروبي للبيولوجيا الجزيئية (EMBL) في هايدلبرج بألمانيا. وتُسهِّل فرص التمويل الجديدة على المديرين والموظفين المُضيّ قُدمًا في مسيرتهم المهنية.
تقول ووترز: "الأرجح أن أهم شيء سأفعله في مسيرتي المهنية هو الإسهام في تدريب الجيل القادم".
الجمع بين الاتساع والعمق
في بعض المَرافق البحثية الأساسية، يقوم المستخدمون بتسليم العينات، ثم يتلقون البيانات بعد ذلك. وفي بعض المرافق الأخرى، ومن بينها المرفق الذي يعمل فيه كريشنامورثي، يتولَّى العاملون تدريب المستخدمين، لكنهم لا يشاركون في التجارب الفعلية. وتقع مرافق فحص مجهري عديدة في منطقة ما بين طرفي النقيض هذين؛ حيث يُقدِّم العاملون بالمرفق الإرشادات للمستخدمين بشأن تقنيات التصوير الأنسب لمشروعاتهم البحثية، ويتعاونون معهم أثناء تشغيل الأجهزة.
وبصرف النظر عن نوعية النموذج التشغيلي المستخدَم، فإن الخبرة المتخصصة تكون ذات أهمية قصوى. يقول تِنج-ليونج تشو، الذي يدير مركز التصوير المتقدم: "إن أهم متطلبات العمل في مرفقٍ بحثي أساسي أن تكون بارعًا بحقٍ في التعامل مع التقنيات التي تستخدمها، سواء أكانت تقنيات الفحص المجهري، أم قياس التدفق الخلوي، أم مقاييس الطيف الكُتلي". وهذا لا يقتصر على التمتع بكفاءة تقنية كبيرة في استخدام تلك المعدات، وإنما يشمل أيضًا الفهم العميق لأسسها النظرية، وامتلاك المهارات الهندسية اللازمة لتركيبها، وصيانتها، وإصلاحها.
يجب أيضًا أن تتوافر لديك المهارات والخبرة اللازمة، كي تُدلِي بدلوك في مجموعة متنوعة من المشروعات والنماذج التجريبية. تقول أليسون نورث، كبيرة مديري مركز موارد التصوير الحيوي بجامعة روكفلر في مدينة نيويورك سيتي: "في لحظة معينة، تتعامل مع الخميرة والبكتيريا، وفي اللحظة التالية، تنتقل إلى التعامل مع شرائح المخ؛ وهذا معناه أننا لا نتعامل فقط مع مجموعة متنوعة من العينات العلمية، وإنما نتعامل كذلك مع مجموعة كبيرة من تقنيات الفحص المجهري".
وعلى سبيل المثال، يساعد تشو الباحثين على تحديد نهج التصوير اللازم استخدامه، وكيفية تصميم التجارب، وكيفية التعامل مع المعدات، وكيفية تحليل وتفسير الصور الناتجة؛ وهي عملية يمكن أن تستغرق زمنًا يتراوح من ساعاتٍ إلى أيام من التعامل المباشر مع الباحثين. يقول تشو: "يتعين عليك أن تُقدِّم تدريبًا جيدًا للغاية، لا يقتصر على كيفية استخدام الأداة، ولكنْ يشمل أيضًا كيفية التأكد من أن تجربتك دقيقة، وأخلاقية، وقابلة للقياس الكمي والتكرار".
ومن الأهمية بمكانٍ الاطلاعٍ الدائم على أحدث التقنيات، سواء أكان ذلك من خلال الأبحاث المكتوبة، أم المؤتمرات، أم الأخبار المنقولة شفهيًّا. تقول ستيفاني رايتشِلت، مديرة مرفق الفحص المجهري الضوئي الأساسي في معهد كامبريدج لأبحاث السرطان بالمملكة المتحدة، التابع لجامعة كامبريدج: "من بين مهام هذه الوظيفة أن تستكشف التقنيات الجديدة، وتحرص على استخدامها في أقرب وقت". وتشمل المؤتمرات العامة للعاملين في المرافق الأساسية للفحص المجهري: «المبادرة الأوروبية للفحص المجهري الضوئي» European Light Microscopy Initiative، وسلسلة مؤتمرات «التركيز على الفحص المجهري» Focus on Microscopy، و«مؤتمر الفحص المجهري للعلوم المجهرية» Microscience Microscopy Congress الذي تنظمه الجمعية الملكية البريطانية للميكروسكوبيا UK Royal Microscopical Society، ومؤتمر «الرؤية خيرُ برهان» Seeing is Believing.
وبالرغم من الدور الجوهري الذي تلعبه المَرافق البحثية الأساسية في إجراء الأبحاث، فإن تلك المرافق غالبًا ما تُمثِّل مشروعات تجارية بالقدر نفسه الذي تُشكِّل به مختبراتٍ بحثية؛ ونادرًا ما تُكتب أسماء العاملين بها ضمن أسماء الباحثين، ما لم يُقدِّموا في هذه الأبحاث إسهامًا علميًّا مُعتبرًا إلى جانب أدوارهم الأساسية. ويشيع تقديم الشكر والتقدير إليهم، حتى وإنْ لم يكونا مضمونَين. يقول جان بيتشل، رئيس مرفق الفحص المجهري الضوئي (LMF) بمعهد ماكس بلانك لبيولوجيا الخلايا الجزيئية والوراثة في دريسدن بألمانيا: "في بعض الأحيان، تبذل قصارى جهدك، ولكنك لا تجد إثابةً مباشرة تقديرًا لما بذلته". وقد سعت الجمعية الملكية البريطانية للميكروسكوبيا، والجمعية الأمريكية لمرافق الموارد الجزيئية الحيوية (ABRF) للتعامل مع هذا الأمر عن طريق توجيهات إرشادية تتعلق بميزة إدراج أسماء الباحثين المشاركين، التي يمكن أن توفرها المَرافق الأساسية لمستخدميها.
مقدمو الخدمة
تشهد مَرافق الفحص المجهري الأساسية انتشارًا متزايدًا، ومن ثمَّ فقد صارت توفر خيارًا مهنيًّا جذابًا للباحثين الحاصلين على درجة الدكتوراة، وباحثي ما بعد الدكتوراة. تقول نورث: "أعتقد أنها مهنة عظيمة"، لكنها ليست وظيفة لشخص يتقدم لها "لمجرد أنه قَلِق من عدم حصوله على وظيفة" كباحثٍ رئيس، على حد قولها.
تبحث نورث عن الباحثين الذين يمتلكون الخبرة في التعامل مع أنواعٍ مختلفة من العينات، وفي تدريب الآخرين على الفحص المجهري، والذين اضطلعوا بمسؤولية حل المشكلات. ويمكن أن يكون التدريب العلمي متباينًا بين المتقدمين للوظيفة، ولكن "غياب النزعة الأنانية" شرط أساسي، على حد قولها. وتضيف قائلة: "إذا كان هدفك نَيْل الفضل والثناء نظير العمل الذي أنجزته، فهذه الوظيفة لا تناسبك".
اثنان من زملاء برنامج التصوير المتقدم في هارفارد؛ رايلي وولش، وفيدريكو جاسبارول.
Jennifer C. Waters
يقول رايت إن العاملين في المَرافق الأساسية لديهم، في واقع الأمر، وظائف تختلف اختلافًا بيِّنًا عن العلماء التقليديين، وقد تحتاج المؤسسات إلى تطبيق معايير أداء ينبغي على مديري المرافق الأساسية الوفاء بها. ويوضح أن هذه المعايير "لا تُركِّز على الأرجح على عدد المنشورات أو المِنَح التي أمكن الحصول عليها، وإنما تُركِّز أكثر على المستخدمين المُدرَّبين، ومستوى رضاهم، واسترداد التكاليف، والشكر والتقدير على الأبحاث المنشورة، وما إلى ذلك".
ويمكن أن تتباين رواتب مديري تلك المَرافق تباينًا واسعًا، فتتراوح بين حوالي 35 ألف جنيه إسترليني (ما يعادل 47 ألف دولار أمريكي) سنويًّا للوظائف الشبيهة بوظائف باحثي ما بعد الدكتوراة، و90 ألف جنيه إسترليني لكبار المديرين، حسبما يقول أوتول، الذي يضيف قائلًا: "يمكن أن تختلف الأدوار اختلافًا كبيرًا، رغم تشابه المسمى الوظيفي"، وأولئك الذين يقعون على الطرف الأدنى من جدول الرواتب يُرجَّح أن تكون مسؤولياتهم أقل بكثير، وكذلك أعداد مرؤوسيهم، ولا يكون مطلوبًا منهم كتابة طلبات المنح، وقد لا يكون لديهم تحكمٌ كامل في ميزانيات المَرافق التي يديرونها، غير أن بمقدورهم الارتقاء مهنيًّا عن طريق توسعة مرفقهم الأساسي، أو الانتقال إلى منصب أعلى في منشأة أكبر.
كان بيتشل طبيبًا وممثلًا مسرحيًّا وأستاذًا مساعدًا بالجامعة، قبل أن يصبح مديرًا لأحد المَرافق البحثية الأساسية. ويوضِّح أن القاسم المشترك بين كل هذه الأعمال هو مهارات التعامل مع الناس، إذ يقول: "إنني أتعامل مع مئات الأشخاص، ولذا، أحتاج إلى فهم دوافعهم، واحتياجاتهم، ومشاعرهم كذلك".
يضيف بيتشل قائلًا إنه في بداية شَغْله منصب الأستاذ المساعد بكلية الطب بجامعة تشارلز في هرادِس كرالوفا بجمهورية التشيك، كان دائمًا يضطلع بمسؤولية العناية بالمَجاهر المشتركة في قسمه. وعن ذلك يقول: "يصبح الشخص الذي يذهب أولًا ويقوم بعمل اللازم مؤهلًا بدرجة كبيرة ليصبح مديرًا لمرفق أساسي". ويضيف قائلًا: "من المهم أن يمتلك المرء ذلك الدافع الداخلي لدعم الناس ومساعدتهم على استخدام تقنيات متقدمة رائعة".
وفي عام 2001، كان اهتمام بيتشل بالفحص المجهري هو ما ألهمه تغيير مساره المهني، فتقدَّم بطلب لشغل وظيفة "أخصائي تصوير" في مرفق الفحص المجهري الضوئي. يقول بيتشل: "لقد أثار دهشتهم -بطبيعة الحال- أن يتقدم طبيبٌ لشغل وظيفة فني، ولكنهم عرضوا عليَّ فورًا زمالة ما بعد الدكتوراة، لكي أتمكَّن من دعم مرفق التصوير الأساسي في عمله".
البُعد التجاري
تُعَد تجربة بيتشل استثنائيةً من حيث أن فرص التدريب على إدارة المرافق الأساسية نادرة نسبيًّا، ولكن عدد هذه الفرص يشهد تزايدًا في الوقت الحالي.
بدأت الجمعية الألمانية للفحص المجهري وتحليل الصور -المعروفة باسم «التصوير الحيوي الألماني» German BioImaging- في تقديم دورة تدريبية حول إدارة المَرافق الأساسية وقيادتها في ألمانيا منذ عام 2013. وتُقدِّم شبكة «التصوير الحيوي العالمي» Global BioImaging -وهي شبكة دولية لتصوير البِنَى التحتية والمجتمعات بتنسيق من المختبر الأوروبي للبيولوجيا الجزيئية (EMBL) في هايدلبرج- دوراتٍ مماثلة حول العالم. كما تُنظِّم الجمعية الأمريكية لمَرافق الموارد الجزيئية الحيوية، ABRF وجمعية التقنيات الأساسية لعلوم الحياة Core Technologies for Life Sciences -وهي جمعية غير هادفة إلى الربح، مقرها باريس، وتضمُّ علماء وموظفين يعملون في مجال المرافق الأساسية- ورشات عمل تُعلِّم مهارات الأعمال التجارية، مثل المحاسبة، ووضع الميزانيات. ويمكن للعاملين -في بعض الأحيان- أن يحصلوا على دروسٍ تُقدِّمها كليات التجارة بالجامعات في المناطق التي تُوجَد بها مَرافقهم. كما يحصل بعض المديرين -ومن بينهم رايت- على ماجستير إدارة الأعمال، الذي يصفه بأنه كان "مفيدًا للغاية".
كما تُنظِّم جمعية «التصوير الحيوي الألماني»، وشبكة «التصوير الحيوي العالمي» ما يُعرف ببرامج المُلازمة الوظيفية job-shadowing programmes، وهي برامج تسمح للعاملين باكتساب المهارات من أقرانهم في العمل. ويقول رايت: "أعتقد أن زيارة مَرافق أساسية أخرى شيءٌ بالغ الأهمية، فهذا يتيح لنا فهم كيفية عملها، ويُمكِّننا من الاستفادة بالجوانب ذات الصلة في تحسين عمليات مرفقنا".
وتُعَد مهارات كتابة طلبات المنح ضرورية كذلك؛ إذ يقول تشو: "يعكس عدد مِنح الأجهزة المشتركة التي يحصل عليها المرفق الأساسي مدى نجاحه، بدرجة ما، أو بأخرى. ففي الولايات المتحدة الأمريكية، تتولَّى كلٌّ من المؤسسة الوطنية للعلوم ووزارة الدفاع تمويل المَرافق البحثية الأساسية، كما أن مِنحة الأجهزة المشتركة (S10) التي تُقدِّمها معاهد الصحة الوطنية الأمريكية (NIH) "تكاد تكون مُصممةً خصيصًا لمديري المرافق الأساسية"، على حد قول تشو. كذلك تحصل المَرافق الأساسية في أجزاء أخرى من العالم -بما في ذلك معظم الدول الأوروبية- على تمويلها بشكل أساسي من خلال المِنَح الحكومية.
ولا تُغطي أغلب هذه المنح سوى تكاليف الأجهزة فحسب، ولكنّ بعضها -بما فيها برنامج تمويل المَرافق الأساسية التابع لمؤسسة الأبحاث الألمانية، وبرنامج علماء التصوير التابع للمؤسسة الخيرية المعروفة باسم مبادرة تشان زوكربيرج في ريدوود سيتي بولاية كاليفورنيا- يغطي العاملين أيضًا.
وكثيرًا ما تكون وظائف العاملين بالمَرافق الأساسية وظائف مؤقتة، وهو ما قد يؤدي إلى فقدان المعرفة المؤسسية باستمرار. يقول بيتشل: "عادة ما نحتاج إلى عامٍ على الأقل لتأهيل شخصٍ ما للعمل بالكفاءة المطلوبة." ويقول أيضًا إن معدل الدوران المرتفع على هذا النحو يفرض تحدياتٍ، ولكنه يشجع في الوقت ذاته على المرونة.
وعلى سبيل المثال، تَعيَّن على مديري المرافق أن يستجيبوا بسرعة حيال جائحة «كوفيد-19»، من أجل الحفاظ على سلامة العاملين والمستخدمين، وأيضًا لتقليل اضطرابات العمل إلى أدنى حد ممكن.
وقد نشر بيتشل -بالتعاون مع إليسا فيراندو-ماي من مركز التصوير الحيوي بجامعة كونستانس بألمانيا وآخرين- توجيهات إرشادية للمَرافق الأساسية حول مرض «كوفيد-19»، مثل تجنب التدريب وجهًا لوجه، وتقديم الدعم عن بُعْد لمستخدمي المَجاهر (S. Dietzel et al. Cytometry A 97, 882-886; 2020). ويقوم رولاند نيتشكي، رئيس «مركز تصوير الحياة» Life Imaging Center بجامعة فرايبورج بألمانيا، باتخاذ الترتيبات اللازمة في منشأته، بحيث يتمكن من التحكم عن بُعْد في المجاهر ليوضح للمستخدمين ما يجب عليهم فعله. ويتطلب هذا كاميرات فائقة الدقة. وقد بدأ العلماء في استخدام هذه الكاميرات لمتابعة التجارب التي تستغرق وقتًا طويلًا من المنزل. يقول نيتشكي: "ربما كان هذا هو الشيء الوحيد الجيد الذي ترتَّب على فيروس كورونا".
دورةٌ دراسية أساسية مكثَّفة
يلجأ بعض المديرين إلى الدورات وورشات العمل الخارجية، لتعليم الموظفين الجدد، وتأهيلهم، فتقوم ووترز، على سبيل المثال، بتدريس دورات سنوية في الفحص مجهري في مختبر كولد سبرينج هاربور في نيويورك، وتفعل نورث الشيء نفسه في مختبر وودز هول للبيولوجيا البحرية في ماساتشوستس. ويُقدِّم كريشنامورثي برنامجًا تدريبيًّا في الفحص المجهري مُتحد البؤرة، ومقياس التدفق الخلوي في بنجالور، لكن بيتشل يستدرك قائلًا: "في نهاية المطاف، الأمر كله مرهونٌ بالخبرة العملية".
لا يستخدم أغلب الباحثين سوى نوع واحد أو اثنين من الفحص المجهري أثناء الدراسة لنيل درجة الدكتوراة، أو في دراسات ما بعد الدكتوراة. تقول ووترز: "لدينا كل شيء، بدايةً من الجزيئات الفردية إلى العُضيات والأجنة، ولدينا 15 طريقة تصوير مختلفة. لذا، فإن افتراض إكمال أحدهم دراسات ما بعد الدكتوراة وانضمامه مباشرةً إلى مرفقٍ أساسي، ومعرفته بما يجري هناك منذ اللحظة الأولى افتراض يثير السخرية".
وكان هذا ما دفع ووترز إلى بدء زمالة هارفارد المتقدمة في الفحص المجهري في عام 2013. مَوَّلت ووترز في البداية زميلين، من خلال إعادة تخصيص راتب أحد العاملين، ولكنها تلقَّت الدعم منذ ذلك الحين من قِبَل شركة «نيكون» المُتخصصة في تصنيع المجاهر، وثلاثة أقسام في كلية الطب بجامعة هارفارد. وتبلغ التكلفة السنوية للبرنامج نحو 80 ألف دولار أمريكي لكل زميل، ويضمن للمشاركين تمويلًا مدته عامان.
يقضي الزملاء نصف وقتهم في أعمال الخدمة الأساسية، مثل تدريب المُستخدمين، وصيانة المجاهر، في حين يقضون النصف الآخر في العمل بمشروعٍ مستقل، مثل كتابة الأكواد، لتقييم جودة الصور المجهرية.
وإضافة إلى ذلك، يكتسب الزملاء مهارات الإدارة ووضع الميزانيات، ويتعاونون مع ووترز في الأمور المتعلقة بالمنح. كما يتعلمون فنون التعامل مع العملاء. تقول ووترز: "أُريد منهم أن يتحلوا بالثقة للجلوس في غرفة مع مجموعة من أعضاء هيئة التدريس، وأن يقولوا: "أعلم أن التكنولوجيا تبدو مثيرة للاهتمام، لكنك لست بحاجة إليها". وتضيف ووترز قائلة: "عندما يتعين عليَّ كتابة رسالة بريد إلكتروني مزعجة إلى أحد أعضاء هيئة التدريس، فإنني أكتبها، ثم أُعيد توجيهها إلى باحثي ما بعد الدكتوراة، ليروا كيف قمت بصياغتها. بهذه الطريقة، يعرفون الكيفية التي يتعاملون بها مع مواقف مشابهة، ويغادرون وقد أصبح لديهم بالفعل ما يشبه مجموعة أدوات تُمكِّنهم من إدارة مثل هذه المواقف".
لدى ووترز حاليًّا زميلان وأربعة خريجين اتجهوا إلى العمل في مَرافق أساسية أخرى، أو إدارتها. توضح ووترز قائلةً: "أريدهم جميعًا أن يغادروا هذا المكان وقد أصبحوا خبراء تقنيين يستحقون الاحترام، ويتمتعون بالاستقلالية." وقد يتجه العاملون أيضًا إلى مجال الصناعة، لا سيما شركات الفحص المجهري.
وقد أنشأت معاهد أخرى برامج مماثلة لبرنامج ووترز، فعلى سبيل المثال، يقضي زملاء الفحص المجهري المتقدم في جانيليا نصف وقتهم في اكتساب الخبرة العملية في مركز التصوير المتقدم، والنصف الآخر في التدريب الذاتي، سواء فيما يتصل بتعلُّم كيفية كتابة الأكواد، أم كيفية إدارة ورشة عمل دولية في الفحص المجهري. يقول تشو: "هذا الوقت المخصَّص بنسبة 50% يتيح أمامهم الفرصة لصقل مهاراتهم، كي يصبحوا مديرين ناجحين للمَرافق الأساسية في المستقبل".
وفي أوروبا، يتأهب برنامج زمالة «آرايز» ARISE -التابع للمختبر الأوروبي للبيولوجيا الجزيئية- للبدء في تدريب 62 زميلًا على مدار السنوات الخمس المقبلة، بدعم يقدر بنحو 12.7 مليون يورو (15 مليون دولار أمريكي) من المفوضية الأوروبية والمختبر الأوروبي للبيولوجيا الجزيئية. وانطلقت الدعوة لتقديم الطلبات في شهر نوفمبر الماضي، وستجري استضافة الزملاء في واحدٍ من ستة مواقع تابعة للمختبر الأوروبي للبيولوجيا الجزيئية في جميع أنحاء أوروبا.
تقول تانيا نينكوفيتش، مديرة برنامج «آرايز» في المختبر الأوروبي للبيولوجيا الجزيئية في هايدلبرج: "نريد من خلال هذا البرنامج أن نُؤهِّل المديرين وكبار الموظفين المستقبليين للعمل في مَرافق البِنية التحتية البحثية." وإضافة إلى تعلُّم التفاصيل الدقيقة لإدارة المرافق الأساسية، سيعمل الباحثون المنتسبون إلى البرنامج في مشروعٍ بحثي مستقل، وسيدرسون نقل التكنولوجيا، وريادة الأعمال، وسياسة العلوم. تقول نينكوفيتش: "تلك هي المهارات التي يحتاجها علماء البِنية التحتية البحثية، بصرف النظر عن التكنولوجيا التي يقدمها المرفق".
ويرى بيتشل، الذي حضر إحدى الدورات التي تعقدها جمعية «التصوير الحيوي الألماني» لمديري المرافق، أن الزيادة في دورات إدارة المَرافق الأساسية تَدل على أن هذه الوظائف صارت تحظى بتقدير متزايد. ويشجع بيتشل الآخرين على التفكير في الاضطلاع بهذا الدور. وعن ذلك يقول: "بالنسبة إلى أولئك الذين يرغبون في دعم ومساندة الآخرين، والذين لديهم اهتمام بالتكنولوجيا، ويمتلكون مهارات التعامل مع الناس، قد تكون هذه مهنة مجزية".
سانديب رافيندران
كاتب علمي مُقيمٌ في العاصمة الأمريكية واشنطن.