صندوق الأدوات
تطبيقات تساعد على معرفة احتمالات الإصابة بمرض «كوفيد-19»
مجموعة من الأدوات المتاحة على شبكة الإنترنت تتنبأ بعوامل خطر التعرض للمرض والإصابة به، اعتمادًا على مكانك، وطبيعة النشاط الذي تؤديه.
- Nature (2021)
- doi:10.1038/d41586-020-03637-y
- English article
- Published online:
مجموعة من الأشخاص يرتدون الكمامات في طوكيو، ويحافظون على التباعد الجسدي أثناء الانتظار عند معبر للمشاة.
Credit: Carl Court/Getty
اعتادت ميجان راني، بحكم عملها طبيبة للطوارئ، على التعامل مع الأسئلة الصعبة التي توجَّه إليها بشأن الإصابات والأمراض. أما في أثناء جائحة "كوفيد-19"، فقد وجدت راني نفسها تجاهد للحصول على إجابات، وتوضح قائلة: "يسألني الناس باستمرار عما إذا كان من الآمِن تأدية أنشطة معينة، ومنها على سبيل المثال: هل من الآمِن الذهاب إلى الشاطئ، أو حضور حفل في الهواء الطلق، أو ارتياد أحد المطاعم؟".
أرّقت هذه الأسئلة ملايين البشر على مدار عام 2020. ولا يزال العلماء والأطباء الإكلينيكيون في مرحلة الإلمام بالجوانب الوبائية والباثولوجية المرتبطة بفيروس كورونا "سارس-كوف-2" SARS-CoV-2. أما عامة الناس، فربما يجدون صعوبة في إدراك كيفية الحفاظ على ما يشبه الحياة الطبيعية، مع تقليل مخاطر الإصابة بعدوى المرض في الوقت نفسه.
وقد وجدت راني، التي تشغل منصب المديرة المشارِكة لمركز "براون لايفسبان" Brown-Lifespan للصحة الرقمية في مدينة بروفيدنس بولاية رود آيلاند الأمريكية، الفرصة سانحة للاستفادة من خبراتها في تصميم أدوات للصحة العامة عبر شبكة الإنترنت. تعاونت مع زميلتها في المركز، إليزابيث جولدبرج، في تصميم أداة تُدعى "ماي كوفيد ريسك" MyCOVIDRisk، وهي تطبيق بسيط قائم على الاستبيانات التي تُجرى عبر شبكة الإنترنت، يمنح المستخدمين القدرة على استشعار مخاطر إصابتهم بالعدوى، على أساس خططهم لممارسة أنشطة معينة في مكانٍ معين، أو في موقف محدَّد.
سد الثغرات
أُطلِقت أداة "ماي كوفيد ريسك" في شهر أكتوبر الماضي، ضمن تطبيقات عدة صُمِّمت خصِّيصًا للتوعية بمخاطر مرض "كوفيد-19". تسهم مثل هذه الأدوات في سد ثغرات بالغة الأهمية في مجال الرسائل المرتبطة بالصحة العامة، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أدت الاستجابات غير المتكافئة للجائحة إلى تفاقم حدّتها. وفي تعليقها على هذا الشأن، قالت راني: "كان من الممكن تصميم هذا النوع من التطبيقات في مرحلة مبكرة للغاية من ظهور الجائحة، سواء أكان ذلك بواسطة المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، أَم أي هيئة وطنية أخرى، لكن ذلك لم يحدث، مع الأسف".
كان لكل فريق من فرق البحث المختلفة زاويته الخاصة في عملية تقييم المخاطر. ولعل النهج الأكثر وضوحًا يتمثل في "أداة تقدير مخاطر الإصابة بمرض كوفيد-19 في الفعاليات" COVID-19 Event Risk Assessment Planning Tool المتاحة على شبكة الإنترنت؛ وهي أداة طوَّرها العلماء في معهد جورجيا للتكنولوجيا في أتلانتا. ويُقدِّر الموقع (في شكل نسبة مئوية) احتمالية أن يلتقي المرء بشخص مصاب بمرض "كوفيد-19" في إحدى الفعاليات، وذلك على أساس حجم الفعالية، ومكان انعقادها، فعلى سبيل المثال، توقعت الأداة أنه اعتبارًا من الرابع عشر من ديسمبر، فإن أي تجمُّع لعشرة أشخاص في مدينة بوسطن بولاية ماساتشوستس سيضم بين أفراده شخصًا واحدًا على الأقل من المصابين بفيروس كورونا، بنسبة 30%.
أما الآلة الحاسبة التي أُطلق عليها اسم "19 آند مي" 19 and Me، والتي طورتها شركة "ماثيماتيكا" Mathematica، وهي شركة متخصصة في بحوث السياسات في مدينة برينستون بولاية نيو جيرسي، فتعتمد على المعلومات السكانية والصحية، إلى جانب سلوكيات المستخدمين (مثل غسل اليدين، وارتداء الكمامات)، لتحديد المخاطر النسبية للتعرض للعدوى، والإصابة بها، ومدى شدة الإصابة حال حدوثها. وفي ديسمبر الماضي، أطلق فريق يقوده نيلانجان تشاترجي -اختصاصي الإحصاء الحيوي بجامعة جونز هوبكنز في مدينة بالتيمور بولاية ميريلاند الأمريكية- تطبيقًا هو "حاسبة مخاطر الوفاة بمرض كوفيد-19" COVID-19 Mortality Risk Calculator، الذي يقدِّر المخاطر النسبية لوفاة أحد الأفراد من جرّاء الإصابة بمرض "كوفيد-19" على أساس مكان وجوده، والأمراض السابقة على الإصابة بالفيروس، وحالته الصحية العامة.
أما أداة تقدير مخاطر الإصابة بمرض "كوفيد"، المسمَّاة "ماي كوفيد ريسك"، فتعتمد نهجًا أكثر ارتباطًا بالأوضاع المختلفة؛ إذ إنها تعمل على تقدير عوامل الخطر المرتبطة بفعاليات أو أنشطة ترفيهية معينة. وتعتمد عملية التقدير على مكان الفاعلية، ومدتها، وعدد الحاضرين الذين يرتدون الكمامات، أو لا يرتدونها. وهكذا، يمكن لهذه الأداة أن تساعد المستخدمين على تجنب الأنشطة التي يُحتمل أن تحمل خطورة عالية في إحدى بؤر الجائحة، مثل قضاء ساعة من الوقت في صالة ألعاب رياضية مغلقة، وأن يتجهوا إلى بدائل أكثر أمانًا، مثل اللقاء في أحد المتنزهات المفتوحة، مع الحرص على ارتداء الكمامات، على سبيل المثال.
ولكي تتمكن الأدوات المذكورة من إجراء هذه التقديرات، تتطلب الحصول على أحدث البيانات والنماذج التي ترصد بدقة المستوياتِ الحالية لانتشار العدوى، واحتمالية انتقالها في سيناريوهات مختلفة. وتدير صحيفة "ذا نيويورك تايمز" The New York Times قاعدة بيانات لفيروس كورونا، أصبحت مرجعًا موثوقًا، إذ تعتمد عليها أداة "ماي كوفيد ريسك"، وكذلك أداة معهد جورجيا للتكنولوجيا، بغرض وضع تقييم عن نشاط المرض على المستوى المحلي. وتُركِّز هذه الأدوات الحاسبة، في الوقت الحالي، على الولايات المتحدة، إلا أن فريق معهد جورجيا قد وسَّع نطاق الأداة الخاصة به لتشمل أيضًا عشر دول أوروبية.
ولا يزال الباحثون عاكفين على محاولة استنباط العوامل التي تجعل بعض الأفراد أكثر عُرضة للإصابة بالعدوى من الأصل، أو أنْ تكون إصابتهم بالمرض حادة. كما يواصلون دراسة كيف أن استراتيجيات التباعد، والتهوية الجيدة، وارتداء الكمامات من شأنها الحد من انتشار القطيرات المحمّلة بالفيروسات. وفي هذا الإطار، تولَّت شيندي هو -وهي اختصاصية علوم البيانات في شركة "ماثيماتيكا"- زمام القيادة في تصميم أداة "19 آند مي". وبالتعاون مع زملائها، تنظر شيندي بعناية في أحدث الأدبيات الخاضعة لمراجعة الأقران، بغرض تحسين نماذج العدوى الخاصة بهم، معتمدين بشكل كبير على التقارير الواردة من المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها. أما بالنسبة إلى أداة "ماي كوفيد ريسك"، فقد استعان الفريق بنموذج تقديري لانتقال الفيروسات عبر الهباء الجوي، طوّره اختصاصي كيمياء الغلاف الجوي خوسيه لويس خيمينيز وزملاؤه في جامعة كولورادو بولدر؛ وهو نموذج يحاكي المدى المرجح لانتقال الجسيمات الفيروسية في سيناريوهات داخلية وخارجية مختلفة.
يتعين على الباحثين بعد ذلك التوصل إلى طرق لتهيئة المعلومات، وتحويلها إلى صيغة يسهُل على غير الخبراء فهمها، دون أن تكون تلك الصيغة تطفلية أو مثيرة للإحباط عند استخدامها. ومن أجل تصميم تطبيق بسيط وجذاب يوازن بين التعمق وسهولة الاستخدام، اعتمد فريق مركز "براون لايفسبان" على اختبار المستخدمين وتوجيههم، اعتمادًا على علماء السلوك. وتقول راني: "في التصوُّر المثالي، يمكن للمرء أن يستفسر عن مساحة الغرفة التي يقف فيها، وعن معدلات التهوية بداخلها، ولكن إذا سألتني، فأنا أيضًا لا أعرف الإجابة".
والملاحَظ أنَّ هذه الحاجة إلى البساطة كانت من بين المعايير التي سعى فريق معهد جورجيا للتكنولوجيا إلى تلبيتها أيضًا؛ حيث لا تتطلب الأداة الخاصة بالفريق سوى معلومتين اثنتين: مكان المستخدم، وحجم التجمُّع المتوقع. في البداية، تَراوح ذلك العدد بين 10 أشخاص، و10 آلاف شخص. ويقول أندريس: "تلك الحدود العليا كانت مفيدة عند التعامل مع المسيرات السياسية التي وقعت على مدار شهور الصيف الماضي"، ولكن مع اقتراب موسم العطلات، خفَّض الفريق الحد الأعلى إلى 5 آلاف شخص، وزاد من مستوى التفصيل عند الأداة في الطرف الأدنى من المقياس، لتقديم تقديرات لتجمعات محدودة الحجم نسبيًّا، يبلغ قوامها 10 أشخاص، أو 15 شخصًا، أو 20 شخصًا.
وللتعبير عن عوامل الخطر، تختار أداة "ماي كوفيد ريسك" مقياسًا متصلًا بسيطًا، يتضمن خمسة مستويات، تبدأ باللون الأخضر، وتنتهي بالأحمر، في حين ابتكر فريق أداة "19 آند مي" قراءات رقمية مجردة، تتراوح بين الصفر والمئة، تُشبِّهها شيندي هو بنقاط الائتمان، مضيفة: "هذا حل وسط، تَوصّلنا إليه للحفاظ على دقة الحساب، مع تحويله ليصير رقمًا يسهُل استيعابه على عامة الناس. وبعد ذلك، نقرن ذلك الرقم بشرح نصي ومؤشر تفاعلي لعوامل الخطر". يلخص هذا الشرح فرصة التعرض للعدوى والإصابة بها، إلى جانب احتمالية حدوث مضاعفات صحية خطيرة، والحاجة إلى تلقِّي رعاية صحية في المستشفى، لدى الإصابة بالعدوى.
ومع ذلك، ينبِّه المُطوِّرون إلى أن هذه التطبيقات تقدم للمستخدِم تقديرات تهدف إلى مساعدته في عملية اتخاذ القرار، إلا أنها ليست مؤشرات قاطعة لاحتمالية الإصابة بالمرض.
توسيع نطاق البحث
منذ البداية، كان تقدير حجم التعرض لخطر الإصابة بمرض "كوفيد-19"، وتحديد تلك المخاطر، أمرًا بالغ الصعوبة؛ فقد وجد العلماء والأطباء صعوبة كبيرة في فهم مجموعة الأعراض المعقدة المرتبطة بالمرض. ومما زاد الأمر سوءًا، تلك السياسات الوطنية والإقليمية التي اشترطت حدوث أعراض بعينها، لكي يكون الشخص مؤهلًا للخضوع للفحوص التشخيصية، رغم أن تلك الأعراض قد لا تعكس انتشار العدوى بشكل كامل. وفي الوقت الحالي، تساعد استطلاعات الرأي عبر الإنترنت الباحثين على التعامل بشكل أفضل مع العلامات الإكلينيكية للمرض.
وفي سياق أعمال ائتلاف وبائيات جائحة كورونا (COPE)، أطلق أندرو تشان -اختصاصي الوبائيات بمستشفى ماساتشوستس العام في بوسطن- وزملاؤه في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تطبيقًا للتعرُّف على أعراض المرض، يُسمَّى تطبيق "كوفيد سيمتوم ستادي" COVID Symptom Study. اعتمدت هذه المحاولة في البداية على تجنيد مئات الآلاف من المتطوعين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ممن كانوا يشاركون بالفعل في الدراسات الإكلينيكية، ثم صار متاحًا في وقت لاحق لمشاركة عامة الناس في هذين البلدين. وبالتوازي مع ذلك، نشر فريق بحثي، يقوده إيران سيجال -عالِم البيولوجيا الحاسوبية بمعهد وايزمان للعلوم في رحوفوت بإسرائيل- استبيانه الخاص بالأعراض عبر شبكة الإنترنت في ذلك البلد. ويقول سيجال: "لقد أنشأنا خوارزمية تسمح بالاختبار المعتمِد على التقييم الذاتي، الذي يدمج جميع الأعراض التي يذكرها المرء، ويخبره باحتمالية أن يكون اختبار «كوفيد» الخاص به إيجابيًّا".
ما يُقيِّد هذه الدراسات الاستقصائية اعتمادها على مدى رغبة المستخدمين في المشاركة، ومدى إتاحة الوصول إلى شبكة الإنترنت. ولتعزيز المشاركة، استخدم فريق سيجال استبيانًا يُجرى عبر الهاتف في المدن الإسرائيلية الأكثر تضررًا من كوفيد-19. وكشفت البيانات عن معلومات عميقة وقيِّمة يمكن من خلالها تمييز هذا المرض عن نزلات البرد وغيرها من الأمراض الشائعة الأخرى. ويقول سيجال: "كان لهذه الاستبيانات دور كبير في تحديد فقدان حاسّتَي التذوق والشم، بوصفه أحد الأعراض المميِّزة للإصابة بمرض كوفيد-19"، مشيرًا إلى أن إسرائيل قد عمدَتْ إلى تعديل الممارسات المتبعة في إجراء الفحوص التشخيصية، اعترافًا بأهمية هذا العَرَض.
وتُشكّل المسوح الاستقصائية للأعراض أساسًا لوضع خرائط انتشار الجائحة. ويذكُر سيجال في هذا الصدد أن البيانات الأولية التي حصل عليها من الاستبيان الذي أجراه تشير إلى أن عدد حالات "كوفيد-19" النشطة في إسرائيل تزيد بمعدل ضعفين إلى ثلاثة أضعاف على الأعداد المُدرَجة في التقارير الإكلينيكية الرسمية عن الفترة نفسها. ومن ثمَّ، يمكن للمؤشرات الناتجة عن هذه الاستبيانات أن ترسِل إنذارات آنيَّة لدى ظهور بؤر لتفشِّي المرض، يَلزم فيها توفير الفحوص التشخيصية، ووسائل الحماية الشخصية؛ وهو الأمر الذي يمنح السلطات المسؤولة عن الصحة العامة أسبقية ذات قيمة بالغة في عملية التصدي للمرض.
أما في المملكة المتحدة، فإن هيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS) تدعم إدخال مزيد من التطوير على تطبيق "كوفيد سيمتوم ستادي"، الذي يُستخدم حاليًّا في السويد أيضًا. كما يُبدِي تشان حماسًا إزاء تلك البيانات الإضافية في الولايات المتحدة، ويقول: "إننا حريصون على المطابقة بين ما اكتشفناه من خلال التطبيق، والمعلومات المتاحة بشأن نتائج الفحوص أو معدلات دخول المستشفيات".
وعامة الناس يُبدُون القدر نفسه من الحماس، إنْ لم يكن أكثر؛ إذ تقول راني إن أداة "ماي كوفيد ريسك" قد استُخدمت أكثر من مليون مرة منذ إطلاقها. ويقول فريق معهد جورجيا للتكنولوجيا إن أداته قد قدمت أكثر من 40 مليون تقدير لخطر الإصابة بالمرض، اعتبارًا من أواخر شهر نوفمبر الماضي، مع زيادة ملحوظة بالتحديد أثناء عطلة عيد الشكر في الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن لقاحات عديدة قد وجدت سبيلها إلى العيادات، إلا أنه من المرجح أن يظل الجمهور متعطشًا لهذه البيانات لمدة غير قصيرة خلال عام 2021. تقول راني: "ستظل هناك أنشطة شديدة الخطورة على مدى شهور، بل وربما على مدار عامٍ قادم. لذلك، أعتقد أن هذا النوع من برامج التوعية والتوجيه السلوكية المحفزة للتغيير سيظل -مع الأسف- محتفظًا بأهميته".
مايكل آيزنشتاين
كاتب حُرّ، يقيم في مدينة فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا الأمريكية.