افتتاحيات
اعتبارات الجنس والنوع الاجتماعي مهمة لجودة الأبحاث
من المزمع أن تضغط المفوضية الأوروبية من أجل اتخاذ خطوات تجعل تصميم الأبحاث أكثر تمثيلًا للأطياف البشرية المختلفة.
- Nature (2020)
- doi:10.1038/d41586-020-03459-y
- English article
- Published online:
أعلنت المفوضة الأوروبية في نهاية شهر نوفمبر الماضي أن مَن يحصلون على المنح التي تقدمها سيتعين عليهم إدماج تحليلات قائمة على اعتبارات الجنس والنوع الاجتماعي في منهجيات دراساتهم البحثية. وستسري هذه السياسة الجديدة على الباحثين المتقدمين للحصول على المنح التي تشكل جزءًا من برنامج المفوضية، المعروف باسم "هورايزون يوروب" Horizon Europe، البالغة مدته سبع سنوات، الذي رُصدت له حصة تمويلية قدرها 85 مليار جنيه إسترليني (100 مليار دولار أمريكي)، والمزمع أن يبدأ في العام المقبل.
ولا يزال تمويل البرنامج في انتظار اعتماد دول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرين له، بيد أنه إذا سارت الأمور وفق ما هو مخطط لها، فستكون المفوضية أكبر ممول يشترط أن يتضمن تصميم منهجيات الأبحاث تحليلات لاعتبارات الجنس والنوع الاجتماعي، إلى جانب تحليلاتٍ لجوانب أخرى ذات صلة بتمثيل مختلف الأطياف البشرية؛ فيما يُعرف كذلك بتقاطع سمات الهوية الفردية. ومن شأن تحليلات كهذه أن تشمل تصنيف البيانات حسب الجنس عند فحص الخلايا، أو النظر في الكيفية التي يمكن بها للتكنولوجيا أن ترسخ الصور النمطية عن الجنسين.
وهذا إنجازٌ كبير بحق، إذ إن قيام الباحثين بدمج تحليلات الجنس والنوع الاجتماعي في كل مرحلة من أبحاثهم، بداية من تصميم الدراسة وجمع البيانات وتحليلها، وصولًا إلى استخلاص النتائج، من شأنه أن يجعل الأبحاث العلمية أكثر إحكامًا.
ولا تُعَد المفوضية الأوروبية أولى وكالات التمويل التي تُجرِي تغييرات كهذه. كما أن هذه ليست المرة الأولى التي تطلب فيها المفوضية النظر بعين الاعتبار إلى الجنس والنوع الاجتماعي عند إجراء الأبحاث والدراسات، بيد أن هذا الشرط أصبح إلزاميًّا في برنامج "هورايزون يوروب"، ومن المتوقع أن يمتد بطبيعة الحال ليَسرِي على معظم الحاصلين على منح البرنامج. ولن يُستثنى من هذا الشرط سوى الباحثين الذين يتناولون موضوعات بحثية ترى المفوضية أن هذه الدراسات ستكون غير ذات أهمية بها، مثلما هو الحال في أبحاث الرياضيات البحتة.
وللعلم والعلماء تاريخ حافل بالمشكلات الناجمة عن عدم أخْذ الاعتبارات المتعلقة بالجنس والنوع الاجتماعي في الحسبان لدى تصميم الأبحاث. وعلى سبيل المثال، كانت دُمى تجارب التصادم تُصمم على مدى عقود من الزمان على نحو يحاكي أجساد الذكور. وعلى الرغم من استخدام نماذج أصغر في الوقت الحالي لمحاكاة أجساد النساء، فإنها تفشل في حساب بعض الاختلافات النمطية الأخرى بين الجنسين، مثل الفرق في قوة العنق1. وإضافة إلى ذلك، يمكن لأخْذ تحليلات الجنس والنوع الاجتماعي في الاعتبار أن يكون كاشفًا، كما في حال السلاحف البحرية التي تعيش في منطقة الحيد المرجاني العظيم بأستراليا، حيث إنّ غالبية هذه السلاحف تُولَد إناثًا، نتيجة لارتفاع درجات الحرارة، وهو اكتشاف توصل إليه الباحثون عندما سنح لهم تحليل أسراب الذكور والإناث2.
وفي بعض الحالات التي لم يُوضع فيها الجنس والنوع الاجتماعي في الاعتبار عند إجراء الأبحاث، كانت التبعات كارثية. وعلى سبيل المثال، بين عامي 1997، و2001، سُحِبَت عشرة عقاقير تستلزم وصفة طبّية من الأسواق، ومُنِعت من الاستخدام في الولايات المتحدة الأمريكية، بعدما وُجِدَ أن ثمانية منها تمثل خطورة أكبر على النساء، مقارنة بالرجال. ويرجع إغفال هذا في جزء منه إلى أن النساء لم يحظين بالتمثيل المناسب بين المشاركين في التجارب التي أجريت عندما خضعت هذه العقاقير للتقييم أول مرة.
"يشدد الباحثون منذ عقود على الأضرار الناجمة عن عدم إيلاء اهتمام لاعتبارات الجنس والنوع الاجتماعي في الأبحاث".
وعلى الرغم من أن التحليلات القائمة على اعتبارات الجنس والنوع الاجتماعي بدأت تتحسن في مجال تجارب الأدوية، إلا أنه ما زال العمل جاريًا على الأخذ بها في الكثير من المجالات، على حد ما ذكرته لوندا شيبينجر، مؤرخة العلوم بجامعة ستانفورد في كاليفورنيا، في حديثها إلى دورية Nature. فلعقود من الزمن، سلط الباحثون الضوء على الأضرار الناجمة عن الفشل في أخْذ الجنس والنوع الاجتماعي في الاعتبار، غير أن الجهات التمويلية لم تبدأ في معالجة المشكلة فعليًّا إلا عقب بداية الألفية الجديدة. ففي عام 2010، طلبت المعاهد الكندية لأبحاث الصحة من الباحثين إدراج تحليلات الجنس والنوع الاجتماعي في طلبات الحصول على المنح، وحذت معاهد الصحة الوطنية الأمريكية حذوها في عام 2016.
وفي عام 2013، بدأت المفوضية الأوروبية في مطالبة متلقي مِنحها بدمج تحليلات الجنس والنوع الاجتماعي في تصميمات أبحاثهم، وهو الطلب الذي غطى بحلول عام 2020 حوالي ثُلثي المجالات البحثية، بيد أنه كما أفادت تقييمات لاحقة، فإن عدد الباحثين الذين امتثلوا لهذا الطلب كان أقل من المتوقع.
كما كشف تحليل تناوَل بعض الباحثين، مَوّلته المعاهد الكندية لأبحاث الصحة، ونُشر في عام 2014، أن بعض هؤلاء الباحثين قد عارضوا أخذ الجنس والنوع الاجتماعي3 بعين الاعتبار عندما طُلب منهم ذلك. وقد سلّط هذا التحليل، إلى جانب تقييم المفوضية الأوروبية، الضوء على أن بعض الحاصلين على المِنح قد استخدموا الجنس (الذي يشير إلى الخصائص البيولوجية) بوصفه مرادفًا للنوع الاجتماعي (وهو مفهوم اجتماعي لا يتماشى بالضرورة مع جنس الشخص). ونشر فريق الخبراء الاستشاري التابع للمفوضية، الذي ترأسته شيبينجر، 15 دراسة حالة كأمثلة على الممارسات السليمة، بغرض مساعدة الباحثين على إيلاء قيمة أكبر لتحليلات الجنس والنوع الاجتماعي (انظر: go.nature.com/33vxcxz).
ومن الإجراءات المفيدة أيضًا التي يمكن لفِرَق البحث تطبيقها: ضم اختصاصيين مناسبين لتقديم المشورة حول تصميم أبحاث أكثر تمثيلًا للأطياف المختلفة، والمشاركة فيها، وقيادتها؛ حيث يمكن أن تشمل الفِرَق البحثية باحثين من مجالات العلوم الاجتماعية، أو العلوم الصحية، إذ كشف تحليل المعاهد الكندية لأبحاث الصحة أن باحثي العلوم الصحية والاجتماعية هم أكثر ميلًا لإدراج تحليلات الجنس والنوع الاجتماعي في تصميمات مشروعاتهم البحثية، مقارنة بباحثي مجالات العلوم الطبية البيولوجية.
وفي نهاية المطاف، لا يمكن لعملية تصميم أبحاث تشمل شتى الأطياف أن تقع على عاتق جهات التمويل وحدها. ومن هنا، يطلب بعض الدوريات، بما في ذلك دورية Nature، من مؤلفي الأوراق البحثية إدراج تحليلات الجنس والنوع الاجتماعي عندما تقتضي الحاجة إلى ذلك. كما تحتاج الجامعات ومشرفو الأبحاث إلى أن يدمجا فيما يقدِّمانه للطلاب من تدريبات على المنهجيات البحثية فكرة تمثيل مختلف الأطياف.
وقد كانت المفوضية الأوروبية محقّة في ضم صوتها، الذي يحظى بتقدير واسع، إلى الجهود المبذولة لتصميم الأبحاث العلمية، وتطبيق نتائجها بطريقة تشمل جميع الأطراف على نحو أفضل، إلا أن تغيير الممارسات التي ظلت موجودة منذ قرون يحتاج إلى إقرار مزيد من الباحثين، خاصة قادة الفرق البحثية، بالأخطاء التي كانوا يقعون فيها، وبأنّ الأفراد والبحث العلمي قد عانوا من جرّاء هذه الأخطاء. إنّ أسس بناء أبحاث علمية أفضل يجري إرساؤها بالفعل، وكلما تضافرت الجهود في هذا المسعى المهم، كانت النتيجة أفضل.