افتتاحيات
لا بد أن نعطي المحيطات ما تستحقه من اهتمام الآن
تعهدت 14 دولة باستخدام المحيطات على نحو يحقق الاستدامة البيئية، وهو تعهد نرحب به، بيد أنه من المهم بالقدر نفسه أن نحمِّل تلك الدول مسؤولية الوفاء بتعهداتها هذه.
- Nature (2020)
- doi:10.1038/d41586-020-03301-5
- English article
- Published online:
يمثل العام المقبل بداية 12 شهرًا شديدة الأهمية لهذا الكوكب، أو على الأقل لجزء منه، إذ من المزمع أن تنعقد في عام 2021 المقبل محادثات مهمة بشأن مستقبل الغذاء، والزراعة، والتنوع البيولوجي، والمناخ، وذلك بعد عام كامل من الموعد الذي كان من المقرر انعقادها فيه، لكنْ يظل أحد الاجتماعات غير مدْرَج ضمن قائمة المحادثات هذه؛ ألا وهو مؤتمر الأمم المتحدة للمحيطات، الذي كان من المقرر انعقاده في الأساس في مدينة لشبونة في عام 2020، ولم يغيِّر القائمون عليه موعده، بحيث ينعقد في عام 2021.
تمثل المحيطات والبحار 71% من سطح الأرض. ومع هذا، فعلى مدار سنوات طويلة جدًّا، لم يُفسِح بعض من الفعاليات العالمية الأكبر تأثيرًا في السياسات البيئية مجالًا كافيًا لمناقشتها، بيد أن هذا الاتجاه بدأ يتغير بفضل مبادرة واسعة التأثير، رأَسها 14 من قادة العالم، ونُشِرت في إطارها نتائج مهمة في الأسبوع الأول من هذا الشهر في دورية Nature. وتأتي تلك النتائج التي أفادت بها المبادرة على خلفية استعدادات تتخذها الأمم المتحدة في الوقت الراهن، بالتعاون مع عدد كبير من الكيانات، وذلك بهدف الدعوة إلى تبني إجراءات أكثر فعالية في هذا الصدد. و(تجدر الإشارة إلى أن الباحثين والقائمين على المنظمات غير الحكومية والأمم المتحدة في المبادرة يستخدمون كلمة "المحيط"، بدلًا من "المحيطات"، للتأكيد على ترابط هذا النظام البيئي العالمي).
"يناقش قادة العالم المحيطات عندما يلتقون من أجل الاجتماعات، إلا أنهم نادرًا ما يضعونها على قائمة أولوياتهم".
يتمثل أحد أسباب إهمال سياسات الحفاظ على المحيطات في أنه لم تُتخذ إجراءات حكومية دولية رفيعة المستوى، يمكن عن طريقها اتخاذ قرارات مُلزِمة بشأن هذه المسطحات المائية. فقادة العالم يناقشون البيئات البحرية عندما يلتقون لاجتماعات اتفاقيات الأمم المتحدة بشأن التنوع البيولوجي والمناخ، إلا أنهم نادرًا ما يضعونها على قائمة أولوياتهم.
دفع هذا الوضعُ رئيسَي وزراء دولتي النرويج، وبالاو، اللتين يعتمد اقتصادهما على سلامة المحيطات، إلى عقد اجتماع مع بعض من نظرائهما، ومنهم قادة كندا، وإندونيسيا، وكينيا. واتفق هؤلاء القادة على وضع مزيد من الإجراءات لحماية سلامة المحيطات وتعزيزها، والحفاظ على ما يجنيه البشر من ثمار البيئات البحرية.
وقد تأسست في عام 2018 هيئة تُعرف باللجنة رفيعة المستوى لاقتصاد المحيطات المستدام، لكنَّ أعضاءها احتاجوا إلى المشورة العلمية. لذا، لجأوا، قبل تحديد أي إجراءات جديدة ينبغي لهم اتخاذها، إلى باحثين من مختلف مجالات علوم المحيطات، وطلبوا منهم مراجعة ما نُشر عن حالة البحار، وما تقدِّمه من منافع
.وقد شهد الأسبوع الأول من هذا الشهر نشر مجموعة من نتاج عمل هؤلاء الباحثين في الدوريات التابعة لـNature (انظر الرابط: go.nature. com/3kyd0dx). وتشير تقاريرهم إلى أن سلامة المحيطات تواجه تهديدًا، بيد أنها تمنحنا أيضًا بصيصًا من الأمل، إذ تشير إلى أنه إذا أُدِيرَت المحيطات على نحو أكثر تحقيقًا للاستدامة البيئية، سيمكن للأنواع والنظم البيئية بها أن تزدهر، وقد تغدو مصدرًا أفضل وأكثر استدامةً للطعام، والطاقة، والمواد الخام، وسبل العيش، لتسهم في نهاية المطاف في رخاء الكوكب.
وحسبما ورد على ألسنة استشاريّي أبحاث اللجنة، فإن تغيُّر المناخ يؤدي إلى زيادة حرارة المحيطات وحموضتها، واستنزاف الأكسجين بها. وفي الوقت نفسه، يتسبب الصيد الجائر في القضاء على أنواع مهمة في السلسلة الغذائية، وهو ما يُسرِع وتيرة خسارة التنوع البيولوجي. كذلك فإن التنمية الصناعية غير المستدامة على امتداد السواحل -ببناء موانئ جديدة أكبر حجمًا، وفنادق، وتجمعات سكنية- تعزز تلوُّث المحيطات. ومن هنا، جاء في تقارير الباحثين أن "جميع هذه التهديدات تُضْعِف قدرة المحيط على توفير الغذاء وفرص العمل، والدواء، والمستحضرات الصيدلانية، وتحدّ من قدرته على التحكم في المناخ. وأكثر مَن يتأثر سلبًا بهذا هم النساء، والفقراء، ومجتمعات السكان الأصليين، والشباب".
هذا، غير أن المحيطات قادرة على أن تساعدنا على الحد من تغيُّر المناخ، إذ يتنبأ الباحثون وفقًا لتقديرات أولية بأنها إذا أُدِيرَت على نحو يكفل الاستدامة البيئية، فستسهم في الحدّ من الانبعاثات بنسبة تتراوح ما بين 6% و 21%، وهي النسبة التي نحتاج إلى تحقيقها بحلول عام 2050، لاستيفاء هدف اتفاق باريس للمناخ لعام 2015، الذي يقضي بالحد من ارتفاع درجات الحرارة عند 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية.
والأعشاب البحرية.وفضلًا عن ذلك، فالمحيطات قادرة أيضًا على تزويدنا بقدر أكبر من الطاقة مما أمدتنا به في عام 2018، عن طريق زيادة طاقة الرياح، وطاقة الأمواج، اللتين يجري توليدهما في عرض البحار. كما يمكن للمحيطات أن تساعد في إنتاج مزيد من الطعام بأنْ تخدم كمَرابٍ للكائنات التي لم تُستهلَك بعد كطعام على نطاق واسع حتى الآن، مثل الرخويات، والأعشاب البحرية.
وقد تعهد القادة السياسيون المشاركون في اللجنة رفيعة المستوى بأنهم بحلول عام 2025 سوف يديرون 100% من مناطقهم المطلة على المحيطات على نحو مستدام بيئيًّا، وأضافوا أن هذا لا ينطبق على مياه بلدانهم الإقليمية فحسب، وإنما أيضًا على المناطق الخالصة للأغراض الاقتصادية، التي تمتد حتى 370 كيلومترًا من سواحل تلك البلدان. وتستحق هذه التعهدات الإشادة، لأنها صريحة، ومبنية على أسس علمية. لذا، يجب الترحيب بها، لكنْ لا بد كذلك أن تصاحبها إجراءات تضمن الوفاء بها.
محاسبة المسؤولين
إنّ العهود التي يقطعها قادة الدول نادرًا ما تكون مصحوبة بآليات مراقَبة ومحاسَبة، بيد أن هذه الآليات المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية والقانون الدولي هي ما يضمن التزام قادة العالم بتقديم تقارير دورية عما أحرزوه من تقدُّم –أو ما أخفقوا في إحرازه– فيما يتعلق بحماية التنوع البيولوجي، والمناخ، وغيرها من الأمور التي تتأثر بالتدهور البيئي.
وحتى تتحقق المراقَبة والمحاسَبة، يلزم وجود مؤشرات للنجاح وللفشل. ولهذا.. أخذ الباحثون ومكاتب الإحصاء الوطنية في تحديث نظام المعايير الدولية للمحاسَبة الاقتصادية البيئية، المعنِيّ بالمعايير التجريبية للمحاسبة فيما يخص النظم البيئية، الذي من المقرر أن تتبناه اللجنة الإحصائية في الأمم المتحدة في شهر مارس المقبل. وتقترح إحدى الدراسات بمجموعة الأبحاث التي نَشرها الباحثون الذين لجأت إليهم اللجنة إطارًا يمكن عن طريقه استخدام البيانات العالمية المتاحة عن المحيطات لقياس حالة النظم البيئية في المحيطات (E. P. Fenichel et al. Nature Sustain. 3, 889–895; 2020). والمؤشرات البيئية المتوافَق عليها بدرجة ما في هذا الصدد تشمل تلك المتعلقة بالتنوع البيولوجي، وكفاءة النظام البيئي، وقدرة المحيطات على الاحتفاظ بالغازات الدفيئة.
ويتزايد الزخم في اتجاه اتخاذ إجراءات أشد فعاليةً، فعلى سبيل المثال، تستعد الأمم المتحدة لنشر التقييم العالمي الثاني للمحيطات في عام 2021، وسوف يشهد العام المقبل أيضًا بدء العِقد الذي تخصصه الأمم المتحدة لعلوم المحيطات والتنمية المستدامة. كما يستعد القائمون على اتفاقية التنوع البيولوجي التي تبَنّتها الأمم المتحدة لتحديث أهداف هذه الاتفاقية الخاصة بالحدّ من فقدان الأنواع، عن طريق إضافة هدف جديد يتعلق بالمناطق الساحلية والبحرية الخاضعة للحماية البيئية.
وجدير بالذكر أنه من غير المعتاد أن يأخذ قادة العالم زمام المبادرة، كما حدث في حال اللجنة رفيعة المستوى، ويجب أن نثني على تعهدهم بإدارة المحيطات إدارة مستدامة، بيد أن الحكومات تتغير، ويعي أعضاء اللجنة أنهم يومًا ما سيُضطرون إلى نقل مسؤولياتهم إلى خلفائهم. ويُتوقع أن يرغب خلفاؤهم أحيانًا في السير على خطاهم، وألا يرغبوا في أحيان أخرى في ذلك، وهو أمر نعرفه تمام المعرفة.
ولهذا.. فنحن في حاجة إلى آلية لمراقبة تنفيذ هذه التعهدات، وفقًا لبيانات متفق عليها، تحظى بإجماع المجتمع العلمي. والباحثون على أتم استعداد للقيام بدورهم في هذا الصدد، لكنْ حتى نضمن الوفاء بهذه العهود شديدة الأهمية، فإن الإدارة المستدامة للمحيطات تلزمها كذلك حوكمة مستدامة.