أخبار

تراجُع احتمالية وجود حياة على كوكب الزُّهرة

تدل إعادة تحليل لبعض البيانات على أنَّ إشارات غاز الفوسفين المرصودة في الغلاف الجوي للكوكب أضعف مما أفاد به باحثون سابقًا.

ألِكساندرا ويتزي

  • Published online:
يتمتع كوكب الزهرة بغلافٍ جوي حمضي كثيف، كان يُعتقد في السابق أنَّه غير مناسبٍ للحياة.

يتمتع كوكب الزهرة بغلافٍ جوي حمضي كثيف، كان يُعتقد في السابق أنَّه غير مناسبٍ للحياة.

Credit: Detlev Van Ravenswaay/Science Photo Library

كشف تحليلٌ جديد لبعض البيانات أنَّ الإشارات الدالة على ما قد يكون أثرًا لحياة على كوكب الزهرة، والموجودة في الغلاف الجوي للكوكب، تبين أنها أضعف مما أُعلِن سابقًا، لكنَّها ما زالت مرصودة.

ففي سبتمبر الماضي، تصدَّر فريقٌ دولي من علماء الفلك عناوين الأخبار، حين أفاد بعثوره على غاز الفوسفين في الغلاف الجوي للكوكب1، وهو ما يُعَدُّ مؤشرًا محتملًا على وجود حياة هناك، بيد أنه سرعان ما أعقب هذا الإعلان نشر عدة دراساتٍ تشكِّك في أرصاد الفريق واستنتاجاته. والآن، أعاد الفريق نفسه تحليل جزءٍ من بياناته، مشيرًا في تعليله لتلك الخطوة إلى وجود خطأٍ في معالجة مجموعة البيانات الأولى. وقد أكد الباحثون وجود علامات على غاز الفوسفين بالفعل، لكنَّهم نوهوا إلى أنَّها أضعف ممَّا أفادوا به سابقًا.

ويُعَدُّ هذا العمل البحثي خطوةً مهمة إلى الأمام نحو حسم النقاش الأكثر إثارةً للاهتمام على مدار عقود فيما يخص كوكب الزهرة. وفي ذلك الصدد.. يقول سانجاي ليمايي، عالِم الكواكب من جامعة ويسكونسن-ماديسون الأمريكية، الذي يرى أنَّ هذا النقاش أحيا الأبحاث حول كوكب الزهرة: "انتظرتُ هذه اللحظة طيلة حياتي".

أُعيد تحليل البيانات2 بناءً على أرصاد التلسكوب الراديوي بمصفوفة مرصد أتاكاما الكبيرة الملِّيمترية ودون الملِّيمترية (ALMA) في تشيلي. وقد خلص إلى أنَّ متوسط تركيزات الفوسفين في أرجاء الزهرة يبلغ حوالي جزءٍ واحد في المليار، أي حوالي سُبْع ما أفادت به التقديرات السابقة. وبخلاف ما جاء في التقرير الأول لفريق الباحثين، فهم يصفون الآن اكتشافهم للفوسفين على الزهرة بأنَّه غير مؤكَّد.

ففي تقرير سبتمبر، اعتمد الفريق في اكتشافه على بياناتٍ حصل عليها من مصفوفة مرصد أتاكاما، وتلسكوب جيمس كليرك ماكسويل (JCMT) في هاواي . والآن، تقول جاين جريفز، قائدة الفريق وعالمة الفلك من جامعة كارديف بالمملكة المتحدة، إنَّها وزملاءها أعادوا تحليل البيانات، لأنَّهم علموا أنَّ مجموعة البيانات الأولى لمصفوفة مرصد أتاكاما حَوَت إشارة غير موثوقة، يُحتمل أنها أثرت على النتائج. وقد نشر المرصد البيانات المُصحَّحة في السادس عشر من نوفمبر الماضي، وأجرت جريفز وفريقها تلك الليلة تحليلاتٍ جديدة، ونشروا نتائجها قبل خضوعها لمراجعة الأقران على خادم المسودات الأولية "آركايف دوت أورج" arxiv.org. وقالت جريفز في السابع عشر من نوفمبر، خلال اجتماعٍ لمجموعة تحليلات استكشاف كوكب الزهرة، وهو منتدى إلكتروني تابع لوكالة "ناسا": "كنا نعمل بسرعةٍ شديدة".

وحسب قول جريفز وزملائها، فإنَّ بيانات المرصد تُظهِر البصمة الطيفية للفوسفين، وهو جزيء يتكون من ذَرّة فوسفور، وثلاث ذرات هيدروجين. كما أضاف باحثو الفريق أنَّه لا يوجد مركّبٌ آخر يمكن أن يُفسِّر هذه البيانات. وسيكون من المثير للاهتمام أن نعثر على غاز الفوسفين على كوكب الزهرة، لأنَّ الميكروبات تنتِج هذا الغاز على الأرض. وإذا صحّت دقة هذه الإشارات، وكانت بالفعل تعود إلى هذا الغاز، فربما يكون السبب في إنتاجه هو ميكروباتٌ تعيش وتُحمل في سُحُب الكوكب3،4، لكن يُحتمل كذلك أن يكون هناك مصدرٌ غير حي لم يكتشفه العلماء بعد. ويحتاج الباحثون قبل أن يحسموا أي السيناريوهين صحيح أن يؤكدوا أولًا وجود الفوسفين.

وفي واحدٍ من الانتقادات التي وُجِّهت إلى الدراسة الأولى، لفت باحثون5 الانتباه إلى أنّ هذه الإشارات التي أُفيد بأنها تعود إلى الفوسفين ربما يكون مصدرها الفعلي هو غاز ثاني أكسيد الكبريت، الذي ينتشر في سُحُب الزهرة، لكنَّه لا ينتج عن وجود حياةٍ هناك. وردَّت جريفز وفريقها في تقريرهم الأخير باستحالة ذلك، بسبب نمط ظهور بصمة الفوسفين في البيانات التي جمعها التلسكوب الثاني الذي استخدموه، وهو تلسكوب جيمس كليرك ماكسويل، بينما ركزت انتقاداتٌ أخرى على صعوبة استخلاص إشارة الفوسفين من بين بيانات معقدة.

حل اللغز

وجدير بالذكر أنه ظهر خيط جديد من الأدلة يدعم وجود الفوسفين على الزهرة، إذ ألهم التقرير الأول لجريفز فريقًا بحثيًّا يقوده راكِش موجُل، عالِم الكيمياء البيولوجية من جامعة ولاية كاليفورنيا للعلوم التطبيقية والتكنولوجية، الواقعة في مدينة بومونا الأمريكية. وراح هذا الفريق ينقب في بياناتٍ عمرها عقود، جمعتها بعثة "بيونير" Pioneer التي أرسلتها وكالة "ناسا" إلى كوكب الزهرة في عام 1978، عندما أسقطت مركبة هذه البعثة الفضائية مسبارًا قاس الخواص الكيميائية للسُّحب في الغلاف الجوي للكوكب في أثناء هبوطه. ورصد المسبار إشارةً لعنصر الفوسفور، يُمكن أن تُعزَى إلى وجود الفوسفين، أو مركّبٍ فوسفوري آخر6، غير أن موجُل قال خلال اجتماع المنتدى التابع لوكالة "ناسا" في السابع عشر من نوفمبر: "نعتقدُ أنَّ أبسطَ غاز ملائم كمصدر لتلك البيانات هو الفوسفين".

وما زال مصدر هذا الفوسفين لغزًا. والمركبة الفضائية الوحيدة التي تدور حاليًّا حول الزهرة، وهي مركبة "أكاتسوكي" Akatsuki اليابانية، لا تحمل أدواتٍ يمكن أن تساعد على حسْم هذا الجدل. ومِن هنا، تخطط منظمة بحوث الفضاء الهندية لإرسال بعثةٍ إلى الزهرة قد تنطلق في عام 2025. وربما تحمل مركبة هذه البعثة أدواتٍ قادرة على البحث عن الفوسفين. وفي الوقت الحالي، تقدمت جريفز وغيرها من الباحثين بطلب باستخدام التلسكوبات الأرضية لمزيدٍ من الوقت، بما فيها مصفوفة مرصد أتاكاما.

كما يدرس الباحثون عديدًا من الجوانب الأخرى لكوكب الزهرة، حسب قول ديفيد جرينسبون، عالِم البيولوجيا الفلكية من معهد علوم الكواكب بالعاصمة الأمريكية واشنطن، الذي أضاف: "أسباب العودة إلى كوكب الزهرة لا حصر لها؛ فإذا "اختفت" إشارات الفوسفين بعد إجراء المزيد من عمليات الرصد والتحليل، فسوف يظل هناك عددٌ ضخم من الأسباب".

References

  1. Greaves, J. S. et al. Nature Astron. https://doi.org/10.1038/s41550-020-1174-4 (2020). | article
  2. Greaves, J. S. et al. Preprint at https://arxiv.org/abs/2011.08176 (2020). 
  3. Bains, W. et al. Preprint at https://arxiv.org/abs/2009.06499 (2020). 
  4. Seager, S. et al. Astrobiology https://doi.org/10.1089/ast.2020.2244 (2020). | article
  5. Villanueva, G. et al. Preprint at https://arxiv.org/abs/2010.14305 (2020).
  6. Mogul, R., Limaye, S. S., Way, M. J. & Cordova, J. A. Jr Preprint at https://arxiv.org/abs/2009.12758 (2020).