أنباء وآراء
ليس هذا كل شيء عن القواعد النووية
ثمة طفرة في جين C9orf72 تُعَدّ هي السبب الجيني الأكثر شيوعًا وراء الإصابة بمرضين من الأمراض التنكسية العصبية. وتشير وظيفة مناعية لبروتين C9orf72، اكتُشفَت حديثًا، إلى استراتيجية علاجية محتمَلة لهذه الأمراض.
- Nature (2020)
- doi:10.1038/d41586-020-02382-6
- English article
- Published online:
إن السبب الجيني الأكثر شيوعًا وراء الإصابة باضطرابين من الاضطرابات التنكسية العصبية، وهما التصلب الجانبي الضموري (ALS)، والخرف الجبهي الصدغي (FTD)، هو طفرة في الجين المُسمى C9orf72 (المرجع 11). تتضمن الطفرة توسيع جزء من الحمض النووي الريبوزي منزوع الأكسجين (DNA)، تتكرر فيه ست قواعد نووية؛ أربع قواعد جوانين، تتبعها قاعدتان سيتوزين، عدة مرات. وقد ركزت أبحاث كثيرة على الفرضية القائلة بأن هذا التغيير ينتج أحماضًا نووية ريبوزية (RNA)، أو بروتينات سامة للخلايا، غير أن تلك الطفرة تقلل أيضًا من كمية بروتين C9orf72 الطبيعي، الأمر الذي قد يسهم في الإصابة بالمرض. في دراسة نشرتها دورية Nature، يشير مكولي وزملاؤه2 إلى وجود آلية، من خلالها يؤدي إضعاف وظيفة C9orf72 إلى حدوث اختلال في الجهاز المناعي. وقد تفسِّر النتائج التي توصلوا إليها لماذا يبدو أن الأشخاص المصابين بمرضَي التصلب الجانبي الضموري، والخرف الجبهي الصدغي، ممّن لديهم طفرة في جين C9orf72 عُرضة للإصابة باضطرابات المناعة الذاتية3.
هناك سلالات عديدة من الفئران، ليس لديها بروتين C9orf72، ولا تظهر على هذه الفئران سمات تشبه الإصابة بالتصلب الجانبي الضموري، والخرف الجبهي الصدغي، بل يظهر عليها -بدلًا من ذلك- تضخم الطحال والعقد الليمفاوية، وكذلك اختلال متعدد مرتبط بالجهاز المناعي4-7. وقد افترض مكولي وزملاؤه أن هذا الاختلال المناعي ربما يكون ناجمًا عن فقدان وظيفة C9orf72 في مجموعة فرعية من الخلايا المناعية، تسمى الخلايا النقوية. وقد أكدوا هذه الفكرة من خلال إنتاج سلالة من الفئران، يكون فيها جين C9orf72 محذوفًا في الخلايا النقوية، وموجودًا دون تغيير في الخلايا الأخرى. وقد ظهر على هذه الفئران اختلال مماثل لما يحدث في الحيوانات التي تفتقر في الأصل إلى جين C9orf72.
مضى مكولي وزملاؤه في أبحاثهم، وتساءلوا: كيف يتسبب فقدان جين C9orf72 بالتحديد في هذا الاختلال المناعي؟ قاس الباحثون مستويات الحمض النووي الريبوزي في الخلايا المناعية للفئران التي تفتقر إلى جين C9orf72 تمامًا، ووجدوا زيادة مذهلة في الحمض النووي الريبوزي المرسال الذي يشفر كلًّا من بروتين إنترفيرون-بيتا من النوع الأول، والجينات المُحفَزة بالإنترفيرون (التي يتم تنشيط التعبير عنها بواسطة بروتينات الإنترفيرون) في الخلايا الطافرة، مقارنةً بالخلايا الضابطة. يُفرَز الإنترفيرون من النوع الأول بشكل طبيعي في الجسم للمساعدة على الوقاية من العدوى، عن طريق تعديل نشاط الجهاز المناعي. وبالتالي، تحدد هذه النتائج بدقة الخلل المناعي المحدد الناجم عن فقدان جين C9orf72؛ وهو زيادة استجابة الإنترفيرون من النوع الأول.
بعد ذلك حضَّر مكولي وزملاؤه مزرعة لخلايا مناعية مأخوذة من نخاع عظام فئران برية، وفئران لديها طفرة في جين C9orf72، وحفزوها بالعديد من المنشطات المعروفة لاستجابة الإنترفيرون من النوع الأول. وقد أحدثت جميع الجزيئات التي اختبروها تقريبًا استجابات مماثِلة في كل من الخلايا الطافرة، والخلايا الضابطة، لكنّ أحد هذه الجزيئات، وهو أحادي فوسفات الأدينوسين الحلقي (cGAMP)، تَسبَّب في تحفيز استجابة مفرطة للإنترفيرون من النوع الأول في الخلايا الطافرة. وأحادي فوسفات الأدينوسين الحلقي هو منشط لمسار الإشارات cGAS-STING، الذي يستشعر الحمض النووي مزدوج الشريط في سيتوبلازم الخلية كجزء من خط الدفاع الأول للجهاز المناعي ضد العدوى الفيروسية8.
إذًا، لماذا قد يؤدي فقدان وظيفة جين C9orf72 إلى زيادة نشاط بروتين محفز جينات الإنترفيرون (STING)؟ عادةً ما يتحلل بروتين محفز جينات الإنترفيرون بواسطة عملية خلوية، تسمى الالتهام الذاتي9، وتنظيم هذه العملية هو أحد وظائف جين C9orf72 (المرجع 1010). ولذلك، استنتج الباحثون أن تَحلُّل بروتين محفز جينات الإنترفيرون قد يكون به خلل في الخلايا المناعية التي تحمل طفرة في جين C9orf72 (الشكل 1). ودعمًا لهذه الفكرة، أوضحوا أن تَحلُّل بروتين محفز جينات الإنترفيرون قد تأخر في خلايا النخاع العظمي في الحيوانات التي تحمل طفرة في جين C9orf72، مقارنةً بالخلايا من الحيوانات البرية.
الشكل 1 | كيف يؤثر أحد بروتينات مرض التنكس العصبي على الخلايا المناعية. أ. كشف ماكولي وزملاؤه2 أن البروتين C9orf72 يعمل عادةً على تعزيز تَحلُّل بروتين آخر، هو بروتين محفز جينات الإنترفيرون (STING) في الخلايا المناعية التي تسمى الخلايا النقوية. ب. يَحدُث بعض الأمراض التنكسية العصبية بسبب طفرة في جينC9orf72 تنطوي على تكرار غير طبيعي لسلسلة من ست قواعد نووية (تسمى GGGGCC). تنتج الطفرة أحماضًا نووية ريبوزية، وبروتينات محتملة السمية، وتقلل من مستويات C9orf72. يوضح الباحثون أن انخفاض مستويات C9orf72 يؤخر تَحلُّل محفز جينات الإنترفيرون، مما يؤدي إلى تحسين نشاط محفز جينات الإنترفيرون. ويعزز محفز جينات الإنترفيرون التعبير عن الجين الذي يشفر بروتين الإنترفيرون-بيتا من النوع الأول، والذي ينشط الجينات المُحفَّزة بالإنترفيرون التي تشارك في الاستجابة المناعية. قد تكون الاستراتيجيات العلاجية المُستخدَمة لتثبيط محفز جينات الإنترفيرون فعالة ضد الاختلال المرتبط بالمناعة التي تُسَبِّبها طفرات جين C9orf72 (غير معروضة).
كبر الصورةوتطرح هذه النتائج احتمالية أن تقليل نشاط بروتين محفز جينات الإنترفيرون يمكنه القضاء على الاختلال المرتبط بالنقص في جين C9orf72. قام مكولي وزملاؤه بتثبيط نشاط محفز جينات الإنترفيرون في الفئران، والخلايا التي تفتقر إلى جين C9orf72، وذلك باستخدام الأدوية، أو بإدخال طفرة في الجين الذي يشفر محفز جينات الإنترفيرون. وقد نجحت هذه الأساليب في استعادة الاستجابات الطبيعية للإنترفيرون من النوع الأول، وحجم الطحال الطبيعي في الفئران ذات الطفرات. ومن ثم، فقد حدد عمل مكولي وزملائه محفز جينات الإنترفيرون كهدف علاجي محتمل.
وأخيرًا، طبَّق المؤلفون النتائج التي توصلوا إليها على مرض التصلب الجانبي الضموري في البشر. وعندما أجروا تسلسل الحمض النووي الريبوزي على خلايا مأخوذة من مرضى التصلب الجانبي الضموري، الذين يحملون طفرات في جين C9orf72، وجدوا علامات استجابة مرة أخرى محسَّنة للإنترفيرون من النوع الأول. وقد أوضح الباحثون كذلك أن هذه الاستجابة تتم -جزئيًّا على الأقل- بتدَخُّل من محفز جينات الإنترفيرون، لأن العلاج بمثبط كيميائي لمحفز جينات الإنترفيرون قد أدى إلى تثبيط هذه الاستجابة المحسَّنة للإنترفيرون. وقد تساعِد هذه النتائج على تفسير سبب زيادة تمثيل طفرات جين C9orf72 في العدد المحدود من الأشخاص المصابين بمزيج من التصلب الجانبي الضموري، والتصلب المتعدد الذي يُعَد من اضطرابات المناعة الذاتية، مقارنةً بإجمالي الأشخاص المصابين بالتصلب الجانبي الضموري ككل11.
تطرح النتائج التي توصل إليها مكولي وزملاؤه أيضًا احتمالًا مثيرًا للاهتمام، هو أن تثبيط محفز جينات الإنترفيرون دوائيًّا قد يعمل على تقليل خطر الإصابة بأمراض المناعة الذاتية لدى المصابين بمرض التصلب الجانبي الضموري. وفي الواقع، تم تطوير مثبطات لمحفز جينات الإنترفيرون، تتسم بأنها ذات جزيئات صغيرة، وتُظهر النماذج قبل الإكلينيكية للأمراض الالتهابية الذاتية أنها آمِنة وفعالة12.
ونظرًا إلى أن دراسات عديدة تشير إلى أن إنتاج الأحماض النووية الريبوزية أو البروتينات السامة يتم عن طريق توسيع تكرار الجين C9orf72، فقد ركّز قَدْر كبير من العمل على تقليل مستويات هذه النواتج. وعلى سبيل المثال، أظهرت جزيئات أوليجو نيوكليوتيدات المضادة للإحساس (وهي أحماض نووية قصيرة، ترتبط بالأحماض النووية الريبوزية المحتوية على تكرار الجين C9orf72، وتحفز تحللها) نتائج واعدة في الدراسات قبل الإكلينيكية13،7. تُجرى في الوقت الحالي تجربة إكلينيكية على أحد هذه الجزيئات في الأشخاص المصابين بمرض التصلب الجانبي الضموري (انظر: go.nature.com/3g0cpat). وإذا نجحت التجربة، فستكون مثيرةً للاهتمام معرفةُ ما إذا كان تعزيز مستويات جين C9orf72 الطبيعي، أو تخفيف آثار وظيفة C9orf72 المُختزَلة، ربما عن طريق استهداف مسار محفز جينات الإنترفيرون، ستكون له فوائد إضافية، أم لا.
References
- Taylor, J. P., Brown, R. H. & Cleveland, D. W. Nature 539, 197–206 (2016). | article
- McCauley, M. E. et al. Nature 585, 96–101 (2020). | article
- Miller, Z. A. et al. Neurol. Neuroimmunol. Neuroinflamm. 3, e301 (2016). | article
- O’Rourke, J. G. et al. Science 351, 1324–1329 (2016). | article
- Atanasio, A. et al. Sci. Rep. 6, 23204 (2016). | article
- Burberry, A. et al. Sci. Transl. Med. 8, 347ra93 (2016). | article
- Jiang, J. et al. Neuron 90, 535–550 (2016). | article
- Ablasser, A. & Chen, Z. J. Science 363, eaat8657 (2019). | article
- Prabakaran, T. et al. EMBO J. 37, e97858 (2018). | article
- Sullivan, P. M. et al. Acta Neuropathol. Commun. 4, 51 (2016). | article
- Ismail, A. et al. J. Neurol. Neurosurg. Psychiatry 84, 79–87 (2013). | article
- Haag, S. M. et al. Nature 559, 269–273 (2018). | article
- Lagier-Tourenne, C. et al. Proc. Natl Acad. Sci. USA. 110, E4530–E4539 (2013). | article
أوليفيا جوتييه، وآرون دي. جتلر يعملان في قسم علم الوراثة بكلية الطب في جامعة ستانفورد، مدينة ستانفورد، كاليفورنيا 94305، الولايات المتحدة الأمريكية.
البريد الإلكتروني: agitler@stanford.edu