صندوق الأدوات
كيفية تحويل دفاتر المختبرات الورقية إلى صيغ رقمية
يوفِّر تحويل السجلات الورقية إلى صيغ رقمية نسخًا احتياطية آمنة، يمكن للباحثين الوصول إليها من أي مكان.
- Nature (2020)
- doi:10.1038/d41586-020-02728-0
- English article
- Published online:
Illustration by The Project Twins
عندما تسببت جائحة كورونا في إغلاق جامعة مينيسوتا في مدينة سانت بول، بحث فريق مختبر ليندا كينكل -عالمة أمراض النبات- في المهام التي يمكنه القيام بها من المنزل. وأدرك أفراد الفريق أن هناك مهمة بعينها، كانوا يرغبون في تنفيذها منذ أَمَدٍ، ألا وهي تحويل مجموعة دفاتر مختبرهم الورقية، التي يعود عمرها إلى ثلاثين عامًا مضت، إلى صيغة رقمية. وحول ذلك.. يقول أندرو مان الخبير التقني للفريق: "كانت جائحة «كوفيد-» هي ما دفعنا إلى الالتزام بتحويل دفاتر المختبر إلى صيغة رقمية"، معللًا ذلك بقوله: "كان كل منا وحده، ويحتاج إلى الوصول إلى بيانات تجارب الطلاب السابقين لكتابة طلبات المنح، والتخطيط لتجاربنا القادمة".
تقوم الفرق البحثية بتحويل دفاترها القديمة من مختبراتها إلى صيغ رقمية لعدة أسباب، إذ يمكن نَسْخ السجلات الرقمية احتياطيًّا، بحيث لا تتأثر بالفيضانات، أو الحرائق، كما تُشفَّر لحمايتها من السرقة. ولا تتطلب السجلات الرقمية مساحة مادية فعلية، ويمكن للعديد من أعضاء الفريق البحثي استخدامها في الوقت نفسه من مواقع مختلفة. ومسح النصوص ضوئيًّا يتيح قراءتها، والوصول إليها، وأرشفتها. وإذا كان البرنامج المستخدَم لذلك يتضمن تقنية التعرف الضوئي على الرموز (OCR)، فيمكن -بوجه عام- البحث في النص المكتوب الذي يجري مسحه ضوئيًّا. ورغم ذلك، لا تخلو تقنية التعرف الضوئي على الرموز من الأخطاء. ولهذا يحتاج النص الناتج عنها غالبًا إلى تصحيحه يدويًّا.
ويقوم بعض الباحثين بمسح الدفاتر ضوئيًّا باستخدام تطبيقات الهواتف الذكية، أو أجهزة مسح ضوئي، في حين يعهد باحثون آخرون بهذا العمل إلى شركات متخصصة. وفي ذلك الصدد، يقول جان كاهيل، مدير التسويق في شركة "كليرداتا"Cleardata ، الواقعة بالقرب من مدينة نيوكاسل أبون تاين بالمملكة المتحدة، التي تقوم بتحويل الكتب والوثائق إلى صيغ رقمية: "يشهد الإقبال على تحويل النصوص إلى صيغ رقمية ازديادًا، خاصة بعد جائحة كوفيد". ويقول مان إن إغلاق المختبرات بسبب القيود التي فرضتها الجائحة قد سلط الضوء على فوائد إتاحة المستندات عن بُعد لكل عضو في الفريق في الوقت نفسه. أما جلين لوكوود، عالِم الكمبيوتر في مختبر لورانس بيركلي الوطني في مدينة بيركلي بولاية كاليفورنيا، فيرى أن تحويل النصوص إلى صيغة رقمية هو خطوة تؤمِّن لمتخذيها راحة البال. ويضيف قائلًا: "إنها تساعدني على النوم بشكل أفضل ليلًا ".
استخدام ذكي للهواتف الذكية
اتبع مان وزملاؤه نهجًا بسيطًا في تحويل دفاتر مختبرهم الورقية القديمة إلى صيغة رقمية؛ ألا وهو استخدام هواتفهم الذكية. تتضمن مجموعة دفاتر مختبر الفريق عشرات الدفاتر المُجلدة، التي تتسم بحجم قياسي، وأوراق صفراء، وأغلفة حمراء. وقد أخذ كل عضو في الفريق بعضًا من هذه الدفاتر إلى منزله عندما أُغلِقَ المختبر مع بداية القيود التي فرضتها الجائحة. صحيحٌ أن عملية مسح كل صفحة ضوئيًّا باستخدام هاتف ذكي ليست سريعة، لكن نظرًا إلى أن كل عضو في المختبر يملك هاتفًا ذكيًّا، فقد جرت العملية بكفاءة؛ ولم يَعُد هناك طابور من أشخاص ينتظرون الوصول إلى جهاز مادي بعينه. وكل المطلوب هو بعض الوقت، وحسبما يقول مان: "يحتاج كل دفتر إلى بضع ساعات فحسب لتحويله إلى صيغة رقمية".
عند اختيار تطبيق مسح ضوئي، فإن من أهم الاعتبارات التي تدخل في ذلك الاختيار موثوقية برنامج التعرف الضوئي على الرموز، وكذلك قدرته على تمييز سمات اللغات الفريدة، إذا كان يحتوي على هذه الميزة. وحتى مع استخدام برنامج يبلغ معدل دقته 98%، لا يزال من الممكن أن تنتج صفحة واحدة مطبوعة تتضمن ألفي حرف حوالي 40 خطأً، لا بد من تصحيحه يدويًّا. ومما يجب وضعه في الاعتبار أيضًا: مدى قدرة التطبيق على قصّ الصور تلقائيًّا، وما إذا كان يمكن تعديل هذه الصور يدويًّا بسهولة بعد التقاطها مباشرة، أم لا. وأحد الخيارات الرائجة في ذلك الصدد هو برنامج "أدوبي سكان" Adobe Scan، الذي يقدم تقنية التعرف الضوئي على الرموز بتسع عشرة لغة، من بينها الإنجليزية، والإسبانية، واليابانية، والكورية، بالإضافة إلى الحروف الصينية التقليدية والمبسطة. وهو تطبيق مجاني، ومتاح لأنظمة تشغيل "أندرويد" Android، و"أبل آي أو إس" Apple iOS.
ويستخدم مان تطبيقًا مجانيًّا تتيحه شركة "أبل" لنظام تشغيل "آي أو إس" فقط، وهو تطبيق "نوتس" Notes، الذي لا يوفر تقنية التعرف الضوئي على الرموز، لكنه يسمح بقصّ الصور الناتجة عن المسح الضوئي على جهاز كمبيوتر. ويسمح أحد الإعدادات في التطبيق بإجراء عمليات مسح ضوئي، وحفظ النتيجة تلقائيًّا، لكن عند الانتقال إلى الإعداد اليدوي، يمكن للمستخدِم قص كل صورة ناتجة عن المسح الضوئي قبل حفظها في ملف قيد الاستخدام، وهو خيار عملي بدرجة أكبر، مقارنةً بفعل ذلك في وقت لاحق. ومن بين التطبيقات المجانية الأخرى: "مايكروسوفت أوفيس لينز" Microsoft Office Lens، و"جينياس سكان"Genius Scan، وكلاهما متاح لنظامَي تشغيل "أندرويد"، و"آي أو إس"، ويتمتعان بتقنية التعرُّف الضوئي على الرموز. كما يمكن أن يدفع المستخدمون رسومًا للحصول على التطبيقات التي تخدم هذا الغرض، والتي يتميز بعضها باحتوائه على تقنية التعرُّف الضوئي على الرموز بعدد أكبر من اللغات.
ويحفظ الفريق كل دفتر ورقي في صيغة ملف "بي دي إف" PDF. وقد وجد مان أن إنتاج نص مقروء من مسح الصفحتين الأولى والأخيرة ضوئيًّا أصعب باستخدام هاتف ذكي، وسبب ذلك هو أن كعب الدفتر يكون كبيرًا، بحيث يَحُول دون مسح هاتين الصفحتين ضوئيًّا وهما في وضع منبسط. ويضيف مان أن الملفات الناتجة لا يمكن تصفُّحها بسهولة، بسبب افتقارها إلى علامات التبويب المادية الموجودة في الدفاتر الورقية.
مشاق التحويل إلى صيغة رقمية
على الرغم من بساطة مسْح النصوص باستخدام الهواتف الذكية، اشترى لوكوود ماسحًا ضوئيًّا يعمل على جهاز كمبيوتر سطح مكتب، لإدارة مشروعه لتحويل النصوص إلى صيغ رقمية. وكعالِم كمبيوتر، كانت سجلاته رقمية لسنوات، لكنه احتفظ بدفاتر توثِّق بدقة بعض التفاصيل أثناء مشروع تَخَرُّجه في تخصُّص عِلْم المواد. يقول لوكوود: "عندما كنت طالبًا، تدربتُ على التأكد من صحة كل شيء من حيث مصدره، وحقوق الملكية الفكرية الخاصة به". وهذا عَنِيَ امتلاك دفاتر مختبرات فعلية، ونسخ كربونية منها، كل صفحة بها مُوَقَّعة ومؤرَّخة. ولا تزال النسخ الأصلية من هذه الدفاتر موجودة لدى المختبر الذي تخرَّج فيه، امتثالًا لسياسة المؤسسة، لكنّ لوكوود احتفظ بالنسخ الكربونية منفردة، وكان ينقلها معه من شقة إلى أخرى لسنوات، بيد أنه قرر أن يكون مسحُها ضوئيًّا هو مشروعه الذي يقضي فيه وقت المساء وعطلات نهاية الأسبوع، حتى يتمكن أخيرًا من التخلص من الدفاتر الورقية، وهي مهمة لم يفرغ منها بعد.
يمكن للماسحات الضوئية التي تعمل على أجهزة كمبيوتر سطح المكتب، أو الطابعات التي تتضمن ميزة المسح الضوئي، أنْ تكلِّف ما بين 200 و600 دولار أمريكي. ومن هنا، فإن لوكوود، الذي دفع حوالي 200 دولار أمريكي مقابل ماسح ضوئي من نوع "براذر إم إف سي إل2750دي دبليو" Brother MFC L2750DW مزود بوحدة أوتوماتيكية لتلقيم الماسح بالمستندات، يوصي بإجراء عملية المسح الضوئي بالألوان، وبأعلى دقة صورة ممكنة يمكن لجهازك إنتاجها، التي بلغت باستخدام ماسحه الضوئي 600 نقطة لكل بوصة (dpi). ويقول لوكوود: "لا جدوى من محاولة التوفير لدى شراء هذه الأجهزة". وقد كان بعض ملاحظاته مكتوبًا بقلم رصاص على دفتر ذي أوراق غير سميكة، ولم تكن ملاحظاته مقروءة عند استخدام أجهزة مسح تنتج صورًا أقل دقة. ونظرًا إلى أن ملاحظاته مكتوبة بخط اليد، فلا تُعتبر تقنية التعرف الضوئي على الرموز ذات فائدة كبيرة، وتكون الملفات الناتجة كبيرة، إذ تستهلك عملية المسح الضوئي لدفتر واحد مؤلَّف من 116 صفحة ما يقرب من 190 ميجا بايت.
ويقول لوكوود إنه عندما تكون الصفحات متماثلة ومتساوية في الحجم، تستغرق عمليات المسح بضع دقائق، لكنْ ما يمكن أن يعقِّد العملية هو المواد المتصلة بالدفاتر بشريط لاصق، وأحجام الصفحات غير المتساوية، وهو ما يجعل العملية تتطلب المزيد من التدخل اليدوي. ويعلق على ذلك قائلًا: "اتضح أنها عملية تتطلب مجهودًا أكبر بكثير مما كنتُ أتوقع".
استخدَمت عالمة الأحياء التطورية كيلي سميث ومجموعتها طابعة «ريكو إم بي سي 4503» (Ricoh MP C4503)، وهي آلة تصوير وطابعة في آن واحد، بغرض تحويل بيانات عن بروتوكولات وتجارب رئيسة إلى صيغة رقمية، وذلك عندما نقلت مختبرها إلى جامعة ملبورن بأستراليا قبل عام، لأنها اضطرت إلى ترك النسخ الورقية في المؤسسة التي كانت تعمل فيها سابقًا، بيد أنها منذ أن نقلت مختبرها إلى جامعة ملبورن، توقف المختبر عن استخدام الدفاتر الورقية، وبدلًا من ذلك، صار يستخدم نظامًا إلكترونيًّا تقدِّمه شركة "لاب أركايفز" LabArchives، الواقعة في كارلسباد بولاية كاليفورنيا. وتقول سميث عن ذلك: "من الرائع أنْ يستطيع المرء مشاركة البيانات، والوصول إليها فورًا".
خدمات المسح الضوئي للنصوص، وتسليمها
إنّ شركات المسح الضوئي، مثل "كليرداتا"، و"إي ريكوردز يو إس إيه" eRecordsUSA الواقعتَين في فريمونت بولاية كاليفورنيا، وشركة "ديجيسكرايب" Digiscribe التي تقع بالقرب من مدينة وايت بلاينز بولاية نيويورك، توفر خيارًا ثالثًا لتحويل النصوص إلى صيغ رقمية، إذ تقدِّم هذه الشركات عادةً تقنية التعرف الضوئي على الرموز، وخدمات مُكمِّلة، مثل مراقبة الجودة، وإرفاق البيانات الوصفية، والتمزيق السري للدفاتر الورقية الأصلية، والتخلص منها.
وعلى سبيل المثال، تضطلع شركة "إي ريكوردز يو إس إيه" بمسح مواد مختلفة ضوئيًّا، بداية من الكتب التاريخية، والوثائق الشخصية، إلى قوائم المعروضات التي تتيحها المجلات على صفحاتها الأخيرة، حسب قول بانكاج شارما، المالك الشريك للشركة. وتتولى الشركة حوالي 12 مشروعًا سنويًّا، بمتوسط 150 كتابًا لكل مشروع، لكنْ بإمكانها إجراء مسح ضوئيّ لما يصل إلى 1500 مادة لكل طلب. ويوصي شارما بإجراء عمليات المسح الضوئي بالألوان، وبدقة صورة تبلغ 300 نقطة لكل بوصة.
ونظرًا إلى أن شركة "إي ريكوردز يو إس إيه" تتعامل بشكل أساسي مع الوثائق التاريخية، فلديها معدات مصمَّمة خصيصًا للتجليد برفق، منها ماسح ضوئي على شكل حرف "V"، يمنع فتح الكتاب بالكامل وتَمزُّقه، وماسح ضوئي علوي. وكل صفحة مرفق بها غرض مطوي، أو مُدَبَّس، أو ملصق، تُمسَح ضوئيًّا مرتين: مرة وهو في وضعه الأصلي، ومرة أخرى بعد فتح الغرض، أو قلبه. ويُجْرِي أحد الموظفين عملية مقارنة لكل صفحة مع مثيلتها في النسخة الأصلية، بهدف مراقبة الجودة. وحول ذلك يقول شارما: "معظم الكتب مكتوب بخط اليد. ولم نجد أن تقنية التعرف الضوئي على الرموز فعالة بدرجة كبيرة".
تختلف تكلفة اللجوء إلى خدمات مثل هذه الشركات باختلاف عوامل معينة، من بينها المدة الزمنية المُقررة لتحويل الدفتر الورقي إلى صيغة رقمية، وأَبعاده، وعدد الصفحات به، ونوع تجليده، وما إذا كان الدفتر يحتوي على صفحات غير متصلة به، أو غير متماثلة. ويقدِّم بعض الشركات خصومات على المشروعات كبيرة الحجم، فعلى سبيل المثال، تقوم شركة "إي ريكوردز يو إس إيه" بتحويل أحد الكتب كعيِّنة إلى صيغة رقمية، من أجل اعتماد هذه العينة، قبل الشروع في العمل على باقي الكتب.
يقول شارما إنه يمكن للشركة معالجة المعلومات السرية، مثل بيانات الرعاية الصحية، والوثائق المالية، وسجلات التقاضي. ويقدِّر شارما أن دفتر مختبر بالحجم القياسي، يتكون من مائة صفحة، قد يكلف ما بين 75 إلى 100 دولار أمريكي. أما كاهيل، فيقول إن شركة "كليرداتا" تقوم بسمح حوالي 5 ملايين صورة ضوئيًّا إجمالًا كل شهر، بما في ذلك دفاتر المختبرات، وأغراض أخرى. ويمكن للشركة إصدار النسخ الناتجة عن المسح الضوئي بأي صيغة ملف مطلوبة، سواء أكانت "بي دي إف" PDF، أم "جي بي إي جي" JPEG، أم "تي آي إف إف" TIFF، وبأي دقة صورة (الإعداد الافتراضي هو 300 نقطة لكل بوصة). كما يتولى شخصان فحص كل مستند لمراقبة الجودة. وتقدِّم الشركة أيضًا خدمة جمْع المستندات وتعبئتها. ويقول كاهيل إنه عند اكتمال عملية التحويل إلى صيغة رقمية: "يمكن إعادة الدفاتر أو تخزينها في منشأة أرشفة آمنة تابعة لنا، أو إتلافها باستخدام معدات التمزيق الصناعية".
وتتراوح تكلفة خدمة التحويل إلى صيغة رقمية ما بين 25 إلى 200 جنيه إسترليني لكل كتاب، بناءً على خصائص المادة نفسها، وما إذا كانت عمليات المسح الضوئي ستكون بالألوان، أم بالأبيض والأسود. والحد الأدنى لتكلفة الطلب في شركة "كليرداتا" هو 500 جنيه إسترليني (ما يوازي 645 دولارًا أمريكيًّا).
وبالنسبة إلى مان، فقد أتاح له المسح الضوئي للدفاتر القديمة في المختبر الذي يعمل به فائدة لم يكن يتوقعها. وتجدر الإشارة إلى أن مان عضو جديد بفريقه البحثي، حيث بدأ عمله في شهر فبراير الماضي، أي قبل أن يتسبب الوباء في غلق المختبر مباشرة. وقد كشفت له قراءة هذه الدفاتر أفكارًا ربما لم يكن ليحصل عليها من أوراق الفريق البحثية. ومن هنا، يقول: "كان من اللطيف نوعًا ما الاطلاع على جميع دفاتر المختبر التي تخص كل هؤلاء الأشخاص الذين لم ألتقِ بهم قط، وأنْ أتصفح فعليًّا كل صفحة على حدة. أشعر أنني بذلك أكون أكثر دراية بموضوع الأبحاث".
آنّا نوجرودزكي صحفية مقيمة في بوسطن بولاية ماساتشوستس.