أخبار

عالِمتان رائدتان في تقنية «كريسبر» تقتنصان جائزة نوبل في الكيمياء

إيمانويل شاربنتييه وجينيفر داودنا تتقاسمان جائزة نوبل في الكيمياء لهذا العام، لتطويرهما تقنية تحرير الجينوم "كريسبر-كاس9".

هايدي ليدفورد وإوين كالاوي
  • Published online:
جينيفر داودنا وإيمانويل شاربنتيه.

جينيفر داودنا وإيمانويل شاربنتيه.

REUTERS / Alamy Stock Photo

إنها تقنية "كريسبر"! ذهبَتْ جائزة نوبل في الكيمياء هذا العام إلى عالِمتين من روَّاد هذه التقنية، التي أحدثت ثورةً في مجال تحرير الجينوم.

وقع اختيار لجنة الجائزة على الفرنسيَّة إيمانويل شاربنتييه، التي تشغل حاليًا منصب مدير وحدة أبحاث المُمرضات بمعهد "ماكس بلانك" في برلين، والأمريكية جينيفر داودنا، الباحثة بجامعة كاليفورنيا في بيركلي، لتتقاسما جائزة نوبل في الكيمياء لعام 2020. وهكذا، أُسدِل الستار على سنواتٍ من الحدس والتخمين بشأن العُلماء الذين سوف يقع عليهم الاختيار لمكافأتهم عن إسهاماتهم في تطوير أدوات التحرير الجيني القائمة على تقنية "كريسبر-كاس9" CRISPER-Cas9.

وبالإضافة إلى شاربنتييه وداودنا، تردَّدت أسماء العديد من العلماء الذين قدَّموا إسهامات مهمَّة في تطوير تقنية "كريسبر"، ومنهم مَن حصد جوائز مرموقة في هذا الميدان. من هؤلاء فينج تشانج، عالم الكيمياء بمعهد برود البحثي التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة هارفارد في مدينة كامبريدرج بولاية ماساتشوستس الأمريكية، وجورج تشيرش، الباحث بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وفيرجينيوس سيشنيس، عالم الكيمياء الحيوية بجامعة فيلنيوس الليتوانية.

كانت داودنا "غارقةً في النوم"، حين أيقظها صوت الهاتف، فنهضَتْ من توِّها لترى مَن المتصل في تلك الساعة، فإذا به مراسل دورية Nature يزفُّ إليها خبر فوزها بالجائزة.

تقول داودنا: "لقد نشأت في بلدة صغيرة بولاية هاواي، ولم أكن لأتخيَّل أن هذا سوف يحدث، ولو بعد ملايين السنين. يا لها من مفاجأة! إنني في حالة ذهولٍ تام".

وأضافت: "أعرف الكثيرين من العلماء الرائعين الذين لن يحوزوا هذه الجائزة، لأسبابٍ لا تنفي كونهم علماء رائعين. إنه لشرفٌ كبير حقًا".

البكتيريا هي نقطة الانطلاق

"كريسبر" هو الاسم المختصر لما يُعرف بالتكرارات العنقودية المتناوبة منتظمة التباعد، التي هي بمثابة "جهاز مناعة" جرثومي، تعتمد عليه البكتيريا، والعتائق، وبدائيات النويّ في منع الإصابة بالفيروسات التي يُطلق عليها العاثيات. وفي الأصل، يمنح "كريسبر" بدائيات النويّ القدرة على التعرُّف على التسلسلات الجينية المحدَّدة التي تتوافق مع العاثيات، أو غيرها من التسلسلات الغريبة، ومن ثم يستهدف هذه التسلسلات، ويقضي عليها، مستعينًا بإنزيمات متخصصة.

وكانت الأبحاث العلمية السابقة قد تمكنت من تحديد هذه الإنزيمات، التي تُعرف بالبروتينات المرتبطة بكريسبر (ويُشار إليها بالاختصار "كاس")، ومن بينها بروتين يُطلق عليه "كاس9". غير أن شاربنتييه، التي بدأت حياتها العملية في جامعة فيينا، قبل أن تنتقل لاحقًا للعمل بمركز يوميا لأبحاث الميكروبات في السويد، تمكنت من اكتشاف مكوِّن آخر من المكوِّنات الأساسية لنظام "كريسبر"، وهو جزيء الحمض النووي الريبي الذي يُسهم في التعرُّف على التسلسلات الفيروسية في نوعٍ من البكتيريا يُعرف بالمكورات العقدية المقيحة Streptococcus pyogenes، الذي يمكن أن يتسبب في إصابة الإنسان بالأمراض.

سجَّلت شاربنتييه اكتشافها في عام 2011، وهو العام الذي شهد بدء التعاون بينها وبين داودنا. وفي دراسة محوريَّة، نشرَتها مجلة "ساينس" Science عام 2012، أقدمت الباحثتان على تعديل نظام "كريسبر-كاس9"، بحيث يعمل داخل أنبوبة اختبار. وكشفت التجربة عن إمكانية برمجة هذه التقنية على النحو الذي يُتيح قطع مواقع محدَّدة في جزيئات الحمض النووي التي أمكن عزلها. فتحت تقنية التحرير الجيني القابلة للبرمجة الباب واسعًا أمام عددٍ لا حصر له من التطبيقات، في الطب والزراعة والعلوم الأساسية، فضلًا عن أنها تعد معين لا ينضب لتعديل وتحسين نظام "كريسبر"، ولاكتشاف أدوات أخرى للتحرير الجيني.

إعادة كتابة الشفرة الجينية

في تصريحٍ أدلى به مارتن يينِك، اختصاصي الكيمياء الحيوية في جامعة زيورخ، الذي كان باحثًا في مرحلة ما بعد الدكتوراة في مختبر داودنا حين شارك في دراسة "ساينس" المذكورة كمؤلف مشارِك أوَّل، قال: "كنا نتطلع حينها إلى أن نتمكَّن حقًا من تحويل هذا التطوُّر إلى تقنية من شأنها إعادة كتابة الشفرة الجينية للخلايا والكائنات الحية". واستدرك قائلًا: "ومع ذلك، ففي اعتقادي أنَّ الأمر الذي لم نُحسن تقديره هو مدى سرعة التفات الباحثين المتخصصين في المجال إلى هذه التقنية، وتبنِّيهم إيَّاها، ومن ثم العمل على تطويرها".

على مدار السنوات القليلة المنقضية، كانت تقنية "كريسبر" حاضرةً في توقُّعات الفوز بجائزة نوبل، وأما السؤال عن العالِم الذي سوف يحصد الجائزة، فقد بقي مثارًا للجدل. صحيحٌ أن لداودنا وشاربنتييه، وزملائهما، دورًا مفصليًا مبكرًا في رسم معالم هذه التقنية، إلا أن هناك العديد من الباحثين الذي كانت لهم إسهامات جوهرية في تعديل التقنية على النحو الذي يُتيح الاستعانة بها في التعامل مع خلايا الثدييات، فاتحين بذلك الباب أمام نمذجة الأمراض البشرية، وربما علاجها مستقبلًا.

ومع ذلك، يرى تشيرتش أن الجائزة قد ذهبَتْ إلى مَن يستحق. إنه يفخر بعمله في مختبره الخاص، ومختبر تشانج، غير أن هذا العمل –على حدِّ وصفه- أقرب إلى الهندسة والابتكار منه إلى الاكتشاف العلمي. ومُشيرًا إلى اختيار لجنة الجائزة لشاربنتييه وداودنا، يقول: "أعتقد أنه اختيارٌ في محلِّه تمامًا".