رؤية كونية
من أجل توسيع فائدة مشروع مسبار الأمل وبرامج الفضاء العربية
إنّ مسبار المريخ الإماراتي هو مجهود تاريخيّ مذهل، ولكنْ بإمكانه أن يمثّل نقطة تحوّل نوعيّة فعلًا.
- Nature (2020)
- doi:10.1038/d41586-020-02096-9
- English article
- Published online:
نضال قسّوم
مع انطلاق مهمة "مسبار الأمل" إلى المريخ، الذي انطلق مساء يوم 19 يوليو 2020 (بالتوقيت العالمي)، استطاعت الإمارات العربية المتحدة أن تخط اسمها بجرأة وسط قائمة الدول التي ترتاد الفضاء، لأنّ تخطيط وتنفيذ مثل هذه المهمّة في غضون ستّ سنوات فقط لهو إنجاز رائع استحوذ على اهتمام ومخيّلة الناس في المنطقة. وهذا الأمر يوجب على جامعات العالم العربيّ كلّها أن تكون على أهبة الاستعداد لتحقيق أقصى استفادة مما يوشك مسبار الأمل أن يزوّدها به من فرص. وفي الوقت الحالي، نجد أن الغالبية العظمى من الشباب الشغوفين ممن تابعوا إطلاق المسبار عبر الإنترنت وعلى هواتفهم الذكية، وراقهم الولوج في درب علوم الفضاء، سوف يضطرّون إلى دراسة ذلك في الخارج، إذا قرروا التخصص في هذا المجال، لأن العالم العربيّ لا يوفّر إلا فرصًا تعليميّة قليلة في مجالات الفيزياء الفلكية أو علوم الفضاء.
في الوقت الحاضر، لا يوجد في دول العالم العربي الاثنتين والعشرين إلا بضعة برامج جامعيّة في علم الفلك أو علوم الفضاء أو الفيزياء الفلكية، بل ويوجد عدد أقلّ في برامج الدراسات العليا. وبصفتي أستاذًا في الفيزياء وعلم الفلك، اعتدتُ على رؤية غالبية الطلاب يغادرون بلداننا العربية لمتابعة دراساتهم العليا في العلوم التطبيقية غالبًا، وليس في العلوم الأساسيّة، مثل الفيزياء الفلكيّة. وإذا تمكّن مشروع مسبار الأمل من تغيير هذا التوجّه، فسوف يكون إنجازًا أكبر وأطول أمدًا واستدامة من الوصول إلى كوكب المريخ وإجراء أبحاث عالية الجودة هناك.
في وقت سابق من شهر يوليو الجاري، شاركتُ في ندوة بعنوان "لماذا تُنفَق الأموال على علوم الفضاء؟" في مؤتمر الأبحاث والابتكار، الذي عقدته مؤسسة فاي للعلوم بعمّان، الأردن، وكانت هذه الندوة تركز على العالم العربيّ. لم تكن مناقشة هذا الموضوع هي الأولى من نوعها، ولن تكون الأخيرة. ورغم أنّ مسبار الأمل قد شحذ فكرة استكشاف الفضاء، فإنّني مضطرٌّ دائمًا للدّفاع عن حاجة الدول العربية إلى الإقدام على علوم الاستكشاف، التي لا يوجد فيها تطبيق مباشر، أو لا تعود بفائدة ماديّة مباشرة وسريعة على حياتنا. وحتى عندما أشير إلى أنّ ميزانيات مشروعات الفضاء تتضاءل، بالمقارنة بالميزانيات العسكرية، أو الإنفاق الشخصيّ الترفيّ، فإنّ الردّ الذي أتلقاه كثيرًا هو: "إن الخطأ لا يعالج الخطأ"، فإذا أردنا توسيع ونشر الاهتمام بعلوم الفلك والفضاء في عالمنا العربي، فإننا سنحتاج إلى تناول هذا الطرح النفعي السائد.
لقد اشتهر الخطاب الذي أعلن فيه الرئيس الأمريكي جون كينيدي في عام 1962 نيّة بلاده الهبوط على سطح القمر، والذي اشتهر بالجملة "لقد اخترنا الذهاب إلى القمر لكونه صعب المنال"، والنجاح الذي توّج به مشروع أبولو في يوليو 1969، لكن نتيجته الأكبر كانت أنه ألهم ملايين الأمريكيين، ودفع الآلاف إلى التوجّه إلى العلوم. وكرر التاريخ نفسه عندما صرّح رئيس الوزراء الإماراتي محمد بن راشد آل مكتوم في عام 2014 أن "الوصول إلى المريخ هو تحدّ كبير.. واخترنا هذا التحدي، لأن التحديات الكبيرة تحرِّكنا.. وتدفعنا.. وتلهمنا.. ومتى ما توقفنا عن خوض تحديات أكبر.. توقفنا عن الحركة إلى الأمام".
وهكذا، إذا تمكنّا (سويًّا) من إقناع عدد من الطلبة في العالم العربيّ الى التوجه نحو العلوم الأساسية (غير التطبيقية)، فسوف تكون هذه نقلة نوعية في منطقة تجذب فيها الوظائف في الجيش أو القطاع العام -في الغالب- كثيرًا من الشباب، حيث الرواتب أفضل مما يحصل عليه العاملون في القطاعين الأكاديميّ، والخاص، اللذين تكون ظروف العمل فيهما مرهقة وغير مضمونة.ولخلق وعي جديد لدى الجيل الناشئ، يقوم أفراد فريق مشروع مسبار الأمل بإنشاء العديد من برامج التوعية والتشجيع للشباب، كي ينخرطوا في علوم الفضاء والفلك. وخلال زياراتهم العديدة للمدارس والجامعات، وعروضهم الفضائية الملهمة، يشجّعون الطلاب على النظر في الانخراط في أبحاث وتكنولوجيا الفضاء، أو العلوم الأخرى، إضافةً إلى ما يفعلون تجاه الجمهور العام عبر وسائل الإعلام التقليدية، ومنصّات التواصل الاجتماعيّ.
إنّ هذه أمور مهمّة، ولكنْ هناك الكثير الذي يتعيّن القيام به في الجامعات ومراكز البحوث. فالآن، وقد أقامت ستّ دول عربيّة وكالات فضائيّة، فليس عصيًّا عليها إنشاء أقسام وبرامج بالجامعات في علوم الفلك والفضاء الأساسية، بالإضافة إلى علوم الفضاء التطبيقية، مثل الاستشعار عن بعد. ولضمان ازدهار هذه العلوم، يتوجب على كلّ دولة عربيّة إنشاء مرصد فلكيّ واحد على الأقل، يستخدمه الطلاب والباحثون محليًّا2،1. فواقع الحال يشهد أنّ العالم العربيّ لم يدشّن تليسكوبًا جديدًا يزيد قطره عن متر واحد منذ أكثر من 50 عامًا، وإنْ كان قد تم تثبيث تليسكوبات بقُطْر 50 سم هنا وهناك مؤخّرًا.
إنّ المراصد الفلكية المخصّصة للأبحاث ليست باهظة الثمن، حيث لا تتجاوز كلفة إنشائها عشرات من ملايين الدولارات، وفي المقابل تقدّم فرصًا عظيمة للإنتاج العلميّ، مثلما أظهر مرصد أوكايمدن ، الذي تم بناؤه حديثًا في المغرب3. فقد شارك الباحثون هناك في اكتشاف نظام خارج المجموعة الشمسية، يتألف من سبعة كواكب، تضاهي في حجمها حجم كوكب الأرض4، كما وثّقوا اكتشاف مذنّبات وكويكبات قريبة من الأرض3، وساعدوا في تحديد مواصفات المذنّب بين النجمي "بوريسوف" 5Borisov الذي مرّ عبر النظام الشمسيّ في عام 2019، وغير ذلك من الإنجازات العلمية.إنّ مشروع مسبار الأمل الذي أطلقته الإمارات لاستكشاف المريخ يمكن أن يكون نقطة تحول حقًّا، ولكنْ لتحقيق ذلك بالكامل، فإننا نحتاج إلى بناء شبكة قويّة في علوم الاستكشاف، وفي قطاع التعليم عبر العالم العربيّ بأسره.
دعونا ننتهز هذه الفرصة التاريخية لبناء قدرات علوم الفضاء في الجامعات، والمراصد، ومراكز البحوث في العالم العربي، ونشجع الجميع –عربًا، وغير عرب أيضًا– على التعاون، والتأكيد للطلاب والباحثين الشباب في المنطقة أن السماء ليست سقفًا.
References
- Guessoum, N. Nature498, 161–164 (2013). | article
- Guessoum, N., Alsaeed, N. & Abdelhafez, N. The Observatory134, 339–347 (2014).
- Gillon, M. et al. Nature542, 456–460 (2017). | article
- Benkhaldoun, Z. Nature Astron.2, 352–354 (2018). | article
Opitom, C. et al. Astron. Astrophys. 631, L8 (2019). | article
نضال قسوم أستاذ الفيزياء وعلم الفلك بالجامعة الأمريكية في الشارقة (الإمارات العربية المتحدة).