افتتاحيات
هل وضع هدفٍ واحد هو الوسيلة الأفضل للحدّ من فقدان التنوع البيولوجي؟
قدَّم باحثون مقترحًا للحدّ من عدد الأنواع التي تنقرض حول العالم كل عام، بحيث يقل "بدرجةٍ كبيرة" عن 20 نوعًا، وهو مقترح يحتاج إلى أنْ يُقَيَّم بعناية.
- Nature (2020)
- doi:10.1038/d41586-020-01936-y
- English article
- Published online:
دفعت الظروفُ وحيدَ القرن الأبيض الشمالي إلى حافة الانقراض.
Nichole Sobecki/The Washington Post/Getty
سوف تتجه جميع الأنظار في العام المقبل نحو مدينة كونمينج الصينية، حيث سوف تُستَأنف محادثات حول مجموعةٍ جديدة من الأهداف العالمية لحماية التنوع البيولوجي. وهي أهداف توجد حاجة ماسة إليها، بالنظر إلى أن غالبية الأهداف العشرين الحالية التي وُضِعَت في هذا الصدد، في عام 2010 بمدينة آيتشي اليابانية، فشلت في التأثير على معدل فقدان التنوع البيولوجي.
ومن ثم، ففي الشهر الماضي، اقترح فريقٌ من الباحثين وضع هدفٍ رئيس واحد في هذا السياق، مشيرين إلى أن على الدول أن تستهدف الحدّ من عدد الأنواع المعروفة التي تنقرض كل عام حول العالم، بحيث يقل هذا العدد بدرجةٍ كبيرة عن 20 نوعًا (M. D. A. Rounsevell et al. Science 368, 1193–1195; 2020). وفي حال إرساء هذا الهدف، سيكون في مجال التنوع البيولوجي مُناظِر لهدف منع زيادة الاحترار العالمي بأكثر من درجتين مئويتين في مجال التغير المناخي؛ فهو هدفٌ بسيط، وقابل للقياس، ويمكن أن يفهمه العامة والسياسيون، على حد سواء.
وهذا المقترح، الذي طرحه الباحث مارك رونسيفيل -من معهد كارلسروه للتكنولوجيا في ألمانيا- مع زملائه يهدف إلى إنهاء ما يقرب من عقدين من الفشل في وضع أهدافٍ وسياساتٍ عالمية فيما يتعلق بمسألة التنوع البيولوجي؛ فقد حلت أهداف آيتشي التي وُضِعَت في عام 2010 محل هدفٍ سابقٍ فشل في خفض معدل فقدان التنوع البيولوجي، كانت الدول قد وضعته لنفسها في عام 2002. وتحظى حاليًّا فكرة المقترح الجديد بالقبول والاهتمام.
ففي مقابلةٍ أجرتها دورية Nature مع إليزابيث ماروما مريما، الرئيسة الجديدة لاتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي، أقرَّت مريما بصعوبة وضع هدفٍ واحد، نظرًا إلى تعدد جوانب مسألة التنوع البيولوجي، لكنَّها أضافت أنَّه لو نجح المجتمع في تحقيق ذلك الهدف "فستكون هذه أفضل نتيجة ممكنة، لأنَّها ستحظى حينها بقبول الجميع، وسيكون بمقدور جميع الأطراف تأييدها لنشر هذه الرسالة المهمة".
إنَّ فكرة وضع هدفٍ للحد من انقراض الأنواع ليست بالجديدة، وهي جديرة بأن يُنظر إليها بعين الجد، وينبغي لكل من الهيئة الاستشارية العلمية لاتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي، والمنبر الحكومي الدولي للعلوم والسياسات المعنِيّ بالتنوع البيولوجي وخدمات النظم الإيكولوجية (IPBES)، أن يقيما بعناية جدواها وتبعاتها، بالطريقة نفسها التي تُقيَّم بها المؤشرات المناخية من خلال الهيئات الاستشارية المعنية بالمناخ في الأمم المتحدة، بما في ذلك الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC).
وهناك تساؤلاتٌ كثيرة، ينبغي للباحثين في مجال التنوع البيولوجي أن يحاولوا الإجابة عليها. فعلى سبيل المثال، كيف يتسق هدف الحدّ من عدد الأنواع المنقرضة سنويًّا -بحيث يقل هذا العدد عن 20 نوعًا، على مدى جميع أنواع النباتات، والحيوانات، والفطريات- مع تقييم وضع التنوع البيولوجي الذي أصدره المنبر الحكومي الدولي للعلوم والسياسات المعنِيّ بالتنوع البيولوجي، وخدمات النظم الإيكولوجية، الذي أفاد بأنَّ هناك حوالي مليون نوعٍ مُعرَّض لخطر الانقراض؟ فالمعدل المُقترَح لانقراض الأنواع، الذي يبلغ عشرين نوعًا لكل عام، من بين قرابة مليوني نوعٍ معروف، يُعَد أكبر بعشر مراتٍ من معدل الانقراض الطبيعي، الذي بلغ نوعين كل عام، والذي ساد قبل أن يُسهم البشر إسهامًا ملحوظًا في أحداث الانقراض، لكنْ تجدر الإشارة أيضًا إلى أن المعدل المقترح أقل بكثيرٍ من التقديرات الحالية لانقراض الأنواع، التي تزيد على المعدل الطبيعي لانقراضها بأكثر من ألف مرة.
تشمل تلك التساؤلات أيضًا كيفية اختيار الأنواع التي سنحافظ عليها من الانقراض، ومَن مِن المفترض به أن يتولى تلك المهمة. فهل سنستخدم -على سبيل المثال- مؤشرًا واحدًا يعِد جميع الأنواع المُهدَّدة مهمةً بالقدر نفسه، أم ينبغي أن نعطي الأولوية في جهود الحماية للأنواع الأكثر أهمية للمعيشة، ووظائف النظام الإيكولوجي؟ إذ أشار المؤلفون في هذا الصدد إلى أنَّه من الممكن أن يؤدي فقدان التنوع البيولوجي إلى تغيُّراتٍ كبيرة ومُدمِّرة للحياة على الأرض، دون انقراض أي أنواعٍ على الإطلاق. وينبغي أيضًا أن يُحدَّد متى يُعلَن عن انقراض نوعٍ ما، نظرًا إلى وجود فارقٍ زمني -في كثيرٍ من الأحيان- بين انقراض النوع، وتسجيل انقراضه في القائمة الحمراء، التي يقوم على توثيقها الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة.
وبالنظر إلى أنَّ المنبر الحكومي الدولي للعلوم والسياسات، المعني بالتنوع البيولوجي وخدمات النظم الإيكولوجية، يُقدِّر أنَّ عدد أنواع النباتات والحيوانات المجهولة حتى الآن يبلغ 8.1 مليون نوع على الأقل، فما الآثار المترتبة على ذلك الهدف المُقترَح فيما يخص الأنواع التي لم تُوصَف بعد؟ وإذا خصَّص صانعو السياسات موارد للحفاظ على الأنواع المعروفة، فما المخاطر التي قد تُحدِّق بالأنواع التي تسكن مناطق من العالم، لا نعرف سوى القليل عن تنوعها البيولوجي، وتجري فيها جهود تنميةٍ مستمرة غير مستدامة، مثل البيئات البحرية؟
وما التداعيات المحتملة أيضًا لذلك الهدف الواحد على الأهداف الأخرى لاتفاقية التنوع البيولوجي؟ فالحفاظ على الأنواع هو واحدٌ من ثلاثة أهداف، والآخران هما ضمان الاستفادة من التنوع البيولوجي على نحوٍ مستدام، وضمان تقاسُم المنافع على نحو عادل (مثل المنتجات التجارية)، حتى لا يُستَبعَد أيُّ طرف -كمجتمعات السكان الأصليين، على سبيل المثال- من المعادلة.
إنّ التنوع البيولوجي ضروري للرخاء الاقتصادي، ولتوفر الغذاء، وصحة الإنسان. ومن هنا، يبدي فريق الباحثين الذي وضع المقترح حرصًا على التأكيد على أنَّ وضْع هدفٍ واحد لانقراض الأنواع ينبغي ألا يصرف انتباهنا عن ضرورة أن تضع الحكومات أهدافًا وسياساتٍ مناسبة على المستوى المحلي. ويدعو الفريق كذلك إلى توفير تمويلات لمساعدة البلدان الفقيرة ماليًّا، التي تتسم بوفرة التنوع البيولوجي فيها، كي تحقق أهدافها.
ولا شك أنَّ الترويج لهدفٍ واحد -مثل الهدف الموضوع لمواجهة تغيُّر المناخ- سيكون أبسط، مقارنةً بالترويج لعدة أهداف، مثل أهداف آيتشي. وقد أصاب المؤلفون حين أقرُّوا بأنَّ فقدان التنوع البيولوجي يستمر في نهاية المطاف لأنَّ قرارات السياسات العامة –كالقرارات التي تؤدي إلى النمو الاقتصادي الصناعي- لم تأخذ في اعتباراتها تكاليف الاستعاضة عمّا تقدمه الأنواع والأنظمة الإيكولوجية من خدمات إلى الإنسان.
وتجدر الإشارة إلى أن هؤلاء الباحثين سيدركون أيضًا أنَّه على الرغم من موافقة أعضاء اتفاقية الأمم المتحدة للمناخ على الهدف المتمثل في منع تزايد الاحترار العالمي بأكثر من درجتين مئويتين عن مستويات ما قبل الثورة الصناعية، فإنَّ هذا الهدف خضع قبل اعتماده لعملية تقييم بحثية دقيقة، أجرتها مجموعةٍ كبيرة من الباحثين في الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.
وأيّ مقترحٍ يطرح هدفًا واحدًا للتنوع البيولوجي يُعبَّر عنه بالأرقام يجب أن يخضع لتقييمٍ مماثل. ومن ثم، ينبغي دعوة المنبر الحكومي الدولي للعلوم والسياسات، المعنِيّ بالتنوع البيولوجي وخدمات النظم الإيكولوجية، إلى تقديم المشورة في تلك المسألة، بالتعاون مع المستشارين العلميين لاتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي. وحتى يتحقق ذلك.. يتعين أن تتقدم بضعة حكوماتٍ إلى اتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي على الفور بطلبٍ رسمي للحصول على المشورة العلمية.