افتتاحيات

أهداف التنوع البيولوجي الجديدة لا يمكنها أن تتحمَّل تبعات الفشل  

تخضع الأهداف العالمية المتعلقة بحماية النظم الطبيعية للمراجعة هذا العام. ويتعين على الصين أن تساعد في ضمان كون الأهداف الجديدة قابلة للقياس وذات مغزى.

  • Published online:
تُشير معظم تدابير التنوع البيولوجي إلى أن الأمور تسير على نحوٍ سيئ للغاية. ووفقًا للمنبر الحكومي الدولي لسياسات العلوم في مجال التنوع البيولوجي وخدمات النظم الإيكولوجية (IPBES)، يواجه حوالي مليون نوعٍ من النباتات والحيوانات خطر الانقراض. وفي حوالي منتصف فبراير 2020، اعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون معركة التنوع البيولوجي وتَغيُّر المناخ "معركة القرن"، على حد وصفه.

اتحدت الدول، قبل عقد من الزمان، لوضع خطة، مدتها 10 سنوات. وقد اشتملت الخطة على 20 هدفًا، من أجل حماية النظم الطبيعية، والحفاظ عليها. هذه الخطة، المعروفة أيضًا باسم "أهداف آيشي للتنوع البيولوجي"، سينتهي العمل بها في نهاية العام الجاري، دون أن يتحقق معظم أهدافها. وقد اجتمع ممثلو المجتمع الدولي في روما، في الفترة ما بين الرابع والعشرين والتاسع والعشرين من فبراير، لمناقشة خطة جديدة؛ ثمَّة أمور كثيرة في خطر، ومن الضروري أن يتحد العالم وراء هذا الجهد.

ونظر المجتمِعون في مسوَّدةٍ لمجموعة محدَّثة من الأهداف العالمية، وهذه المسودة يجب الاتفاق عليها بحلول الصيف. بعد ذلك.. سوف يجتمع زعماء العالم في شهر أكتوبر في مدينة كونمينج الصينية، لحضور مؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي. سوف تتولى الصين رئاسة المؤتمر، وسوف تكون هذه المرة الأولى التي تقود فيها مؤتمرًا لأطراف واحدة من "الاتفاقيتين الكبيرتين" في مجال البيئة على مستوى العالم.

هذه المناقشات مهمة بالنسبة إلى التنوع البيولوجي بقدر أهمية اتفاق باريس بالنسبة إلى المناخ. ومن المرجح أن تكون -بالمثل- محفوفة بالمخاطر. فالمجموعات المعنية بالحفاظ على التنوع البيولوجي تؤيد أهدافًا أكثر صرامة، وأكثر قابلية للقياس، بينما تقف الدول الأوروبية في مكان وسطٍ بين الولايات المتحدة -التي رفضت منذ فترة طويلة التوقيع على اتفاقية التنوع البيولوجي- والدول النامية التي ستتطلع إلى الصين، للوقوف في صفها، ولكن الجهود الصينية لتشكيل توافُقٍ في الآراء قد أصيبت بانتكاسة من جرَّاء فيروس كورونا، الذي أدى إلى إغلاق أجزاء من البلاد.

وإحقاقّا للحق، لم تفشل كل سياسات التنوع البيولوجي، فمن بين الإنجازات التي تحققت بشق الأنفس بروتوكول ناجويا لعام 2014، وهو اتفاقية تنص على التقاسم العادل والمنصف للمنافع الناشئة عن استخدام الموارد الجينية بين جميع المساهمين في تحقيقها، بما يشمل مجتمعات السكان الأصليين. قد يستغرق ذلك بعض الوقت، ولا تزال منظمة الصحة العالمية تُجرِي مناقشات حول كيفية الحد من التباطؤ المحتمل عندما تكون هناك ضرورة لمشاركة المعلومات الجينية في حالات طوارئ الصحة العامة، لكن وجود هذا البروتوكول بمنزلة فوز حققته الدبلوماسية العلمية والبيئية متعددة الأطراف.

وعلى النقيض من ذلك، لم يُحرَز تقدمٌ واضحٌ فيما يتعلق بتحقيق الهدف الرئيس، وهو إبطاء معدل الفقد في التنوع البيولوجي في جميع أنحاء العالم، لعكس مساره تمامًا في نهاية المطاف.

من بين أسباب فشل أهداف آيشي أن الطريقة التي صيغت بها تلك الأهداف تجعل قياس التقدم المُحرَز أمرًا صعبًا. فقبل محادثات العام الجاري، أجرت مجموعة من الباحثين تحت إشراف إليزابيث جرين في مركز علوم حفظ الطبيعة في مدينة ساندي بالمملكة المتحدة، مسحًا على الأدبيات، بحثًا عن أي إشارات إلى أهداف آيشي منذ عام 2010. بعد ذلك دعا الفريق مجموعة من الخبراء من أجل تقييم تلك الأهداف على مقياس من واحد إلى عشرة. حصلت الأهداف جميعها على درجة عالية لشموليتها، ولكنّ معظمها حصل على درجات ضعيفة نسبيًّا من حيث قابليتها للقياس، وواقعيتها (E.J. Green et. al. Conserv. Biol. 33, 1360-1369; 2019).

تأمَّل مثلًا الهدف الأول الذي يتمحور حول التأكد من أن "الناس يدركون قيم التنوع البيولوجي، والخطوات التي يمكنهم اتخاذها للحفاظ عليه واستغلاله على نحو مستدام". من الواضح أن هذا الهدف يتعلق بزيادة الوعي العام بالتنوع البيولوجي، وتعزيز المشاركة فيه، لكن ليس واضحًا متى يتحقق النجاح.

أولئك الذين يضعون جيلًا جديدًا من مقاصد وأهداف التنوع البيولوجي يفهمون ذلك. يحتوي نص المسوَّدة الجديدة التي طُرِحت في شهر يناير الماضي على مسافات بين قوسين معقوفين، جاهزة لملئها عند الاتفاق على تدابير أكثر قابلية للقياس الكمي. وتشمل هذه التدابير ضمان حماية صارمة للنظم الإيكولوجية المهمة، وإيجاد حلول معتمِدة على الطبيعة تُعزِّز من القدرة على مواجهة الكوارث الطبيعية.

الطموح مقابل الإنجاز

لم يكن السبب الوحيد في فشل أهداف آيشي عدم قابليتها للقياس. لقد فشلت أيضًا بسبب أن الدول لم تكن مُلزَمة بالإبلاغ عن الإجراءات التي تتخذها في سبيل تحقيقها. فالدول الأعضاء في اتفاقية التنوع البيولوجي تلتزم بنشر خطط عمل للتنوع البيولوجي، ولكن هذه الخطط غالبًا ما تكون بيانات عن طموحات البلد، أكثر من كونها سجلات لإنجازاته. وهذا الأمر يجب أن يتغير فيما يخصّ مجموعة الأهداف القادمة. ولحسن الحظ، يبدو أن هناك وسيلة للمُضي قدمًا، تتمثل في نظام الأمم المتحدة للمحاسبة البيئية الاقتصادية (SEEA)، وهو آلية للإبلاغ عن البيانات البيئية، ويجب أن يصبح هذا النظام بمثابة المعيار العالمي لإعداد التقارير البيئية.

اعتُمد نظام المحاسبة البيئية الاقتصادية (SEEA) في عام 2012، بهدف تشجيع مكاتب الإحصاء الوطنية لدى الدول على الاضطلاع بمسؤولية جمع البيانات البيئية، ورفْع تقارير بها. وكان إسناد هذا الأمر إلى مكاتب الإحصاء خطوة عبقرية. فتلك المكاتب مسؤولة بالفعل عن رفع تقارير بالبيانات الاقتصادية الوطنية إلى الأمم المتحدة، وتؤدي عملها وفق أفضل المعايير المتاحة، والمواعيد النهائية الصارمة. ومن ثمَّ، تتمكن من إنجاز المهام المطلوبة منها. لذا.. من المتوقع أن تتعامل مع البيانات البيئية بالطريقة نفسها حال تكليفها بإعداد تقارير بتلك البيانات.

إنّ ما بدأ كعددٍ قليلٍ من الدول التي تتبع النظام قد ارتفع ليصل إلى أكثر من 80 دولة تُرسل تحديثات بياناتها إلى الأمم المتحدة حول العديد من المؤشرات البيئية، بدءًا من أوضاع غاباتها، وصولًا إلى أوضاع مصايدها. وسوف تحتاج البلدان النامية إلى دعمٍ، كي تتمكن من مواكبة ما يُحرَز من تقدُّم، وكي تشارك بأفكارها. فقد قُضي الأمر، ولا مجال الآن للتراجع.

وكما هو الحال في بعض الأحيان مع الأمم المتحدة، ترتَّب على الافتقار إلى التفكير المشترك عمل نظام الأمم المتحدة للمحاسبة البيئية الاقتصادية (SEEA) بصورة مستقلة عن المؤشرات الأخرى، مثل أهداف آيشي، وأهداف التنمية المستدامة (SDGs). وثمة تحركات جارية تهدف إلى التنسيق فيما بينها. ففي يوليو من عام 2019، نشرت الأمم المتحدة مراجعةً عالميةً للمؤشرات (go.nature.com/2ssazbc)، أكَّد فيها الباحثون أنه يمكن للدول استخدام نظام المحاسبة البيئية الاقتصادية (SEEA)، لرفع تقارير بشأن 34 مؤشرًا من مؤشرات أهداف آيشي، البالغ عددها 147، و21 مؤشرًا من مؤشرات أهداف التنمية المستدامة (SDG)، البالغ عددها 230. هذه بداية مهمة، ولكنها تشير أيضًا إلى مقدار ما يجب عمله قبل رفع تقارير بشأن المزيد من المقاصد والأهداف باستخدام إطار عمل نظام المحاسبة البيئية الاقتصادية. إنها فرصة يجب ألا يضيعها الباحثون.

وبالرغم من أن قياس الأهداف الرقمية، والإبلاغ عنها أمران بالغا الأهمية، إلا أن هذا ليس نهاية المطاف. فإذا أراد العالم أن يفهم سبب فشل أهداف آيشي، وأن يبني عليها بهدف التحسين، فيجب عليه تقييم العقبات الأوسع نطاقًا.

من بين تلك العقبات، التوتر التاريخي بين التنمية والبيئة، وتوقُّع الدول الفقيرة أن تصبح قادرة على تحقيق التنمية تمامًا، مثلما فعلت الدول الغنية. وثمة تصورٌ آخر بأن المعايير البيئية الجديدة سوف تعوق مسيرتها. ولا يمكن لأحد أن يعارض حق هذه الدول في التنمية، لكنْ بالنظر إلى حالة الكوكب، يجب التعامل مع شواغلها في إطار تنمية أكثر حفاظًا على البيئة. فهي بحاجة إلى الدعم لتزويد مواطنيها بالمرافق الأساسية -مثل الماء النظيف، والتغذية، والطاقة- بطريقة مستدامة تُحقِّق الحماية للأجيال القادمة. وهذا يعني إجراء تغييرات كبيرة في كيفية اتخاذ القرارات الاقتصادية.

لا مُفاضَلة

عادةً ما يقع الاختيار على النمو الصناعي في أي مُفاضلة بينه وبين الحفاظ على الأنواع والنظم الإيكولوجية. فنادرًا ما يكون التنوع البيولوجي سببًا في وقف أو تأجيل إنشاء مَدرجٍ جديدٍ في أحد المطارات، أو بناء محطة جديدة لتوليد الكهرباء. وإذا دعت الحاجة إلى تغطية إحدى المناطق الرطبة كليةً بالخرسانة، لإفساح المجال لمشروع إسكانٍ، فإن احتمالات حماية تلك المنطقة ضعيفة جدًّا في كثير من الدول، على الرغم من أن فقدان المنطقة الرطبة يعني التضحية بالخدمات التي تقدمها للناس، كتوفيرها موائل للحياة البرية، والاستفادة منها في التصدي للفيضانات. هذه الخدمات نادرًا ما تُؤخذ في الحسبان.

ولحسن الحظ، يُولي الباحثون وصانعو السياسات على مستوى العالم الآن اهتمامًا أكبر لتقييم مدى إسهام التنوع البيولوجي في الاقتصادات والمجتمعات. ففي الوقت الحالي، يعكُف المنبر الحكومي الدولي للعلوم والسياسات في مجال التنوع البيولوجي (IPBES) على مشروع، من شأنه تقديم المشورة للدول بشأن الطرق الكثيرة لتقييم التنوع البيولوجي؛ ومن المُقرَّر أن تُقدِّم تقريرًا في هذا الصدد خلال العام المقبل. في العام الماضي، أطلقت وزارة الخزانة البريطانية مراجعتها المستقلة، برئاسة بارثا داسجوبتا، أستاذ الاقتصاد في جامعة كامبريدج، ومن المُقرَّر أن تُرفَع تقارير بهذا الشأن قُبيل انعقاد مؤتمر التنوع البيولوجي في الصين.

ندرك أن العمل في ظل منظومة اقتصادية ومالية لا تعطي اهتمامًا كثيرًا للعالم الطبيعي، من شأنه أن يجعل تحقيق أهداف التنوع البيولوجي والتنمية المستدامة أمرًا عسيرًا. ولذا.. من الحكمة أن نعالج جوانب أصغر في المنظومة، على الأقل في المرحلة الحالية. وفي الوقت نفسه، من الضروري أن تبحث أهداف التنوع البيولوجي الجديدة عن جوانب التآزر، لا الاختلاف، مع اتفاقية باريس للمناخ، وأهداف التنمية المستدامة (SDG)، إذ لم يكن لأي منهما وجود قبل عقد من الزمان.

إن الطريق إلى مؤتمر كونمينج سيكون طويلًا ومعقدًا. وهذا أمر لا مفر منه، لسببين، أولهما: أن الحياة على الأرض في حد ذاتها معقدةٌ تعقيدًا جميلًا، مع وجود الكثير جدًّا من الأنظمة العالمية التي تؤثر على التنوع البيولوجي، وثانيهما: أن النتائج مُهمة. فمستقبل الإنسانية مرهونٌ بقدرتنا على حماية الكوكب. وقد أثمرت زيادة الوعي بالمَخاطر التي تُهدِّد العالم الطبيعي -ربما كنتيجة غير ملموسة لأهداف آيشي– لحظة مواتية للتحرك. وسيكون التحدي هو منْع التفاصيل من أن تقف حجر عثرة في طريق العملية ذاتها.