أخبار
طريقة فَتْك «كوفيد-19» بالمرضى تحيِّر الأطباء
يلجأ الأطباء إلى عقاقير توهن الاستجابة المناعية، لكنَّ ذلك قد يعطَّل مقاومة الجسم ذاتها لفيروس كورونا الجديد.
- Nature (2020)
- doi:10.1038/d41586-020-01056-7
- English article
- Published online:
فيروس كورونا يدمر رئتَيّ الأشخاص المصابين بالعدوى.
Sergei Krasnoukhov/TASS/Getty
كيف يقتل مرض «كوفيد-19» ضحاياه؟ إنّ حيرتنا إزاء ما إذا كان الفيروس ذاته هو المتسبب في تدمير أعضاء المريض في النهاية، أم أنَّها استجابة الجهاز المناعي، تجعل من الصعب على الأطباء تحديد الطريقة الأنسب لعلاج المصابين بفيروس كورونا ممن هم في حالة حرجة من المرض.
وتشير البيانات الإكلينيكية إلى أنَّ الجهاز المناعي يلعب دورًا في تدهور حالة المصابين بفيروس كورونا الجديد ووفاتهم، وهو ما تَسَبَّب -بدوره- في إطلاق حركة لاستخدام علاجات بعينها، مثل الستيرويدات، التي تكبح جماح الاستجابة المناعية، غير أنَّ بعض تلك العلاجات يعمل على نطاق واسع لتثبيط الجهاز المناعي؛ وهو ما يؤجج المخاوف من احتمالية تَسَبُّبها بالفعل في إعاقة قدرة الجسم على إبقاء العدوى الفيروسية قيد السيطرة.
يقول دانيال تشين، اختصاصي المناعة، ورئيس الخدمات الطبية بشركة »آي جي إم لعلوم البيولوجيا» IGM Biosciences، التي تقع في ماونتين فيو بولاية كاليفورنيا: "أكبر مخاوفي هو تفاقُم المشكلة إلى حد شديد، نستخدم مع بلوغه كل ما تقع عليه أيدينا لوقف الاستجابة المناعيّة. ويجب علينا عدم تعطيل قدرة الجهاز المناعي في وقتٍ يقاوم فيه العدوى".
وفي الوقت الذي تكتظ فيه المستشفيات في جميع أنحاء العالم بالمرضى المصابين بـ«كوفيد-19»، يكافح الأطباء في خضم فيض من البياناتٍ غير المكتملة، ونُسَخ ما قبل النشر لأوراق بحثية لم تخضع لمراجعة أقران؛ بهدف إيجاد طرقٍ يساعدون بها مرضاهم، ويشاركون من خلالها تجاربهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بل ويجرّب بعض الأطباء المزج بين علاجات غير مُثبتة، في محاولة يائسة لإنقاذ حياة المرضى.
يقول كينيث بايلي، وهو اختصاصي تخدير لحالات العناية المركزة بجامعة إدنبرة في المملكة المتحدة: "يشاهد الأطباء حالة المرضى تتدهور أمام أعينهم، فينشأ لديهم دافع قوي للغاية للاستعانة بأي علاج يظنون أنه ربما يكون فعالًا.
وقد أشارت تحليلات مبكرة خاصة بالمرضى المصابين بفيروس كورونا الجديد »سارس-كوف-2« في الصين إلى أنَّ ما يدمر الرئتين ويؤدي إلى الوفاة ربما لا يكون الفيروس وحده؛ بل إنَّ فرط الاستجابة المناعية للعدوى قد يسهم بدوره في ذلك. فبعض مرضى «كوفيد-19» ممن حالاتهم حرجة كانت لديهم مستويات عالية من بروتينات تسمَّى "السيتوكين" في الدم، وهي بروتينات تملك القدرة على تعزيز الاستجابات المناعية. وتشمل هذه البروتينات بروتين تأشير صغير، وإنْ كان فعّالًا، يُسمى الـ»إنترلوكين-6«، (اختصارًا (IL-6. وبالنسبة إلى بعض مكونات الجهاز المناعي، ومنها خلايا تُسمى البلاعم الكبيرة، فإن وجود الـ«إنترلوكين-6» هو بمثابة دعوة استنفار لها، إذ تؤجج البلاعم الكبيرة عملية الالتهاب، وبإمكانها تدمير خلايا الرئة السليمة. ويمكن لعملية إفراز بروتينات السيتوكين تلك –ما يُعرف بعاصفة السيتوكين– أن تَحدُث أيضًا مع فيروسات أخرى، مثل فيروس نقص المناعة البشرية (HIV).
وبالتالي، فإن المضاد الأمثل لهذه الحالة سيكون عقارًا يوقف عمل بروتين «إنترلوكين-6« وحده، وبالتالي يقلل من تدفق البلاعم الكبيرة إلى داخل الرئتين. ومثل هذه العقاقير، التي تُعرف باسم مثبطات الـ»إنترلوكين-6«، تُستخدم بالفعل لعلاج التهاب المفاصل الروماتويدي، واضطرابات أخرى. وواحد من تلك العقاقير، يُعرف باسم »توسيليزوماب« Tocilizumab، جرت الموافقة عليه في الصين لعلاج المصابين بـ«كوفيد-19»، ويعمل باحثون في جميع أنحاء العالم على تجربته، إلى جانب عقاقير أخرى من هذا النوع.
تحديات مناعية
بيد أن هذا العقار غير متوفر بما يكفي على المستوى العالمي، ومن ثم بدأ كثير من العاملين في القطاع الطبي معالجة مرضاهم بالستيرويدات، حسبما يقول جيمس جالي، اختصاصي المعالجة المناعية للأورام في المعهد الوطني للسرطان في مدينة بيثيسدا بولاية ميريلاند الأمريكية، إذ يمكن لمثبطات الـ»إنترلوكين-6« أن تكبح الاستجابات المناعية التي يتحكم فيها الـ»إنترلوكين-6« دون غيرها، وهو ما يسمح باستمرار الاستجابات المناعية الأخرى التي بإمكانها مساعدة الجسم على محاربة مرض «كوفيد-19». أمَّا الستيرويدات، فقد يكون تأثيرها مُحجِّمًا لقدرة الجسم الإجمالية على محاربة العدوى؛ إذ إنَّ تلك الأدوية لن تكبح البلاعم الكبيرة فحسب، بل سيمتد تأثيرها المثبط أيضًا إلى الخلايا المناعية المعروفة بالخلايا التائية CD4، ذات الأهمية البالغة في عملية بدء الاستجابة المناعية، وكذلك الخلايا التائية CD8، وهي خلايا مضادة للفيروسات، وقاتلة لها في الجسم، تملك القدرة على تدمير الخلايا المصابة بدقةٍ أعلى، مقارنةً بالبلاعم الكبيرة. وحول ذلك.. يقول جالي: "عندما تسوء الأوضاع فعلًا، تُضاف الستيرويدات إلى العلاج"، مُضيفًا: "إنَّني قلق بعض الشيء من الاتجاه الذي يسلكه بعض الأطباء".
وتجري بالفعل اختبارات على الستيرويدات وغيرها من العقاقير المثبِّطة للمناعة ضد فيروس كورونا في تجارب إكلينيكية. ففي شهر مارس من عام 2020، أطلق باحثون في المملكة المتحدة دراسة بعنوان »ريكفري« RECOVERY، وهي تجربة إكلينيكية عشوائية، قُرر لها تقييم المركّب الستيرويدي »ديكساميثازون« Dexamethasone، وعلاجات محتملة أخرى لمرض «كوفيد-19»، غير أنَّ هذا يثير قلق جيسيكا مانسون، اختصاصية أمراض الروماتيزم بالمستشفى الجامعي بلندن؛ إذ توجد أدلة مستقاة من حالات انتشار مرضية سابقة، سَبَّبتها مُمْرضات من عائلة فيروسات كورونا، تشير إلى أنَّ فائدة الستيرويدات قليلة في هذه الحالة، بل إن استخدامها في العلاج ربما يبطئ عملية التعافي، حسبما تقول مانسون.
وينبِّه بيتر هوربي، الذي يدرس الأمراض المعدية بجامعة أوكسفورد في المملكة المتحدة، والمشرف على الدراسة »ريكفري«، إلى أنَّ التجربة سوف تستخدم جرعات قليلة نسبيًّا من الستيرويدات، وأضاف قائلًا: "صحيح أنَّه لا يُوصَى في العادة باستخدام جرعات أكبر، إلا أنَّه لم يصدر حُكم قطعي فيما يتعلق بالجرعات الأقل، فضلاً عن أنَّ جهات مسؤولة عديدة -من بينها منظمة الصحة العالمية- توصي بإجراء تجربة في هذا الصدد".
يرى رافي أحمد -اختصاصي المناعة الفيروسية بجامعة إيموري في مدينة أتلانتا بولاية جورجيا الأمريكية- أنَّ خليط الأضرار الناجمة عن الفيروس وعن الاستجابة المناعية للجسم ليس غريبًا، ففيروسات النوروفيروس -على سبيل المثال- تتسبب في الإصابة بالمرض على الفور، في حالة شبيهة بعمليات الكر والفرّ. ويرجح أن التأثير المرضي هنا يُعزى إلى الفيروس نفسه، حسبما يقول، لكنْ على النقيض من ذلك.. فإن الأشخاص الذين تصيبهم عدوى فيروسات معينة -مثل فيروسات الكورونا- لا تظهر عليهم الأعراض المَرضية إلا بعد مرور عدة أيام من لحظة العدوى. وبحلول ذلك الوقت، تكون الأضرار الجانبية الناجمة عن الاستجابة المناعية قد أسهمت في تفاقُم المرض، إلا أنَّه من العسير تمييز إسهام كل من الفيروس والاستجابة المناعية في المرض، حسبما يرى رافي أحمد، الذي يضيف: "في جميع الأحوال تقريبًا، تكون الحالة المرضية مزيجًا من كليهما".
وفي ظل غياب الإجابة، يعقد رافي أحمد الأمل على قدرة الباحثين على الوصول إلى علاج مركّب، يكون مزيجًا من مثبطٍ للـ»إنترلوكين-6« -لا يكبح عمل الجهاز المناعي بالكامل- إلى جانب دواء مضاد للفيروسات يستهدف الفيروس مباشرةً.