أخبار
هل ينتقل فيروس كورونا عبر الهواء؟
يقول مسؤولو الصحة إن الأدلة على ذلك غيرُ مُقْنِعة، بينما يُحذِّر العلماء من أنَّ جمْعها قد يستغرق سنوات.
- Nature (2020)
- doi:10.1038/d41586-020-00974-w
- English article
- Published online:
يقول بعض العلماء إن الأقنعة الواقية يمكن أن تقلل من خطر الإصابة بفيروس كورونا.
Pablo Monsalve/VIEWpress/Getty
منذ أن كشفتْ التقارير الأولية عن التفشي السريع لفيروس كورونا الجديد «سارس-كوف-2» SARS-CoV-2 بين البشر، سعى الباحثون إلى البت فيما إذا كان هذا الفيروس يستطيع الانتقال عبر الهواء، أم لا. وفي حين أن مسؤولي الصحة يؤكدون أن الفيروس ينتقل فقط عن طريق الرذاذ المتطاير عند السعال، أو العطس، إما باستنشاقه مباشرة، أو عن طريق ملامسة الأشياء الملوثة به، يذهب بعض العلماء إلى القول بوجود أدلة أوَّلية على انتقال العدوى عبر الهواء؛ بحيث ينتشر المرض عن طريق جسيماتٍ صغيرة، تقلُّ في حجمها كثيرًا عن قُطيرات الرذاذ، تخرج مع هواء الزفير، وتُسمَّى الهباء الجوي. ومن ثم، يرى هؤلاء العلماء وجوب توصية الأفراد باتخاذ التدابير الاحترازية اللازمة لتقليل مخاطر الإصابة بالفيروس، ومنها: زيادة التهوية في الأماكن المغلقة، وارتداء الأقنعة الواقية.
من جهة أخرى.. ذكرت منظمة الصحة العالمية -في إفادةٍ نُشرت عبر شبكة الإنترنت في السابع والعشرين من مارس الماضي- أنه لا توجد أدلة كافية تشير إلى احتمالية انتقال فيروس «سارس-كوف-2» عبر الهواء، باستثناء سياقات طبية قليلة، بيد أن باحثين متخصصين في أمراض الجهاز التنفسي التي تنتقل عبر الهواء، والهباء الجوي، يحاججون بأن جمْع أدلة قاطعة على انتقال الفيروس عبر الهواء قد يستغرق سنوات، ويُكلِّف أرواحًا.
وفي هذا الصدد.. يقول مايكل أوسترهولم -الباحث المتخصص في الأمراض المُعدية والأوبئة بجامعة مينيسوتا، بمدينة مينيابولس الأمريكية- إنه لا ينبغي "الانصراف عن الشواهد المُقنِعة، بحثًا عن الأدلة القاطعة". أما ليديا موراسكا -الباحثة المتخصصة في دراسة الهباء الجوي بجامعة كوينزلاند للتكنولوجيا، الواقعة بمدينة بِريزبِن الأسترالية- فتقول إنّ "العلماء المتخصصين في هذا المجال لا يُداخِلهم أدنى شك في أن الفيروس ينتشر عبر الهواء".
وتجدر الإشارة إلى أنه عندما يُصرِّح مسؤولو الصحة العامة بأنه لا توجد أدلة كافية على أن فيروس «سارس-كوف-2» يندرج في فئة الفيروسات التي تنتقل عبر الهواء، فإنهم يعنون بذلك أنه لا ينتقل عبر جسيمات الهباء الجوي المُحمَّلة بالفيروس، التي يقلُّ قُطرها عن 5 ميكرومترات. وبالمقارنة بقُطيرات الرذاذ -الأثقل وزنًا، التي يُعتقد أنها لا تقطع في الهواء سوى مسافاتٍ قصيرة، قبل أن تستقرَّ على الأرض، أو غيرها من السطوح، فإن جسيمات الهباء الجوي بمقدورها أن تظل عالقة في الهواء، وأن تقطع فيه مسافاتٍ أكبر.
ويرى الباحث بِن كاولينج -المتخصص في الأمراض الوبائية بجامعة هونج كونج- أن العدوى -في أغلب الأحيان- تنتقل من خلال الاختلاط عن قُرب. ويستدرك قائلًا: "إن التمييز بين قُطيرات الرذاذ وجسيمات الهباء الجوي ليس مُجديًا؛ لأن الجسيمات التي تخرج من الجسم مُحمَّلة بالفيروس يمكن أن تتفاوت في أحجامها تفاوتًا كبيرًا: من القُطيرات كبيرة الحجم، حتى جسيمات الهباء الجوي.، فلو أن فيروس «سارس-كوف-2» ينتقل عبر الهباء الجوي، فإن ذلك يعني إمكانية تراكُم الجسيمات المحملة بالفيروس بمرور الوقت داخل الأماكن المغلقة، أو إمكان انتقالها عبر مسافات أكبر.
وفي السياق ذاته، أوضح جوليان تانج - المتخصص في علم الفيروسات بجامعة ليستر بالمملكة المتحدة- أنَّ احتمال خروج الهباء الجوِّي أثناء التحدُّث أو التنفُّس أكبرُ من احتمال خروج الرذاذ؛ وهو ما قد يجعل جسيمات الهباء الجوي هذه أشدَّ خطرًا، إذا ما قورِنَت بالعطس والسعال، اللذين عادةً ما يدفعان المرء إلى أن يشيح بوجهه، على أنَّ الأدلة على انتشار فيروس «سارس-كوف-2» عبر الهباء الجوي يشُوبُها كثيرٌ من التضارُب. ففي ذروة تفشي المرض بمدينة ووهان الصينية، جَمَعَ كي لان -المتخصص في علم الفيروسات بجامعة ووهان- عيناتِ هباءٍ جوي من داخل مستشفيات يُعالَج بها أشخاصٌ مصابون بمرض «كوفيد-19»، ومن مناطق محيطة بهذه المستشفيات، وكذلك من مدخلَي متجرين كبيرين مزدحمين بالمارَّة.
وفي ورقة بحثية1 لم تُنشر بعد، ولم تخضع للمراجَعة، أفاد لان وفريقه بأنهم عثروا على الحمض النووي الريبي لفيروس «سارس-كوف-2» في عدد من المواقع، منها كلا المتجرين، بيد أن الدراسة لم تؤكد ما إذا كان بمقدور جسيمات الهباء الجوي التي جمعوها نَقْل العدوى إلى خلايا الجسم، أم لا. ورُغم ذلك.. قال لان في رسالة بريد إلكتروني، بعث بها إلى دوريةNature ، إن دراستهم تبيِّن أنه "في أثناء التنفس أو التحدُّث، يمكن أن ينتقل فيروس «سارس-كوف-2» عبر جسيمات الهباء الجوي من الشخص المصاب إلى الموجودين في محيطه، سواءً أكانوا على مسافة قريبة، أم بعيدة". ويخلُص لان إلى أنه يتعين على الجميع تجنُّب التجمعات، كما يتعين عليهم ارتداء الأقنعة الواقية، كإجراء احترازي "لتقليل مخاطر التعرض للإصابة بالعدوى عن طريق الهواء."
مدة بقاء الفيروس حيًّا خارج الجسم
عثر باحثون، خلال دراسة أجرَوها في ولاية نبراسكا بالولايات المتحدة الأمريكية، على حمض نووي ريبي فيروسي فيما يقرُب من ثلثي عينات الهواء التي جمعوها من غُرف العزل بمستشفى يُعالَج فيه أشخاص يعانون إصابات حادَّة بمرض «كوفيد-19»، وفي منشأة حجْر صحي تُؤوِي أشخاصًا ظهرت عليهم أعراضٌ بسيطة للمرض2. كما ثبت أيضًا وجود الحمض النووي الريبي للفيروس على سطوح الشبكات المعدنية التي تغطي فتحات التهوية. ووجد الباحثون -رغم ذلك- أن جميع عينات الهواء التي خضعت للدراسة كانت غير مُمْرضة، غير أن البيانات التي جمعوها تشير إلى أن "المصابين بمرض «كوفيد-19» يَنفُثون جسيمات هباء جوي فيروسية، حتى في حال غياب السعال".
ومن جهتها، صرّحت منظمة الصحة العالمية بأن وجود الحمض النووي الريبي الفيروسي "ليس دليلًا على وجود فيروس قادر على البقاء ونقل العدوى". وأشارت المنظمة في إفادتها إلى التحليل الذي أجرته على أكثر من 75 ألف مريض بمرض «كوفيد-19» في الصين، ولم ترصد خلاله أي حالة لانتقال الفيروس عبر الهواء.
وعلى الجانب الآخر.. أوضح باحثون بالولايات المتحدة -من خلال تجربة معملية- أن بإمكان الفيروس أن يظل حيًّا في الهباء الجوي، وقادرًا على الإصابة بالعدوى، لمدة لا تقلُّ عن ثلاث ساعات3. وعن ذلك.. يقول جيمي لويد سميث -الباحث المتخصص في الأمراض المعدية بجامعة كاليفورنيا بمدينة لوس أنجيليس الأمريكية، وأحد المشاركين في إعداد الدراسة- إنه على الرغم من إجراء الدراسة في ظروف "اصطناعية إلى حد كبير، فإنّ خطر انتشار الفيروس لمسافات أبعد عبر الهواء، ربما يظل احتمالًا قائمًا لا يمكن استبعاده تمامًا".
وقد ذهب ليو بون -المتخصص في علم الفيروسات بجامعة هونج كونج- إلى أنه لا يوجد حتى الآن ما يكفي من الأدلة للجزم بإمكانية انتقال فيروس «سارس-كوف-2» عبر الهواء. وأعرب بون عن أمله في أن يرى تجارب لإثبات أن الفيروس الموجود في قُطيرات الرذاذ بمختلف أحجامها قادر على نقل العدوى.
ويرى لويد سميث أن التساؤل عما إذا كان المصابون بمرض «كوفيد-19» يفرزون ما يكفي من الهباء الجوي المُحَمَّل بالفيروس لنقل العدوى إلى غيرهم، أم لا، لا يزال بحاجة إلى إجابة. وذكر أن دراسة عينات الهواء المأخوذة من المصابين أثناء التحدُّث، والتنفس، والسعال، والعطس "من شأنها أن تلعب كذلك دورًا كبيرًا في حل هذا اللغز".
References
- Liu, Y. et al. Preprint at bioRxiv http://doi.org/dqts (2020).
- Santarpia, J. L. et al. Preprint at medRxiv http://doi.org/dqtw (2020).
- van Doremalen, N. et al. N. Engl. J. Med. http://doi.org/ggn88w (2020).