تعليقات
مكافأة شركات إنتاج الغذاء على تحسين جودة التغذية
يرى لورانس حداد أنه على الحكومات تقديم حوافز للشركات لإصلاح نظام الغذاء العالمي، وعدم الاكتفاء بمعاقبتها على تصرفاتها غير المسؤولة.
- Nature (2020)
- doi:10.1038/d41586-018-03918-7
- English article
- Published online:
لخفض استهلاك السكر المُضاف، فرضت عدّة حكومات ضريبة على المشروبات المُحلاة.
Eric Lafforgue/Art in All of Us/Getty
كان من المقرَّر أن تفرض حكومة المملكة المتحدة شهر أبريل عام 2017 ضريبة على صناعة المشروبات الغازية. وبناءً على ذلك، سيتعيّن على شركات إنتاج وتعبئة واستيراد المشروبات التي تحتوي على 5 جرامات من السكر أو أكثر لكل 100 مليلتر سداد ضريبة. قد تلجأ بعض الشركات إلى زيادة أسعار تلك المنتجات لتغطية التكلفة، مما يمكن أن يُثني المشترين عن شراء هذه المشروبات. والأمل المعقود على هذا القرار أن تخفِّض معظم الشركات نسبة السكر في منتجاتها لتجنّب تلك الضريبة.
في الوقت الحاضر، يُطبّق أكثر من 20 بلدًا شكلًا من أشكال ما يُطلق عليه "ضريبة السكر". فعديد من الدراسات تبيّن أن تلك الضريبة يمكن أن تخفّض استهلاك الناس من السكر المضاف1،2، فعلى سبيل المثال، بعد أن فرضت الحكومة المكسيكية ضريبة على المشروبات المحلّاة في عام 2014، انخفضت المبيعات في عام 2015 بنسبة 10% تقريبا3.
وهذه التدابير، التي يُطلق عليها «سياسات العصا» (العصا)؛ كونها تعاقب شركات الأغذية والمشروبات على الإضرار بالنظام الغذائي للناس، هي تدابير تُفضّلها الحكومات ووكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية وغيرها. ولكن أعتقد أن انعدام الثقة الشديد في تلك الصناعة، الذي له ما يبرره في أغلب الأحيان، يعني أن الذين يحاولون إصلاح النظم الغذائية يُفوِّتون الفرص لتشجيع شركات القطاع الخاص على تطبيق مزيد من الممارسات الجيّدة التي تصبّ في مصلحة التغذية، وليس فقط السعي إلى تقليل عدد الممارسات السيئة التي تقوم بها تلك الشركات. فإلى جانب "سياسات العقاب"، ينبغي لنا استخدام "سياسات الجزرة" (الثواب) أيضًا.
باع طويل من انعدام الثقة
على مدار العقود القليلة الماضية، نظر كثيرٌ من العاملين في مجال تحسين التغذية إلى الشركات التجارية على أنها جزء من المشكلة، لا على أنها عنصر أساسي في الحل. وينبع قاسمٌ كبيرٌ من هذه الريبة من الكيفية التي روَّجت بها الشركات لبدائل لبن الأم وللمشروبات السكرية.
منذ عام 1981، سعت "المدونة الدولية لقواعد تسويق بدائل لبن الأم" إلى حماية عملية الرضاعة الطبيعية الحصرية للرضّع الذين تقل أعمارهم عن ستة أشهر، وتشجيع اعتبارها مُكمّلًا للأغذية الأخرى للرضع الأكبر سنًا. تهدف المدونة التي أقرّتها جمعية الصحة العالمية، وهي أعلى جهاز لصنع القرارات في منظمة الصحة العالمية (WHO)، إلى حماية الأمهات والعاملين في مجال الصحة ونظم الرعاية الصحية من الترويج التجاري الذي يقوِّض الرضاعة الطبيعية.
Statista/Ref. 9
مع ذلك، غالبًا ما يخالف المنتجون في بعض البلدان قواعد تلك المدونة، مثلًا بتشجيع المنشآت الصحية على إدراج الحليب الصناعي في العبوات المهداة إلى الأمهات الجدد أو بتقديمه بالمجان أو بحسومات للحوامل4.
بالمثل، فإن أساليب التسويق وممارسة الضغوط التي يستخدمها بعض منتجي المشروبات السكرية لاستهداف الأطفال أساليب مخزية. تشمل الأمثلة على هذه الممارسات: وسم المواد التعليمية بعلامات تجارية أو إدراج إعلانات للأغذية غير الصحية بألعاب الكمبيوتر أو استخدام لُعب الأطفال لتسويق مثل تلك الأطعمة للأطفال بالمطاعم5. وتجدر الإشارة إلى أن هذه المشروبات تزيد بدرجة كبيرة من خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني وأمراض القلب، وغيرها من الحالات المزمنة. كذلك يرفض بعض المنتجين أن يتحمّلوا على الأقل قدرًا من المسؤولية عن زيادة نسبة السمنة في مختلف أنحاء أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا، وهذا اتجاه يرتبط بالارتفاع الشديد في معدلات استهلاك المشروبات الغازية بتلك المناطق على مدار السنوات الخمس عشرة الماضية.
ربما تفسّر هذه القضايا المتأججة في التغذية الأسبابَ وراء ندرة استخدام سياسات الثواب، على الرغم من الدراسات العديدة التي تشير إلى نفعها وجدواها الممكنين6. ومن بين البلدان التي أبلغت منظمة الصحة العالمية بسياساتها المالية الرامية إلى تشجيع النظم الغذائية الصحية في عامي 2016 و2017، كان أكثر من نصف تلك البلدان قد رفع قيمة الضرائب على الأغذية والمشروبات غير الصحية، بينما قدَّم أقل من ربع هذه الدول مساعدات وحزم دعم لخفض تكلفة البدائل الغذائية الصحية7.
لكن في حقيقة الأمر الشركات هي المستثمر الرئيسي في النظم الغذائية حول العالم. ففي عام 2016، أنفقت شركتا «هيرشي» Hershey و«جنرال ميلز» General Mills أكثر من 500 مليون دولار أمريكي على الإعلانات وحدها (انظر: go.nature.com/2u3jttr). وفي عام 2014، أنفقت الجهات الدولية المانحة للمعونات مبلغًا إجماليًّا بلغ 50 مليون دولار أمريكي على مكافحة الأمراض المزمنة ذات الصلة بالنظم الغذائية8 (انظر: "كبار المستثمرين").
إن السياسات العقابية والمبادئ التوجيهية الحكومية بشأن تناول الطعام الصحي والتشريعات الخاصة بسلامة الأغذية، لن تكفي لتغيير النظم الغذائية ليحصل مزيد من الأشخاص على تغذية أفضل، بل يجب على الحكومات أيضًا أن تقدّم حوافز إلى كبار المستثمرين في تلك النظم حتى يؤدّوا دورًا أكثر إيجابية بكثير في تحسين جودة التغذية.
أسهم استبدال الأقفاص التي وفرتها شركات التعبئة بسلال الخوص في حماية ثمار الطماطم بصورة أفضل خلال نقلها.
Akintunde Akinleye/Reuters
العمل المشترك
ظللتُ أعمل طيلة 25 عامًا في القطاع العام وحده. وأتولّى حاليًّا إدارة منظمة غير حكومية تدعم المقاربات بين القطاعين العام والخاص لتعزيز إنتاج الأطعمة المغذّية بكميات وفيرة وبأسعار معقولة وبأشكال مرغوبة. تُعرف هذه المنظمة باسم «التحالف العالمي لتحسين التغذية» (GAIN) ومقرّها جنيف في سويسرا. وبعد ثمانية عشر شهرًا فقط قضيتها في العمل، ازددتُ يقينًا بأن كثيرًا من العاملين في القطاع الخاص على استعداد لتوفيق أعمالهم التجارية لكسب المال وتحسين جودة التغذية للناس في الوقت نفسه.
لبعض رؤساء الشركات أسبابهم الخاصة، مثل الأمراض المزمنة التي أُصيب بها أشخاص من عائلاتهم بسبب النظم الغذائية. أما فيما يخص الشركات الأخرى، فإن تخصيص موارد لقضايا مثل التغذية يمكن أن يستقطب الموظفين الموهوبين وذوي العزيمة. بصفة عامة، لقد أدهشتني درجة الالتزام والمعرفة والنزاهة التي تُميّز كثيرين من أصحاب هذه «العقلية» المكتسبة حديثًا في القطاع الخاص.
يمكن أن تحسّن مشروعات التعاون بين القطاعين العام والخاص من جودة التغذية بطرق عديدة. نلاحظ أن أكبر عشر شركات متعددة الجنسيات تنتج أكثر من 50% من جميع المشروبات الغازية، ولكن أكبر عشر شركات في قطاع "الأغذية المُعبأة" والتي تورِّد منتجات تحمل علامات تجارية لتُباع في المتاجر والأسواق المركزية تحصد 15% فقط من مبيعات تلك الفئة على مستوى العالم9. لذا، ينبغي للعاملين في القطاع العام أن يتعاونوا مع الشركات الوطنية الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، وليس فقط مع الشركات الكبرى متعددة الجنسيات، بل ويمكن أن تتسع الشراكات لتضم شركات غير مشمولة في قطاع الأغذية.
على سبيل المثال، يمكن لشركات الهاتف المحمول أن ترسل إلى الناس رسائل نصية بموافقة الحكومة بشأن كيفية تناول طعام صحي، أو تنشر روابط بمعلومات عن نظم التغذية الصحية. ومن خلال توفير هذه الخدمة العامة، بإمكان تلك الشركات اجتذاب مزيد من العملاء10. تجري حاليًا تجربة هذا النهج في تنزانيا وبنجلاديش وغانا بالتنسيق مع الجمعية الدولية لشبكات الهاتف المحمول (GSMA)، وهي منظمة تضم في عضويتها أكثر من 300 كيان من مزوّدي خدمات الهاتف المحمول.
بالمثل، يمكن لشركات التسويق والإعلان تقديم المساعدة للعاملين في القطاع العام بـ"ترسيخ" الرسائل الإعلامية بشأن التغذية في أذهان الناس. فعلى سبيل المثال، تعاونت الحكومة الإندونيسية في عام 2014 مع وكالة إبداعية في البلد والتحالف العالمي لتحسين التغذية وكلية لندن للصحة والطب الاستوائي. وكانت ثمرة هذا التعاون فيديو مدته دقيقة واحدة، تتحدث فيه إحدى الأمهات بأريحية بشأن كيفية إخفاق جميع الأمهات الأخريات في تغذية أطفالهن التغذية السليمة. وعلى ما يبدو فقد كان لاستخدام الفكاهة والجوانب العاطفية مفعولها، على النقيض من التعليمات والتوجيهات الحكومية المعتادة بشأن ما ينبغي أن يتناوله الناس من طعام. وأشار تقييم مستقل للحملة إلى أنها ساعدت على تلبية الحد الأدنى من كفاية المغذّيّات بالنظام الغذائي لنسبة 50% من الرضع من سن 6 إلى 23 شهرًا في القرى التي قُيِّمت، بالمقارنة مع نسبة 36% من الرضع في القرى بالمجموعة الضابطة11.
يمكن أن تساعد الشركات المتخصصة في نقل الأغذية أو تعبئتها على الحد من فاقد الغذاء في أثناء التخزين والتوزيع، باستخدام تقنيات منخفضة التكلفة نسبيًا، مثل حاويات التخزين المُعاد استخدامها أو المواد العازلة رخيصة الثمن. (تحتوي الأغذية سريعة التلف مثل الفواكه على نسبة أعلى من المغذّيّات الدقيقة من مثيلاتها الأطول عمرًا مثل الحبوب). في عام 2017، يسَّرنا في التحالف العالمي لتحسين التغذية تحت قيادة حكومة ولاية لاجوس عملية التواصل بين مزارعي الطماطم في نيجيريا والمورّدين التجاريين للأقفاص البلاستيكية القابلة لإعادة الاستخدام. وأظهرت الدراسات في آسيا أن تلك الأقفاص المستخدمة بدلًا من سلال الخوص يمكنها الحدّ من الفاقد في الفواكه والخضراوات على امتداد سلسلة التوريد من نسبة 30–50% إلى 5% فقط12.
بالجمع بين المساعدة التقنية والمالية من القطاعين العام والخاص، يمكن للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم في مجالات مثل البستنة وتربية الأحياء المائية، أن تُنتج الأطعمة المغذّية بكميات وفيرة وبأسعار معقولة وبأشكال مرغوبة، وأن تحقق ربحًا أيضًا. استمر التحالف العالمي لتحسين التغذية في التعاون منذ عام 2013 مع نحو 500 شركة من تلك الشركات لضخ مزيد من وجبات الأطعمة المغذّية (مثل البقوليات والأسماك والفول السوداني والدجاج) في أسواق خمسة بلدان في أفريقيا وآسيا، ولطرح تلك الأطعمة بأسعار رخيصة. وتُظهر التقييمات المستقلة تحقيق بعض الإنجازات في هذا الصدد؛ فعلى سبيل المثال، ساعدت إحدى الشركات في كينيا على توفير أسماك البلطي لنسبة 68% (صعودًا من نسبة 49%) من السكان بأسعار معقولة في المنطقة حيث تمارس تلك الشركة أعمالها13.
خمس خطوات لتحسين الغذاء
ويبقى السؤال: كيف يمكن للحكومات والجهات المعنيّة الأخرى التي تسعى جاهدةً إلى تحسين جودة التغذية أن تتعرّف إلى الفرص وتغتنمها لتغيير السلوكيات؟ ثمة خمس خطوات ينبغي اتخاذها:
دعم الشركات العاملة في قطاع الأطعمة المغذّية: كثيرًا ما تُنشئ الحكومات مناطق لمعالجة الصادرات أو مجمّعات صناعية بإيجارات منخفضة، أو تفرض تعريفات جمركية مخفّضة على السلع المُصدّرة، لتشجيع مجالات الأعمال التي تعّزز النمو الاقتصادي مثلًا. ومن ثمَّ، لماذا لا تنشئ الحكومات مجمّعات صناعية لمنتجي الأطعمة المغذّية، مع خفض الإيجارات والضرائب وكذلك توفير إمدادات الكهرباء والمياه بأسعار أقل؟
إن معظم الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم التي تهدف إلى أن تصبح من عمالقة قطاع الغذاء في المستقبل تجد صعوبة في الحصول على الخدمات المالية، فهذه الشركات تُصنَّف على أنها عالية المخاطر بدرجة تجعلها غير قادرة على جذب الاستثمارات من المصارف، كما تجعلها غير مؤهلة لبرامج التمويل متناهي الصغر التي تقدّم قروضًا صغيرة (تتراوح بين دولار وعشرة دولارات أمريكية) للأسر شديدة الفقر. بإمكان الحكومات أيضًا استحداث أدوات مالية، مثل القروض منخفضة الفائدة لمورِّدي الأطعمة المغذّية، لتلبية احتياجات تلك الأسر.
بمقدور الحكومات أيضًا طرح "أختام جودة" نافذة تستهدف فئات محدّدة، مثل باعة الأغذية المتجوّلين بالشوارع والطرقات أو شركات متعهّدي توريد الأغذية، للتصديق على أن الطعام الذي يقدمونه صحي (أو غير صحي). وتشير التقييمات إلى أن التصنيفات باستخدام ألوان إشارات المرور الضوئية الثلاث -الأحمر والأصفر والأخضر- المعمول بها في المملكة المتحدة وأستراليا أو إشارات التوقف السوداء المستخدمة في شيلي تبدو وسائل فعّالة لتوجيه الناس نحو مصادر التغذية الأفضل14.
خلق الطلب على الأطعمة الصحية: كثيرًا ما يُطلعني أصحاب الشركات على أنه إذا أراد المستهلكون الحصول على مزيد من الأطعمة المغذّية، فإن بإمكانهم تلبية ذلك الطلب. ولكن الشركات هي التي تخلق الطلب، ويتلاعب بعضها لتحويل اتجاه ذلك الطلب نحو الأغذية غير الصحية، لا لسبب إلا أن تلك الأغذية سهلة الإنتاج بكميات كبيرة، كما أنها تتميّز بسهولة النقل والتسويق والبيع بهوامش ربح فلكية.
على الحكومات الأخذ بزمام المبادرة عندما يتعلّق الأمر ببناء الزخم لإقبال المستهلكين على الأطعمة الصحية، بقدر ما نجحت تلك الحكومات في تغيير سلوكيات الناس بشأن التدخين والقيادة تحت تأثير المشروبات الكحولية. ويعني ذلك إقامة شراكات مع المؤسسات غير الربحية والوكالات الإبداعية لجعل الرسائل الصحية المتعلقة بالطعام دقيقة وعالقة بالأذهان، بدلًا من أن تكون متكلفة وتبعث على الملل. في المملكة المتحدة، تعاونت "مؤسسة الطعام"، وهي منظمة غير ربحية تعمل على تحسين جودة التغذية، مع الوكالة الإبداعية «آي فور» ifour أواخر عام 2017 لابتكار رسائل وصور تستغلّ اهتمام الأطفال بالأبطال الخارقين لتشجيعهم على تناول الخضراوات. لم تُقيَّم آثار ذلك العمل بإحكام حتى الآن، ولكن إحدى المبادرات ذات الصلة التي استهدفت أُسرًا تعيش بإحدى مقاطعات دولة الإكوادور، أسهمت في زيادة استهلاك البيض في عام 2015 إلى بيضة واحدة يوميًا للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ستة وتسعة أشهر، مما ساعد على تحسين معدلات نموهم15. سيؤدّي تقديم مثل هذه الحوافز إلى زيادة طلب المستهلكين، ومن ثمَّ تشجيع الشركات على تلبية هذا الطلب.
إنشاء نماذج للمحاكاة: تحتاج الحكومات والشركات إلى أمثلة لأعمال ناجحة خضعت للتقييم ويمكن التعاون في إنجازها.
ويأتي كثير من الأدلة على فاعلية الشراكات بين القطاعين العام والخاص من مجالات أخرى، مثل الصحة والبنية التحتية والتعليم، أو من التقارير غير المنشورة لمؤسسات القطاعين العام والخاص أو من أذهان الأشخاص المشاركين. وقد خلُص استعراض للدراسات السابقة أُجري عام 2016 إلى أنه "يوجد عدد قليل من التقييمات المستقلة المُحكَمة لأثر مشاركة القطاع التجاري في مجال التغذية"16.
على وكالات الأمم المتحدة والمنظَّمات غير الحكومية والشركات التجارية والباحثين وأنصار تحسين التغذية تعزيز جهودهم في إطار نشر الدروس المستفادة، على سبيل المثال، عن طريق إنشاء مستودع للمعرفة. ويمكن أن يكون هذا المستودع شبيهًا بالموقع الإلكتروني الذي أنشأه البنك الدولي وأتاح الوصول إليه بالمجان بخصوص الشراكات بين القطاعين العام والخاص من أجل بناء الطرق والمواني وغيرها من مشروعات البنية التحتية (انظر: go.nature.com/2ptdgqm).
الشهرة وإلا التشهير: بمقدور الشركات الانحراف بمبادرات الصحة العامة عن مسارها الصحيح وتحريف الأبحاث المتاحة للجمهور، بما يلائم مصالحها الخاصة. فعلى سبيل المثال، اكتشفت دراسة استقصائية أجرتها "المجلة الطبية البريطانية" في عام 2015 أن باحثي الهيئات الاستشارية في المملكة المتحدة قد تلقوا تمويلًا من شركات المشروبات الغازية الكبرى17. لا نعرف حتى الآن مدى تأثير ذلك في الأبحاث، ولكن من الواضح أن ذلك الأمر قادر على تقويض الثقة بها.
بالمثل، يمكن للحكومات أن تُصعِّب على الشركات الإسهام بأعمال تصبّ في مصلحة التغذية، إما عن طريق غياب الوعي وإما من خلال سوء التخطيط. ومثالُ ذلك، تفرض بعض الحكومات تعريفة جمركية على استيراد الخليط سابق التجهيز Premix، وهو المُركّب الغنيّ بالمغذّيّات الدقيقة المستخدم بكميات صغيرة لتدعيم المواد الغذائية الأساسية، مثل القمح أو الذرة. يمكن لتلك التعريفة الجمركية إثناء شركات معالجة الأغذية عن تنفيذ استراتيجية الصحة العامة المُرشِّدة للتكلفة.
ثمة ضرورة لتفعيل نظام تصنيفي لإبراز الحكومات والشركات التي تُقدِم على خُطوات إيجابية أو ضارة بشأن التغذية.
يُعتبر «مؤشر توفير التغذية» (Access to Nutrition Index (www.accesstonutrition.org من بين العوامل التي أسهمت في تغيير الوضع القائم. وهو مؤشّر يَصدُر كل ثلاث سنوات ويَستخدم بصفة رئيسية المعلومات التي تقدّمها الشركات لتقييم أكبر 22 شركة متعددة الجنسيات في مجال تصنيع الأغذية والمشروبات على مستوى العالم من ناحية سياساتها وممارساتها وأدائها، فيما يتعلّق بسوء التغذية والسمنة. وعلى الرغم من أن المؤشّر قد بدأ في إصدار التقارير على المستوى الوطني، توجد ضرورة لإجراء مزيد من التقييمات الوطنية المستقلة والمستندة إلى الأدلة.
يُصنِّف البنك الدولي حاليًا 190 اقتصادًا وطنيًا وفقًا لمدى سهولة إنشاء الأعمال وتشغيلها في ذلك البلد. نظريًا، يمكن بالمثل تصنيف الحكومات وفقًا لمدى تيسير الإجراءات للشركات من أجل إنتاج الأطعمة المغذّية بكميات وفيرة وبأسعار معقولة وبأشكال مرغوبة، والتي من شأنها، مثلًا، خفض نسبة النساء اللاتي يعانين فقر الدم أو نسبة الأطفال الذين يعانون من البدانة. ستساعد تلك التقييمات (التي ربما يشترك البنك الدولي مع منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) في إجرائها) على الكشف عن أنواع الإجراءات الحكومية التي تساعد الشركات فعليًا لتحسين جودة التغذية.
تعزيز مشاركة القطاعين العام والخاص: سيؤدِّي فتح مزيد من قنوات الحوار بين الأشخاص المعنيّين بقطاع التغذية من القطاعين العام والخاص إلى تحفيز تنفيذ جميع الخطوات والإجراءات الأخرى.
ثمة اختلافات كبيرة في الثقافات واللغات وشبكات العمل بين المعنيّين بالنظم الغذائية في القطاعين العام والخاص. في الواقع، قبل انضمامي للتحالف العالمي لتحسين التغذية، كانت أحاديثي وعملي مقتصرة على الأكاديميين ومنفِّذي البرامج وصنّاع السياسات.
يمكن أن تساعد تدابير المساءلة الموصوفة هنا العاملين في القطاع العام على تحديد الجهات التي سيعقدون شراكات معها. ويساعد كذلك وجود مبادئ توجيهية دقيقة وعملية لمكافحة تضارب المصالح في الكشف عن تعرّض أهداف الصحة العامة للخطر.
هناك عديد من الوسائل التي يمكن من خلالها التشجيع على فتح مزيد من قنوات الحوار. فمثلًا، ينبغي أن تتضمَّن اللجان المشرفة على المؤتمرات مشاركين من كلا القطاعين. وبإمكان جهات التمويل العامة كذلك تخصيص حوافز للمقترحات البحثية المشتركة في مجال التغذية والمقدمة في إطار مشروعات التعاون بين القطاعين العام والخاص. كما يمكن لشركات ومؤسّسات القطاع العام إطلاق برامج لتبادل الموظفين. أما الدورات التدريبية على مستوى المسؤولين التنفيذيين، سواء في الجامعات أو مؤسسات القطاع الخاص، فبمقدورها أن تسهم في لمّ شمل المهنيّين من هذين القطاعين للتعلّم من المدربين المُستقطبين من كلا القطاعين.
عقد عديد من المحلّلين (بمن فيهم أنا شخصيًا، في الماضي) مقارنات بين "عمالقة صناعة التبغ" و"عمالقة صناعة الغذاء". وخلصوا في النهاية إلى أن الشركات الكبرى في كلتا الحالتين تتمتع بنفوذ هائل على المستهلكين والمجتمع، ومنتجاتها قادرة على إحداث ضرر بالغ.
لكن هناك فروق بالغة الأهمية، فعلى عكس قطاع التبغ، ليست شركات الغذاء الكبرى اللاعب المؤثر الوحيد في مجال صناعة الغذاء، فهناك الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم أيضًا. كذلك، لا يمكن لشركات التبغ العملاقة إنتاج تبغ يسهم في تعزيز الصحة العامة، في حين يمكن لشركات الأغذية العملاقة بل وهي تُنتج فعليًا أطعمة مغذّية ومستدامة. إن صناعة الغذاء، مدفوعة بسياستي الثواب والعقاب معًا، يمكنها أن تنتج أكثر وبتكلفة أقل.References
- Briggs, A. D. M. et al. Lancet Public Health 2, e15–e22 (2017). | article
- Nakhimovsky, S. S. et al. PLoS ONE 11, e0163358 (2016).| article
- Colchero, M. A., Rivera-Dommarco, J., Popkin, B. M. & Ng, S. W. Health Aff. 36, 564–571 (2017).| article
- Save the Children. Don’t Push It: Why the Formula Milk Industry Must Clean Up Its Act (Save the Children, 2018).
- Cairns, G., Angus, K., Hastings, G. & Caraher, M. Appetite 62, 209–215 (2013).| article
- Afshin, A. et al. PLoS ONE 12, e0172277 (2017). | article
- World Health Organization.https://www.who.int/nutrition/topics/global-nutrition-policy-review-2016.pdf. (WHO, 2018).
- International Food Policy Research Institute .https://www.ifpri.org/publication/global-nutrition-report-2016-promise-impact-ending-malnutrition-2030(IFPRI, 2016). | article
- Alexander, E., Yach, D. & Mensah, G. A. Glob. Health 7, 26 (2011). | article
- Turner, T., Spruijt-Metz, D., Wen, C. K. F. & Hingle, M. D. Pediatr. Obes. 10, 403–409 (2015). | article
- University of Sydney Impact Evaluation Consortium for Global Alliance for Improved Nutrition. Effectiveness of an Integrated Program to Reduce Maternal and Child Malnutrition in Indonesia: Cross-Sectional Impact Evaluation Report (Global Alliance for Improved Nutrition, 2017). | article
- Lipinski, B. et al. Reducing Food Loss and Waste. Working Paper (World Resources Institute, 2013).
- Altai Consulting. USAID–GAIN Case Study Annex to Technical Report on the MNF Assessment (USAID/GAIN, 2016). | article
- Cecchini, M. & Warin, L. Obes. Rev. 17, 201–210 (2016). | article
- Iannotti, L. L. et al. Pediatrics 140, e20163459 (2017). | article
- Hoddinott, J. F., Gillespie, S. & Yosef, S. World Rev. Nutr. Diet. 115, 233–238 (2016). | article
- Gornall, J. Br. Med. J. 350, h231 (2015). | article
لورانس حداد هو المدير التنفيذي للتحالف العالمي لتحسين التغذية (GAIN) في جنيف، سويسرا.
البريد الإلكتروني: lhaddad@gainhealth.org