أخبار

أُسُودٌ محنطة نادرة ضِمْن الاكتشافات المثيرة لعلم المصريات

مصر تكشف النقاب عن مومياوات أُسُود، في أعقاب الاكتشاف المذهل لعددٍ من التوابيت الخاصة بالبشر مباشرة، غير أنَّ الدولة تحتفظ لنفسها بحق دراسة هذه القطع الأثرية في الوقت الحالي.

أنتوانيتا روسي

  • Published online:
علماء الآثار يفتحون تابوتًا خشبيًّا بالقرب من مدينة الأقصر المصرية، وذلك في شهر أكتوبر الماضي.

علماء الآثار يفتحون تابوتًا خشبيًّا بالقرب من مدينة الأقصر المصرية، وذلك في شهر أكتوبر الماضي.

Khaled Desouki/AFP/Getty

عَمّت حالةٌ من الحماس الشديد أوساط علماء المصريات، بعد الكشف عن خمس مومياوات قديمة تخص حيواناتٍ من فصيلة السنوريات، منها مومياوتان - على الأقل - لأشبال أُسُود، بالإضافة إلى عددٍ كبير من القطع الأثرية الأخرى، استُخرجت من «الجبانة البوباستية» في منطقة سقارة بجنوب القاهرة. يُذكر أن هذه هي المرة الثانية التي يُعثر فيها على مومياوات أُسُود؛ حيث كانت المرة الأولى التي اكتُشفت فيها مومياوات أُسُود في عام 2004. تلا هذا الاكتشاف الأخير - الذي أُعلن عنه في الثالث والعشرين من نوفمبر - إعلانٌ آخر في الشهر الماضي عن اكتشاف 30 تابوتًا مغلقًا، ومحتوياتها البشرية المحنطة، في جبانة العساسيف بالقرب من مدينة الأقصر، التي تقع على بعد حوالي 500 كيلومتر جنوب سقارة.

يقارب طول كل مومياء من مومياوات الأُسُود في الاكتشاف الأخير حوالي المتر، ويرجع تاريخها إلى عهد الأسرة السادسة والعشرين في مصر القديمة (664 - 525 قبل الميلاد)، حسب بيانٍ صادر عن المجلس الأعلى للآثار، التابع لوزارة الآثار المصرية. وقد عُثِر على القطع الأثرية مع مجموعةٍ أكبر من مومياوات الحيوانات، إلى جانب تماثيل من الخشب والبرونز لقططٍ وتماسيح.

تقول سليمة إكرام، عالمة الآثار بالجامعة الأمريكية في القاهرة، التي تعمل مع الحكومة المصرية لتحديد ماهيّة المكتشَفات: "هذا اكتشافٌ بالغ الأهمية، ومثيرٌ للغاية، لأنَّه يكشف معلوماتٍ جديدة عن العلاقة بين الحيوانات البرية والخطيرة، والمصريين القدماء".

وتابعت قائلة: "من الممكن أن يشير ذلك الاكتشاف إلى مناطق تربية الأُسُود المصوَّرة في الرسوم في مصر"، مضيفًة أنَّ الأسود المحنطة في ذلك العمر نادرة للغاية.

كُشف المزيد كذلك عن محتوى التوابيت الخاصة بالبشر، المكتشَفة في الأقصر، وأهميتها. وكان قد أُعلن عن هذا الاكتشاف في الخامس عشر من أكتوبر، ويُعتقد أنَّه الاكتشاف الأضخم لتوابيت منذ اكتشاف 153 تابوتًا في موقع خبيئة باب القُسوس (أو باب القساوسة) القريب من الأقصر في عام 1891.

صُوِّر بعض من تلك التوابيت باستخدام التصوير المقطعي المحوسب، لتعذُّر إزالة اللفافات عن المومياوات. وتُظهِر عمليات التصوير بقايا رجلٍ في الخمسين من عمره، وسيدة في سن الخامسة والثلاثين، وطفلًا يتراوح عمره بين 8 و10 سنوات. وصرح متحدثٌ باسم وزارة الآثار لدورية Nature بأنَّ المومياوات الثلاث جميعها محفوظةٌ بحالة جيدة، وأنَّ الطفل كان يرتدي سوارين من الذهب.

اكتُشِفَت توابيت الأقصر الثلاثون متراصة في صفّين، مُكدَّسة، الواحد فوق الآخر، في حفرةٍ عمقها متر واحد تحت سطح الأرض. وتقول كاثلين كوني، رئيسة قسم لغات وثقافات الشرق الأدنى بجامعة كاليفورنيا في مدينة لوس أنجيليس الأمريكية: "لم أرَ أبدًا مثيلًا لهذا".

تقويم الأخطاء

هذه النواويس الخشبية الملونة هي من نوعٍ يُعرَف باسم توابيت «ستولا»، نسبةً إلى زِيّ الـ«ستولا»، المنقوشَة عليه مجموعةٌ من الأشرطة الحمراء. ويُعتقد أن هذا الزي كان يرتديه مَن هُم على صلةٍ بكهنة آمون، الذين مثّلوا أحد مراكز السلطة في مصر القديمة في القرن العاشر قبل الميلاد.

تتميز توابيت «ستولا» بنقوشٍ دقيقة ومتشابكة، تتضمن رموزًا دينية معقدة، بالإضافة إلى تفاصيل ومعلوماتٍ شخصية عن المُتوفَّى. وتقول كوني إنَّ العثور على المومياوات داخل توابيتها هو أمرٌ شديد الأهمية، و"ربما يصحح - أو حتى يلغي - آثار قرنٍ من الأخطاء الأكاديمية الاستعمارية التي ارتكبها علماء المصريات، الذين فصلوا التوابيت عن المومياوات، ولم يدرسوا الآثار البشرية كما ينبغي، أو لم تكن لديهم الرغبة في ذلك".

وصورة لفحصٍ بالتصوير المقطعي المحوسب لإحدى مومياوات أشبال الأُسُود.

وصورة لفحصٍ بالتصوير المقطعي المحوسب لإحدى مومياوات أشبال الأُسُود.

Hamada Elrasam/AP/Shutterstock

وأضافت قائلة: "المهتمون بالتوابيت سوف تسترعيهم دراسة نوع الخشب، ومواد الطلاء، والورنيش، وسيتّجه أولئك المنشغلون بدراسة الأمراض القديمة إلى فحص صحة المومياوات. أما بالنسبة إلى شخصٍ مثلي يدرس حيوات القدماء، فهذا يساعد على بث الحياة فيها من جديد".

ومع ذلك.. تخفف من حدة حالة الترقب هذه معرفة أنَّه لن يُسمح بعد للباحثين خارج مصر بدراسة المكتشَفات، لأنَّ الحكومة المصرية قَصَرَت إمكانية دراستها على المؤسسات المصرية في الوقت الحالي.

إحدى مومياوات السنوريات، التي عُثِر عليها في منطقة سقارة بمصر.

إحدى مومياوات السنوريات، التي عُثِر عليها في منطقة سقارة بمصر.

Khaled Desouki/AFP/Getty

وردًّا على سؤالٍ طرحته دورية Nature حول ما إذا كان الباحثون الدوليون يمكنهم الإسهام في دراسة تلك الاكتشافات، أم لا، تماشيًا مع الممارسة المتَّبعة في الكثير من المتاحف والمؤسسات البحثية المعنية بالتراث في جميع أنحاء العالم، أجاب وزير الآثار خالد العناني قائلًا: "لن ندعو لتقديم المقترحات البحثية في هذه الدراسة".

قاد الفريقَ الذي عثر على التوابيت ومومياوات الحيوانات مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار. ولا يَستبعِد وزيري المشاركة الدولية في دراسة المكتشَفات لاحقًا، لكنَّه يؤكد أنَّ أي جهودٍ مستقبلية سيقودها الباحثون المصريون (انظر: الافتتاحية المنشورة بعنوان "مشاركة آخر اكتشافاتها مع علماء المصريات قد يعود بالفائدة على مصر").

وتأمل فيليكه فندريخ - رئيسة قسم علم الآثار الثقافية الأفريقية بجامعة كاليفورنيا في مدينة لوس أنجيليس، التي أصبحت رئيسة الرابطة الدولية لعلماء المصريات هذا العام - أن يتيح المسؤولون في النهاية للباحثين من الدول الأخرى دراسة الآثار المكتشَفة. وحثّ عالِم مصريات آخر - طلب عدم الكشف عن هويته - الحكومة المصرية على عدم تأجيل الأمر، قائلًا إنَّ "العِلْم يَنتفِع بتعدُّد المواهب".