كتب وفنون

 كيف يضر الوصمُ بالصحة العامة 

دراسة مثيرة تكشف الآثار المدمرة للوصم والتمييز. 

جولي بوليرويتز
  • Published online:
شخص مصاب بمرض نقص المناعة البشرية في عيادة ماي تاو بتايلاند.

شخص مصاب بمرض نقص المناعة البشرية في عيادة ماي تاو بتايلاند.

Alvaro Ybarra Zavala/Getty

انطلاقًا من عملي باحثة في مجال الصحة العامة، مهتمة بفيروس نقص المناعة البشرية في مختلف أنحاء العالم، فقد رأيت بأُمّ عَينَيّ الدمار الذي يمكن أن يلحقه الوصم؛ فبسببه يتعرض الأشخاص للنبذ والانعزال، ناهيك عن التمييز في الرعاية الصحية، والعمل، والتعليم؛ وحرمانهم من الحصول على الخدمات، والأدوية التي قد تنقذ حياتهم.

وكما يحاجج كتابٌ جديد لاثنتين من عالمات الأنثروبولوجيا الطبية، هما أليكساندرا برويس، وآمبر ووتيتش، فإن الوصم يسلب الناس كرامتهم، ويؤدي إلى تردي الظروف السيئة بالفعل التي تعيشها الفئات الأفقر والأضعف، بل يمكن أن يؤثر الوصم - في حد ذاته - بقوة على صحة الأفراد، كأنْ يصيبهم بالاكتئاب، بل وقد يدفعهم إلى الإقدام على الانتحار.

تعمل كل من برويس، وووتيتش في بلدين منخفضَي الدخل. ويكشف عنوان كتابهما: «كسول، ومجنون، ومثير للاشمئزاز»Lazy, Crazy, and Disgusting  عن مجالات اهتماماتهما، المتمثلة في السمنة، والأمراض العقلية، والصرف الصحي المحلي. وتركز المؤلفتان على دراسات حالة نوعية مُفَصّلة في مجالات متنوعة، تتناول ثلاثة أمور: كيف تنشأ الوصمة وتؤثر على الفئات الأكثر تهميشًا؛ ولماذا يصعب التصدي لها؛ وكيف يمكن لجهود الصحة العامة أن تؤججها، دون قصد.

تشكل المسألة الثالثة - ألا وهي التبعات غير المقصودة للحملات الصحية الكبيرة - أطروحة الكتاب الرئيسة. ومع أنها مسألة يندر طرحها، إلا أنها مُلِحّة. فعلى سبيل المثال.. حين قام مجتمع الصحة العامة الأمريكي بتأطير المدخن على أنه يُعَرِّض غيره لخطر الإصابة بالسرطان من خلال التدخين "السلبي غير المباشر"، فقد أصابت هذه الرسائل الهدف؛ فتغيرت الأعراف الاجتماعية المتعلقة بمدى قبول التدخين، وتحمس عدد كبير من المدخنين للإقلاع عن التدخين، بل وأقلعوا بالفعل.، غير أنّ ذلك صاحَبَتْه عواقب سلبية أيضًا؛ فصار المُدَخُّن يُلام علي إدمانه للتبغ، وكثيرًا ما كان يُوَبَّخ المصابون بالأمراض المرتبطة بالتدخين (حتى مَن لم يسبق لهم التدخين أبدًا) بأنهم هم مَن جلبوا المرض لأنفسهم؛ في الوقت الذي أفلتت فيه شركات التبغ من الانتقاد.

وعلى المنوال نفسه، توضح المؤلفتان كيف أن المخاوف من تبعات السمنة - مثل مرض السكري، وأمراض القلب والأوعية الدموية - قد أدت إلى تعيير الآخرين بالسمنة، وبالتالي الإصابة بالاكتئاب، وغيرها. وذلك على الرغم من ارتباط السمنة ارتباطًا وثيقًا بالأحوال الاجتماعية والاقتصادية، وتعذر الحصول على الأطعمة عالية الجودة، مثل الفواكه، والخضراوات الطازجة. وهكذا، فإن إلقاء اللوم على الأفراد ينطوي على ظلم بيِّن، ويعود بنتائج سلبية. وفي ظل تزايد انتشار السمنة والأمراض المرتبطة بها في جنوب الكرة الأرضية، تحذر برويس وووتيتش من التأثير المتفاقم للرسائل الضارة، وتوابعها.

وعلى جانب آخر.. كانت الحلول التي تناولتها المؤلفتان أضعف؛ فمع تأييدي لدعوات المؤلفتين إلى زيادة التوعية في أوساط القائمين على الرعاية الصحية، من أجل تتبع مستويات الوصم، واعتماد سياسات قائمة على الأدلة، فإنني أرى أنه لا بد من توفر استجابة أكثر شمولًا ودقة. فثمة فروقٍ مهمة، مثلًا، بين تدابير الصحة العامة لتقليل مشاعر اللوم والخجل الداخلية لدى الناس من جهة، والجهود التشريعية للحدّ من الوصم "المَسْنُون"، بمعنى: حالات التمييز، من جهة أخرى. وقد يؤدي الشعور الداخلي بالوصم إلى الإصابة بالاكتئاب، وقد يستفيد مَن يعانون منه من الاستشارات النفسية. وفي المقابل، يتعين التصدي لانتهاكات حقوق الإنسان بسياسات وقوانين مناهِضة للتمييز.

وبالإضافة إلى ذلك.. لم يتطرق الكتاب إلى مفهوم مهم، ألا وهو الوصمات المتداخلة. فعلى سبيل المثال.. فقد يعاني الشخص المصاب بفيروس نقص المناعة البشرية من وَصْمٍ وتمييز مُرَكَّبَين، إذا كان يعمل في تجارة الجنس، ويتعاطى المخدرات عن طريق الحقن. ويسوق الكتاب فيروس نقص المناعة البشرية كمثال لقصة نجاح، أسفرت فيها جهود المجتمع الصحي العالمي المكثفة – مثل السياسات والحملات الإعلامية المتعلقة بالصحة – عن تقليل الوصم بقدرٍ كبير.

ولكنْ بكل أسف.. هذا لا ينطبق إلا على بعض المجتمعات، لا سيما في البلدان ذات الدخل المرتفع، حيث تحولت الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية إلى مرض مزمن؛ من خلال تناول الأدوية المضادة للفيروسات العكسية. ففي أغلب الأحيان لا تصل هذه الأدوية إلى الفئات الأكثر احتياجًا، وفي العديد من السياقات، تبقي حالات الوصم المركّب متفشية، فعلى سبيل المثال.. يتعرض متعاطو المخدرات للتجريم، ويعانون من أجل الحصول على الرعاية الصحية.

ومع هذا.. يسد هذا الكتاب الشيق فجوةً هائلة في الكتابات العلمية، موجِّهًا رسالة تنبيه إلى الباحثين والممارسين غير المُلِمِّين بالموضوع، كما أنه يُذَكِّر بضرورة العمل معًا؛ لتجنب أي تبعات غير مقصودة لجهود تعزيز الصحة.

جولي بوليرويتز تدير برنامج نقص المناعة البشرية والإيدز في  مجلس السكان، وهي منظمة دولية غير ربحية، مقرها مدينة نيويورك.

البريد الإلكتروني: jpulerwitz@popcouncil.org