كتب وفنون

نفايات الكوكب: رحلة في عالم المخلفات

رحلة استكشافية عبر المدّ العالمي للمخلفات، توضح كيف يمكننا تجنب الغرق فيها.

إدوارد هيومز
  • Published online:
أرفف محملة بحِزَم بضائع، تنقلها الروبوتات داخل أحد مخازن شركة «أمازون» في نيو جيرسي

أرفف محملة بحِزَم بضائع، تنقلها الروبوتات داخل أحد مخازن شركة «أمازون» في نيو جيرسي

Demetrius Freeman/The New York Times/Redux/eyevine

في رحلة ممتدة تتيح لنا نظرة متعمقة داخل عالَم الإصلاح، وإعادة الاستخدام، والمخلفات، يصحب كتاب «السلع المستعمَلة» Secondhand قرّاءه لسبر أغوار الجانب الخفي للاقتصاد الاستهلاكي، حيث يقدم لنا آدام مِنتر - الصحفي المتخصص في التكنولوجيا والبيئة - في أثناء استكشافه للمدّ العالمي الضخم للبضائع المستخدَمة والمتخلَّص منها، كتابًا حافًلا بالغرائب والنفائس، شأنه شأن متاجر الأغراض المستعمَلة، التي يعشق التردد عليها.

إن التصنيع - الذي يمثل بداية خط الاستهلاك الآخِذ في التمدد - يُلْحِق أضرارًا كبيرة بالبيئة. وتقدِّر الأمم المتحدة أن صناعة الموضة - على سبيل المثال - مسؤولة عن 10% من انبعاثات غازات الدفيئة، و20% من الماء المهدَر. كما أن 85% من الأقمشة ينتهي بها المطاف في مكبّات النفايات، أو تتعرض للحرق. وبالإضافة إلى ذلك.. تمتلئ بيوتنا بمنتجات أخرى، مثل الأثاث، وأدوات المطبخ، والأحذية، والديكور، والأجهزة التي تنتهي إلى مصائر مشينة مماثلة ضارة بالاستدامة، بيد أن نسبة كبيرة من بضائع الاستهلاك العالمي تحظى بفرصة حياة ثانية وثالثة من خلال اقتصاد إعادة الاستخدام. ويتأمل مِنتر في كتابه «السلع المستعمَلة» تكاليف استخدام الأشياء، وفوائدها، بنبرة تدل على دهشة وتفاؤل حَذِرَين.

إنّ كتاب «السلع المستعملة»، الذي يأتي تتمة لكتاب «كوكب النفايات» Junkyard Planet  الذي أصدره مِنتر في عام 2013، يغلب عليه طابع قصصي، وليس تحليليًّا.. فهو يتنقل بالقراء من متاجر «جودويل» Goodwill للبضائع المستعمَلة في ولاية أريزونا إلى مستوردي بقايا الأقمشة النيجيريين والباكستانيين، وأكشاك تاجر مكسيكي يُعرف باسم «رجل الأحذية» Shoe Guy. ويقدم الكتاب - بما ينطوي عليه أحيانًا من ملاحظات غير بديهية - فكرة مهمة في بدايته، صادرة عن شخص احترف تخليص البيوت من فوضى الأشياء، ومفادها هو أن جميعنا يهوى الاكتناز، لكنّ الدرجة التي يمثل عندها الاكتناز مشكلة هي أمر نسبي.

ويوضح مِنتر أنه يسود حاليًّا سلوك جماعي غير مسبوق في تاريخ البشرية، يتمثل في احتفاظنا بأشياء تزيد على حاجتنا، أو لا يمكن حتى لبيوتنا أن تسعها. ويشير الكاتب إلى أنه في الفترة من عام 1967 إلى عام 2017، زاد إنفاق الأمريكيين بمقدار عشرين ضِعفًا على أشياء متنوعة، من الأرائك إلى الهواتف المحمولة. كما يؤكد أن أنماطًا مشابِهة لفرط الاستهلاك قد أخذت تتزايد في مختلف أنحاء العالم. وفي نِقاش مذهل، يوضح مِنتر كيف أن المستهلكين يشترون أشياء تزيد على حاجتهم، متناولًا صناعة مستودعات التخزين الصغيرة الأمريكية، التي تستوعب الأشياء الفائضة عن حاجة المنازل. ويشير إلى أنه بحلول عام 2017، كان هناك ما يزيد على 54 ألف شركة لتخزين الأغراض المنزلية تحقق دخلًا سنويًّا يبلغ ثلاثة أضعاف عوائد مبيعات أفلام هوليوود، التي بلغت 12 مليار دولار في عام 2018.

في النهاية، فشلنا جميعًا في بناء اقتصاد دائري؛ يقي من الإهدار، عن طريق تصميم منتجات استهلاكية تحتفظ بقيمتها خلال الاستخدام، وإعادة الاستخدام، وإعادة التدوير. ويرى مِنتر أن هذه أزمة مميزة لعصرنا الحالي.

وتمثل هذه مشكلة مزعجة، لها آثار واسعة النطاق، لكنّ مِنتر - وهو ابن أحد مالكي باحات الخردوات – منبهر - في الوقت نفسه - بما يدور داخل عالَم الأغراض المستعملة، ويجد متعة في استكشاف اختلاف النظرة الثقافية للأغراض المستعملة من بلد إلى آخر.

عمال يفرزون بالات ملابس مستعملة في مركز لإعادة التدوير في السنغال.

عمال يفرزون بالات ملابس مستعملة في مركز لإعادة التدوير في السنغال.

Darame/AFP/Getty

وتمثل اليابان إحدى دراسات الحالة الأكثر إثارة للاهتمام، التي أجراها مِنتر في هذا الصدد؛ فمجتمعها المتقلص، الآخِذ متوسط أعمار سكانه في التزايد، يترك وراءه منازل مليئة بأشياء لا وريث لها. وقد برعت اليابان في تحويل وصمة العار المرتبطة بالبضائع المستعملة إلى فضيلة. وتُعَد شركة «بوك أوف» Bookoff، التي تشتري البضائع المستعملة وتبيعها في متاجر أنيقة ذات أضواء براقة، رائدة في هذه الحملة. فحين افتُتحت الشركة في عام 1991، قامت بتصميم ماكينة لإعادة تجديد الكتب بالتخلص من البقع في الصفحات؛ وتم تطبيق طرق مماثلة على الملابس. وحينها، بدأ المستهلكون تدريجيًّا في إدراك أن الحفاظ على الأشياء بحالة جيدة يجعلها تحتفظ بقيمتها، وهو ما يعني بيعها بأسعار أفضل. وفي نهاية المطاف، بدأت البضائع المستعملة تدخل المتاجر وهي في حالة أشبه بالجديدة، ليتم الاستغناء عن الماكينات.

ويؤكد مِنتر أننا بحاجة إلى مثل هذا التَغَيُّر الفكري في جميع أنحاء العالم، بيد أن هذا الاتجاه يشكل جانبًا واحدًا من وصفته لبناء اقتصاد استهلاكي مُعَدَّل، يحمينا من الغرق في المخلفات. ويقر مِنتر بأن المهمة صعبة للغاية؛ فقد وجد في معظم أسفاره أن المستهلكين يفضلون - في أغلب الأحوال - البضائع الجديدة، وأنهم يفضلون الأغراض الجديدة الرخيصة رديئة الجودة، التي تبلى بسرعة، على الأغراض المستعملة عالية الجودة، حتى لو كانت في حالة ممتازة.

وتبيع متاجر التجزئة - مثل «وُولْمارت» في الولايات المتحدة، وسلاسل توريد منتجات الموضة السريعة في المملكة المتحدة - الكثير من البضائع قصيرة الأجل، الزهيدة في تكلفة تصنيعها، بأسعار البضائع في متاجر الأشياء المستعمَلة. وهو ما يدفع الأفراد إلى شراء المزيد من الأشياء الجديدة، ويحفز الشركات لإنتاج المزيد من البضائع التي تظل قيمتها متدنية عند إعادة بيعها. ويجد مِنتر أنه من المثير للحسرة أنه حتى على موقع «eBay» - وهو مزاد إلكتروني، بدأ كقوة غيَّرَت مشهد مبيعات البضائع المستعملة - فإن البضائع الجديدة رديئة الصنع تشكل أكثر من ثمانٍ من كل عشر حركة مبيعات على الموقع.

ويرى مِنتر أن تقييم صافي أثر اقتصاد إعادة الاستخدام ليس بالمهمة السهلة على الإطلاق، فرغم أن هذا القطاع وفّر وظائف ومصادر جديدة للمنتجات عالية الجودة يسيرة التكلفة في الدول منخفضة الدخل، فتدفق البضائع المستعملة قد يدمر صناعات. فإذا نظرنا إلى كينيا، على سبيل المثال، وهي موطن لأحد أكبر أسواق الملابس المستعمَلة في العالم، سنجد أن صناعة الأقمشة التي كان يعمل بها 500 ألف عامل في ثمانينيات القرن الماضي تضاءل حجمها، وانخفض عدد العاملين بها الآن إلى عُشر هذا العدد.

ويوفر كتاب «السلع المستعملة» بعض الحلول الممكنة، بخلاف شرح المهمة الشاقة، المتمثلة في تغيير التفضيل المتأصل لدى المستهلك للشيء للجديد. فيشير الكتاب إلى أن شركات التصنيع تَختبِر في الوقت الحالي لحظة تدرك فيها أن متانة المنتجات وطول أجلها أَمران جيّدان من الناحية التجارية. ومن الأمثلة على ذلك... تلك الاستراتيجية التي تنتهجها شركة «ديل» Dell في تصنيع أجهزة كمبيوتر طويلة الأجل، قابلة للترقية، يمكن تأجيرها لمدة ثلاث سنوات، ثم إعادة بيعها كبدائل موفرة لأجهزة جديدة. كذلك فإن مِنتر من مؤيدي قوانين الحق في الإصلاح، باعتبارها تجابه تصنيع المنتجات غير القابلة للإصلاح، بالإضافة إلى حركة مقاهي إصلاح الأغراض التالفة المتنامية في أوروبا (التي تبدو غائبة كقوة مؤثرة في الولايات المتحدة).

ولا تمثل الحلول نقطة قوة في كتاب «السلع المستعمَلة»، لكنّ مِنتر نجح ببراعة في استخدام قصص مَن يعملون في عالم المخلفات؛ لنتأمل عاداتنا في الاندفاع إلى الشراء، وليشجعنا على الانضمام إلى اقتصاد إعادة الاستخدام، والإصلاح، وإعادة التدوير.

إدوارد هيومز صحفي، فاز بجائزة «بوليتزر»، وهو مؤلف لـ15 كتابًا، من بينها «حريق» Burned، و«علم النفايات» Garbology، و«من الباب إلى الباب» Door to Door.

 البريد الإلكتروني: ehumes@edwardhumes.com