أخبار
أقمار «سبيس إكس» تهدد علم الفلك
علماء الفلك يخشون أن تتسبب خطط إرسال عشرات الآلاف من الأقمار الصناعية إلى مدار الأرض في تعطيل الرصد الفلكي.
- Nature (2019)
- doi:10.1038/d41586-019-03446-y
- English article
- Published online:
SPACEX
أطلقت شركة الرحلات الفضائية «سبيس إكس» SpaceX 60 قمر اتصالات صناعيًّا إلى مدار الأرض في شهر نوفمبر 2019، كي يكون بمثابة قاعدة لشبكة من مركبات الفضاء، تهدف إلى إتاحة الوصول إلى شبكة الإنترنت عالميًّا، غير أن العديد من علماء الفلك يساورهم القلق من أن تلك «المجموعات الهائلة من الأقمار الصناعية» - التي تعتزم شركات أخرى إطلاق عشرات الآلاف منها في السنوات القادمة – قد تتداخل مع عمليات رَصْد الكون بالغة الأهمية. ويخشى الباحثون أن تعوق الأقمار الترددات الضرورية في عمليات الرصد الفلكي، وأن تُوَلّد خطوطًا ضوئية وهَّاجة، وتزيد الاختناقات في مدار الأرض، مما يرفع من مخاطر وقوع الاصطدامات.
أرسلت «سبيس إكس» مجموعتها الثانية من تلك الأقمار الصناعية – التي تُسمى «ستار لينكس» Starlinks – إلى مدار الأرض من قاعدة كيب كانافيرال بولاية فلوريدا في الحادي عشر من نوفمبر. وكانت المجموعة الأولى المؤلَّفة من 60 قمرًا قد أُطلقت في مايو 2019، ولكن هذه الإطلاقات ليست سوى البداية، فربما يوجد المئات من «ستارلينكس» في المدار بحلول نهاية عام 2020، فضلًا عن أن «سبيس إكس» تأمل في إرسال الآلاف منها في السنوات القادمة. وتعتزم شركات أخرى، مثل شركة «أمازون» Amazon، ومقرها في سياتل بولاية واشنطن، وكذلك شركة «وان ويب» OneWeb، المتخِذة من مدينة لندن مقرًا لها، إطلاق أقمار صناعية يمكن أن يصل عددها مجتمعةً إلى أكثر من ضعف العدد الحالي. تستهدف هذه الأقمار الصناعية توفير خدمة إنترنت موثوق فيها للمجتمعات المحرومة من الخدمات في مختلف أنحاء العالم، بالإضافة إلى استخدامات أخرى لتلك الأقمار في المستقبل، منها تحسين شبكة إنترنت الأقمار للطائرات الحربية.
وعلى الرغم من أن عدد المجموعات الهائلة من الأقمار الصناعية التي سيتم تصنيعها فعليًّا ليس محددًا، فقد بدأ العديد من الباحثين في تحليل كيفية تأثير شبكات الأقمار الصناعية على عِلْم الفلك. ولا يبدو الوضع سيئًا كما كان التخوف في بداية الأمر، ومع ذلك.. فإنه قد يغيِّر - بشكل هائل - كيفية أداء بعض علماء الفلك لوظائفهم.
خطوط ضوئية في السماء
الأقمار الصناعية ليست تحديًا جديدًا يواجه علماء الفلك، فالجيش الأمريكي يتتبع ويُصْدِر معلومات عمَّا يقرب من 20 ألف جسم في مدار الأرض، العديد منها أجسام صغيرة لا تتداخل مع عمليات الرصد. ويقول باتريك سيتزر، عالِم الفلك بجامعة ميشيجان في مدينة آن آربور: «ما يثير القلق حقًّا هو مدى السطوع الذي ستكون عليه تلك المجموعات الجديدة من الأقمار الصناعية».
تعتزم «سبيس إكس» خلال العام القادم تقريبًا إطلاق مجموعة أولية من أقمار «ستارلينكس» الصناعية، تتألف من 1,584 قمرًا إلى مدارات على ارتفاع 550 كم. وفي موقع مثل سيرو تولولو في تشيلي، الذي يضم الكثير من التليسكوبات الكبرى، يمكن رؤية من ستة إلى تسعة من تلك الأقمار لمدة ساعة تقريبًا قبيل حلول الظلام، وبعد بزوغ الفجر كل ليلة، وذلك وفقًا لحسابات سيتزر.
ويرى أوليفيه هاينوت - عالِم الفلك بالمرصد الأوروبي الجنوبي (ESO) في جارشينج بألمانيا - أن معظم التليسكوبات يستطيع أن يتعامل مع هذا الأمر، مضيفًا أنه حتى لو أَطْلَق المزيد من الشركات مجموعات هائلة من الأقمار الصناعية، سوف يتمكن الكثير من علماء الفلك من مواصلة عملهم. ووفقًا لحسابات هاينوت، إذا أُطلق 27 ألف قمر صناعي، فعندئذ سوف تفقد تليسكوبات تشيلي بالمرصد الأوروبي الجنوبي حوالي 0.8% من زمن الرصد طويل الأمد قرب وقتَي الفجر، والغروب. ويضيف قائلًا: «لا نقوم عادةً برصد طويل الأمد أثناء الشفق. ونحن على يقين من أنها لن تكون مشكلة بالنسبة لنا».
ورغم ذلك.. فثمة تليسكوب متطور وشيك، من الممكن أن يعاني من مشكلة أكبر، إذ سوف يستخدم «تليسكوب المسح الشامل الكبير» LSST في الولايات المتحدة الأمريكية كاميرا ضخمة؛ لدراسة المادة المظلمة، والطاقة المظلمة، والكويكبات، وغيرها من الظواهر الفلكية. وسوف يقوم بمسح شامل للسماء المرئية مرةً كل ثلاث ليال، على الأقل، بدءًا من عام 2022. ويرى توني تايسون - عالِم الفلك بجامعة كاليفورنيا في ديفيز، وكبير علماء مركز تليسكوب المسح الشامل الكبير - أن هذا التليسكوب يمتلك مجال رؤية واسعًا، ولذلك.. قد تؤثر عليه الأقمار الصناعية السابحة في السماء تأثيرًا كبيرًا.
بدأ تايسون وزملاؤه في دراسة كيفية تأثير ما يصل إلى 50 ألف قمر صناعي جديد – وهو العدد المُقدَّر من واقع ما سجلته الشركات لدى الحكومة الأمريكية – على أعمال الرصد التي يقوم بها مركز تليسكوب المسح الشامل الكبير. وتشير النتائج الأولية إلى أن التليسكوب يمكن أن يفقد كَمًّا كبيرًا من وقت الرصد لديه، بسبب الأقمار الصناعية قرب وقتَي الغروب، والفجر.
طلاء الأقمار بالأسود
ثمّة تأثيرات أخرى، بخلاف خسارة زمن الرصد؛ فالخطوط الساطعة التي تغطي الأقمار الصناعية يمكن أن تُشبع مجسَّات الكاميرا؛ مما يعطي إشارات كاذبة. وقد تتفاقم هذه المشكلة في الصيف عندما تكون الأقمار الصناعية مرئية لفترات أطول، مما يمهد لوجود تحيّز موسمي قد يضرّ بدراسات مركز تليسكوب المسح الشامل، التي يلزم أن تَعتمِد على إحصائيات تتراكم على مر الزمن، ومنها الدراسات الخاصة بالمادة المظلمة.
يقول بول دابا - وكيل وزارة الطاقة الأمريكية لقسم العلوم، التي تقوم بتمويل كاميرا مركز تليسكوب المسح الشامل الكبير - إن تلك المسائل يمكن تنظيمها.. فالقائمون على تشغيل الأقمار يمكنهم تزويد علماء الفلك بمعلومات مفصَّلة عن أماكن وجود الأقمار في السماء في أي وقت، بحيث يمكن للقائمين بالرصد جدولة مواعيد الرصد، آخذين في الحسبان المواعيد المتوقعة لمسارات الأقمار الصناعية. ويمكن أيضًا أن تقوم الشركات بطلاء السطوح المواجهة للأرض من المركبات باللون الأسود القاتم، مما يجعلها تبدو أقل سطوعًا.
وقد صرحت شركة «سيبس إكس» أنها «تتخذ خطوات لجعل قاعدة الأقمار الصناعية ستارلينك سوداء، لتسهم في تخفيف آثارها على مجتمع الفلك»، لكنها لم تذكر ما إذا كانت ستطبِّق ذلك على مجموعة الأقمار التي أطلقتها للتو، أم لا. وصرحت الشركة كذلك لدورية Nature بأنها تُطْلِع الجيش الأمريكي على المعلومات الخاصة بمواقع الأقمار، وتتواصل مع مجموعات من علماء الفلك؛ لتحديد الآثار، وتقييم استراتيجيات التخفيف من حِدّتها.
التداخل الراديوي
يواجه اختصاصيو علم الفلك الراديوي مجموعة ثانية من التحديات؛ فهم يرصدون الكون في نطاق أطوال موجية ضوئية تُستخدم كذلك في اتصالات الأقمار الصناعية. ورغم تنظيم استخدام تلك الترددات، فإن العدد الضخم من الأقمار المزمع إطلاقها من شأنه تعقيد الموقف، وفقًا لما قاله توني بيسلي، مدير المرصد الوطني الأمريكي لعلم الفلك الراديوي في شارلوتسفيل بولاية فيرجينيا. فعندما تتصل الأقمار الصناعية بالمحطات الأرضية، قد تتداخل إشاراتها مع أعمال الرصد الخاصة بدراسات علم الفلك الراديوي، مما يجعل البيانات الفلكية غير مجدية.
يتواصل المرصد حاليًّا مع شركتَي «سبيس إكس»، و«وان ويب» بشأن الترددات التي سوف تستخدمها مجموعات الأقمار الصناعية الخاصة بهما في عمليات البثّ. فقد تُقَرِّر الشركتان تحويل الترددات بعيدًا عن تلك المستخدَمة في أعمال رصد علم الفلك الراديوي. وثمّة فكرة أخرى مطروحة، هي أنْ تُوقِف الأقمار الصناعية اتصالاتها عند مرورها فوق المنشآت الخاصة بعلم الفلك الراديوي.
قد يسهم العدد الهائل من الأقمار الصناعية أيضًا في تفاقم مشكلة المخلفات الفضائية لكوكب الأرض؛ إذ أحدثت المجموعة الأولى من «ستارلينكس» بالفعل بعض الاختناقات، حتى إنه في شهر سبتمبر 2019 اضطرت وكالة الفضاء الأوروبية (ESA) إلى تغيير مسار قمرها الصناعي «أيولوس» Aeolus - المضطلع بوضع خرائط الرياح - بعيدًا عن مسار إحدى مركبات «ستارلينكس». والمفترَض أن تتحرك أقمار ستارلينكس تلقائيًّا بعيدًا عن أية اصطدامات محتملة، غير أنه وقع خطأ في الاتصالات بين وكالة الفضاء الأوروبية، وشركة «سبيس إكس»؛ كَشَفَ أنّ كل طرف كان يجهل ما يقوم به الطرف الآخر. ويرى هولجر كراج - رئيس مكتب الحطام الفضائي بوكالة الفضاء الأوروبية في دارمشتات بألمانيا - أن هذا الحادث ألقى الضوء على حقيقة افتقار الشركات القائمة على تشغيل الأقمار الصناعية إلى استراتيجية عالمية لمجابهة حالات وجود قمرين على مسار ينذِر باصطدام مرتقب.
ويأمل كراج وزملاؤه أن يسهموا في وضع نظام عالمي؛ لتجنب الاصطدامات، بحيث يستطيع أن يَكشِف من تلقاء نفسه عن الاصطدامات المحتملة، ويوجه الأقمار الصناعية للتحرك إلى أماكن أكثر أمانًا. وعن هذا.. يقول: "نطمح أن نرى ذلك في غضون عامين، أو ثلاثة أعوام".