أخبار

نمو أجنة من الرئيسيات في المختبر لفترة أطول من أي وقت مضى

أجنة لقردة، عمرها 20 يومًا، قد تعيد إشعال الجدل حول الفترة الزمنية التي ينبغي فيها السماح للأجنة البشرية أن تنمو في المختبرات.

ديفيد سيرانوسكي

  • Published online:
قام فريقان في الصين بإنماء أجنة قردة من فصيلة المكاك طويل الذيل لمدة 20 يومًا.

  قام فريقان في الصين بإنماء أجنة قردة من فصيلة المكاك طويل الذيل لمدة 20 يومًا.

 Mark MacEwen/Nature Picture Library

قضت أجنة قردة مدة قدرها 20 يومًا في المختبر، إذ اعتُبرت هذه المدة هي أطول مدة تقضيها أجنة من الرئيسيات خارج الجسم، وذلك بفضل تقنيات ابتكرها فريقان يعملان في الصين. يسلط هذا البحث الضوء على أحد الأطوار المبكرة المهمة للغاية لنمو الأجنة، لكنْ يشوبها - مع ذلك - شيء من الغموض. وسوف يعيد هذا البحث - في الغالب - إشعال الجدل حول طول الفترة الزمنية التي ينبغي أن يُسمح فيها للأجنة البشرية بأنْ تنمو في المختبر.

والغرض من قيام الباحثين بإنماء الأجنة هو فهْم المراحل المبكرة من النمو. ففي عام 2016، قام علماء البيولوجيا في الولايات المتحدة الأمريكية بإنماء أجنة بشرية في المختبر لمدة 13 يومًا، ولكنْ توقفت التجارب بعد ذلك؛ بسبب قانون متُفق عليه دوليًّا يحظر استمرار نمو الأجنة بعد مرور 14 يومًا، وذلك لأسباب أخلاقية. ونظرًا إلى أن القردة تُعتبر من الأنواع القريبة جدًّا للبشر، تمنح أجنتها الفرصة لفهم النمو البشري المبكر، ولكنّ العلماء قاموا بإنمائها في السابق لمدة تسعة أيام فقط.

أفاد الفريقان الصينيان في دورية 1،2 «ساينس» Science عن خضوع الأجنة التي نَمَت في مختبر من قردة المكاك طويل الذيل (Macaca fascicularis) للعديد من العمليات المهمة. وفي واحدة منها، وهي عملية تَكَوُّن المُعَيدَة، تبدأ في الظهور أنواع الخلايا الأساسية التي ينشأ عنها مختلف الأعضاء في اليوم الرابع عشر تقريبًا.

وعن هذا.. تقول ماجدالينا زيرنيكا جوتز، عالمة بيولوجيا النمو في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في باسادينا: "أفضل ما في الأمر أنه أمسى لدينا نظام لدراسة عملية تكوُّن المُعَيدَة في المختبر في نموذج مشابِه جدًّا للإنسان، يا له من أمر شديد الإثارة".

وعلى الرغم من أن الدراسات تُظْهِر أن النمو المبكر للقردة يشبه في جوانب عديدةٍ أول أسبوعين من النمو البشري، أورد الفريقان وجود اختلافات طفيفة بين النوعين. ويعني هذا أن أجنة القردة قد لا تكون نموذجًا موفقًا لدراسة بعض المراحل المتقدمة من النمو البشري، حسب قول بيير سافاتييه، عالِم بيولوجيا الخلايا الجذعية في معهد بحوث الخلايا الجذعية والمخ في برون بفرنسا. وهو يتوقع أن تأجج الأوراق البحثية ممارسة الضغوط من أجل تمديد سياسة الأربعة عشر يومًا من جديد.

قد تعزز كذلك القدرةُ على إنماء أجنة القردة لفترة أطول من أي وقت مضى البحوثَ في مجال آخر مهم ومثير للجدل؛ ألا وهو توليد أجنة هجينة من البشر والقردة، تُعرف باسم «كيميرات»، بهدف تقصّي كيفية تَمايُز الخلايا البشرية إلى أعضاء. هذا.. وقد توقفت هذه النوعية من البحوث لعدم قدرة الباحثين على إنماء أجنة القردة لفترة كافية إلى حين مشاهدة كيفية تصرف الخلايا البشرية المحقونة. يقول سافاتييه إنه سوف يلجأ إلى تقنية الاستنبات؛ لإنماء أجنة قردة تُحقن مع الخلايا الجذعية البشرية. ويضيف قائلًا: "إن نظام الاستنبات مهم للغاية بالنسبة إلى تجارب أجنة «الكيميرات» الهجينة".

مصدر ثمين للأجنة

قام كلا الفريقين بإنماء أجنة القردة بداخل حاضنة هلامية، من شأنها أن تمنح نِسَب أكسجين أعلى من تلك التي تمنحها الخلايا في الرحم. وقد وضع تقنية الاستنبات هذه فريق زيرنيكا جوتز، الذي كان أحد الفريقين3، 4 اللذين قاما بإنماء أجنة بشرية لمدة 13 يومًا في عام 2016 في الولايات المتحدة.

في إحدى الورقتين البحثيتين الأخيرتين، أفاد فريق بقيادة خوان كارلوس إزبيزوا بيلمونت - وهو عالِم بيولوجيا النمو في معهد سولك للدراسات البيولوجية في لاهويا بولاية كاليفورنيا - وجي ويزي - الذي يعمل في مختبر يونان الرئيس لبحوث الرئيسيات الطبية الحيوية في كونمينج في الصين - بأن 46 من أجنة القردة، البالغ عددها 200، عاشت لمدة تصل إلى 20 يومًا. ويقول مؤلفو الورقة البحثية الأخرى، بقيادة لي لاي - وهو عالِم بيولوجيا النمو في معهد علم الحيوان بالأكاديمية الصينية للعلوم في بكين - إنهم قاموا بإنماء ثلاثة أجنة طوال هذه المدة.

تابع الفريقان تطوُّر الأجنة التي وُلدت باستخدام التلقيح في المختبر، للتحقق مما إذا كانت تنمو كما لو كانت في الرحم، أم لا. كما درسا توقيت تكوُّن الهياكل في الأجنة، وتَشكُّلها، والبِنَى التي تدعم النمو الجنيني، وأنواع البروتين التي تعبر عنها الخلايا في أطوال مختلفة، والخلايا الجرثومية البدائية، التي تصبح فيما بعد إما بويضات، أو حيوانات منوية، ثم قارنا هذه الملاحظات بالمعلومات المتوفرة من التجارب السابقة عن نمو هذا النوع، التي فيها أُخذت أجنة من القردة الحُبْلَيات في مراحل مختلفة تصل إلى 17 يومًا.

أفاد كلا الفريقين بأنّ الأجنة المُستنبَتة في طبق في المختبر تنمو بالطريقة نفسها التي تنمو بها الأجنة في الرحم. يقول إزبيزوا بيلمونت: "لا بأس من أنْ نفترض أن ما لاحظه الباحثون هو تمثيل لما يحدث في الجسم الحي". هذا.. وقد أوقف الفريقان تجاربهما في اليوم العشرين، عندما تغَيَّر لون الأجنة إلى لون غامق، وانفصل بعض خلاياها؛ وهي إمارات على انهيار هياكلها. ويشير لي إلى عدم وضوح سبب حدوث ذلك. وهو يتفق مع إزبيزوا بيلمونت في أن زراعة الخلايا في بيئة حاضنة غير خلوية تُحاكي الرحم على نحو كبير قد تساعد على بقائها على قيد الحياة لفترة أطول. وفي الخطوة التالية، يأمل جي في إنماء أجنة إلى الطور الذي يبدأ عنده تكوُّن الجهاز العصبي البدائي في حوالي اليوم العشرين.

فروق طفيفة

يقول سافاتييه إنّ أحد الفروق بين أجنة القردة، والأجنة البشرية الموصوفة في الورقة البحثية الخاصة بجي، وإزبيزوا بيلمونت، هو أن الجينات الموجودة في خلايا القردة التي تشكل المشيمة تختلف عن تلك الموجودة في البشر، غير أنه لدراسة هذه العمليات في مراحل لاحقة من مراحل النمو في الأجنة البشرية، يتعين على  الهيئات التشريعية أن ترفع حظر الأربعة عشر يومًا.

هذا.. وبعد أن قامت الفرق الأمريكية بإنماء الأجنة البشرية إلى 13 يومًا، حثّ بعض العلماء والمتخصصين في مجال الأخلاقيات على تغيير هذه السياسة. وأفاد استطلاع للرأْي، أُجري في المملكة المتحدة في عام 2017 عن دعم قوي من الجماهير؛ لتمديد الحد الأقصى إلى ما يزيد على 14 يومًا. ويرى سافاتييه وآخرون أن أحدث النتائج التي تُظْهِر السمات الفريدة للنمو الجنيني البشري سوف يعزز الحجج الرامية إلى تغيير السياسة المتبعة.

 ويأمل الباحثون أن تُستخدم الحاضنة الهلامية لإنماء أجنة بشرية إلى مرحلة أكثر تقدمًا، إذا تغيرت القوانين. ويقول جي إن فريقًا آخر في المعهد الذي يعمل به قد وضع بروتوكولًا خصيصًا للأجنة البشرية، سيُنشر عما قريب. ويضيف قائلًا: "هذا النظام قد يكون مناسبًا لأجنة بشرية تُستنبت لمدة تصل إلى 20 يومًا، ولكننا لا ننوي القيام بذلك".

References

  1. Niu, Y. et al. Science http://doi.org/ddn3 (2019). | article
  2. Ma, H. et al. Science http://doi.org/ddn4 (2019).| article
  3. Deglincerti, A. et al. Nature 533, 251–254 (2016).| article
  4. Shahbazi, M. N. et al. Nature Cell Biol. 18, 700–708 (2016). | article