أخبار
العلماء يكافحون للحصول على البيانات المناخية التاريخية لقارة أفريقيا
يتعين على وكالات الأرصاد الجوية في أفريقيا أن تتيح أرشيفاتها، من أجل الوصول إلى توقعات مناخية أكثر دقة، لكنْ تثنيها عن تلك الإتاحةِ الاعتباراتُ التجارية، وغياب الثقة.
- Nature (2019)
- doi:10.1038/d41586-019-03202-2
- English article
- Published online:
بيانات الأرصاد الجوية المحفوظة في الأرشيفات تساعد على تحسين دقة التوقعات المناخية، كمعدلات تساقط الأمطار في مالي مثلًا.
TIMOTHY ALLEN/GETTY
يرى جريفي جون ستيجلينج - كبير خبراء الأرصاد الجوية بالإدارة الوطنية لخدمات الأرصاد الجوية ببوتسوانا - أن المخازن في مقر الإدارة بالعاصمة جابوروني تؤوي كنزًا نادرًا، يتمثل في رفوف بارتفاع الحائط، تحمل صناديق مليئة بدفاتر قديمة، مسجَّلة بها – بعناية - أرصادٌ جوية ترجع إلى أكثر من قرنٍ.
تضم تلك السجلات بين طيّاتها أدلةً لا تتعلق فقط بماضي بوتسوانا، بل بمستقبَل مناخها كذلك، إذ إنَّها - مثلها مثل غالبية الدول الأفريقية - لا تحظى بتمثيلٍ دقيق في النماذج المناخية العالمية، نظرًا إلى أن التوقعات تستند إلى سجلاتٍ غير وافية للمتغيرات الأساسية، مثل درجات الحرارة، والرطوبة، والضغط الجوي (E. Archer et al. Biodivers. Ecol. 6, 14–21; 2018).
في هذا الصدد.. يقول كريس تايلور، خبير الأرصاد بمركز النظم البيئية والهيدرولوجيا في وولينجفورد بالمملكة المتحدة، الذي يدرس الأنماط المناخية في أفريقيا: "إنَّ البيانات المناخية التاريخية في أفريقيا شديدة الأهمية لفهْم تقلبات المناخ وأنماطه".
توصّل تايلور وفريقه في عام 2017 إلى أنَّ تغير المناخ سيزيد من تساقط الأمطار الغزيرة على منطقة الساحل، وهي منطقة شبه قاحلة جنوب الصحراء الكبرى (C. M. Taylor et al. Nature 544, 475–478; 2017). وأوضح أنَّ جزءًا أساسيًّا من دراستهم تضمَّن تجميع سجلاتٍ تاريخية من إداراتٍ وطنية مختلفة، مختصة بخدمات الأرصاد الجوية، وبعض تلك السجلات كان "حبيس الأدراج". وأضاف تايلور: "وجود بياناتٍ مرجعية تاريخية شرطٌ أساسي لفهْم التغيرات في تساقط الأمطار الغزيرة".
ومنذ عام 2015، تُوَفِّر كلٌّ من المنظمة العالمية للأرصاد الجوية بجنيف في سويسرا، وإدارة خدمات الأرصاد الجوية الألمانية «فيتردينست» Wetterdienst التدريب والمعدّات؛ لمساعدة بوتسوانا على تحويل البيانات المناخية التاريخية الخاصة بها إلى الصورة الرقمية، ومشاركتها، إلا أنَّ التقدم في تلك العملية كان يسير ببطء؛ لعدم وجود موظفين مخصصين لها. فمِنْ بين مليونَي سجل، عولجت البيانات في 100 ألف سجلٍ فقط. ويقول ستيجلينج عن ذلك: "كانت العملية ستسير بسرعةٍ أكبر بكثير، لو كان لدينا المزيد من الموظفين".
وفي الوقت الذي تحرز فيه بوتسوانا بعض التقدم، تتهالك ملايين السجلات داخل صناديق من الورق المقوى في مكاتب أخرى لإدارات خدمات الأرصاد الجوية في جميع أنحاء أفريقيا، أو تَظَلّ حبيسة تقنياتٍ عتيقة، إذ تعطلت الجهود المبذولة لتحويل البيانات إلى الصورة الرقمية؛ بسبب مخاوف من أنْ تَحُول إتاحةُ البيانات للباحثين مجانًا دون بيعها، وتكسُّب تلك المكاتب منها.
رفضت إدارة خدمات الأرصاد الجوية في جنوب أفريقيا (SAWS) – على سبيل المثال - عروضًا قدَّمها مشروع المنصة الدولية لإنقاذ البيانات (I-Dare)، للمساعدة في تحويل البيانات المناخية التاريخية إلى الصورة الرقمية، وذلك بسبب رغبة الإدارة في أن تظل قادرةً على بيع بياناتها. وصرّح متحدثٌ باسم الإدارة لدورية Nature قائلًا: "إذا أُتِيحَ الوصول دون قيود إلى البنك الوطني للبيانات المناخية، الذي تشرف عليه إدارة خدمات الأرصاد الجوية في جنوب أفريقيا، فقد تعجز الإدارة عن الوفاء بتكليفها التجاري".
وتُعَطِّل مخاوف مماثلة تحويل بيانات مليونَي عملية رصدٍ سطحي في 48 دولة أفريقية إلى الصورة الرقمية. وتشمل تلك الأرصاد متغيراتٍ، مثل درجات الحرارة، ومعدل تساقط الأمطار، والرطوبة. وهذه البيانات مُخَزَّنة في المركز الأفريقي لتطبيقات الأرصاد الجوية لأغراض التنمية (ACMAD) في نيامي بالنيجر.
ويقول أندريه كامجا فوموويه، المدير العام للمركز: "ينخرط القطاع الخاص أكثر فأكثر في مجال الخدمات المناخية"، ويسبب ذلك أحيانًا تضاربًا في المصالح مع الهيئات الحكومية التي تتطلع إلى استغلال البيانات تجاريًّا.
وتقول جين أولوتش - المديرة التنفيذية للمركز الجنوب أفريقي للخدمات العلمية، المعنِيّ بالمناخ وإدارة الأراضي، وهو مركز إقليمي لأبحاث المناخ في العاصمة ويندهوك بناميبيا - إنَّ كثيرًا من طلبات إنقاذ البيانات يَرِد من مبادراتٍ يقودها أفرادٌ أو مؤسسات من أوروبا، أو الولايات المتحدة.
وربما يمثل ذلك مشكلةً، لأنَّ المؤسسات في الدول الأفريقية ترتاب في مدى استفادتها، إذا أتت الخبرات في مجال البيانات من خارج القارة. وتأمل أولوتش في أن يُنظَر إلى الجهود المبذولة لإنقاذ البيانات، التي تتصدرها منظمتها في أنجولا، وبوتسوانا، بقَدْرٍ أقل من الشك والريبة، لأنَّ المنظمة تتلقى دعمًا من أربع حكوماتٍ في جنوب قارة أفريقيا، ولديها مقرٌّ وموظفون محلّيون، حتى وإنْ كان قَدْرٌ كبير من التمويل يأتي من الحكومة الألمانية.
استعادة السجلات القديمة
هناك جزء من السجلات المناخية الخاصة بأفريقيا غير موجود في القارة. والكثير من السجلات الأقدم جمعها خبراء أرصاد، منهم المحترفون والهواة، كانوا قد وفدوا من أوروبا إلى أفريقيا إبان سنوات الاستعمار. ويقول ستيفان جراب - أستاذ الجغرافيا بجامعة فيتفاترزراند في مدينة جوهانسبرج بجنوب أفريقيا - إنَّه من قبيل المفارقة أنَّ تلك السجلات أسهل في الوصول إليها من السجلات المحلية.
تمتلك جنوب أفريقيا أطول سلسلة متواصلة من عمليات الأرصاد الجوية في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية، مسجلةً في المرصد الفلكي بمدينة كيب تاون. وكان يُعتقد أنَّ هذه البيانات تمتد حتى عام 1841، لكنَّ جراب، الذي يقود جهود إنقاذ البيانات في جنوب أفريقيا، كان يعلم بوجود الفلكيين في كيب تاون منذ ثلاثينيات القرن التاسع عشر. وعليه، تَواصَل مع العاملين في مرصد جرينيتش الملكي بلندن، الذين أرشدوه بدورهم إلى الأرشيف الموجود بجامعة كامبريدج في المملكة المتحدة. ويقول جراب عن ذلك: "للمفاجأة، عثروا على أقدم السجلات، التي تعود إلى عام 1834".
يقول كامجا فوموويه إنَّه لا بد من إقناع إدارات خدمات الأرصاد الجوية بمنافع التنقيب عن البيانات التاريخية، ومشاركتها مع العلماء الآخرين، وإنَّ الفائدة الأكبر من ذلك ستتجسد في زيادة دقة التوقعات المناخية.
ويؤكد جراب قائلًا: "أيّ بياناتٍ قديمة حقًّا، من القرن التاسع عشر مثلًا، تُعَد قَيِّمةً للغاية، وتَفُوق في قِيمتها الذهب والماس".