أخبار
سعيٌ حثيث لكشف أسباب مرضٍ غامضٍ مرتبط بالسجائر الإلكترونية
الارتباك يهيمن على المشهد، بينما يُجْرِي الباحثون جردًا للسوق الأمريكي المعقد للسجائر الإلكترونية.
- Nature (2019)
- doi:10.1038/d41586-019-03033-1
- English article
- Published online:
تَسَبَّب التنوُّع الواسع لعبوات السجائر الإلكترونية المتاحة للشراء في تعقيد الجهود الهادفة إلى اكتشاف سبب مرضٍ رئوي غامض.
Richard Vogel/AP/Shutterstock
حتّى أشهر قليلةٍ ماضية، لم يكن طبيب أمراض الرئة شون كالاهان يسأل عادةً مرضاه عمَّا إذا كانوا يُدخِّنون السجائر الإلكترونية، أم لا، إذ كان يعتقد أنها ربما تساعد المدخنين على الإقلاع تدريجيًّا عن تدخين السجائر التقليدية، وأنَّ مخاطر تدخين السجائر الإلكترونية ربما لن تتضح إلا بعد سنوات.
هذا.. إلا أنّ رأيه تغيَّر بعد ظهور مرضٍ رئوي غامض، قاتل في بعض الأحيان، يرتبط بتدخين السجائر الإلكترونية. ويعمل كالاهان في مركز العلوم الصحية بجامعة يوتاه في مدينة سُولت لايك الأمريكية، حيث عالَج حوالي 20 شخصًا من المصابين بذلك المرض. ويقول كالاهان في ذلك الصدد: "لقد كان الأمر مفاجئًا. وأعني بذلك.. عدد المصابين الكبير، ومدى صِغَر سنهم".
فُوجِئ الباحثون والأطباء - على حد سواء - بظهور هذا المرض، الذي أصاب حوالي 1300 أمريكي ممن يدخنون السجائر الإلكترونية، وأودى بحياة 26 شخصًا. ويسعى العلماء سعيًا حثيثًا لاكتشاف سببه، وإنقاذ الآخرين ممن يدخنون السجائر الإلكترونية من المصير ذاته. وحول ذلك.. يقول براندون لارسن، المتخصص في علم الأمراض الرئوية بمقر منظمة «مايو كلينك» في مدينة فينيكس بولاية أريزونا الأمريكية: "كل شيء يتطور سريعًا، فيمكنني أن أخبرك اليوم شيئًا، ويتضح في الأسبوع القادم أنَّه خطأ تمامًا".
قوَّضت ورقةٌ بحثية نشرها لارسن وزملاؤه في دورية «نيو إنجلاند جورنال أوف ميديسن»New England Journal of Medicine - في الثاني من أكتوبر الجاري - نظريةً رائجة تفسِّر تفشِّي المرض، وأكدت أنَّ الباحثين ما زال أمامهم طريقٌ طويل لتحديد سببه. (Y. M. Butt et al. N. Engl. J. Med. http://doi.org/gf9f5c; 2019).
كان الكثيرون ممن أصيبوا بذلك المرض قد دخّنوا عبوات من سجائر إلكترونية تحتوي على صورة مخففة بمواد كيميائية زيتية من مادة «رباعي هيدرو كانابينول»، المعروفة اختصارًا باسم (THC)، وهي العنصر النشط في الماريجوانا.
وتُعَد دراسة لارسن أكبرَ تحليلٍ أُجري حتى وقتنا هذا على أنسجة الرئة، المأخوذة من المصابين الذين يُدخِّنون السجائر الإلكترونية. وقد بحث العلماء في الدراسة عن أدلةٍ على إصابة المرضى بما يُعرف باسم «الالتهاب الرئوي الشحمي»، وهو حالة مَرَضية تنتج عن دخول زيوتٍ إلى الرئتين، وتتسم بوجود شحميات في أنسجة الرئة، وفي الخلايا المُسمّاة بالبلاعم الكبيرة، التي تعمل على إزالة المخلفات من الرئتين، لكنَّ لارسن وزملاءه لم يجدوا كميةً جديرة بالاعتبار من قطرات الشحميات في أيٍّ من عيِّناتهم، التي أخذوها من 17 مريضًا. وبدلًا من ذلك.. تشير نتائجهم إلى وجود تلَفٍ عام في الرئة، والتهابات، نتيجة التعرُّض لموادٍ كيميائية سامة.
ويقول كيفين ديفيدسون - طبيب الرئة في مؤسسة «وايك ميد» WakeMed في مدينة رالي بولاية كارولينا الشمالية - إنَّ هناك أسبابًا للشك في هذه النتائج. ويرى أنَّ لارسن بحَث عن علاماتٍ خاصة بالمرض، لا تظهر بوضوح، إلا إذا استنشق الشخص كميةً كبيرة من الزيوت على دفعة واحدة، لا كمياتٍ صغيرة على مدى فترةٍ طويلة.
التحقيق في سبب المرض
تتفق النتائج التي خلُص إليها لارسن بالفعل مع نتائج دراساتٍ على الفئران، أَجْرضتها فرح خيرادماند، طبيبة الرئة في كلية بايلور للطب في مدينة هيوستن بولاية تكساس الأمريكية (M. C. Madison et al. J. Clin. Invest. 129, 4290–4304; 2019)، إذ اكتشف فريقها تراكم الشحميات في خلايا البلاعم الكبيرة الموجودة في رئات فئرانٍ تعرَّضت للسجائر الإلكترونية. وتتبَّع العلماء عملية تراكم هذه الشحميات وصولًا إلى تحلُّل مادةٍ خافضة للتوتر السطحي في الرئة، وهي مُركّب غني بالشحميات، تنتجه الرئتان. وتقول خيرادماند إنَّ هذا يرجِّح أنَّ تدخين السجائر الإلكترونية يُدمِّر الخلايا المبطنة لمجاري الهواء، التي تساعد في الحفاظ على مستويات المادة الخافضة للتوتر السطحي.
وتأمل الباحثة الآن في تكرار دراساتها على الفئران باستخدام بخار السجائر الإلكترونية المُحتوِي على مادة أسيتات التوكوفيريل (أسيتات فيتامين هـ)، وهي مادة كيميائية زيتية، يَعتقِد باحثون أنها سببٌ للمرض المرتبط بتدخين السجائر الإلكترونية.
ويفكر باحثون آخرون في إجراء تجارب مماثلة، إذ يأمل ستيفن رو - طبيب الرئة في جامعة ألاباما في مدينة برمنجهام - أن يختبر المواد المُشتبَه في كونها سببًا للمرض على حيوانات ابن مقرض، لمعرفة تأثير تدخين السجائر الإلكترونية على انتقال الأيونات في خلايا الرئة البشرية. أمَّا كوان لو، المتخصص في بيولوجيا الرئة بكلية هارفارد تي. إتش. تشان للصحة العامة في مدينة بوسطن بولاية ماساتشوستس، فيخطط لإجراء تجربةٍ؛ لتحديد الجينات التي يجري تنشيطها، وتلك التي تُثبَّط في خلايا الرئة المأخوذة من مُدخّني السجائر الإلكترونية. ويأمل في الحصول على عيناتٍ من أنسجة المصابين بالمرض، لكنَّ خيرادماند تحذِّر من الأمل في الحصول على إجاباتٍ سريعة، إذ إنَّ دراستها الأولية على الفئران استغرقت ثلاث سنواتٍ ونصف السنة.
ويتفق معها ألبرت ريزو، كبير المسؤولين الطبيين في الجمعية الأمريكية للرئة بمدينة شيكاجو في ولاية إلينوي الأمريكية، إذ يقول: "سينتصر العلم في وقتٍ ما، لكنني لا أعتقد أنَّ هذا سيحدث قريبًا كما قد يرغب الناس".
أمّا ما يحدث - على نحوٍ أكثر عجالة - فهو أنَّ الباحثين يسعون جاهدين لتصنيف المواد الكيميائية الموجودة في السجائر الإلكترونية. وهذه ليست بالمهمة السهلة، فهناك الآلاف من المنتجات المتاحة، وثمة ممارسة شائعة بين المستخدمين، تقوم على تعديل السجائر الإلكترونية ومحتوياتها، لتغيير خصائص معينة، مثل النكهة، وكمية البخار التي تُنتِجها هذه السجائر. ويقول لارسن عن ذلك: "لأكون صادقًا.. هذه مهمةٌ صعبة. وهذا هو الاتجاه الذي ينبغي أن يسلكه البحث العلمي؛ أنْ يسعى لمعرفة محتويات تلك الأشياء كلها".
وتوضح مينون جَاي - الباحثة في علم الأسس البيولوجية للسلوك بجامعة فرجينيا كومنولث في مدينة ريتشموند الأمريكية - أنَّ هناك عددًا مذهلًا من المواد الكيميائية يتعرض له مدخنو السجائر الإلكترونية. وقد درس مُختبرها مقاطع فيديو على موقع «يوتيوب»، ومصادر أخرى على الإنترنت، لمعرفة المزيد عن كيفية تعديل المستخدمين لسجائرهم الإلكترونية. ووجد باحثو المختبر أنَّ مدخني السجائر الإلكترونية يعدلون كل شيء بالسجائر، بدءًا من الحرارة التي تصل إليها سجائرهم الإلكترونية، ووصولًا إلى المواد الكيميائية التي تحتويها عبوات السجائر، والتي تضمَّنت الفياجرا السائلة مثلًا في حالةٍ واحدة على الأقل.
وقد لفتت المنتديات الإلكترونية انتباه يولين هسوين - المتخصص في علم الوبائيات الحاسوبي - إلى وجود زيادةٍ كبيرة في المنشورات المتعلقة بصناعة عبوات السجائر الإلكترونية في مستهل عام 2019. وهذه سرعان ما تَبِعَتها زيادةٌ في منشورات المستخدمين الذين يحذِّرون من عبوات السوق السوداء، ومن أنَّ هذه العبوات تُباع موسومةً بعلاماتٍ تجارية يمكنها تضليل المشترِي، ودَفْعه إلى الاعتقاد بأنَّها منتجاتٌ صنعتها شركاتٌ حسنة السُّمعة. ويُخطط هسوين - الذي يعمل في كلية هارفارد للصحة العامة بمدينة بوسطن في ولاية ماساتشوستس الأمريكية - للتدقيق أكثر في هذا الأمر، لتحديد ما إذا كان هذا الارتفاع الكبير في استخدام العبوات التي يصنعها المُستخدمون بأنفسهم قد أسهَم في تفشي المرض، أم لا.
ويقول ديفيد كريستياني - طبيب الرئة في كلية هارفارد للصحة العامة - إنَّ الباحثين ربما لن يتمكنوا في نهاية المطاف من اكتشاف سببٍ واحد لتفشِّي المرض، لكنَّ مجرد حصر السبب في عمليةٍ ما، مثل استخدام الزيوت لتخفيف مادة رباعي هيدرو كانابينول، قد يساعد على كبح الوباء الحالي، وإنقاذ الأرواح. وأضاف كريستياني قائلًا: "لدينا وباءٌ خطير للغاية، ونحن في حاجةٍ شديدة إلى السيطرة عليه.عندئذ، سيسمح لنا هذا بالعودة للتركيز على الآثار المزمنة لتدخين السجائر الإلكترونية".