أخبار

تقنية «كريسبر» يمكن أن تقي الموز من الفطريات

يستخدم باحثون أداة التحرير الجيني «كريسبر»؛ لتعزيز دفاعات الموز ضد مسبِّب مَرَضِي فتّاك.

إيمي ماكسمِن
  • Published online:
عمال يفحصون حصاد محصول موز في مزرعة بأستراليا.

عمال يفحصون حصاد محصول موز في مزرعة بأستراليا.

Carla Gottgens/Bloomberg/Getty

ها قد بدأ السباق نحو إنتاج الجيل التالي من الموز المعدل وراثيًّا، إذ أكدت حكومة كولومبيا في شهر أغسطس الماضي أن فطرًا قاتلًا للموز قد غزا الأمريكتين، اللتين تمثلان مصدرَ نسبةٍ كبيرة من إمداد العالم من الموز. وقد خلق هذا الغزو حاجة ملِحة جديدة إلى بذل جهود؛ لإنتاج فاكهة تستطيع مقاومة هذا الوباء.

ويستخدم العلماء طرقًا مختلفة لإنقاذ الموز، حيث تمكّن فريق منهم في أستراليا من إدخال جين مأخوذ من الموز البري إلى جينوم الصنف التجاري الأفضل من الموز، الـ«كافندِش» Cavendish. ويُجرِي الفريق الآن اختبارًا لهذه الفاكهة المعدلة وراثيًّا في تجارب حقلية. كما يستخدم الباحثون تقنية «كريسبر» CRISPR الدقيقة لتحرير الجينات؛ بهدف تعزيز مقاومة صنف الـ«كافندِش» لسلالة قاتلة من فطر ينتمي إلى جنس Fusarium، تُعرف باسم "السلالة الاستوائية 4" TR4.

وجدير بالذكر أنه ليس ممكنًا إكساب موز الـ«كافندِش» سمة المقاوَمة لفطريات TR4 باستخدام الطرق التقليدية؛ لأن هذه السلالة من الموز عقيمة، وتنتشر بالاستنساخ. لذلك.. فإن الطريقة الوحيدة لإنقاذ صنف الـ«كافنِدش» ربما تكون بتعديل جينومه، حسبما يقول راندي بلاتز، اختصاصي أمراض النبات من جامعة فلوريدا في هومستيد.

أما جيمس ديل، اختصاصي التكنولوجيا الحيوية من جامعة كوينزلاند في بريزبِن بأستراليا، فقد بدأ يتلقى استفسارات بشأن الموز الذي قام بتعديله وراثيًّا في شهر يوليو الماضي، عندما ظهرت شائعات - لأول مرة – تقول إنّ السلالة الفطرية TR4 وصلت إلى كولومبيا. ويقول ديل في هذا الصدد: " أعلنت  كولومبيا عندئذ حالة طوارئ على مستوى الدولة. وثمة اهتمام بالغ بهذا الخبر حاليًّا".

ليست هذه المرة الأولى التي يواجه فيها صنف تجاري من الموز خطر الانقراض، ففي النصف الأول من القرن العشرين، أدّت سلالة أخرى من الفطر Fusarium، تسمى TR1، إلى القضاء نهائيًّا تقريبًا على أفضل صنف من الموز في ذلك الوقت، كان يحمل اسم «جروس ميشال» Gros Michel، لكن المزارعين كانوا يملكون مخزونًا احتياطيًّا من موز الـ«كافندش»، الذي كان مقاوِمًا لسلالة الفطر TR1، وشديد التحمل بما يكفي لتحَمُّل عملية النقل، فضلًا عن كونه ذا قوام ومذاق مقبولَين على نطاق واسع. وبحلول ستينيات القرن الماضي، كانت كبرى شركات إنتاج الموز وتوزيعه؛ مثل شركة «شيكيتا» Chiquita - ومقرها الحالي في فورت لودرديل بولاية فلوريدا - تتحول إلى زراعة صنف الـ«كافندِش».

ويُذكر أنه لا يوجد بديل سهل هذه المرة، حسبما يقول رودوميرو أورتيز، اختصاصي علم وراثيات النباتات من الجامعة السويدية للعلوم الزراعية في قرية ألنارب بالسويد، إذ يُعتبر الفطر TR4 خصمًا عنيدًا، ولا يمكن القضاء عليه بمبيدات الفطريات، كما يستطيع أن يظل في التربة لمدة تصل إلى ثلاثين عامًا، وهو ما ساعده على الانتشار حول العالم، غالبًا عن طريق الانتقال متطفلًا على متن المعدات الملوثة، أو الانتشار داخل التربة. وقد بدأت هذه السلالة في تدمير محاصيل الموز في العقد الأخير من القرن العشرين في آسيا، قبل أن تجتاح أستراليا، والشرق الأوسط، وأفريقيا، وفي الوقت الحالي تجتاح الأمريكتين. ويقول الباحثون إن صنف الـ«كافندِش» يمكن أن ينقرض بالكامل تقريبًا في غضون عدة عقود قادمة، ما لم يتمكنوا من تعديله جينيًّا؛ ليصبح مقاوِمًا للسلالة الفطرية TR4.

وقد ركّز فريق ديل جهوده على تعديل موز الـ«كافندِش» وراثيًّا؛ عن طريق إدخال جينٍ مأخوذ من الموز البري، المعروف بالاسم العلمي  Musa acuminate malaccensis، إلى جينوم موز الـ«كافندِش»، وهو جين يُكسِب النبات مقاوَمة ضد فطر TR4(J. Dale et al. Nature Commun. 8, 1496; 2017). وقبل 15 شهرًا، زرع الباحثون الـ«كافندِش» المعدَّل وراثيًّا على قطعة أرض مساحتها نصف هكتارمصابة بالفطر TR4، في شمال أستراليا. وينمو الموز المعدَّل وراثيًّا بشكل جيد، حسبما يقول ديل، بينما أصاب الفطر حوالي ثلث الموز غير المعدل، الذي زرعه ديل بغرض المقارنة.

ويخطط ديل للتقدم إلى الجهات التنظيمية الأسترالية بطلب اعتماد تسويق الـ«كافندش» المعدل وراثيًّا، بعد أن تنتهي الدراسة في عام 2021، لكنْ من المستحيل التنبؤ بما إذا كان المسؤولون سيوافقون على تسويق هذه الفاكهة المعدلة وراثيًّا، أم لا، أو بالمدة الزمنية التي قد تستغرقها الموافَقة.

معالجة الموز بتقنية «كريسبر»

في محاولة من ديل لجعل الموز المعدل وراثيًّا بالتقنيات البيولوجية أكثر قبولًا لدى الجهات التنظيمية، يُجري أيضًا عملية تحرير لجينوم الـ«كافندش» باستخدام أداة «كريسبر» CRISPR؛ بهدف تعزيز مقاومة هذا الموز للفطر TR4، بدلًا من إدخال جينات غريبه في جينومه. وعلى وجه التحديد، يحاول ديل تنشيط جين خامل في الـ«كافندِش» يستطيع إكساب الموز مقاوَمة ضد الفطر TR4، لكن - من جهة أخرى - يقول ديل: "سوف يستغرق هذا العمل بضعة أعوام، قبل أن نتمكن من زراعة هذه النباتات المحررة جينيًّا في الحقل لتجربتها".

ويستخدم باحثون آخرون تقنية «كريسبر» لتقوية دفاعات موز الـ«كافندش» بطرق مختلفة، إذ تستخدم لينا تريباتي - اختصاصية علم الأحياء الجزيئية من المعهد الدولي للزراعة الاستوائية في نيروبي بكينيا - أداة التحرير الجيني هذه؛ لتثبيط جينات الـ«كافندِش»، التي يبدو أنها تجعل النبات عرضة للإصابة بالفطر TR4. وحتى الآن، عدّلت تريباتي جينات نسيج الـ«كافندِش» داخل المختبر، لكنها ما تزال بحاجة إلى استنبات النسيج؛ ليعطي نباتات قادرة على الصمود في وجه الفطر TR4.

وتحاول شركة «تروبيك بايوساينسيز» Tropic Biosciences - وهي شركة ناشئة متخصصة في مجال التكنولوجيا الحيوية، مقرها نورويتش في المملكة المتحدة - أن تستخدم أداة «كريسبر» لتعزيز الجهاز المناعي للموز بالدرجة الأولى. فجميع النباتات تنتج شرائط صغيرة من الحمض النووي الريبي، تتحكم في نشاط بعض جينات النبات نفسه. وتشير دراسات حديثة إلى أن بعض هذه الشرائط يستطيع أحيانًا أن يكبت جينات المسببات المرضية، وهو ما يعرقل الفطريات الغازيَة (C. Y. Huang et al. Cell Host Microbe 26, 173–182; 2019). وتحاول الشركة تعديل شرائط الحمض النووي الريبي في موز الـ«كافندِش»، بحيث يكون بمقدورها كبت جينات الفطر TR4.

هذا.. وليس من الواضح كيف ستتعامل السلطات التنظيمية مع الموز المحرر جينيًّا. ففي عام 2016، على سبيل المثال، قررت الولايات المتحدة ألا تضع قيودًا على تداول عيش غراب محرر جينيًّا بتقنية «كريسبر»، وهو ما يشير إلى إمكانية أن تتعامل بالمِثل مع الموز المحرر جينيًّا. كذلك أصدرت دول عديدة - منها كولومبيا، واليابان، وإسرائيل - بيانات رسمية تشير إلى أنها بدورها قد لا تفرض ضوابط صارمة في التعامل مع محاصيل الموز المحررة بتقنية «كريسبر»، غير أن الاتحاد الأوربي يخطط لتقييم المحاصيل المحررة جينيًّا بالقدر نفسه من الصرامة التي ينتهجها الاتحاد في تقييم الأغذية المعدلة وراثيًّا.

ويدعم أورتيز جهود التعدل الوراثي التي يبذلها العلماء، لكنه يحذر من التركيز فقط على الحلول القائمة على طرق التكنولوجيا الحيوية لمواجهة جائحة الموز. ويقول إنه يوجد أكثر من ألف نوع من الموز. وهذه الأنواع لا يجري تداوُلها بقَدْر صنف الـ«كافندِش»، وليس لها المذاق نفسه، لكن أورتيز يقول إنّ جهات زراعة الموز التجارية يمكنها محاولة خلق سوق تجاري للأنواع الأخرى.

ويضيف أورتيز قائلًا: "ينبغي لنا أن نستغل التنوع المتوفر لدينا، وأن نُطْلِق حملة تسويقية، رسالتها هي أنه بإمكان المرء الاستمتاع بتناول أنواع الموز الأخرى".