أخبار

لماذا تتجه أنظار العالم إلى نشطاء المناخ الصغار

يحلل الباحثون أسباب زيادة شعبية هذه الحركة ورسالتها.

 إما ماريس

  • Published online:
شارك الملايين في تظاهراتٍ احتجاجية بشأن التغير المناخي، قادها الشباب في 20 سبتمبر.

شارك الملايين في تظاهراتٍ احتجاجية بشأن التغير المناخي، قادها الشباب في 20 سبتمبر. 

James Veysey/Shutterstock

مِن مدينة جاكرتا إلى نيويورك سيتي، يخرج الأطفال والمراهقون من فصولهم الدراسية إلى مسيرات في الشوارع؛ للمطالبة باتخاذ إجراءٍ تجاه التغير المناخي، وها هو العالَم بدأ ينتبه إلى ذلك، إذ يقول باحثون في علوم التواصل إنَّ نشطاء المناخ الصغار هؤلاء يستغلون سلطتهم المعنوية كأطفال، وبراعتهم في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، لمواجهة أزمةٍ متفاقمة تثير قلق الكبار.

أسَّست جايمي مارجولين المجموعة الاحتجاجية «ساعة الصفر» Zero Hour في مدينة سياتل بولاية واشنطن في عام 2017، حين كان عمرها 15 عامًا فحسب. وعلى الجانب الآخر من العالَم، بدأت جريتا تونبري - البالغة من العمر 15 عامًا - في التغيب عن الدراسة في عام 2018، لتنظيم إضرابٍ خارج مبنى البرلمان السويدي في ستوكهولم، للمطالبة باتخاذ إجراءٍ تجاه التغير المناخي. وسرعان ما صارت الحركة عالميةً؛ إذ خرج 1.6 مليون طفل تقريبًا في 125 دولة إلى الشوارع؛ للاحتجاج، وذلك في منتصف شهر مارس الماضي. غير أنَّ تلك الأعداد بدت قليلةً، مقارنةً بتظاهرةٍ احتجاجية قادها شباب على مستوى العالم في العشرين من شهر سبتمبر الماضي، وكانت هذه - على الأرجح - هي التظاهرة الأكبر على الإطلاق من أجل المناخ.

لطالما تحَدَّث الشباب عن التغير المناخي لعقود، لكنْ حسب قول دانا فيشر، عالمة الاجتماع في جامعة ميريلاند بمدينة كوليدج بارك، التي تدرس مذهب الفعالية والحِراك، فإنَّ هذا الجيل الجديد من المحتجِّين أعلى صوتًا وأكثر تنسيقًا من سابقيه. وظهور الحركة على وسائل التواصل الاجتماعي وفي الصحافة خلق حلقة من التأثيرات المتبادلة ذاتية التغذية. وتوضح فيشر: "يحظى الشباب بكثيرٍ من الانتباه، وهذا يجذب مزيدًا منهم إلى الحركة".

استلهمت تونبري - البالغة من العمر الآن 16 عامًا - فكرة تنظيم إضرابات المناخ الأسبوعية من طلابٍ في مدينة باركلاند بولاية فلوريدا الأمريكية، كانوا قد نظَّموا إضرابًا لطلاب المدارس على مستوى الولاية في عام 2018، للمطالبة بفرض قوانين أكثر صرامة على حمْل وحيازة الأسلحة، في أعقاب حادثة إطلاق نارٍ جماعي في مدرستهم الثانوية خلَّفَت 17 قتيلًا. وفي وقتٍ مبكر من شهر سبتمبر هذا العام، تصدرت تونبري عناوين الأخبار في جميع أنحاء العالم، حين أبحرت إلى مدينة نيويورك على متن يختٍ يعمل بالطاقة الشمسية، من أجل حضور قمة المناخ التي تعقدها الأمم المتحدة. وقالت تونبري حينها: "أشعر أنَّنا قد وصلنا إلى نقطةٍ حرجة".

إنّ تونبري ونشطاء المناخ الصغار الآخرين ليسوا كأنصار البيئة التقليديين، ممن يعبِّرون عن قضيتهم باحتضان الأشجار، حسبما ترى هارييت ثيو، المتخصصة في علم الاجتماع البيئي بجامعة ليدز في المملكة المتحدة. فكثيرٌ منهم ينظرون إلى التعامل مع التغير المناخي بوصفه مسألةً تتعلق بالعدالة العالمية، وهي نظرةٌ تقول ثيو إنَّها أكثر فاعلية من الرسائل البيئية البحتة.

وعن هذا تقول: "إنَّهم يتحدثون مرارًا وتكرارًا عن المشكلات التي تسبِّبها الأزمة للبشر، ويدركون حقًّا تلك الصلة بين البشر والبيئة". ولا تتمحور رسالتهم حول إنقاذ الغابات المطيرة، أو إنقاذ الحيتان، وإنما حول إنقاذ الأشخاص الأكثر ضعفًا وعرضةً للخطر على وجه الأرض.

حركة راسخة

تقول أولادوسو أدينايك - وهي محتجّة من أبوجا في نيجيريا، تبلغ من العمر 25 عامًا - إنَّها تستطيع بالفعل ملاحظة تأثيرات الاحترار العالمي. وتوضح قائلة: "النازحون داخليًّا، والصدامات بين المزارعين والرعاة، وانعدام الأمن؛ كلها أمور نتجت عن التغير المناخي. وهناك أيضًا الزيادة في أسعار الغذاء، والفيضانات التي تجتاح أراضي المزارعين، والجفاف الذي يؤثر على غلة المحاصيل، وكذلك تساقط الأمطار الغزيرة".

وهناك أيضًا فانيسا ناكاتي، البالغة من العمر 22 عامًا، التي تقضي 66 ساعة أسبوعيًّا في بيع البطاريات الشمسية بمتجر والدها في مدينة كامبالا بأوغندا. يساور ناكاتي القلق بشأن تأثيرات التغير المناخي على الزراعة القائمة على مياه الأمطار، التي يعيش عليها غالبية الأوغنديين. ورغم أنَّها كثيرًا ما تحتجّ بمفردها، إلا أن وسائل التواصل الاجتماعي تشير إلى صلة تربطها بنشطاء آخرين في جميع أنحاء العالم، وتغالي في تأثير رسالتهم المشتركة. وتقول ناكاتي: "الجيل الأكبر أفسد الأمور؛ ونحن نتولى مهمة إصلاحها".

والكبار يستمعون إلى تلك الرسالة، حيث غطَّت وسائل الإعلام في مختلف أنحاء العالم رحلة تونبري عبر المحيط الأطلسي. وأيَّد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش الإضرابات المدرسية، قائلًا: "لقد أخفق جيلي في الاستجابة كما ينبغي للتحدي الهائل للتغير المناخي. ويدرك الشباب ذلك بوضوح. ولذا.. لا عجب أنَّهم غاضبون".

وتقول كوني روزيه خونوف - الباحثة في علوم التواصل المناخي في جامعة جورج ماسون بمدينة فيرفاكس في ولاية فيرجينيا الأمريكية - إنَّ البيانات المستمدة من استطلاع رأيٍ ممتد لسنوات بين الكبار الأمريكيين، يُجرى كل عامٍ تقريبًا منذ عام 2008، تَكشِف أنَّ الجمهور صار أكثر تقبلًا لرسالة المحتجين. وتعلِّق روزيه خونوف قائلة: "إنّ قلق السكان الكبار في ازدياد، وهذا هو الاتجاه السائد منذ عام 2015".

يتعلق جزءٌ من قلقهم بالكوارث الطبيعية، التي يُعتقد أنَّها تتفاقم بفعل التغير المناخي؛ مثل حرائق الغابات غير المسبوقة، التي اندلعت في غرب الولايات المتحدة في عام 2018، وإعصار ماريا الذي ضرب بورتوريكو في شهر سبتمبر عام 2017، لكنَّ روزيه خونوف تقول إنَّ حوالي ربع الكبار المشاركين في استطلاع عام 2018 قالوا إنَّ أهم سببٍ يدعو إلى اتخاذ إجراءٍ حيال التغير المناخي هو "توفير حياةٍ أفضل لأبنائنا وأحفادنا".

يقول كريستوفر شو - خبير التواصل بمؤسسة «كلايمت أوتريتش» Climate Outreach في مدينة أكسفورد بالمملكة المتحدة - إن الأبحاث كشفت نمطًا مشابهًا في دولٍ أخرى. ويوضح قائلًا: "نجد مرارًا وتكرارًا أنَّ التأثيرات على الأبناء والأحفاد هي أكثر ما يثير القلق".

ووجد استطلاع رأْي أُجرى خلال عام 2016 على 1,860 شخصًا بالمملكة المتحدة أنَّ 61% منهم كانوا على استعدادٍ لدفع مبلغ يصل إلى 20 جنيهًا إسترلينيًّا شهريًّا (أي 25 دولارًا أمريكيًّا)، لمنع الوفيات المرتبطة بالتغير المناخي في أعوام 2050، و2080، و2115 (H. Graham et al. Public Health 174, 110blic  2019). وفي دراسةٍ أُجريت خلال عام 2017 في مدينتَي لشبونة البرتغالية، وأديلايد الأسترالية، أبدى المشاركون استعدادهم لإنفاق مبلغٍ من المال، مساوٍ لما هم مستعدون لإنفاقه في سبيل حماية أنفسهم؛ لمنع الآثار السلبية للتغير المناخي على الأجيال المستقبلية (L. Everuss et al. J. Sociol. 53, 334. Sociol).

هذا.. ولكنَّ الكبار لا يرون المراهقين والشباب الصغار مجرد ضحايا، بحاجة إلى الحماية من التغير المناخي وحسب، إذ كشف بحثٌ أجرته ثيو عن دور المشاركين من الشباب (من الفئة العمرية الواقعة بين 16، و24 عامًا) في مفاوضات المناخ بالأمم المتحدة أنَّ الكبار يرون أنَّ هؤلاء النشطاء يتسمون بنزاهةٍ أخلاقية أكبر، مقارنة بغيرهم من الحضور، وذلك "لأنَّهم لا يتلقون أي مقابلٍ مادي نظير وجودهم هناك"، على حد قولها.

مواجهة ذوي السلطة بالحقائق

نظرًا إلى أنَّ الشباب المحتجّين على التغير المناخي لا يمثلون أجندات أي أشخاصٍ آخرين، فرسالتهم صريحةٌ ومباشرة على نحوٍ مدهش. يوضح ماثيو نسبت، الذي يدرس التواصل البيئي بجامعة نورث إيسترن في مدينة بوسطن بولاية ماساتشوستس الأمريكية، قائلًا: "يمكنهم قول الكثير من الأشياء التي يعجز عن قولها النشطاء الأكبر سنًّا، فليست لديهم وظائف بعد، وليست لديهم المرشحات التي ربما توجد لدى الكبار".

ويشير في هذا إلى مقاطع الفيديو المتوفرة على شبكة الإنترنت للمراهقين المحتجين بشأن المناخ، وهم يواجهون أعضاء الكونجرس الأمريكي، أو ينتقدون الكبار. وأحد الأمثلة على ذلك.. ما قالته تونبري في حديثها إلى المجلس الوطني الفرنسي بباريس، في فيديو حصد 3.7 مليون مشاهدة على موقع «فيسبوك» Facebook: "ربما ينقصكم – ببساطة - النضج الكافي لقول الحقيقة كما هي. وحتى ذلك العبء تركتموه لنا نحن الأطفال".

ويقول نسبت عن تلك المقاطع: "تحصد هذه المقاطع ملايين المشاهدات، وتُضَمَّن في النهاية في القصص الإخبارية. الأمر مأساويّ، وغير مسبوق، ويتسم بالتفرد، ويمثل كارثةً أيضًا". ولا أحد يعلم ما إذا ما كان المشاركون في الحركة سيحتفظون بحماسهم مع تَقَدُّمهم في السن، أم لا، إذ يقول شو إنَّ مقتضيات البحث عن وظيفةٍ - في ظل الوضع الحالي الصعب للاقتصاد العالمي - ربما لن تترك سوى القليل من الوقت للحراك. والمراهقون لديهم قدرٌ أكبر من الدعم والوقت للاحتجاج، وحسب تعبيره.. "ما زالوا يجدون وجبة العشاء جاهزةً على طاولة الطعام في المنزل لدى عودتهم".

وعندما تكبر القيادات الشابة الحالية، ربما ستكون هناك جماعةٌ جديدة من نشطاء المناخ جاهزةٌ للنهوض، فبعض النشطاء الحاليين لا تتجاوز أعمارهم 11 عامًا.