أخبار
إعادة بِناء حفرية إصبع شهيرة
ترميمٌ افتراضي لعظْمة إصبع أحد أفراد إنسان «دينيسوفا» يكشف عن وجود تشابهٍ مذهل بين أصابعه، وأصابع البشر.
- Nature (2019)
- doi:10.1038/d41586-019-02647-9
- English article
- Published online:
يُعَد كهف دينيسوفا في سيبيريا حتى الآن مصدرًا مليئًا بعظام سلالات أشباه البشر القديمة.
Eddie Gerald/Alamy
يوفر تحليلٌ جديد لعظْمة إصبع تُستخدم لدراسة بشر «دينيسوفا» - وهم مجموعة من البشر القدماء، اكتُشِفت حفرياتهم في عام 2010 - أدلةً لحل لغزٍ دام عقدًا من الزمن، يتعلق بواحدةٍ من أهم حفريات أشباه البشر التي عُثر عليها على الإطلاق.
ويصف التحليل أنملة الإصبع الخنصر الخاص باليد اليمنى، التي انفصلت عن بقية عظْمة الإصبع، بعد العثور عليها في عمليات تنقيب تمّت قبل 11 عامًا. وكشفت عملية تصوُّر بِنْية عظْمة الإصبع كاملةً - أو ما يُعرف باسم سُلامَى الإصبع - باستخدام نموذج رقمي عن وجود تشابهٍ أكبر بكثير من المتوقع بين أصابع بشر «دينيسوفا»، وأصابع البشر المعاصرين.
وعن ذلك.. تقول إيفا ماريا جيجل، المتخصصة في علم وراثيات الكائنات القديمة في معهد جاك مونود بباريس، التي شاركت في قيادة الدراسة: "أشعر بالسعادة لأنَّنا استطعنا أن نتوصل إلى اكتشاف ما، حيث لم تكن بحوثنا قد أسفرت عن نتائج إلى الآن، كما لو كنا قد فقدنا سُلامَى الإصبع".
وقد عيَّن فريقها تسلسل الحمض النووي الخاص بالجزء العَظْمِي الباقي، لإثبات مطابقته لبقية عظْمة أنملة الإصبع، واستخدموا الصور الفوتوغرافية لتجميع القطعتين في نموذج رقمي. ونُشر عمل الفريق في يوم الرابع من سبتمبر في دورية «ساينس أدفانسز» Science Advances1.
اكتشاف إنسان «دينيسوفا»
بدأ الغموض المحيط بالجزء الباقي عند سفح جبال ألتاي في سيبيريا، حيث اكتشف علماء آثار روس أثناء التنقيب في كهف دينيسوفا في عام 2008 عظمة إصبع، تعود إلى فرد من مجموعةٍ من البشر القدماء. وقرَّر أناتولي ديريفيانكو - عالِم الآثار في معهد علوم الآثار والأعراق، التابع للأكاديمية الروسية للعلوم في نوفوسيبيرِسك، الذي كان يقود عمليات التنقيب - تقسيم العظْمة إلى نصفين، وإرسال قِسْميها إلى مختبرين، لتَبَيُّن ما إذا كان يُمكن استخراج الحمض النووي من أيهما، أم لا.
أُرسل أحد القِسمين إلى سفانتي بيبو، المتخصص في علم الوراثة التطوُري في معهد ماكس بلانك للأنثروبولوجيا التطورية في لايبزيج بألمانيا. وعيَّن فريقه تسلسل الحمض النووي لقطعة العظْمة، واكتشف أنها تعود إلى سلالة مختلفة عن سلالات الإنسان المعاصر، وإنسان «نياندرتال». وفي يناير عام 2010، سافر بيبو وعددٌ من زملائه إلى نوفوسيبيرِسك.
حينها، أخبر ديريفيانكو فريق بيبو أنَّه قسم العظْمة إلى قِسمين، وأرسل القِسم الآخَر إلى إدوارد روبن، المتخصص في علم الوراثة، الذي كان يعمل حينها في مختبر لورانس بيركلي الوطني (LBNL) بكاليفورنيا، والذي كان فريقه ينافس فريق بيبو في تعيين تسلسل الحمض النووي لحفريات إنسان «نياندرتال».
عمل بيبو وفريقه بأقصى سرعة؛ لإعلان اكتشافهم، خوفًا من أن يضيع عليهم إحراز هذا السبق العلمي؛ فنشروا الجينوم الميتوكوندري الخاص بالحفرية - وهو جزءٌ قصير من الحمض النووي الموروث من الأم - في شهر مارس عام 20102. وبعدها بعدة أشهر، أزاحوا الستار عن أول جينوم نووي كامل لفردٍ من سلالة إنسان «دينيسوفا»3. وأظهرت الدراسات أنَّ بشر «دينيسوفا» كانوا مجموعةً من أشباه البشر المنقرضين، أقرب في تطورهم السلالي إلى سلالة «نياندرتال» من قربهم إلى البشر المعاصرين، وأنهم عاشوا في هذا الكهف السيبيري قبل أكثر من 30 ألف سنة.
ما زال موقع الجزء الباقي من العظْمة مجهولًا.
Eva-Maria Geigl
العودة إلى دراسة العظام القديمة
وفقًا لما ذكرته جيجل، فإنّ روبن – الذي ترك مختبر لورانس بيركلي الوطني في عام 2016 ليعمل في مجال الصناعة، ولم يُمْكن الوصول إليه للإدلاء بتعليقٍ على المسألة – أرسل نصف الحفرية الذي كان يدرسه فريقه إلى مختبرها في عام 2010، لكنَّ محاولاتها الأولية لاستخراج الحمض النووي الخاص بالنواة في هذا الجزء العظمي باءت بالفشل. وبعد أن نشر فريق بيبو الجينوم النووي لإنسان «دينيسوفا»، طلب روبن من جيجل إعادة الحفرية فأعادت القطعة إليه في عام 2011، لكنَّها كانت قد تمكنت قبل إعادتها مِن أخْذ عيناتٍ من حمضها النووي، والتقاط صور فوتوغرافية مفصلة لها.
أجَّلت جيجل العمل على البيانات التي جمعتها لسنوات، لكنَّها في عام 2016 قررت نشرها، بناءً على اقتراحٍ من بيبو، فعيَّن فريقها تسلسل الجينوم الميتوكوندري للعظْمة، وأثبت أنَّه يتطابق تمامًا مع التسلسل الذي نشره فريق بيبو في عام 2010، لكنَّ تصوُّر بِنْية عظمة الإصبع كاملةً باستخدام حاسوب رقمي حملت مفاجأةً للباحثين؛ فالعظْمة كانت نحيفة، وأقرب إلى أصابع البشر المعاصرين منها إلى الأصابع السمينة لسلالة إنسان «نياندرتال«.
وتقول ترايسي كيفيل، عالمة الحفريات البشرية بجامعة كِنت في كانتربري بالمملكة المتحدة، التي لم تشارك في الدراسة: "نظرًا إلى أن عدد بقايا الهياكل العظمية التي حُسم انتسابها إلى سلالة إنسان «دينيسوفا» محدود، يُعَد هذا اكتشافًا مهمًّا". وأضافت قائلة إنَّ الشكل النحيل لإصبع إنسان «دينيسوفا» يشير إلى أنَّ أصابع إنسان «نياندرتال» الأقوى والأضخم ربما تكون قد تطورت نتيجة الاستخدام المضني لأياديهم.
ورغم أنَّ قصة الجزء الباقي من العظْمة قد أصبحت أكثر وضوحًا، ما زال موقع الحفرية الحالي مجهولًا. فوفقًا لما ذكره ديريفيانكو، أرسل روبن العينة إلى مختبر دراسة الأحماض النووية القديمة الخاص بالباحث إسكه فيلرسليف في جامعة كوبنهاجن، وإلى متحف التاريخ الطبيعي في الدنمارك في عام 2011، أو 2012. ولم يرد فيلرسليف على الطلبات بالتعليق على المسألة.