أخبار

كيميائيون يصنعون أول حلقة من الكربون الخالص

جزيء يحتوي على 18 ذرة كربون، ويتسم بخصائص أشباه الموصلات.

دافيديه كاستلفيكي
  • Published online:

IBM Research

نجح فريق من الباحثين في تخليق أول جزيء حلقي الشكل من الكربون الخالص  (حلقة مكونة من 18 ذرة كربون)، وذلك بعد وقت طويل، كان العلماء قد فقدوا فيه الأمل في تخليق مثل هذا الجزيء.

بدأ علماء الكيمياء تجربتهم مستعينين بجزيء مثلث الشكل، مكوَّن من الكربون والأكسجين، ثم تلاعبوا به باستخدام تيارات كهربائية؛ لتصنيع الحلقة المكونة من 18 ذرة كربون. وتشير الدراسات المبدئية لخواص هذا الجزيء المسمى بـ"الكربون الحلقي" إلى أنه يعمل كشبه موصل، وهو ما قد يمَكِّننا من استخدام السلاسل الكربونية المماثلة غير المتشعبة كمكونات إلكترونية على المستوى الجزيئي.

يقول يوشيتو توبيه، عالِم الكيمياء من جامعة أوساكا باليابان، واصفًا هذا العمل: إنه "إنجاز مذهل بلا شك"، فهو يفتح مجالًا بحثيًّا جديدًا. ويضيف قائلًا: "حاول العديد من العلماء - ومن ضمنهم أنا - الوصول إلى تخليق جزيئات الكربون الحلقي، وتحديد بِناها الجزيئية، لكن بلا طائل". وقد نُشرت نتائج هذا العمل في دورية «ساينس» Science في الخامس عشر من أغسطس الماضي(K. Kaiser et al. Science http://doi. org/c9mq; 2019).

ويوجد الكربون الخالص في أشكال عدة؛ منها: الألماس، والجرافيت، و"أنابيب الكربون النانوية". ويمكن أن تكوِّن ذرات الكربون روابط كيميائية فيما بينها بأشكال عدة. وعلى سبيل المثال.. يمكن أن ترتبط كل ذَرّة بأربع ذرات من جيرانها في نمط هرمي الشكل؛ مثلما يحدث في الألماس، أو أن ترتبط ذَرّة واحدة بثلاث ذرات؛ مثلما يحدث في الأنماط السداسية التي تُكوِّن ألواح الجرافين ذات السُّمك البالغ ذَرّة واحدة. (يوجد نمط الثلاث روابط هذا أيضًا في كتل الجرافيت الكبيرة، وفي أنابيب الكربون النانوية، وفي الجزيئات الكروية المسماة «الفوليرينات»).

وغير أنهبمقدور ذرات الكربون كذلك أن تكوِّن روابط مع ذرتين مجاورتين فقط. وقبل وقت طويل، وضع رولد هوفمان - عالِم الكيمياء الحاصل على جائزة نوبل من جامعة كورنل في مدينة إيثاكا بنيويورك - وزملاؤه نظرية تفيد بأن ذلك النوع من الروابط سيؤدي إلى صنع سلاسل من الكربون الخالص، إذ يمكن أن تكوِّن كل ذَرة رابطة ثنائية على كلا جانبيها (وهو ما يعني أن الذرات المجاورة تشترك معها في إلكترونين )، أو أن تكوِّن رابطة ثلاثية على أحد جانبيها، ورابطة أحادية على الجانب الآخر. وقد حاولت فرق بحثية عديدة تخليق حلقات أو سلاسل كربونية وفق هذا النمط.

ويقول بشيمسواف جافل - عالِم الكيمياء من جامعة أوكسفورد بالمملكة المتحدة - إن هذا النوع من البِنى الكيميائية يتسم بدرجة أكبر من التفاعل الكيميائي، مقارنة بالجرافين، أو الألماس. ولهذا السبب.. فهو أقل استقرارًا، خصوصًا عند ثنيه. وقد تطلبت عادة عملية تصنيع سلاسل وحلقات مستقرة إدخال عناصر أخرى غير الكربون. وأشار بعض التجارب إلى إمكانية تصنيع حلقات من الكربون الخالص داخل سحابة غازية، لكنها لم تتمكن من إثبات ذلك على نحو قاطع.

حلقة واحدة

تمكَّن جافل ومعاونوه مؤخرًا من تصنيع الجزيء الحلقي المكوَّن من 18 ذَرّة كربون، الذي لطالما سعى العلماء إلى تحقيقه، ونجحوا أيضًا في تصويره (انظر: "دائرة مكتملة"). ففي البداية، وباستخدام الكيمياء "الرطبة" القياسية (التي تُجرى فيها التجارب في السوائل)، تمكنت معاونته لوريل سكريفين - عالمة الكيمياء من جامعة أوكسفورد - من تخليق جزيئات تتضمن أربعة مربعات من الكربون تبرز من الحلقة، وترتبط بهذه المربعات ذرات أكسجين. بعد ذلك.. أرسل الفريق عيناته إلى مختبرات شركة «آي بي إم» IBM للأبحاث في زيورخ بسويسرا؛ حيث وضع الباحثون المعاونون الجزيئات المكوَّنة من الأكسجين والكربون فوق طبقة من كلوريد الصوديوم داخل حجيرة عالية التفريغ من الهواء، ثم عالجوا الحلقات، واحدة تلو الأخرى بتيارات كهربائية (باستخدام مجهر من فئة مجاهر القوة الذرية، يمكن استخدامه أيضًا كمجهر مسح نَفَقِيّ)؛ لإزالة الأجزاء الخارجية التي تحتوي على الأكسجين. وبعد الكثير من المحاولات، والإخفاقات، كشفت صور المسح المجهري عن بِنْية مكونة من 18 ذَرة كربون. وتقول سكريفين عن هذا الإنجاز: "لم أتصور أنني سأشهد ذلك أبدًا".

كبر الصورة

SOURCE: K. KAISER ET AL. SCIENCE (2019); IBM RESEARCH

وقد أوضح باحثو شركة «آي بي إم» أن الحلقات المكونة من 18 ذَرة كربون تتسم بروابط ثلاثية وأحادية تبادلية، لكن اختلفت النتائج النظرية حول ما إذا كان جزيء الكربون ذو الـ18 ذَرّة سيكون له ذلك النوع من البِنى، أم سيكون مكونًا بالكامل من روابط ثنائية فقط.

وتثير أنواع الروابط التبادلية اهتمام العلماء؛ لأنه يُفترض فيها أنها تضفي على السلاسل والحلقات الكربونية خواص أشباه الموصلات. ويقول جافل إن النتائج تشير إلى أن سلاسل الكربون الطويلة غير المتشعبة يمكن أن تكون من أشباه الموصلات أيضًا، وهو ما يتيح استخدامها كمكونات في الترانزستورات المستقبلية جزيئية الحجم.

وفي الوقت الحالي، سيدرس الباحثون الخواص الأساسية للحلقة المكونة من 18 ذَرة كربون، التي استطاعوا صنع جزيء واحد فقط منها في المرة. وسيستمر الباحثون في تجربة تقنيات مختلفة قد تساعد على إنتاج كميات أكبر. ويقول جافل: "حتى الآن، لا يزال هذا العمل بحثًا مبدئيًّا بدرجة كبيرة".

ويقول هوفمان: "إن هذا لعمل رائع"، على الرغم من أنه يضيف قائلًا إنه ليس معروفًا بَعدُ ما إذا كانت الحلقة المكونة من 18 ذَرّة كربون ستظل مستقرة بعد رفعها من فوق السطح الملحي المرتكزة عليه، أم لا، وما إذا كانت هناك طريقة أخرى لتخليقها بكميات أكبر من جزيء واحد في المرة، أم لا.

References

  1. Reference 1 | article
Affiliation