كتب وفنون

علم فيزياء الأرض: الجانب السلبي لمغناطيسية الأرض

بيتر أولسون يستمتع بمناقشة دراسة تتناول القوة التي تحمي كوكب الأرض، والأشخاص الذين اكتشفوها.

بيتر أولسون
  • Published online:
تَظهَر الأضواء الشمالية – التي تُشَاهَد فوق أيسلندا – بسبب الجسيمات المشحونة الموجودة في الرياح الشمسية التي تضرب الغلاف المغناطيسي للأرض.

تَظهَر الأضواء الشمالية – التي تُشَاهَد فوق أيسلندا – بسبب الجسيمات المشحونة الموجودة في الرياح الشمسية التي تضرب الغلاف المغناطيسي للأرض.

Arctic-Images/Getty

كان عام 1906 عامًا مهمًّا للفيزياء وعلم الأرض؛ ففي ذلك العام فاز الفيزيائي جيه. جيه. طومبسون بجائزة نوبل؛ لاكتشافه الإلكترون. وكانت ورقتا ألبرت آينشتاين البحثيتان عن النسبية الخاصة بين أيدي القراء في جميع أنحاء العالم، واكتشف الجيولوجي ريتشارد أولدام اللُّب المعدني لكوكب الأرض باستخدام الموجات الزلزالية. وفي مكان ناءٍ بوسط فرنسا، اكتشف فيزيائي مغمور، يُدعى بيرنارد برونهِس، أن المجال المغناطيسي لكوكب الأرض قد انعكست قطبيته قبل حوالي 780,000 سنة تقريبًا؛ فحلّ القطب المغناطيسي الشمالي محل القطب المغناطيسي الجنوبي، والعكس..، وهو الحدث الذي سجلته الصخور البركانية في جميع أنحاء العالم.

في كتابها «المغناطيس الدوّار» The Spinning Magnet، تنسج الصحفية العلمية آلانا ميتشِل خيوط قصة مغناطيسية الأرض. تتتبّع ميتشِل الجذور الفكرية للمغناطيسية في الفلسفة الطبيعية اليونانية القديمة، فقد تكهّن كلٌّ من طاليس الملطي، وأرسطو بشأن أصول المغناطيسية. ومن ثم، تقتفي ميتشِل أثر التلميحات التي أشارت إلى مغناطيسية الأرض، والتي تَوالَى ظهورها خلال حقبة الفيزياء الكلاسيكية في القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين، وصولًا إلى وقتنا الحاضر، مستخدمةً اكتشاف برونهس المذهل كحبكة فرعية. وتضيف ميتشِل قدرًا سخيًّا من التوتر إلى هذا المزيج، وهو توتر نابع من الآثار الاجتماعية المترتبة على هذا الاكتشاف؛ أي احتمالية فقداننا للقطبية الثنائية لكوكب الأرض، ذلك «الدرع المغناطيسي» الذي يشتت الجسيمات الضارة الآتية مع الرياح الشمسية.

وتُذكِّرنا ميتشِل باستمرار - عبر صفحات كتاب «المغناطيس الدوّار» - بأن انعكاسات قُطبية المجال المغناطيسي للأرض حدثت آلاف المرات في الماضي الجيولوجي للكوكب. وثمة انعكاس آخر، كان يُفترض حدوثه، ولكنه تأخر عن أوانه. وفي الواقع، لقد انخفضت قوة قطبَي الأرض بحوالي 10% منذ أن جرى قياسها للمرة الأولى على يدَي كارل فريدرش جاوس في عام 1840. وإذا استمر الأمر على هذا المنوال، فنحن في طريقنا إلى فقدان درعنا المغناطيسي في غضون بضعة آلاف من السنين، بل إن ميتشِل تحدِّد المكان الذي ربما كان هذا الأمر فيه قيد الحدوث بالفعل، وهذا المكان تحديدًا في أسفل جنوب المحيط الأطلنطي. وهناك، على سطح اللُّب الخارجي السائل لكوكب الأرض، يجد علماء الأرض أدلة تشير إلى أن المجال المغناطيسي يعكس اتجاهه على مساحة تبلغ عدة ملايين من الكيلومترات المربعة، وهى مساحة آخذة في الزيادة مع كل عقد يمر من عمر الزمن.

إذَن، هل سيصبح القطب المغناطيسي الشمالي هو القطب الجنوبي في وقت قريب، أم أن ذلك مجرد حدث عارض، ستتبعه عودة قوة المجال المغناطيسي إلى ما كانت عليه؟ وفي الوقت نفسه، ماذا عن بِنْيتنا التحتية الضعيفة؟ وعلى سبيل المثال، ماذا سيحدث لشبكة الكهرباء المختلفة في الولايات المتحدة في مواجهة العواصف الشمسية الشديدة، عندما يتعطل الدرع المغناطيسي؟ وللإجابة عن هذه الأسئلة، أجرت ميتشِل مقابلات مع العشرات من علماء الأرض، وعلماء الفضاء، وعلماء الأحياء، وقدمت لنا وصفًا ممتعًا لما يُرجَّح أن يكون في انتظارنا – من الناحية المغناطيسية – وكيف وصلنا إلى هذا الوضع.

ويُلاحَظ أن الأكثر إثارة للاهتمام في هذا الكتاب هو الأشخاص الذين لعبوا أدوارًا تاريخية، والذين تحكي عنهم ميتشِل في تلك الملحمة العلمية. ويأتي في أول قائمة بطولة هذه الملحمة بيتروس بيريجرينوس من ماريكورت، وهو عالِم فرنسي ومقاتل صليبي من العصور الوسطى، أثار كتابه «رسالة عن المغناطيس» Epistle on the Magnet، الذي ألفه في عام 1269، التساؤلات الأولى حول مغناطيسية الأرض في الغرب (إذ كان الأمر معروفًا في الشرق - وخاصةً في الصين - منذ سنة 200 قبل الميلاد تقريبًا، وما بعدها). وبعد ذلك.. يأتي ثلاثة رجال من إنجلترا – من القرن السادس عشر، حتى القرن الثامن عشر – وهم: ويليام جيلبرت، وهو عالِم فلك، وطبيب خاص للملكة إليزابيث الأولى، ومؤلف رسالة نُشرت في عام 1600، عنوانها: «عن المغناطيس» De Magnete؛ وهنري جِليبراند، الذي أوضح أن المجال المغناطيسي للأرض يتغير بمرور الزمن؛ وإدموند هالي، الذي سُمّي المذنَّب الشهير باسمه، والذي وضع تصورًا لتباين المغناطيسية الأرضية، صار فيما بعد الخريطة الكنتورية المعروفة.

وبعد ذلك.. يأتي روّاد الكهرومغناطيسية من القرن الثامن عشر، حتى القرن التاسع عشر، وهم: بنجامين فرانكلين، وآندريه-ماري أمبير، وهانز كريستيان أورستد، ومايكل فاراداي، وجيمس كليرك ماكسويل. أما المرأة الأبرز في هذا الشأن، فكانت عالمة فيزياء الأرض إنجيه ليمان، التي اكتشفت اللب الداخلي الصلب لكوكب الأرض في عام 1936. وأخيرًا، تأتي مجموعة كبيرة من علماء الأرض الآخرين في القرن العشرين، الذين أجروا قياسات كمية لنظرية الصفائح التكتونية باستخدام الانعكاسات المغناطيسية المسجَّلة في الصخور البركانية والرسوبية. ومن خلال تلك القياسات، أثبت هؤلاء العلماء أن عمر قشرة المحيط يزيد على نحو منتظم مع بُعْد المسافة عن حيود وسط المحيط.

وتتميز مجموعة الصور التي عرضتها ميتشِل في الكتاب بأنها منتقاة بعمق وشمولية يجعلان انتصارات أبطال هذا العرض وإخفاقاتهم أمرًا آسِرًا للألباب. وتقدِّم ميتشِل في كتابها أيضًا حكايات مسلية عن مختصين في علم الأرض، في يومنا هذا. ومن بين هؤلاء: الجيولوجي جاك كورنبروبست، الوصيّ على إرث برنارد برونهِس؛ ودانييل بيكر، خبير الأحداث المتطرفة في طقس الفضاء. وتُقدِّم المقابلات الشخصية التي أجرتها ميتشِل نظرة متعمقة على أفكار هؤلاء وأنشطتهم، وهي نظرة تتجاوز الصور النمطية التي تُظْهِرهم كعباقرة حمقى غامضين، أو مستكشِفين مَلْحَميين.

وسيلاحظ القارئ الفطن بعض الفجوات في الكتاب. فعلى سبيل المثال، خصصت ميتشِل مساحة ضئيلة لشرح الكيفية التي تولِّد بها الأرض درعها المغناطيسي في اللُّب المعدني، وتحافظ عليه. ومما يدعو للاستغراب أيضًا.. عدم الإشارة إلى الدراما الإنسانية وراء التطورات الأخيرة، التي تضمنت تجارب رقمية مبتكرة، أُجريت باستخدام حواسيب عملاقة. وأخيرًا، يمكن القول إن العنوان الفرعي للكتاب (القوة الكهرومغناطيسية التي صنعت العالَم الحديث؛ والتي يمكن أن تدمره) وما ينطوي عليه هذا من تحذير مخيف من الفناء الوشيك، يُعَد تشتيتًا لا داعي له؛ حيث إنه لا يرقى إلى مستوى القصص الواقعية التي يحتوي عليها الكتاب.

بيتر أولسون يعمل في قسم علوم الأرض والكواكب بجامعة نيو مكسيكو في ألبوكيركي.

البريد الإلكتروني: peterleeolson@unm.edu