أخبار
اختبار لقاحٍ جديد مضاد للإيدز على آلاف الأشخاص
يستهدف اللقاح التجريبي سلالات فيروسية من جميع أنحاء العالم.
- Nature (2019)
- doi:10.1038/d41586-019-02319-8
- English article
- Published online:
يتَّسِم فيروس نقص المناعة البشرية (بالأزرق) - الذي يظهر هنا مهاجِمًا خلية مناعية - بسرعة تحوُّره، وهذا يُربك الجهود الساعية لمكافحته.
STEVE GSCHMEISSNER/SCIENCE PHOTO LIBRARY
في وقت لاحق من العام الجاري، من المقرر أن يبدأ لقاحٌ تجريبي ضد فيروس نقص المناعة البشرية - يستهدف عددًا من سلالات الفيروس، يفوق أي عدد استهدفه أي لقاح جرى تطويره حتى الآن - رحلته في تجربة إكلينيكية من مرحلة متقدمة. ويبدو أن هذا اللقاح "متعدد العناصر"، الذي يضم مواد وراثية من سلالات فيروس نقص المناعة البشرية من كافة أرجاء العالم، له تأثيرات تدوم لفترة أطول من أي لقاحات أخرى جرى اختبارها على البشر من قبل.
وقد أظهرت تجارب محدودة أجريت على اللقاح متعدد العناصر أنه استحث استجابة مناعية مناهِضة لفيروس نقص المناعة البشرية؛ مثل إنتاج أجسام مضادة. ومع ذلك.. فابتداءً من سبتمبر الحالي، سيحاول العلماء إعطاء اللقاح لآلاف الأشخاص في الأمريكتين وأوروبا؛ لتقييم ما إذا كان اللقاح يقي الأفراد بأي شكل من الإصابة بعدوى الفيروس، أم لا. وستختبر هذه التجربة من المرحلة الثالثة اللقاح على الأشخاص المتحولين جنسيًّا، وعلى الرجال الذين يمارسون الجنس مع رجال، إذ يصيب فيروس نقص المناعة البشرية هذه المجتمعات البشرية بنسب متفاوتة، فحوالي ثلثي الإصابات الحديثة بالفيروس تحدث في الولايات المتحدة في أوساط المثليين، والرجال ذوي التوجه الجنسي المزدوج، وذلك وفق تقديرات «مراكز الولايات المتحدة لمكافحة الأمراض والوقاية منها» في أتلانتا بولاية جورجيا. وناقش الباحثون القائمون على إدارة التجربة، التي أطلقوا عليها اسم «موزايكو» Mosaico، تفاصيل المشروع في أثناء المؤتمر الدولي العاشر لجمعية الإيدز، بشأن فيروس نقص المناعة البشرية، الذي انعقد في مدينة مكسيكو في نهاية شهر يوليو الماضي.
وتقول سوزان بوخبيندر - عالمة الوبائيات من جامعة كاليفورنيا بسان فرانسسكو، وهي من أعضاء فريق «موزايكو» - إن إضافة لقاحٍ فعال ضد فيروس نقص المناعة البشرية إلى ترسانة الإجراءات الوقائية المتاحة حاليًّا لوقاية الأشخاص من العدوى، وتشمل الواقيات الذكرية، والخضوع لنظام علاجي مضاد لفيروسات النسخ العكسي، يسمَّى نظام «بريب» PrEP، من شأنها أن تُحدِث فرْقًا هائلًا.
ويقول هورهي سانشيز - عالِم الوبائيات من مركز البحوث التكنولوجية والطبية الحيوية والبيئية بمدينة ليما، وهي موقع من مواقع دراسة «موزايكو» البحثية - إنه قد يستعصي على الأشخاص المواظبة على بعض الأنظمة العلاجية الوقائية، أو حتى الحصول عليها؛ مثل نظام «بريب»، الذي يقتضي أن يتناول الشخص حبة دواء يوميًّا. ويضيف سانشيز قائلًا إن وجود لقاح لا يتطلب سوى عدد قليل من مرات الحقن كل عامين يمكن أن يكون بديلًا جيدًا.
لقد واجه الباحثون - في سعيهم منذ ثمانينيات القرن الماضي - صعوبات في التوصل إلى لقاح فعال ضد فيروس نقص المناعة البشرية. وأحد التحديات الرئيسة التي واجهتهم هو التنوع المهول لسلالات فيروس نقص المناعة البشرية المنتشرة حول العالم. ويقول عالِم الفيروسات دان باروك - من مركز بيث إسرائيل ديكونيس الطبي في بوسطن بولاية ماساتشوستس - إنه حتى الآن لم يحالف العلماءَ كثيرٌ من الحظ في تطوير لقاح يستطيع استهداف مسبِّب مَرضي بهذا القدر من التنوع.
جرى اختبار أكثر من مائة لقاح ضد فيروس نقص المناعة البشرية على البشر على مدار العقود الثلاثة الماضية، ولم يُظْهِر أيٌّ منها نوعًا من الحماية ضد الفيروس، سوى لقاح واحد فقط. ففي عام 2009، أعلن الباحثون نتائج دراسة أُجريت في تايلاند، أظهرت أنه بعد وقت قصير من تلقي المشاركين في الدراسة لقاحًا تجريبيًّا، كان احتمال إصابتهم بفيروس نقص المناعة البشرية أقل بمقدار 60% تقريبًا من أولئك الذين تلقّوا لقاحًا مموِّهًا، لكن تأثير اللقاح تضاءل خلال عام. وبنهاية مدة الدراسة، التي بلغت ثلاث سنوات ونصف السنة، كان احتمال أن يصيب الفيروس الأفراد الذين تلقوا اللقاح أقل منه بين مَن لم يتلقوه، بنسبة بلغت 31% فقط.
وأظهرت الاختبارات المخبرية البسيطة للقاح دراسة «موزايكو» على البشر أنه استحث استجابات مناعية قوية، استمرت لمدة عامين على الأقل، بعد أن حَقَن الباحثون المشاركين في الدراسة به.
تفاؤل حَذِر
ستشمل آخرُ دراسةٍ في مشروع «موزايكو» 3800 مشارك من ثماني دول، منها: الأرجنتين، وإيطاليا، والمكسيك، وبولندا، والولايات المتحدة. وسيُحقَن نصف المشاركين بأربع حقن من اللقاح على مدار عام، بينما سيُحقَن نصفُهم الآخر بلقاح مموِّه.
تحتوي حُقَن اللقاح على فيروس معطِّل من الفيروسات المسببة لنزلات البرد، يحمل نسخًا اصطناعية من ثلاثة من جينات فيروس نقص المناعة البشرية. واعتمد الباحثون الذين قاموا بتخليق هذه الجينات على تَسَلْسُلاتٍ للحمض النووي، مأخوذة من سلالات مختلفة من فيروس نقص المناعة البشرية، توجد في العديد من المناطق حول العالم. ولتوفير دعم إضافي لمساعدة الجسم على إنتاج أجسام مضادة مناهِضة لفيروس نقص المناعة البشرية، أضاف فريق «موزايكو» إلى الجرعتين الأخيرتين في سلسلة الحَقْن اثنين من البروتينات الاصطناعية، مشتقَّين من البروتينات التي تنتجها سلالات فيروس نقص المناعة البشرية الشائعة في أفريقيا، والأمريكتين، وأوروبا، وأستراليا. ويقول باروك إن اشتمال اللقاح على هذا "الدعم البروتيني" هو ما يجعل منه لقاحا شاملًا بحق.
ويأمل فريق دراسة «موزايكو» أن يساعد اللقاح على حماية 65% - على الأقل - من المشاركين في الدراسة. ويتوقع العلماء أن يحصلوا على نتائج بحلول عام 2023. ويُذكر أن الدراسة تُجرى تحت رعاية ائتلاف من الشركات، تقوده شركة «يانسين فاكسينز آند بريفينشين» Janssen Vaccines & Prevention، وهي جزء من شركة «جونسون آند جونسون» Johnson& Johnson في مدينة نيو برونزويك بولاية نيو جيرسي.
ويؤجل بعض الباحثين حكمهم على دراسة «موزايكو». ويعلل توماس هانكي - اختصاصي المناعة من جامعة أكسفورد بالمملكة المتحدة - ذلك قائلًا إن فيروس نقص المناعة البشرية يستطيع أن يتحور بسرعة، وهو ما قد يثبط الاستجابات المناعية. وللتغلب على هذه المشكلة، يحاول هانكي تخليق لقاح متعدد العناصر، يتضمن أجزاء من بروتينات فيروس نقص المناعة البشرية، يندر حدوث الطفرات فيها.
وتظن ما لو، الباحثة في مجال فيروس نقص المناعة البشرية - من جامعة مانيتوبا في كندا - أن إيجاد لقاح فعّال سوف يستغرق وقتًا أطول مما يعتقد باحثو «موزايكو»، لكنها تثني على جهودهم. وتقول لو إنّ التعَلُّم من التجارب على البشر له قيمة كبيرة، بغض النظر عن النتائج.