أخبار

للمرة الأولى.. مركبة فضاء يابانية تستكشف باطن أحد الكويكبات

هبطت المركبة «هايابوسا 2» على الكويكب «ريوجو»؛ بهدف جمع عينات من المواد المشَكِّلة لباطنه.

دافيديه كاستلفيكي
  • Published online:
صورٌ التقطتها المركبة الفضائية «هايابوسا 2» وهي في طريقها إلى الهبوط على الكويكب «ريوجو».

صورٌ التقطتها المركبة الفضائية «هايابوسا 2» وهي في طريقها إلى الهبوط على الكويكب «ريوجو».

JAXA

أتمت بعثة «هايابوسا 2» Hayabusa2 اليابانية لدراسة أحد الكويكبات الفصل الأخير والأهمّ في رحلتها الملحمية لاستكشاف الفضاء. ففي الساعة 10:18 صباحًا بتوقيت طوكيو، في الحادي عشر من يوليو عام 2019، هبطت مركبة البعثة الفضائية على الكويكب «ريوجو» Ryugu للمرة الثانية خلال العام الجاري؛ بهدف جمع عينات من حفرة صنعتها في إبريل من العام نفسه؛ عن طريق تصويب قذيفة نحو سطح الكويكب. وإذا ما نجحت عملية جمْع العينات هذه – وهو ما لن يُمْكِن لفريق البعثة الجزم به لفترة من الوقت – فإنها ستُعتبر السابقة الأولى في التاريخ، التي تنجح فيها بعثة فضائية في جمْع عينات من باطن كويكب.

وقد جمع مسبار البعثة عينة من سطح الكويكب في فبراير عام 2019. وبعدما يعود حاملًا هذا الكنز الثمين إلى كوكب الأرض خلال العام القادم، سيتمكن العلماء من مقارنة تركيب المادة المأخوذة من موقعي هبوط المركبة المختلفين. وهذا من شأنه أن يكشف عن مدى تأثُّر التركيب الكيميائي لسطح الكويكب بالتعرض لظروف الفضاء القاسية؛ لا سيما حرارة الشمس، والرياح الشمسية، والأشعة الكونية.

وحول ذلك.. تقول لوسي مِكفادِن، عالمة الفلك المتخصصة في الكواكب من مركز «جودارد» Goddard لرحلات الفضاء، التابع لوكالة ناسا في مدينة جرين بيلت بولاية ميريلاند: "إن هذه لمهمة جسيمة".

كبر الصورة

وصلت المركبة «هايابوسا 2» إلى الكويكب «ريوجو» في يونيو عام 2018، ونشرت مركبات إنزال على سطح الكويكب سجلت بدورها قياسات مغناطيسية، وكيميائية، وغيرها من القياسات، وأرسلت صورًا إلى الفريق الأرضي. وقد أكملت المركبة أول هبوط لها في فبراير من العام الجاري، ثم أطلقت في إبريل قذيفة أسفرت عن تكوين حفرة، عرضها 10 أمتار، كاشفةً عن المادة الموجودة أسفل سطح الكويكب. وسوف تعود مركبة «هايابوسا 2» في وقت لاحق من العام الجاري إلى الأرض، حيث من المتوقع أن تُقدِّم عيناتها بحلول نهاية عام 2020؛ لأغراض تحليل هذه العينات.

استهدفت المركبة «هايابوسا 2» في آخِر مهمة لها بقعةً خارج الحفرة مباشرة، بدلًا من الهبوط إلى داخل الحفرة نفسها، وكانت هذه الخطوة ستُعَدّ "محفوفة بالمخاطر"، وذلك وفق ما أدلى به ماكوتو يوشيكاوا في حواره مع دورية Nature، وهو مدير البعثة الفضائية من معهد علوم الفضاء والملاحة الفضائية، التابع لوكالة استكشاف الفضاء الجوي اليابانية «جاكسا» JAXA في مدينة ساجاميهارا .

ويقول هارولد كونولي، عالِم الكيمياء الكونية من جامعة رُوان في جلاسبورو بولاية نيوجيرسي، وأحد الباحثين المشاركين في فريق البعثة: "إذا كنتَ في طريقك إلى الهبوط إلى تجويف منخفض، فسينتابك القلق، دون شك، بشأن مشكلات بعينها، مثل بروز ألواح الطاقة الشمسية"، واحتمال اصطدامها بالسطح. ويعمل كونولي أيضًا في بعثة «أوزيريس-ركس» OSIRIS-REx التابعة لوكالة ناسا، التي تستكشف جرمًا مشابهًا، يُطلَق عليه كويكب «بينو» Bennu. وتقضي خطط هذه البعثة الأخيرة بجمع عينات من سطح هذا الجُرم خلال العام المقبل. وتتبادل البعثتان المعلومات، وتتعاونان جزئيًّا عن طريق اقتسام باحثين من طواقم العمل.

إنّ الكُويكب «ريوجو»، الذي يبلغ عرضه كيلومترًا واحدًا، ينتمي إلى ذلك النوع من الكويكبات التي يُطلِق عليها العلماء اسم "كويكبات كومة الأنقاض"؛ لأنه بمثابة تجمُّع مزيج من صخور وغبار معًا بغير إحكام بفعل الجاذبية. ويقول كونولي إنّ انخفاض كثافة هذا الكويكب – التي تربو بقليل عن كثافة الماء في طوره السائل– يشير إلى أن معظمه يتألف من فضاء خاوٍ، وأنه قد تكوَّن من تراكم الحطام الذي نتج عن تصادُم أجرام أخرى.

ولا يمكن للمركبة أن تجمع العينات مستخدِمة آلية الشفط، إذ إنها لا تعمل في الفراغ الفضائي، كما إن الجاذبية تكاد تكون منعدمة على الكويكب «ريوجو». ولذا.. صمَّم الفريق تقنية مبتكرة، تُتيح لمركبة الفضاء التقاط المواد في أثناء القفز فوق سطح الكويكب، دون الاستقرار فعليًّا عليه. وتضمنت هذه التقنية تفكيك المادة التي تخدِم كعينة عن السطح، والتقاطها في ما يشبه البوق (انظر: "كنز الكويكب").

ويهدف الفريق إلى عودة المركبة إلى الأرض، حاملةً معها كمية إجمالية تُقَدَّر بحوالي جرام واحد من العينات، لكنْ سيضطر الفريق إلى انتظار عودة مسبار البعثة إلى الأرض؛ لفتح حجرات التخزين، وفحص ما بداخلها. ويقول يوشيكاوا إنه خلال فترة وجود المركبة «هايابوسا 2» في الفضاء، لا يستطيع فريق تحكُّم البعثة - بأي حال من الأحوال - معرفة مقدار المادة التي جُمعت في كل عملية هبوط.

ويأمل علماء الفيزياء أن تساعد العينات التي يتم جمعها على حلّ ألغاز بشأن الكويكب «ريوجو». وعلى سبيل المثال.. سَبَب قتامة الكويكب الشديدة غير واضح؛ فهو يُعَد واحدًا من أقل الأجرام قدرة على عكس الضوء في النظام الشمسي، كما أنه أكثر قتامة من أي نيزك معروف، والمادة المكشوفة في قاع الحفرة حديثة النشأة تبدو أكثر قتامة من سطح الكوكب. ويتوق الباحثون من وكالة استكشاف الفضاء الجوي اليابانية إلى معرفة ما إذا كان تصادُم إبريل الناتج عن إطلاق القذيفة هو نفسه الذي جعل المادة أكثر قتامة، أم أن لون الحفرة هو مِن السمات المميزة لتركيب الكويكب، وأنّ السطح قد أضاء بفعل أشعة الشمس.

وتشير ورقة بحثية، نشرها علماء البعثة في مايو عام 2019 (T. Michikami et al. Icarus 331, 179–191; 2019) إلى وجود عدد مدهش من الجلاميد المتناثرة على سطح هذا الكويكب، إذ يزيد عددها (لكل وحدة) من مساحة السطح عن أي كويكب آخر معروف إلى الآن. وهذا يعزز خطورة اقتراب مركبة «هايابوسا 2» من سطح الكوكب وهبوطها عليها، لا سيما أن المركبة يتعين عليها العمل على نحو مستقل؛ نظرًا إلى بُعْدها الشديد عن كوكب الأرض.