كتب وفنون

تحيز: التمييز العنصري والمنافسة

تُقدِّم أنجيلا سايني تقييمًا لكتاب يوضح كيف أن الممارسات العلمية السيئة لا تزال قائمة في مجال الرياضة، واختبارات نسبة الذكاء، وغيرهما من المجالات.

أنجيلا سايني 
  • Published online:
الرياضيات الكينيات يتعرضن كثيرًا للجدل بشأن تفوقهم الوراثي المزعوم في سباقات الركض لمسافات طويلة.

الرياضيات الكينيات يتعرضن كثيرًا للجدل بشأن تفوقهم الوراثي المزعوم في سباقات الركض لمسافات طويلة.

 Sven Torfinn

ما وراء البشرة: جولات في عِلْم الأعراق المثير للجدل

جافِن إيفانز، دار نشر «وان وورلد»، (2019)

في عربة أَقَلَّت جافِن إيفانز مجانًا في زيمبابوي في عام 1981، التقى بزوجين يتحدثان اللغة الإنجليزية، وأخبراه بأن القدرات العقلية لدى الأفريقيين السود محدودة للغاية، لدرجة تجعلهم عاجزين عن اختراع أي شيء. نشأ إيفانز ذو البشرة البيضاء في جنوب أفريقيا، إبان عهد الفصل العنصري هناك. وكما يقول في كتابه «ما وراء البشرة»  Skin Deep (إضافة إلى كتابه «العقل الأسود، والعقل الأبيض» Black Brain, White Brain، الذي نُشر في عام 2014)، فإن "بشرته الشاحبة الباعثة على الطمأنينة" مكَّنته من الاطلاع على صور التعصب المعتاد الذي كان يُمارَس من جانب غيره من البيض الذين "تربَّوا على العنصرية". وظن كثيرون أنه قد يشاطرهم آراءهم البغيضة نفسها، لكنه لم يفعل. ونظرًا إلى أن هذه الممارسات كانت صادمة له، فقد عقد العزم على محاربة التعصب من خلال كتاباته.

يحلل إيفانز - الكاتب، والمُحاضر الإعلامي - في كتابه «ما وراء البشرة» الحجج العلمية الزائفة والمضللة التي لا تزال تُستخدم كذريعة لتبرير العنصرية. وفي كتابي الأخير «العِرْق الأسمى» Superior، أتناول موضوعًا مشابهًا (انظر: R. Nelson Nature 570, 440-441; 2019). ونظرًا إلى أن الكتاب الذي ألَّفه ستيفن جاي جولد، وعنوانه «المعايير البشرية المغلوطة» of Man The Mismeasure، الذي ينتقد فيه نظرية الحتمية الجينية، نُشر خلال عام 1981، أي قبل قرابة 40 عامًا، فقد تظن أن إعادة تأكيد عدم وجود أساس وراثي لما يعتبره الناس سلالة أو عِرْقًا، قد فقدت أهميتها، لكن البيئة السياسية الحالية تذكِّرنا بأن فكرة الفروق العميقة بين المجموعات السكانية، المسَلَّم بها، لا تزال قائمة.

إنّ "عِلْم" الأعراق – ويُقصد به الأبحاث التي تتقصى وجود هذه الفروق، ونطاق انتشارها – قد اختفى بدرجة ما من علم الأحياء، فمعظم التباين الوراثي البشري يُنظر إليه اليوم على أنه عامل فردي، يتباين من شخص إلى آخر؛ بمعنى أن مَن ينتمون إلى مجموعات سكانية مختلفة مِن السهل أن يكونوا أكثر تشابهًا من الناحية الوراثية، مقارنةً بالأفراد الذين ينتمون إلى المجموعة السكانية نفسها. ورغم ذلك.. فإن استمرار الممارسات العنصرية المعتادة، وإدراك الفروق الثقافية الإقليمية، واستخدام التصنيفات العنصرية (مثل مصطلح "الجنس القوقازي" في الطب، والتوظيف، وعمليات جمع البيانات الرسمية) تُعمي كثيرين جدًّا عن إبصار هذه الحقيقة.

ويُسلط إيفانز الضوء على موضوعين محوريين فيما يتصل بأشكال التنميط العنصري؛ هما: الرياضة، والذكاء. وكان الجزء الذي خصَّصه من كتابه حول نجاح عَدّائي الماراثون الكينيين في السباقات الدولية رائعًا؛ فهو يهدم فكرة طرح تفسيرات وراثية وراء أي إنجازات رياضية تحققها أي منطقة. فقد تكهن البعض بأنّ الكينيين ربما يملكون - في المتوسط - سيقانًا أطول وأنحف، مقارنة بغيرهم، أو أن لديهم اختلافات في وظائف القلب، والعضلات، بيْد أن إيفانز يشير إلى أننا لا نصدر مثل هذه التعميمات على اللاعبين البريطانيين البيض عندما يُظهِرون براعة مدهشة في مسابقات ألعاب القوى العالمية. فمزاعم البراعة الرياضية هذه ما هي إلا ادّعاءات تنم عن بَلادة، شديدة التأثر بالعنصرية، ونابعة من مذهب بيولوجي قائم على التعميم.

تعقيد حقيقي

وفيما يتعلق بالذكاء، يُحلِّل إيفانز عمل روبرت بلومين، الباحث في شؤون التوائم، وصاحب الادعاء القائل إنّ نسبة الذكاء يمكن توريثها بدرجة كبيرة (انظر:  N. Comfort Nature 561, 461–463; 2018). وقد ذهب البعض إلى تفسير هذا بأنه يدل ضمنيًّا على وجود فروق وراثية بين المجموعات السكانية، لكنّ نسبة الذكاء تتسم بالمرونة، حيث يوضح إيفانز هذا قائلًا: "إن إحدى أفضل الطرق لتحسين نسبة الذكاء، إذا كنت منحدرًا من أسرة فقيرة، هي أن تتبنّاك أسرة وأنت رضيع"؛ فتَبَنِّي الأطفال من جانب أُسَر ثرية تصاحبه زيادات كبيرة في نسبة الذكاء، تصل إلى ما بين 12، و18 نقطة. وقد أظهرت الأبحاث أن اختبارات نسبة الذكاء لا تزال تخفق في رصد التعقيد الحقيقي، والتفاوت الفعلي في ذكاء البشر.

مرشحون للهجرة يخضعون لاختبارات الذكاء في محطة تفتيش جزيرة إيليس في عشرينيات القرن الماضي.

مرشحون للهجرة يخضعون لاختبارات الذكاء في محطة تفتيش جزيرة إيليس في عشرينيات القرن الماضي.

Granger Historical Picture Archive/Alamy

ولِكَوْن إيفانز من المواطنين البيض في جنوب أفريقيا، فهو لم يختبر الجانب العصيب من الفصل العنصري. لكنّ نقطة قوّته تتمثل في أنه أَلِف طوال حياته الدولَ الواقعة في جنوب القارة الأفريقية. فمن بين المشكلات التي تعرقل عملية الكتابة عن عِلْم الاختلافات البشرية أن بعض المؤلفين، لا سيما في أوروبا والولايات المتحدة، بخلاف معرفة كل منهم ببلده، لا يمتلكون سوى قدر ضئيل من المعلومات عن تاريخ الدول الأخرى، وثقافاتها، وبيئاتها. ولا يمكن مناقشة قضايا الأعراق دون الأخذ في الحسبان التأثيرات الخفية والدقيقة للغة، والسياسة، والعادات، والدين، والنظام الغذائي، وجميعها عوامل تُشكِّل جُلَّ ما يعتبره الكثيرون بأنه اختلاف "عرقي". وقد قرأت الكثير جدًّا من كتب العلوم المبسطة، التي تتعامل مع هذه العوامل باعتبارها ثانوية، وكأنك لا تحتاج سوى أن تكون ملمًّا بعلم الوراثة؛ لدحض الأصول العلمية للتمييز العنصري. لكنْ بفضل معرفة إيفانز الواعية بأماكن وشخصيات شتى، فهو يتجنب الوقوع في هذا الشرَك.

تتطلب السياسة في عصرنا الحالي أن نتصدى إلى التمييز العنصري "العلمي"، ليس فقط بدعم قضيتنا، والتحلي بالصرامة والقوة، بل أيضًا بالقيام بذلك دون خوف. ولعلنا نلحظ أن إيفانز مصمم على تحقيق هدفه، ودعم قضيته؛ فهو يُوجِّه - على سبيل المثال - انتقادًا لاذعًا لعالِم النفس ستيفن بينكر، لدعمه نظريات علماء الأنثروبولوجيا؛ جريجوري كوكرين، وجايسون هاردي، والراحل هنري هاربندينج، الذين يزعمون أن عوامل الضغط التطورية أدّت إلى فروق نفسية بين المجموعات السكانية المختلفة. فعلى سبيل المثال.. في عام 2009، وخلال مؤتمر "حفظ الحضارة الغربية"، الذي عُقد في مدينة بالتيمور بولاية ميريلاند، صرح هاربندينج تصريحًا غريبًا، قال فيه: "لم أر في أفريقيا قط شخصًا لديه هواية". ويواصل إيفانز توجيه سهام نقده اللاذع لعلماء النفس الأمريكيين بوجه عام، بسبب "إضفائهم بريقًا علميًّا زائفًا على افتراضات غير علمية"، خاصةً الادعاء القائل إنّ اختبار نسبة الذكاء هو مقياس دقيق، أو يمكن التعويل عليه للذكاء.

وهناك أيضًا مَنْ يكشفون - عن غير قصد - عن تحيز دفين بداخلهم، لا يعونه. وللإجابة عن السؤال الأهم، المتعلق بأسباب دعم الأشخاص للعنصرية، فثمة كتاب مفيد يمكن قراءته بجانب هذا الكتاب، وهو بعنوان: «متحيز» Biased (2019)، بقلم عالمة النفس جنيفر إيبرهارت. وتشرح فيه كيف يترسخ التنميط لدى كل منا منذ نعومة أظافرنا، بحيث إنه عندما نصير بالغين، يتطلب التخلي عن هذه الآراء السائدة جهدًا واعيًا، وممتدًّا.

وهناك هؤلاء الذين يُظْهِرون عنصرية متعمَّدة، مدفوعة بضغينة، وأسباب سياسية. ويكمن الخطر في أن التعرف على هؤلاء ليس سهلًا دائمًا. ففي محاولتهم لكسب موطئ قدم في الأوساط الأكاديمية، غالبًا ما يتبنى أنصار العنصرية "العلمية" لهجة النِّقاش العلمي، فربما يدعون إلى مزيد من الحرية الأكاديمية، و"تنوع الآراء"، معلنين شكواهم من أن غالبية العلماء والقائمين على وسائل الإعلام يحاولون إسكات أصواتهم. وينتقد إيفانز علنًا هذا السلوك المخادع، ويعرب عن ازدرائه الشديد لهؤلاء الذين يحاولون إخفاء تحيزهم العنصري بما يُطلَق عليه "عقدة الضحية"؛ أي إحساسهم بأنهم الشجعان الناطقون بالحق، الذين يتبعون خيوط "الأدلة العلمية".

ويتسم عمل إيفانز بالجرأة، لكنني أجد مشكلة في عمله هذا، وهي أنه لا يأخذ في الاعتبار - على ما يبدو - حقيقة أن العنصريين لا يصيرون كذلك، بسبب أن فحصهم المكثف للعلم قد أقنعهم بأن مجموعات سكانية بعينها أقل تفوقًا من مجموعات سكانية أخرى، بل في واقع الأمر.. كانوا على اقتناع بذلك منذ البداية. والدخول في جدل مع العنصريين بشأن حقائق ثابتة ما هو إلا مضيعة للوقت.. فمجادلة هؤلاء بشروطهم وقواعدهم، الخاصة - مثلما يفعل إيفانز - يخدم دعواهم.

ينبغي أن يُنظر إلى "العِلْم" العنصري على حقيقته؛ فهو طريقة لتبرير التحيز طويل الأمد؛ من أجل دعم رؤية معينة للمجتمع، يرغبها العنصريون. فالمسألة تتعلق بالسيطرة. ولهذا.. افتقرت الأعمال التي تدعي إثبات فروق عنصرية متأصلة – على مر التاريخ - إلى الجودة، لأن العنصريين لا يبالون بما إذا كانت بياناتهم ضعيفة، أو نظرياتهم بالية، أم لا، فهم ليسوا بحاجة سوى إلى الحد الأدنى من الاحترام العلمي؛ لإقناع مَن يجهلون الحقيقة بآرائهم. ورغم ذلك.. لا نزال بحاجة إلى حجج علمية قادرة على دحض نظريات التصنيف البيولوجي للأعراق، تكون من النوع الذي ورد ذكره في كتاب «ما وراء البشرة». وكل ما نأمله أن يقرأ مثل هذه الكتب أشخاص لا يدركون زيف الآراء العنصرية، ليصيروا أقل عرضة للتلاعب من جانب العنصريين المتزمتين، الذين لديهم أجندات سياسية.

إنّ العالَم الخاضع لقبضة سياسات اليمين المتطرف، والقومية العرقية يتطلب نوعًا من الحيطة والحذر. فعلينا أن نصون العلم من الاستغلال، وأن نعزز الوحدة الجوهرية للأجناس البشرية. وإنني لأشعر بالامتنان لكون إيفانز شخصًا يقظ الضمير، وشجاعًا، وعلى استعداد للعب هذا الدور.

أنجيلا سايني صحفية علمية، ومذيعة أخبار، حازت جوائز عديدة، وهي مؤلفة كتابَي: «العِرْق الأسمى» Superior، و«العِرْق الأدنى» Inferior .

البريد الإلكتروني: angela.d.saini@gmail.com