أخبار
التغير المناخي يعزز شدة موجة الحر الكبرى في أوروبا
صارت احتمالية تسجيل أرقام قياسية لأعلى درجات الحرارة في شهر يونيو بفرنسا أكبر بخمسة أضعاف، بفعل الاحترار العالمي.
- Nature (2019)
- doi:10.1038/d41586-019-02071-z
- English article
- Published online:
كانت باريس أحد الأماكن التي تضررت من موجة الحر التي ضربت أوروبا في حوالي السادس والعشرين من يونيو.
Mustafa Yalcin/Anadolu Agency/Getty
بعد سلسلة من فصول الصيف التي اتسمت بِحَرٍّ غير معتاد، شهدت فرنسا وأجزاء أخرى من أوروبا في أواخر شهر يونيو من العام الحالي مزيدًا من درجات الحرارة التي حطمت الأرقام القياسية لأعلى درجات حرارة مسجَّلَة. ومِن منظور مجموعة من علماء المناخ، فقد شكَّلَت هذه الظاهرة فرصة نادرة لإجراء دراسة سريعة، يتبين منها ما إذا كانت موجة الحر – التي تَصَدَّرت عناوين الصحف في أنحاء العالم – يمكن أنْ تُعزَى إلى الاحترار العالمي، أم لا. وبعد تحليل استغرق سبعة أيام، خلص العلماء إلى أن تغيُّر المناخ عزز احتمالية أن تكون درجات الحرارة التي وصلت إليها فرنسا في الفترة ما بين السادس والعشرين إلى الثامن والعشرين من يونيو أعلى بخمس مرات على الأقل، عمّا لو كانت في عالَم لا يعاني احترارًا عالميًّا.
وقرر هؤلاء العلماء المشاركون في مشروع «تحليل أسباب أحداث الطقس العالمي» World Weather Attribution project اتخاذَ إجراءٍ عندما رصدوا قدوم موجة الحر، وانتهى بهم المطاف إلى إجراء تحليل شبه آني لها، في أثناء وجودهم في مؤتمر للمناخ بمدينة تولوز في فرنسا. ففي الوقت الذي اجتمعوا فيه داخل هذا المؤتمر، المعروف باسم «المؤتمر الدولي لعلم المناخ الإحصائي» International Conference on Statistical Climatology، كانت مدينة تولوز وغالبية البلاد تعاني من وطأة الحر؛ وعلى سبيل المثال.. فإنّ مدينة جالارجو لو مونتيو - الواقعة في الجنوب الشرقي - حطمت الأرقام القياسية لأعلى درجات الحرارة في البلاد، مسجِّلة درجة حرارة قدرها 45.9 درجة مئوية، وذلك في الـثامن والعشرين من يونيو الماضي.
يقول فريديريك أوتو، الباحث في علم المناخ بجامعة أوكسفورد في المملكة المتحدة: "ناقشنا المقاربة التي سنستخدمها، وجَمَعنا البيانات، وفحصنا النماذج المناخية، في الوقت الذي تَخَلَّل مباحثات المؤتمر"، ويستطرد قائلًا: "كان من المفيد حقًّا أن يجتمع فريق «مشروع تحليل أسباب أحداث الطقس العالمي» كله في مكان واحد، وأن نُناقش عملنا مع آخرين. وقد حصلنا على الكثير من الآراء المفيدة في هذا الاجتماع".
عالَم لا يعاني احترارًا
لمعرفة ما إذا كان الاحترار العالمي قد أثَّر على احتمالية وقوع ظاهرة مناخية حقيقيّة، فحص العلماء سجلات الطقس الموجودة بالفعل، وقارنوها بنماذج تتضمن محاكاة للسلوك المناخي في عالَم لا يعاني من الاحترار، إذ تبلور مفهوم وجود هذا التأثير منذ وضع تصوره قبل أكثر من عقد مضى، غير أنه احتمالي بطبيعته.
وعن ذلك.. يقول أوتو: "يزعم البعض أن أوجه عدم اليقين في هذه المسألة كثيرة جدًّا، وأن هناك تحفظات بالفعل، معظمها يتعلق بقصور النماذج المناخية، لكنْ حتى مع وجود احتمالية خطأ كبيرة، نعتقد أنه من المفيد تقديم أدلة كمّية على كيفية تأثير تغيُّر المناخ على تكوُّن الظروف المناخية القاسية".
وقد توصل الباحثون حسابيًّا - باستخدام نماذجهم - إلى أن احتمالية بلوغ متوسطات درجة الحرارة المسجَّلة على مدى الأيام الثلاثة الأكثر حَرًّا في فرنسا – التي بلغت فيها درجة الحرارة حوالي 28 درجة مئوية – كانت أكبر بخمس مرات، بسبب التغيُّر المناخي.
وفي تحليل ثانٍ، تناول بالدراسة السجلات التاريخية لدرجات الحرارة خلال القرن الماضي، بدلًا من الاعتماد على نماذج مناخية، توصّل الفريق حسابيًّا إلى أن احتمال حدوث موجة حَرّ كهذه في شهر يونيو قد زاد في الواقع بمئة ضعف منذ عام 1900 تقريبًا، نتيجة التأثير المشترك بين تغيُّر المناخ، وعوامل أخرى، مثل تلوث الهواء.
ومن المرّجح أن تكون قيمة هذه الاحتمالية - التي حسبتها النماذج - أقل من تقديرها الفعلي، حسبما ذكر الباحثون، الذين ينوِّهون إلى أن دراستهم البحثية لم تخضع بعد لمراجعة الأقران. وبعكس البيانات من العالم الحقيقي، فإنّ عمليات المحاكاة لا تتأثر إلا بالعوامل ذات الصلة بالمناخ، ولا تعبِّر عن جوانب محددة، مثل التغيرات في الغطاء السحابي، واستخدام الأراضي، وعمليات الري، وتلوث الهواء. وحسبما يقول روبرت فوتارد، الباحث في علم المناخ بمختبر علوم المناخ والبيئة بجيف سور يوفيت في فرنسا، والعضو في فريق تحليل أسباب أحداث الطقس العالمي: "يبدو أن كل هذه العوامل تؤثر على درجات الحرارة".
ويقول ديم كومو، عالِم المناخ في جامعة أمستردام الحرة، الذي لم يشارك في الدراسة البحثية: "تغفل النماذج المناخية شيئًا ما، عندما يتعلق الأمر بتسجيل ظواهر ارتفاع في درجة الحرارة، تمتد لأجل قصير نسبيًّا، لكن هذا لا يجعل هذه النتائج أقل إثارة للقلق، فسوف تزداد موجات الحر تزايدًا كبيرة مع تغير المناخ، وسوف يُشكِّل هذا مشكلة حقيقيّة للمجتمع".
وحتى الآن، بحثت أكثر من 200 دراسة لـ«تحليل أسباب أحداث الطقس» فيما إذا كان تغيُّر المناخ يعزز احتمالية وقوع ظواهر معينة، أم لا. ومن بين هذه الظواهر: موجات الحر، ومواسم الجفاف، والفيضانات، والعواصف. ووجد الباحثون أن حوالي ثلثي أحداث المناخ القاسي، التي حللوها، كانت أكثر احتمالًا للحدوث، أو أكثر شدة، بسبب تراكم غازات الدفيئة في الغلاف الجوي. فعلى سبيل المثال.. وجد تحليل لموجة الحر التي ضربت أجزاءً من أوروبا بين شهري مايو ويوليو من العام الماضي، والتي كانت أقل شدة، وأطول مدةً من آخِر موجة، أنّ تغيُّر المناخ كان السبب في زيادة احتمالية حدوثها بما يزيد على الضعف في كثير من الأماكن المتضررة بها.
ويعتزم بعض هيئات الأرصاد الجوية الآن جَعْل دراسات تحليل أسباب أحداث الطقس جزءًا من الخدمات العامة التي تقدِّمها الهيئة، حيث تستعد هيئة الأرصاد الجوية الألمانية، وهيئة كوبرنيكوس للتغير المناخي - التابعة للاتحاد الأوروبي - لإجراء تحليل بصورة روتينية لمدى تأثير التغير المناخي على الطقس في ألمانيا وأوروبا على الترتيب، كما تتأهبان لنشر النتائج بشكل شبه آني.
ويتصاعد الاهتمام العام بمعلومات علم المناخ بشكل كبير. ويرجع جزء من الفضل في ذلك إلى احتجاجات الشباب، التي تطالِب الراشدين بالتصرف حيال الأمر، وأبرزها حملة «أيام جُمعة المستقبل» Fridays for Future، التي أطلقتها جريتا تونبرج، المراهِقة السويدية الناشطة في مجال المناخ.
ويقول أوتو: "أتحدث إلى صحفيين عن الأمر كل يومين على الأقل منذ شهور"، ويستطرد قائلًا: "الوضع جنوني، لكنه بالفعل أصبح جزءًا أساسيًّا من عملي".