أخبار

مواد غريبة تخطف أنظار علماء الفيزياء

«الطوبولوجيا الهشة» هي آخِر الظواهر الكَمّية التي تُكْسِب المواد خصائص غريبة.

دافيديه كاستيلفيكي

  • Published online:
يبدو أن طبقات الجرافين المتراصة بشكل غير منضبط تُبْدِي ظاهرة تُعرف باسم «الطوبولوجيا الهشة».

يبدو أن طبقات الجرافين المتراصة بشكل غير منضبط تُبْدِي ظاهرة تُعرف باسم «الطوبولوجيا الهشة».

Juliette Halsey for Nature

لا تنفك الرياضيات الكامنة داخل المواد تزداد غرابة، فالحالات الطوبولوجية للمادة – التي تستمد خصائص غريبة من الحالات الكمية "المعقدة" لإلكتروناتها ­– سرعان ما تحولت من مصدر فضول نادر إلى أحد أكثر حقول الفيزياء إثارة للاهتمام. ويرى واضعو النظريات الآن أن الطوبولوجيا واسعة الانتشار، وينظرون إليها باعتبارها أحد أهم الطرق التي تفسر السلوك الذي يمكن أن تتخذه المادة الصلبة.

واكتشف علماء الفيزياء، خلال السنوات القليلة الماضية، نسخة "هشة" من الطوبولوجيا التي قد تحدث في جميع المواد الصلبة البلورية تقريبًا، وذلك وفقًا لما ورد في إحدى نُسَخ ما قبل النشر في مايو الماضي1. وتصف دراسة2 أخرى - نُشرت في يونيو الماضي - علامات على حالة هشة في إلكترونات جهاز كربوني، يمكن أن تكون أول دليل تجريبي على الطوبولوجيا الهشة.

ومِن المبكر للغاية أن نجزم بأنّ هذه الاكتشافات سيكون لها تأثير كبير على المواد المستخدمة فعليًّا، أم لن يكون لها تأثير، غير أن الباحثين يشيرون إلى أنها قد تساعد على تفسير أنواع معينة من القدرة على التوصيل الفائق، وقد تكون مهمة في علم الضوئيات، أي في التقنيات التي تخزِّن المعلومات في نبضات ضوئية، وليس في إلكترونات.

ويقول آشفين فيشواناث - عالِم الفيزياء النظرية، المتخصص في المادة المكثفة، بجامعة هارفارد في كامبريدج بولاية ماساتشوستس - إن أحدث الدراسات تظهر أن الطوبولوجيا الهشة "ليست مجرد مجال أكاديمي ثوري محير للغاية، ينغمس فيه العلماء"، ويضيف قائلًا: "إنني أجد صعوبة في مواكبة هذا المجال، على الرغم من أن عمره عام واحد فقط".

 إن الطوبولوجيا هي ذلك الفرع من الرياضيات الذي يتناول التشوهات التي تعيد تشكيل الأجسام باستمرار، في مقابل تلك التي تقطع الأجسام، أو تكسرها، بالطريقة التي يؤدي فيها قَطْع حلقتين متصلتين إلى فصل إحداهما عن الأخرى. وفي بعض المواد، قد توجد الإلكترونات في حالات كمية "معقدة"، وهذه الحالات يمكن أن تُبقِي الإلكترون مستمرًا في الحركة في اتجاه بعينه؛ لأن تعديل المسار سيقتضي تغييرًا مفاجئًا في حالته، أشبه بقَطْع عُقْدة. ونتيجة لذلك، تحتفظ المواد بخصائصها الفيزيائية المميزة، مما يجعل بعض المواد، التي تسمى «عوازل طوبولوجية» – على النقيض من أسمائها – موصلات مثالية في حوافها الخارجية، وفي الوقت نفسه يكون أغلب المادة عازلًا.

قد تشكِّل الموادُ ذات الخصائص "الطوبولوجية القوية"، التي تؤوي هذه التأثيرات القوية، نواةَ الحواسيب الكمية الطوبولوجية المستقبلية، التي يمكن أن تحل مسائل معينة بشكل أسرع بكثير من الحواسيب التقليدية.

تنشأ الخصائص الطوبولوجية القوية من سلوكيات غريبة في الحالات الكمية للإلكترونات؛ فنجد بعض الإلكترونات بدلًا من أن يتمركز حول ذرات فردية، كما يفعل في عازل تقليدي، فإنه في المادة الطوبولوجية يكون في حالة "عدم تمركز"، ويشترك في حالات كَمّية جماعية تغطي الجزء الأكبر من المادة.

وقد قَدَّرَ واضعو النظريات أن هناك مواد تمتلك إلكترونات "غير متمركزة"، ومع ذلك.. لا تُظْهِر خصائص طوبولوجية قوية. وبعبارة أخرى.. تمثل المواد ذات الخصائص الطوبولوجية القوية فئة واحدة فقط وسط تصنيفات هائلة من حالات عدم التمركز؛ من بينها تلك الحالات الإلكترونية المحصَّنة ضد الاضطرابات الصغيرة، لكنها مع ذلك لا تتمتع بالقَدْر نفسه من القوة الذي تتمتع به الحالات الطوبولوجية القوية. ويمكن جَعْلها طبيعية – على سبيل المثال - عن طريق تغيير الشوائب المختلطة في البلورة قليلًا. ويُذكر أنه في عام 2018 أطلق فريق فيشواناث على هذه الظاهرة اسم "الطوبولوجيا الهشة".

اكتشاف محير

في البداية، لم يكن علماء الفيزياء متيقنين من أهمية الطوبولوجيا الهشة، لكن هذه النظرة تغيرت بعد اكتشاف مذهل، حدث في عام 2018؛ إذ توصل علماء الفيزياء3،4 إلى أنه يمكن لطبقتين متراصتين من الجرافين - وهو شكل من أشكال الكربون، سُمْكه ذَرّة واحدة - أن تصبحا موصلتين فائقتين عندما تكونان متراصتين بشكل غير منضبط عند زوايا "سحرية" معينة، وتنقلا الكهرباء بمقاوَمة منعدمة. وسرعان ما قَدَّر فيشواناث - وغيره من العلماء - أن حالات إلكترونية بعينها في هذا الجرافين المنحرف تُظهِر خصائص طوبولوجية هشة. ويقول فيشواناث: "كنا نعتقد أن هذه الخصائص الطوبولوجية الهشة ليس لها استخدامات، إلى أنْ ظهر هذا الاكتشاف المذهل". وما زال هناك غموض في الوقت الراهن حول حقيقة أن الحالات الطوبولوجية الهشة تلعب بالفعل دورًا في جعْل الجرافين المنحرف موصلًا فائقًا. وفي حين أن الخصائص الطوبولوجية القوية تظهر بطرق معروفة، وقابلة للقياس، قد تظهر الخصائص الطوبولوجية الهشة بشكل غير ملحوظ، ويصعب قياسه.

ومع ذلك.. يقول بعض علماء الفيزياء إن الطوبولوجيا الهشة ستؤثر حتمًا على سلوك المواد، لأنها أكثر انتشارًا من الخصائص الطوبولوجية القوية. فقد أشارت دراسات إلى أن ربع المواد فقط يتمتع بخصائص طوبولوجية قوية، في حين أن جميع المواد تقريبًا لديه بعض الإلكترونات في حالات طوبولوجية هشة، حسبما أفاد علماء الفيزياء في شهر مايو الماضي1.

وقد بدأت أُولَى الإشارات التجريبية على الطوبولوجيا الهشة في الظهور مؤخرًا، حيث كشفت دراسة نُشرت في دورية Nature في يونيو الماضي عن دليل على طوبولوجيا هشة في طبقة مزدوجة من الجرافين غير المنحرف؛ إذ كان الباحثون يعكفون على صنع عازل طوبولوجي، عن طريق إقحام الجرافين بين طبقات مادة أخرى ثنائية الأبعاد، ثم استخدام مجال كهربائي. ومع تغيير شدة المجال الكهربائي، سَجَّل الباحثون الإلكترونات التي تتحرك عند حافة الجهاز، كما هو متوقَّع في العوازل الطوبولوجية، غير أن قياسات أخرى أظهرت أن ذلك قد لا يكون عازلًا طوبولوجيًّا تقليديًّا. ولذلك.. لجأ الباحثون إلى زميل متخصص في النظريات، أدرك بدوره أن هذا كان بمثابة أول إشارة تجريبية على حالة هشة طوبولوجيًّا.

يقول باري برادلين، عالِم الفيزياء النظرية من جامعة إلينوي في أوربانا-شامبين: "على الرغم من أنه لا يزال يتعين علينا معرفة ما إذا كان سيصبح للطوبولوجيا الهشة تطبيقات كثيرة، أم لا، إلا أن الأمر مثير للاهتمام بالنسبة إلى عالِم نظريات". كما يشير إلى أن هذه الطوبولوجيا الهشة "تتحدى العِلْم التقليدي" فيما يتعلق بالكيفية التي من المفترَض أن تعمل بها حالات الإلكترون في المواد.

References

  1. Song, Z., Elcoro, L., Regnault, N. & Bernevig, B. A. Preprint at https://arxiv.org/abs/1905.03262 (2019). | article
  2. Island, J. O. et al. Nature https://doi.org/10.1038/s41586-019-1304-2 (2019). | article
  3. Cao, Y. et al. Nature 556, 43–50 (2018). | article
  4. Cao, Y. et al. Nature 556, 80–84 (2018). | article
Affiliation