أخبار
المواد الأفيونية والإصابة بالعدوى في أمريكا
يسعى الباحثون في جميع أنحاء البلاد جاهدين، من أجل اكتشاف حالات تفشّي العدوى، وفهْمها.
- Nature (2019)
- doi:10.1038/d41586-019-02019-3
- English article
- Published online:
أدّت إساءة استخدام المواد الأفيونية - كالهيروين - إلى زيادة حادة في الأمراض، ومنها زيادة انتشار الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية، الأمر الذي يقوِّض جهود سنواتٍ من التقدم.
Credit: Spencer Platt/Getty
يودي إدمان المواد الأفيونية بأرواح عشرات الآلاف من الناس في الولايات المتحدة الأمريكية كل عام، ولا يلوح في الأفق ما ينبئ بتباطؤ هذا الاتجاه. والآن، يساور مسؤولو قطاع الصحة العامة القلق بشأن الزيادة الحادة في الإصابات البكتيرية والفيروسية المقترنة بإساءة استخدام المواد الأفيونية، الأمر الذي يهدد بتفاقم الأزمة.
تتضمن الزيادة ارتفاعًا غير مسبوق في العدوى البكتيرية - ومِن ذلك.. تلك التي تسببها بكتيريا المكورات العنقودية الذهبية Staphylococcus aureus، وهي بكتيريا كثيرًا ما تُظهِر مقاوَمة للمضادات الحيوية، وكذلك ارتفاعًا حادًّا في حالات الإصابة الجديدة بفيروس نقص المناعة البشرية، والتهاب الكبد الوبائي، المقترنة بتعاطي المواد الأفيونية، الأمر الذي يقوّض عقودًا من التقدم المُحرَز في مقاومة هذه الأمراض.
تعمل المجموعات البحثية في جميع أنحاء البلاد على اكتشاف حالات التفشي، وفهْمها، وعلاجها، غير أن نقص البيانات الموثوقة عن عدد الحالات الجديدة، والمواقع التي ستظهر فيها بعد ذلك، فضلًا عن الوصمة المرتبطة بتعاطي المخدرات، التي أحيانًا ما تمنع المصابين بالعدوى من التماس العلاج في وقت مبكر، كلها تمثّل عراقيل في وجه هذه الجهود.
تقارِن جوديث فاينبرج - طبيبة الأمراض المعدية بجامعة ويست فرجينيا في مورجانتاون - الأزمة الحالية بوباء فيروس نقص المناعة البشرية، الذي استحوذ على جهود هيئات الصحة العامة الأمريكية في الثمانينيات والتسعينيات، قائلة: "وكأن أزمة فيروس نقص المناعة البشرية تتكرر من جديد؛ فالأشخاص يتعرضون للوصم، ويشعرون بأنهم لا يستحقون الحياة، ويسمعون آخرين يقولون إن هذا اختيار لنمط الحياة".
وعلى مدار العشرين عامًا الماضية، ارتفع معدل تعاطي المواد الأفيونية – بما في ذلك مُسكِّنات الألم، التي تستلزم وصفة طبية، وكذلك الهيروين، والعقاقير التخليقية، مثل الفنتانيل – ارتفاعًا حادًّا في الولايات المتحدة. وفي عام 2017، كان هناك قرابة 15 حالة وفاة لكل 100 ألف شخص في البلاد، نتيجة لتعاطي جرعة زائدة من المواد الأفيونية، مقارنة بـ3 حالات وفاة لكل 100 ألف شخص في عام 1999، وذلك وفقًا لتقديرات المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها.
ينطوي أحد أنواع العدوى المرتبطة بالمواد الأفيونية - التي يخوض الباحثون معركة معها - على تلف صمامات القلب، إذ يمكن لبكتيريا مثل المكورات العنقودية الذهبية الدخول إلى مجرى الدم، نتيجة ممارسات غير سليمة، مثل الاشتراك في استعمال إبر الحَقْن، أو عدم تطهير الجلد قبل حَقْن المخدر. وإذا تمكّنت العدوى من الوصول إلى القلب، يمكنها إتلاف الصمامات؛ وقد تستدعي الحالات الخطيرة منها عملية زرع قلب.
في دراسة جارية، تضع عالمة الأحياء الدقيقة سيسيليا طومسون - في جامعة نورث كارولينا في تشابل هيل - تسلسلًا لحمض نووي مأخوذ من صمامات قلب لأشخاص خضعوا لجراحة استبدال صمامات اصطناعية بأخرى تالفة. وجدت طومسون أن الصمامات المأخوذة من أشخاص تعاطوا المخدرات عن طريق الحقن تكون أكثر عرضة للإصابة ببكتيريا المكورات العنقودية الذهبية، مقارنة بتلك الصمامات التي تعود إلى أشخاص لا يتعاطون المخدرات.
عَرَضَت طومسون نتائجها خلال اجتماع الجمعية الأمريكية لعِلْم الأحياء الدقيقة في سان فرانسيسكو في كاليفورنيا، وذلك في الواحد والعشرين من يونيو؛ ولم تكن هذه النتائج سوى آخِر الملاحظات التي تتوِّج ما يبدو أنه اتجاه مُقْلِق. ففي دراسة نُشرت في يناير1 2019، وجد الباحثون زيادة قدرها 13 ضعفًا في حالات الإصابة بعدوى أمراض القلب بين متعاطي المخدرات في ولاية كارولينا الشمالية بين عامي 2007، و2017. فحتى عام 2013، كان الجرّاحون في الولاية يُجْرُون أقل من عشر عمليات سنويًّا؛ لعلاج عدوى القلب ذات الصلة بالمخدرات، مقارنة بأكثر من 100 حالة في عام 2017.
يمكن كذلك للمواد الأفيونية ذاتها - بغَضّ النظر عن طريقة حقنها - أن تجعل الأشخاص أكثر عرضة للإصابة بالعدوى. ففي دراسة2 بحثية أخرى، نُشرت أيضًا في يناير، وتناولت أكثر من 25 ألف شخص عُولجوا في مَرافِق قُدامَى المحاربين الصحّية، بين عامي 2000، و2012، وُجد أن الأشخاص الذين تناولوا جرعات متوسطة أو عالية من المواد الأفيونية الموصوفة لعلاج الألم، كانوا أكثر عرضة بدرجة كبيرة للإصابة بمرض الالتهاب الرئوي. والسبب غير واضح، إلا أن الأبحاث التي أجريت على القرود تشير إلى أن بعض المواد الأفيونية التي تستلزم وصفة طبية، مثل المورفين، يثبط الجهاز المناعي3.
يتعلق الأمر بشبكة المعارف
يبذل الباحثون كذلك جهودًا كبيرة؛ لتوقع مواقع التفشّي المرتبطة بتعاطي المخدرات، حيث إنّ الأنماط التي تُظْهِرها تختلف عن تلك التي تُظْهِرها مواقع التفشي غير المرتبطة بالمخدرات.
وعلى جانب آخر.. وضع جورجي بوباشيف - عالِم البيانات بمعهد الأبحاث غير الهادف إلى الربح «آر تي آي إنترناشيونال»، بمتنزه مثلث البحوث بولاية نورث كارولينا، بالتعاون مع زملائه - نموذجًا حاسوبيًّا يحاكي متعاطي المخدرات وشبكاتهم الاجتماعية؛ للتنبؤ بمواقع محتمَلة لتفشي فيروس نقص المناعة البشرية. يراعي البرنامج عوامل معينة، مثل معارف المتعاطين، ونوع الهيروين المتاح لهم، الذي يمكنه التأثير على وجود مسببات المرض، وتجربتهم مع المخدر.
يقول بوباشيف إن العنصر الاجتماعي أمرٌ بالغ الأهمية للتنبؤ بأنماط التفشي، وإن الأشخاص الذين تعاطوا المخدرات أثناء ذروة وباء فيروس نقص المناعة البشري في التسعينيات تعلموا طرق الحقن الآمِن، ولكنْ من المرجّح أن يَستخدِم المتعاطون الجدد أساليبَ أكثر خطورة، مثل الاشتراك في استخدام إبر الحقن.
وفي تحليل غير منشور، يتنبأ نموذج فريق بوباشيف بأنّ تفشي فيروس نقص المناعة البشرية، المقترِن بتعاطي المواد الأفيونية، سيتركز في بؤر جغرافية صغيرة، ولن ينتشر على مساحات أوسع، مثلما كان الباحثون يتوقعون بشأن حالات التفشّي غير المقترِنة بالمخدرات.
تدعم البيانات المستقاة من الحياة الواقعية هذه النتيجة، إذ اتبعت حالاتُ تفشي مرض نقص المناعة البشرية المقترنة بالمواد الأفيونية السابقة - ومنها حالة حدثت في عام 2014 في مقاطعة سكوت بولاية إنديانا – النمطَ نفسه. وفي شهر مارس، أعلنت إدارة الصحة في ولاية فرجينيا الغربية عن تفشي المرض في مقاطعة كابيل، نتيجة ارتفاع حادٍّ في حالات إصابة جديدة بفيروس نقص المناعة البشرية، بسبب تعاطي المخدرات.
يقول كارلوس ديل ريو - الباحث في مجال الصحة العالمية بجامعة إيموري بأتلانتا في ولاية جورجيا - إن مفتاح إيقاف زيادة حالات العدوى المقترِنة بالمواد الأفيونية، ووضع حدّ لتصاعدها، يكمن في التعامل مع تعاطي المواد الأفيونية، بوصفه مرضًا، دون وَصْم مُتعاطي المخدرات.
بدأت مجموعة عمل بقيادة ديل ريو – في الأكاديمية الوطنية للطب في الولايات المتحدة - في وضع استراتيجية دمجٍ بين رعاية العدوى، وتعاطي المواد الأفيونية. يقول ديل ريو: "سوف يمثّل وباء المواد الأفيونية لطلبة الطب الشباب نفس ما مثّله لي مرض نقص المناعة البشرية. ومن الأفضل أنْ يألفوه".